LOGIN
المقالات
alshirazi.org
وحدة إسلامية أم اصطدام بالمجتمع؟
رمز 113
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 3 فبراير 2013
كتب: ياسر محمد
في الوقت الذي بدأت تنشط فيه التيارات المنحرفة والإلحادية في مجتمعاتنا وبدأت ترمي بظلالها على شباب الأمة الإسلامية، لازال أفراد مجتمعنا ينشغل في الوقوف ضد كل ما يقف حائلاً أمام أي مشاريع يتبنونها من خلال الإثارات المتكرّرة وتضخيمها في الإعلام الإلكتروني من دون التصدّي للأخطار والمدخلات الكبرى.
وقد ساهمت الخطابات والكتابات التي تقف ضد بعض الاعتقادات والأفكار لدى الناس بما تحمله من نبرة استهجانية بالمجتمع في تأصيل عدد من المناسبات والبرامج الدينية التي لم تكن بالحجم المتعارف عند عامة الناس. فلم يكن الحديث والخطاب مستوعباً للاختلافات الفكرية والدينية في المجتمع، بل منفّراً وقائماً على محاولة محو العقبة الكؤود بالجبر والإكراه. ولا يعني كلامنا غلق باب المراجعات أوتنقيح التراث مما هو مكذوب أو مدسوس فيه بالأساليب العلمية من قبل المختصين في مثل تلك المجالات، ولسنا من دعاة الجمود الفكري أو التحفّظ في كل ما هو جديد.
فبعد إخفاق وفشل مشاريع الوحدة الإسلامية في محيطنا والعالم الإسلامي عموماً والتي أخذت شوطاً لا بأس به مع التيار الديني في الطرف المقابل دون نتائج حقيقية، أصبح من الواضح ضرورة تغيير البوصلة والمفاهيم واللجوء والاستقواء بتيارات غير دينية يمثّلها ظاهراً الدينيون, وباطنها وأفكارها مستوحاة من تيارات ومذاهب هي محل تأمّل ونظر.
ولم يكن مستغرباً خلال الفترة القريبة السابقة محاولة إشغال المجتمع بل والعمل على تقسيم كل جماعة إلى جماعات عدّة عبر تتبع المحاضرات الدينية وتصيد ما يمكن العمل على إثارته وضرب المجتمع ببعضه البعض وبثّ الكثير من المعلومات المنقوصة والعمل على إبرازها.
وقد حاول البعض الإيهام والإدعاء بأن خطاب المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, في اشتراطه للوحدة الاسلامية أن تكون تحت راية أهل البيت صلوات الله عليهم, ليس من مباني الوحدة واشتراطاتها, وأنه يخالف رأي أخيه المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي قدّس سرّه, ويبعث على تفرقة الأمة. فهناك من كان شغله الشاغل إقتباس عدّة عبارات منقوصة من كتب الشيرازي الراحل دون إيضاح الاشتراطات الأساسية فيما كتب فيه حول الوحدة الإسلامية والأمة الواحدة وغيرها ليخيل للقارئ أن شروط الوحدة لدى الشيرازي الراحل مخالفة للواقع المعاصر واطروحاته المختلفة. ذلك أن المرجع الراحل تناول عدّة قضايا وفي عدد من الكتب, يحصل أنه يمرّ مرور الكرام في حديثه حول فكرة معيّنة يكون قد تطرّق إليها مفصّلاً بأدلتها واشتراطاتها في كتب أخرى، إلاّ أن هناك من أخذ عموم الكلام وآثاره ولم يرجع للتأصيل والتفصيل.
ويتضح مما كتبه الشيرازي الراحل في عدّة من كتبه, ومنها على سبيل المثال لا الحصر كتاب (فاطمة الزهراء أفضل أسوة للنساء) بأن أهل البيت هم النظام للأمّة في الأحكام والعقائد والأخلاق وسائر المعاملات بل ذهب إلى أبعد من ذلك حينما تحدّث عنه كشرط للحكم السياسي ولا يكون ذلك وغيره إلاّ تحت راية أهل البيت صلوات الله عليهم, وهو نفس الاشتراط الذي يذهب إليه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله, وغيره من المراجع المعاصرين.
يقول في كتابه: (طاعة المعصومين صلوات الله عليهم نظام للأمة: وأما بالنسبة إلى الحقل السياسي فقد أشارت فاطمة الزهراء صلوات الله عليها إلى نقطة جوهرية في الحكم، وذلك في خطبتها الشريفة وضمن بيانها لفلسفة الأحكام حيث قالت: (وطاعتنا نظاماً للملّة). فاذا أراد الناس النظام والسعادة الدنيوية أيضاً، فعليهم بطاعة أهل البيت صلوات الله عليهم. وإنما كانت الطاعة لأهل البيت صلوات الله عليهم نظاماً للأمّة في أحكامها وعقائدها وأخلاقها ومعاملاتها وسائر شؤونها. ولا بأس هنا ببيان بعض التوضيح لسياسة الرسول صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم ليعلم مدى صحّة قول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها: (وطاعتنا نظاماً للملة).
