شبكة النبأ: (اعزموا على عمل الخير وإنْ كان صغيراً) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
عالم الإنسان منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا، يقوم على قطبين متقابلين أو متناقضين هم الخير والشر، وكل الأعمال الصالحة التي تقدّم خدمة للناس، صغيرة أم متوسطة أم كبيرة، تدخل في إطار مخرجات الخير وتنتمي إليه، أما ما يضرّ الناس ويسيء إليهم، قول أو عمل، صغير أو كبير، فهو يدخل في دائرة الشر.
انطلاقا مما جاء في أعلاه، يجب أن يحرص الإنسان كل الحرص على تقديم عمل الخير بغض النظر عن حجمه أو نوعه أو مدى الفائدة التي يقدمها للآخرين، فمن يقدّم عملا صالحا بسيطا أو صغيرا، فإنه يبدأ خطوته الأولى في هذا الطريق، وسوف يتعلّم ويتعوّد على مثل هذه الأعمال الخيرية التي تدخل في إطار البناء الصحيح لكل المجتمعات.
لذا فاعل الخير له عقبى حسنة بغض النظر عن تقديمه لأعمال خير كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، ولكن كل وفق ما يستحقه من ثواب، ولعل أهم المخرجات التي يقطفها الناس من ذهابهم إلى عمل الخير ونشرهم لهذا النوع من السلوك والثقافة، أنهم يشاركون في بناء إنسان ناجح سليم العقل والقلب والتصرّف، وبالتالي فهؤلاء يصنعون مجتمعا ناجحا.
في هذا النوع من المجتمعات يغيب الظلم، وتسود الرحمة، وتتربع الأخلاق على قمة العلاقات الاجتماعية المتبادلة، فتترسخ قيم وأخلاقيات حافظة للفرد والمجتمع من الانزلاق في متاهة الانحراف والأعمال المسيئة للنفس وللآخرين، من هنا يجب نشر ثقافة (عمل الخير) بين الجميع، وتربية الصغار على هذه الثقافة لأنها خطوة البداية لصناعة مجتمع ناجح.
يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): «وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف تقي مصارع الهوان».
الصدقة تأتي بمعنى المساعدة والمعاونة على تذليل مصاعب الحياة أمام الناس، فالحاجة المادية تذل من يعاني منها، وحين تقف إلى جانب من يحتاجها، فإنك تقوم بعمل كبير يعود عليك بالفائدة أولا ومن ثم على الآخرين، على العكس من ذلك فإن الأعمال التي تدخل في دائرة الشر كبيرها أو صغيرها، يضعف المجتمع، ويدمر القيم، ويفشي سوء الأخلاق، ومنها حين يعقّ الأبناء آباءَهم، أو يقطعوا أرحامهم، فإنهم بذلك يضرّون أنفسهم قبل غيرهم.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم (العلم النافع):
(إنّ عاقبة عمل الشرّ خصوصاً عقوق الوالدين وقطع الرحم هي تقريب أجل المرء، وعمل الخير وخصوصاً برّ الوالدين وصلة الرحم ينسئ الأجل، كما ورد ذلك في الأحاديث الشريفة).
لماذا يُبتَر عمْر الإنسان؟
هكذا يعود عمل الخير بالفائدة على الفرد، ومن ثم يتصاعد ليشمل مستويات ودوائر اجتماعية أوسع كالعائلة، أو العشيرة، أو المنطقة السكنية، أو المدينة، لأن فعل الخير ينتقل بسرعة كبيرة بين الناس، ويحدث نوع من المنافسة فيما بينهم، فالأطفال مثلا حين يبصرون آباءهم يبادرون بمساعدة الآخرين والتعامل معهم وفق الشعور الإنساني الذي يلزمهم بمساعدة الناس، إنما يشبّون على هذا النوع من السلوك والقيم.
بهذه الطريقة يصنع الآباء والأمهات أولادا صالحين (ذكورا وبنات)، لاسيما حين يبادرون دائما في مدّ يد العون لمن يحتاجها، ويزرع هذه الثقافة في نفوس وعادات وسلوكيات الأبناء، فلا يتردد عن مساندة الجميع، الآباء أو الجيران أو غيرهم، المهم أن تشمل المساعدة والمعاونة وفعل الخير جميع الناس ممن يحتاجها وبلا استثناء.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد هذه النقطة فيقول:
(ينبغي لكلّ فرد أن يعزم على عمل الخير مهما كان وبقدر ما يستطيع ويتمكّن، ولا يترك ذلك، سواء كان للوالدين أو الأقارب أو الجيران أو شركاء العمل وغيرهم، ولا يتوانى في تقديم الخدمة لأيّ أحد من الناس).
في مقابل ذلك، لابد أن يترك الناس كل فعل أو عمل أو قول أو سلوك يدخل في دائرة الشرّ أو يدعمه، ويمنحه الدعم والاستقواء على الآخرين، هذا الأمر ليس صحيحا البتّة، وهو بالنتيجة يؤدي إلى (بتر عمر الإنسان)، أي تقصير عمره، في حين أن عمل الخير يؤدي بالنتيجة إلى إطالة عمر القائم به.
