LOGIN
المقالات
alshirazi.org
أزمة الفقر والإدارة السيّئة
رمز 353
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 23 فبراير 2017
شبكة النبأ: أينما يكون الفقر حاضراً، سوف تؤازره أنواع كثيرة ومترادفة من المشاكل، حتى يكاد أن يكون الفقر بمثابة الأب أو المنتج الأوّل للمشاكل بمختلف أنواعها.
لهذا السبب يؤكّد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته التوجيهية القيمة، على أن: (الفقر هو سبب الكثير من المشاكل بالدول الإسلامية).
نعم هنالك الكثير من الدول الإسلامية كان يمكن لها أن تعيش في درجة أمن اجتماعي أفضل، لو لا قلّة الموارد فيها، وضعف اقتصادها، لكن الطامّة الكبرى تكمن في بعض الدول الإسلامية والعربية التي لا تعاني من قلّة الموارد، بل تغص بالخيرات والثروات الطبيعية والجغرافية والبشرية، لكنها مع كل هذه الامتيازات الهائلة تعاني من فقر مدقع، أو بالأصحّ، تعاني النسبة الأكبر منها من الفقر، فيما تكتنز الأقليّة ثروات الشعب وتستأثر بها.
تُرى لماذا تصبح الدول الغنيّة بالثروات والموارد في عداد الدول الفقيرة، مع أنها تعدّ من أغنى دول العالم؟ الجواب هو سوء الإدارة الرسمية لهذه الثروات والموارد، وهذا يعود إلى فشل الحكومات وعدم استخدام الكفاءات الاقتصادية كما يجب، فضلاً عن الفشل في تطبيق إجراءات عادلة بخصوص فرص العمل وما شابه.
وهكذا تغصّ مثل هذه الدول بالمشاكل نتيجة للفقر الذي يحيط بها، علماً أن هنالك دولاً فقيرة لأنها لا تمتلك الثروات الطبيعية والبشرية، ولكن هناك دول فقيرة مع أنها غنيّة كما تم ذكره، وفي جميع الأحول ستكون المحصّلة للفقر مشاكل كثيرة وبعضها ربما يكون من النوع الخطير، ما يعني أهمية مواجهة الفقر بصورة حاسمة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول الربط بين الفقر والمشاكل: (قرأت في صحيفة إحدى الدول الإسلامية أنّ نسبة الشعب فيها ممن يعيشون تحت خطّ الفقر هي ثمانين بالمائة! ولهذا ترى كثرة المشاكل فيها. فإنّ الكثير من المشاكل التي تحدث، سببها هو الفقر).
العراق بين الحكم الملكي وما تلاه
في هذا المجال يعدّ العراق من البلدان الثرية بمواردها الطبيعية الكثيرة والكبيرة، فهو بلد زراعي بامتياز، حتى أنه كان يسمّى حتى وقت قريب بأرض السواد لكثرة البساتين والغلال والأراضي الزراعية فيه، حتى أنه في العهد الملكي ومع الاهتمام الحكومي بالزراعة، كانت المحاصيل وافرة بل غالباً ما تزيد عن حاجة البلاد الاستهلاكية، فيتمّ تصدير الكثير منها إلى الخارج مع تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب بأنواعها كالقمح والشعير والرز.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب في كلمته نفسها: (في العراق، في الخمسينيات، وبالذات في أيام الملكيّين، عندما كنّا نذهب من مدينة كربلاء المقدّسة إلى مدينة الكاظمية المقدّسة، كنّا نرى في الكثير من أطراف هذا الطريق وعلى جانبيه، الكثير من مزارع الحنطة والشعير، وعلى مدّ البصر. وكانت جرائد العراق، حينها، تكتب يومياً أخبار التصدير من العراق، وكان التصدير بكمّ هائل، كتصدير الحنطة والتمر والشعير والفاكهة وغيرها. أما اليوم والآن فانظر إلى وضع العراق!).
نعم إنّ الفارق بين الأمس واليوم بدا واضحاً للقاصي والداني، فلا زراعة في بلد الرافدين، وباتت الناس تأكل الغذاء المستورد، وماتت البساتين وجفّت الأراضي وترك الفلاحون مهنة الزراعة لينخرطوا فيما هو أسهل، حيث البحث عن الوظائف الحكومية وترك حرث وزراعة الأرض، فتغيّر الحال من حال إلى حال، وصارت بلد السواد، بلد القفر والجفاف.
