شبكة النبأ: من عجائب ما يحدث الآن في بلاد المسلمين ودولهم وحكوماتهم، أن قادتهم وحكوماتهم، يهملون تماماً، النماذج القيادية العظيمة التي سبقتهم في قيادة المسلمين، وأحسنت القيادة من جميع الجوانب، ومن أعظم وأروع هذه النماذج، قائد الدولة الإسلامية الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، الذي ضرب أروع الأمثلة في إدارة الدولة والأمة الإسلامية التي كانت تعدّ من أكبر دول العالم، حيث الرسالة الإسلامية كانت آخذة بالانتشار لتصل إلى أبعد بقاع العالم آنذاك.
القضاء على الجوع
يسعى العالم المدني راهناً، للقضاء على مشكلة مستعصية اسمها الجوع، فمع كل الإمكانيات الهائلة تكنولوجياً وعلمياً وعملياً التي يتوفر عليها عالمنا المعاصر إلاّ أن هناك مئات الملايين يعصف بهم الجوع في العالم وفقاً لتقارير رسمية مؤكّدة صادرة من منظّمات مستقلة معنية بهذا الأمر، ولكن قبل مئات السنين، حينما كانت التكنولوجيا غائبة، والإمكانيات العلمية والبشرية محدودة، في ذلك الوقت كانت دولة الإسلام في ظل قيادة الإمام عليّ صلوات الله عليه لا تشكو جوعاً ولا فقراً، لسبب بسيط جدّاً، أن القائد الأعلى (الإمام عليّ) يعي ما هو الفقر، وماهي تأثيراته على الناس وما مدى قسوته، لدرجة أن الإمام عليه السلام قال: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، ولا شكّ أن جملة عميقة كهذه لا تحرج من قائلها لو لا معرفته ومعاناته الشخصية ومعايشته للفقر بنفسه.
يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في أقوال مضيئة لسماحته: (لمجرّد أن يحتمل الإمام عليّ سلام الله عليه وجود أفراد في المناطق النائية من رقعة حكومته جوعى، لم يكن ينام ليلته ممتلئ البطن، وقد حرّم نفسه حتى من متوسط الطعام واللباس والمسكن ولوازم الحياة العادية).
هكذا كان يتعامل القائد مع شعبه, وهكذا كان حرصه عظيماً على الشعب، بل كان تعاطف الإمام عليّ عليه السلام مع شعبه، ينطلق من مبدأ إنساني بحت يتجلّى بوضوح من خلال الخطوات العملية التي يتّخذها القائد بحقّ شعبه، وهكذا يصل تعاطف الإمام مع الأفراد والجماعات إلى درجة يفضّلهم فيها على نفسه وعلى ذويه وحتى المعاونين المقرّبين منه، فلا امتيازات للعائلة ولا للمقرّبين ولا للذّات أيضاً، الشعب دائماً هو الذي يكون في مقدمة النيّات والأعمال التي يقوم بها القائد وحكومته.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إحدى خصال الإمام عليّ سلام الله عليه خاصة في فترة خلافته، تعاطفه مع الناس، ويتجلّى تعاطفه مع أفقر الناس من خلال عمله).
الموقف الإنساني من العدو
الأخلاق والمبادئ والالتزام بالحس الإنساني ملكة تنطوي عليها ذات الإنسان، وترفض المراوغة والخداع والنصب والاحتيال، لتتقدّم الأخلاق والمحاسن كل ما عداها من سلوكيات قد يتم تبريرها قادة اليوم، للفوز في الحرب أو سواها، أما الإمام عليّ عليه السلام فقد كان قائداً واضحاً أمام الجميع ومع الجميع، وكان يتعامل وفقاً لمبادئ الإسلام التي رفضت المراوغة، وطالبت بالوضوح كقاعدة للتعامل المتبادل.
لذلك لم يبدأ الإمام علي عليه السلام أعداءه بقتال، بل لم يقتص حتى من عدوه عندما ينكسر، وكان رحيماً مع الجميع حتى مع عدوه إلاّ إذا كان الأمر يتعلق بحماية النفس، وأصبح ليس هناك مفرّاً من القتال لحماية النفس.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يدفع من ناهضه وبارزه بالنصح والموعظة ما أمكن, وكان يسعى للحؤول دون وقوع الحرب وإراقة الدماء، سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية أو غيرها).
وهكذا ليس هناك مبادرة لإشهار السلاح أو إعلان الحرب، بل هناك نيّة قيادية إنسانية حقيقية لمعالجة الأمر بالتي هي أحسن، إلاّ إذا كان الأمر لا يمكن معالجته إلاّ بإشهار السلاح مقابل عدوّ لا يتراجع ولا يرعوي ويشهر سلاحه ويتقدّم إليك ليقضي عليك، عند ذاك ليس أمامك سوى رد السوء ودفع الضرر مجبراً لا مختاراً.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (ولكن إذا وصل الأمر بالطرف الآخر أن يهجم ويريد القتال قام الإمام سلام الله عليه بدور الدفاع لا أكثر، ولكن ما أن يتراجع الخصم أو ينهزم حتى يتوقّف الإمام عن ملاحقته ولا يسعى للانتقام منه، وهو سلام الله عليه لم يبدأ أحداً بقتال أبداً، وهذا الأمر مشهود في تاريخ الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه).
الحسرة من أجل الحياة
عندما يعرف أحدنا أن الموت صار حتمياً بالنسبة له، نتيجة مرض أو لأي سبب آخر، فإنه لا شكّ سيصاب بالحسرة على فقدانه للحياة، ولعل الأمر والسبب معروف للجميع، فكلنا نتعلّق بالحياة بسبب المال والبنون والجاه ومزايا الحياة الأخرى، أما الإمام عليّ عليه السلام فالأمر يختلف لديه تماماً، يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب:
(لو أبلغ أحدناً بخبر موته وكان متيقناً من صحّة الخبر.. لا شكّ أن أكثر الأشخاص سيتحسرون على فقدهم الحياة وفراقهم المال والأهل والولد، أما الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه حين أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك لم يتأسف أو يتحسّر ولم يحزن ولا فكّر إلاّ في أمر واحد وهو سلامة دينه!).
ولعل النزعة الإنسانية المتسامية للإمام عليه السلام تجعل الحياة والموت سيان بالنسبة إليه، ولعل الرأفة بالناس والرعية كانت إحدى أهم خصاله عليه السلام، لدرجة أن رحمة الإمام تطال حتى عدوه وقاتله ابن ملجم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (من شفقة الإمام أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه على الخلق أنه أوصى سلام الله عليه وهو على فراش الشهادة بإعطاء مقدار من الحليب الذي كان يتناوله كدواء إلى قاتله ابن ملجم، وأن لا يبخس حقّه في المأكل والمشرب والمكان والملبس المناسب، بل كان يطالبهم أن يعفوا عن ابن ملجم حيث قال لهم: إن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة فاعفوا، ألا تحبّون أن يغفر الله لكم).
هذه هي بعض خصال الإمام علي عليه السلام، أليس على قادة المسلمين اليوم وحكّامهم، أن يقتدوا بهذا النموذج القيادي الإنساني العظيم، الذي لم تستطع أن تأخذ من حكمته السلطة وسحرها ولو قيد أنملة؟