هذه الكلمات والأقوال مثبتة فعليا بالتجارب والأحداث والموافق الموثّقة، ففي دراسة علمية قام بها علماء نفس مختصون حول النتائج التي تنعكس على فعل الخير وفعل الشر، تأكد أن أعمار الذين يفعلون الخير أكبر من أقرانهم الذين غطسوا في أعمال الشر حتى النهاية.
لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(من المهم ترك جميع صور الشرّ من ظلم وإيذاء وما شابه ذلك، لأنّ عمل الشرّ يحيق بالإنسان ـ والعياذ بالله ـ. فعمل الشرّ يبتر عمر الإنسان، وعمل الخير يطيله).
الشباب وثقافة المبادرة والتعاون
أما قضية البلاء الذي يتعرض له الإنسان، فإنه بحسب العلماء من رجال الدين، قد يأتي تقديرا من الله سبحانه وتعالى حتى يكون هناك سببا لرفع قيمة هذا الإنسان، وهو في هذه الحالة من الفائزين، وعلى خلاف ذلك فهناك أناس يتعرضون إلى البلاء كنتيجة طبيعية لتقصيرهم في هذا الأمر أو ذاك، منها على سبيل المثال قطع الرحم، فهو يؤدي إلى تقصير عمر الإنسان، وهو أمر مثبت من خلال الشواهد القائمة على الأرض.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (ما يصيب الإنسان أحياناً من بلاء أو مشكلة قد يكون تقديراً من الله تعالى لرفع الدرجة في الآخرة، وقد يكون لتقصير أو لمعصية أو لظلم أو لقطع رحم).
تُرى كم نحن بحاجة إلى نشر مثل هذه المناهج التربوية السلوكية في مجتمعنا، بالأخص بين شبابنا، فإن هم تربّوا على التعاون والتكاتف والمبادرة إلى مساندة الآخرين في عوزهم وفاقتهم، أو في أية مواقف أخرى تحتاج إلى الدعم والمشورة والإسناد المعنوي أو المادي، فإننا سوف نعيش في مجتمع تميل الغالبية منه إلى عمل الخير، وبهذه الطريقة سوف يُهزَم الشر، ويتراجع فاعلوه ويتناقصون يوما بعد آخر.
لنصل إلى مجتمع متناسق، يقوم على معادلة النجاح الاجتماعي المؤكّد التي تنص على (كثرة أعمال الخير تقلل وتحاصر أعمال الشر والقائمين بها)، وهذا ما يدعو الجميع والشباب والأحداث منهم بصورة أكبر، إلى الابتعاد التام عن أعمال الشر، حتى الصغيرة منها، ودعم أعمال الخير حتى الصغيرة منها، فإذا أصبحت هذه المعاني ثقافة وسادت سلوكا بين الناس، فإننا سنكون في ربوع مجتمع يحتوي على كل مواصفات النجاح والاستقرار.
لهذا يركّز سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على هذه النقطة قائلا:
(ليحاول الجميع ـ خصوصاً الأحداث والشباب ـ أن يعزموا على ترك الشرّ وإن كان صغيراً، فالعزيمة على ذلك تقلّل من ممارسة عمل الشرّ. واعزموا على عمل الخير وإن كان صغيراً، فالعزم على ذلك يزيد من توفيق عمل الخير).
عمل الخير يمكن أن نتعلمه، وعمل الشر يمكن أن يصيبنا من آخرين كالعدوى، لهذا يجب أن نتعلم عمل الخير من النماذج الصالحة التي نلاحظها في المجتمع، كما أننا يجب أن نبتعد ونتجنب أعمال الشر ومن يقوم بها، وحتما أننا تعرضنا في حياتنا إلى هذين النوعين من الأعمال، (خيرا وشرّا)، بمعنى أننا لابد وأن جرّبنا النوعين في حياتنا، فإن فزنا بدعم الخير والأخيار، علينا أن نتعلم منهم ونقوم بما قاموا به، وحتما أننا عانينا من الشر وأصحابه، وعلينا أن نتجنب أن نكون مصدرا لشرٍ يُلحَق بالآخرين.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(كلّ ما يُصنع بكم ورأيتموه خيراً فاصنعوا مثله لغيركم، وكل ما رأيتموه شراً لكم فاجتنبوا فعله للآخرين).
الهدف مما تقدّم هو صناعة مجتمع ملائم، قائم على أعمال الخير، ومحاصرة أعمال الشر إلى أقصى حد ممكن، فبهذه الطريقة التي يجب أن يشارك فيها الجميع وفق سبل صحيحة ومدروسة، يمكننا صنع مجتمع نموذجي، تقوم علاقاته وتعاملاته المختلفة على قيم الخير، لكي نصل بالنتيجة إلى سعادة الدنيا التي يمكنها أن تقودنا إلى سعادة الدار الأخرى بجدارة.