كذلك في العهد الملكي لم يكن العراقيون حتى الفقراء منهم في مثل ما يعيشه فقراء العراق اليوم، فبالأمس كان الفقراء يأكلون اللحوم، أي بإمكانهم شراء اللحم مثل الغني ولكن بكميّة أقلّ، أما اليوم فالنسبة التي تقع تحت خطّ الفقر تقارب ربع سكان البلد، وهؤلاء من المستحيل عليهم شراء اللحوم، بل هم غير قادرين على شراء ما يسدّ رمقهم من الخبز، فكيف يشترون اللحم؟
إنّ أوضاع الناس الفقراء آنذاك لم تكن كما هو حالهم اليوم، في ظل إدارة سيّئة وعشوائية للموارد والثروات وانتعاش الفساد في المفاصل الرسمية المختلفة، ولا يمكن مجرّد المقارنة بين ما كان عليه العراق في العهد الملكي وما أصبح عليه الآن.
كما نستشفّ ذلك من قول لسماحة المرجع الشيرازي: (في تلك الحقبة من تاريخ العراق، أي في الخمسينيّات، كان الفقراء في العراق (والفقراء موجودين في كل بلد) غير محرومين من أكل اللحم، إلاّ أيام قليلة في السنة، بل وكان بإمكانهم أن يشتروا ويأكلوا اللحم يومياً ولكن بكمّية أقلّ من غيرهم من الأثرياء ومن أصحاب الدخل الجيّد والمتوسّط. فقد كان وضع العراق جيّداً بشكل عام. ولكن انظر اليوم إلى العراق ووضعه!).
لا خصام ولا تنافر إلاّ ما ندر
في تلك الحقبة لم يكن الفقر وحده أقلّ مما هو عليه اليوم، بل هنالك ما يتبع الفقر ونعني به المشاكل، فهذه بدورها انحسرت وقلّت نسبتها آنذاك، وعندما تقلّ المشاكل يسود الوئام بين الناس، وهذا بدوره يساعد على التفاهم والتقارب بين الجميع، فضلاً عن كونه يدعم منظومة القيم الجيّدة، منها على سبيل المثال ازدهار قيم التكافل والتعاون والتعايش، كما كان يحدث بين الناس على الرغم من الصعوبات التي كانت تكتنف حياتهم.
ونتيجة لانتشار حالة الانسجام بين الناس، كانت الحياة هادئة آنذاك، فلا مشاكل، ولا تناحر ولا صراعات بين الناس إلاّ ما ندر، بل هنالك تعاون وتقارب بين معظم الناس، وقد انعكس هذا الأمر على الوضع الاجتماعي بصورة مباشرة، وأثر بشكل إيجابي على المجالات الأخرى.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (من أسباب الوضع الجيّد في العراق في تلك الحقبة، أنك لم تك ترى حادثة نزاع بين الناس وأهالي المدينة والمحلّة والشارع الواحد، ولا حالة زعل، ولا تنافر، إلاّ نادراً جدّاً، وقليلاً جدّاً).
كذلك هنالك نوع من الرضا يسود الناس عن حياتهم، بحيث لا أحد منهم ينظر إلى ما يمتلكه الآخرون من المال أو فرص العمل وما شابه، وهذا دليل على قبول الناس بما قدّر الله تعإلى لهم، وهي ظاهرة جيّدة آنذاك، تعبّر عن مدى الإيمان الواسع والكبير الذي ينتشر بين النسيج المجتمعي، ما يؤثّر بطريقة أو أخرى على نسبة المشاكل لتصبح في أدنى درجاتها، والسبب كما يتّضح أن أغلبية الناس راضون على ما يمتلكون.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (كان الكثير من الناس، راضياً وقانعاً بمعيشته، ولا ينظر إلى ذاك وذاك ممن هو أحسن منه مالياً واقتصادياً. أي كان الكثير منهم ممن يصدق عليهم قول الإمام المعصوم صلوات الله عليه: (ورضّني من العيش بما قسمت لي).
وعن رؤية سماحته لما ستؤول إليه أوضاع العراق والعراقيين، يقول في كلمته نفسها: (لا شكّ، وإن شاء الله تعإلى، ستعود الأوضاع الجيّدة إلى العراق).
هذه الرؤية يتنبّأ بها سماحة المرجع الشيرازي للعراقيين كونه يستنبط النتائج مما يحدث من علاقات اجتماعية وسياسية واقتصادية في هذا البلد، لتنتهي بالنتيجة برؤية تفاؤلية تؤكّد أن المستقبل سيكون في صالح العراق بإذنه تعالى.