إنّ الحكم الإسلامي الذي كان يتمثّل في رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه, والتي أكدت عليه فاطمة الزهراء صلوات الله عليها في خطبتها الشريفة، يضمن للأمة الحريّة والسعادة, بخلاف الانحراف، فإنّ الانحراف عن سياسة الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم هو انحراف الإيمان والأخوة الإسلامية والحريّات المشروعة، بل هو ضرب للكفاءات، وتعميم للاستبداد بعدم الاستشارة وعدم التساوي وما أشبه ذلك، وهذا يوجب تأخّر الإنسان وتشتّت الأمة، فإنّ نتيجة الانحراف ترجع أولاً إلى صاحبه ثم غيره، فالانحراف يوجب عدم التمكّن من التقدّم في مختلف ميادين الحياة). ويقول أيضاً قدّس سرّه في كتابه (دور الاستعمار في تفكيك الأمّة): (إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون، ويمكن أن يستفاد من الآية ضرورة تمسّك الأمّة بالحقّ في المعتقدات وعدم تشتتهم في العقائد فهم أمة واحدة، ولايجوز أن يختار كل واحد منهم وبحسب هواه معتقداً وديناً وشرعاً، بل على الكل أن يتبع القرآن الكريم والرسول العظيم صلى الله عليه وآله والإمام أميرالمؤمنين صلوات الله عليه والأوصياء الطاهرين صلوات الله عليهم).
فغريب أمر من يأخذ بشيء ويترك شيء آخر، فحتى على مستوى الاستشهاد بروايات ومواقف أهل البيت صلوات الله عليهم أصبح الأمر يخضع للمقولة الداعمة لترويج فكرة ما بالأخذ من إمام دون سائر الأئمة صلوات الله عليهم, وفي موقف دون بقية المواقف, بعيداً عن النظر لحيثيات المرحلة التاريخية والسياسية آنذاك أو الخروج بنظرة شاملة لمواقفهم صلوات الله عليهم، والكلام والشواهد والمغالطات طويلة في هذا الحقل.
ثم أن هناك من غالط الآخرين بإيهامهم بأن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله تبنّى اسبوع البراءة ليضرب اسبوع الوحدة, وأنه لا يتبنّى الوحدة الإسلامية, وغيرها من السفاسف التي لو رجعوا لكتاب سماحته (السياسة من واقع الإسلام) وتأمّلوا في اشتراطاته للوحدة والتعايش في توجيهاته لعرفوا المعنى الصحيح (راجع من عبق المرجعية).
ثم أن المغالطة الكبرى هي الترويج حول أن اسبوع البراءة كان في نفس زمان اسبوع الوحدة, وهذا ما لم يكن أصلاً.
ويتحسس دعاة الوحدة الحديثة من الوقوف على بعض الشخصيات أو الحديث عنها كما ينقل التاريخ. وهنا يتحدّث الإمام الشيرازي الراحل في المجلّد الثالث من موسوعة (من فقه الزهراء) في تفسيره لخطبة السيدة الزهراء صلوات الله عليها, واستخلاص الأحكام منها بقوله: (بناءً على التأسّي به صلى الله عليه وآله فالأصل في المعارك الدائرة على جبهات الكفر والإيمان أن تركّز الضربات على (أئمة الكفر) ورؤوس الضلال، وهو أمر عقلي قبل أن يكون نقلياً، إذ أن دعائم الكفر لو تقوّضت, تقوّض ما يقوم بها, دون العكس عادة، وعليه أيضاً أن يضرب على الوتر الحساس ويأخذ بخناقهم و يصيبهم في مقاتلهم دون أن يشغل نفسه بالهامشيات وبما لا يبلغ منهم مقتلاً) فـ(يجب القضاء على (أئمة الضلال) كما فعل صلى الله عليه وآله، فإن (ينكث الهام) أي يضرب الرؤوس أي (رؤوس أئمة الضلال وقادتهم) حتى ينفصل الاتباع عنهم، فيتمكّنوا من تقرير مصير أنفسهم بأنفسهم، فيتركوا وشأنهم ـ أي من دون ارتباط بقادة الضلال ـ ليختاروا ما هو مقتضى عقولهم وفطرتهم). فهل هذا المسلك يختلف عن مسلك مختلف مراجع الدين في زماننا المعاصر؟
إنّ لكل مرحلة في الحياة أحداثها وفرص يتطلّب استثمارها والعمل عليها مادامت الفرصة مواتية، فالإمام الشيرازي الراحل كان في كل مرحلة له موقف شرعي كما كان في فترة محاربته للشيوعيين. فإذا كانت الوحدة الحديثة لا تقوى على احتواء الآراء الداخلية بما تحمله من توجّهات ودائماً ما تصطدم بالمجتمع عبر الخطب والكتابات من أجل إنجاح الوحدة في خارج منظمة المذهب الواحد فهي سياسة مغلوطة ولن يكتب لها النجاح أبداً.