LOGIN
المقالات
alshirazi.org
دولة العدالة والتوزيع العادل للثروات
رمز 97
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 15 نوفمبر 2012
شبكة النبأ: الثروات الموجودة في أرض البلد، أي بلد كان، ومهما كانت قيمتها وأنواعها، هي ملك الشعب، وهذا الأمر يتفق عليه الجميع، لأنه لا خلاف عليه، لا في الأديان ولا الأعراف ولا الأخلاق ولا الشرائع، من هنا كان الصراع غالباً ما يحدث بين الحكّام والشعوب، نتيجة لاستئثار الحكّام بثروات الشعب، والتجاوز عليها وعدم تحقيق شرط العدالة في توزيعها، الأمر الذي يجعل من الدولة بعيدة عن تحقيق هدف المساواة الأساسي في بناء دولة ناجحة.
لذا من المستحيل بناء دولة العدالة في ظل حكومة لا تعدل في توزيع الثروات الوطنية على شعبها، وقد عانى المسلمون والعرب في دولهم، من الأنظمة المستبدّة التي لم تحقّق شرط العدالة في إعطاء المواطنين حقوقهم، وغالباً ما يبدأ الخرق القانوني من رأس الدولة (رئيس الدولة أو الأمير أو الملك) وعائلته وحاشيته ومعاونيه، حيث يحكمون الناس بالحديد والنار، وكل من يطالب بحقّه العادل بثروته، يجد نفسه أمام وسائل عديدة للقهر، منها الإعدام والنفي والتشريد والتعذيب والإقصاء, وما إلى ذلك.
سياسة العطاء والعدل
إنّ التاريخ مليء بالتجارب السياسية التي تؤكّد أهمية العدالة في توزيع الأموال على الشعب، ومنها ما كان موجوداً فعلياً في حكومة الدولة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وآله, حيث كانت سياسة العطاء تشمل الجميع دونما استثناء، فلا فرق بين الناس على أساس العرق أو الدين أو العشيرة أو المنطقة، إذاً الكل سواسية في هذا الأمر، بل حتى أعداء الرسول صلى الله عليه وآله, كانوا يستلمون حقوقهم مثل غيرهم من المناصرين أو المسلمين.
يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه القيم الموسوم بـ(السياسة من واقع الإسلام) في هذا المضمار: (كان رسول الله صلي الله عليه وآله مضرب المثل في العطاء والكرم والجود، حتى قيل عنه: إنّه يعطي عطاء من لا يخاف الفقر. فكان يعطي للمهاجرين. ويعطي للأنصار. ويعطي لأهل المدينة. ويعطي لأهل القرى والأرياف. ويعطي للمسلمين. ويعطي للمنافقين. ويعطي للكفّار أيضاً، تأليفاً لقلوبهم وردعاً لهم عن المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين).
وقد كسبت الحكومة الإسلامية تحالف حتى أعدائها بسبب سياسة العطاء التي كانت تشمل حتى الأعداء، وأتباع الأعداء أيضاً، فليس هناك ضير في أن تكسب أعداءك حتى لا تتعرّض لضغوطهم وتحدّياتهم التي قد تضعف من الدولة وتقف حجر عثرة أمام تقدمها، لهذا كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: إن (السياسة الإسلامية في تأليف الأعداء، وأقوام الأعداء، وأتباع الأعداء .. يجب أن يتبعها كل من يسير على خط رسول الله صلي الله عليه وآله).
ديون القادة العظام
مؤكّد اننا نستغرب عندما نسمع أو نقرأ بأن قائد الدولة الفلانية العظمى، الدولة التي هزّت الدول والأمم الأخرى، يموت وهو مديون للآخرين!!، إن أبسط التفسيرات عن هذه الحالة، تؤكّد عظمة هؤلاء القادة، وتخلّي ذمّتهم تماماً من أي حالة تجاوز على ثروات الشعب أو المال العام، وهو أمر نادر إلى درجة الصفر في حكومات اليوم التي تسمّي نفسها إسلامية، حيث أثبتت الوقائع البعيدة والقريبة ان الحاكم الأعلى هو السارق الأعلى لثروات الفقراء في الدولة، كما لاحظنا مع القذافي وبن علي التونسي وحسني مصر وغيرهم, لا يوالون اليوم في عرش السلطة وهم يسرقون شعوبهم، ويبتعدون كليّاً عن سياسة العطاء الصحيحة، فتبدو الدولة التي يحكمونها بعيدة كل البعد عن العدالة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (من جزيل عطائه صلي الله عليه وآله ما حفظ التاريخ عنه، أنه صلي الله عليه وآله عندما رحل عن الدنيا كانت درعه مرهونة على نفقة أهله). ويضيف سماحته قائلاً أيضاً في السياق نفسه: (فقد روي في - قرب الأسناد- عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه أبي جعفرٍ الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله لم يورّث درهماً ولا ديناراً، ولا عبداً ولا وليدة، ولا شاة ولا بعيراً، ولقد قبض صلي الله عليه وآله وإن درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً شعيراً استلفها نفقة لأهله).
وغالباً ما يقوم قائد الدولة الإسلامية الأعلى الرسول صلى الله عليه وآله، بتوزيع جميع ما يتوافر من أموال في بيت مال المسلمين وينسى ذويه وعائلته، وهو أمر يدل على غياب الاستئثار تماماً، بل التنازل حتى عن الحقّ الطبيعي بثروة البلد للعائلة، وهذا مثال نوجّهه لقادة اليوم الذين لا يتورّعون قيد أنملة عن سرقة أموال شعوبهم ولا ينتهجون من بعيد أو قريب سياسة عادلة في توزيع الثروة على الناس.
يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (كان صلي الله عليه وآله يعطي كل ما يحصل لـه من أنعام، وذهب، وفضّة، وطعام.. وغير ذلك، حتى لا يجد ما ينفقه على عياله). ويضيف سماحته قائلاً: (كان رسول الله صلي الله عليه وآله بالرغم مما كان يجبى إليه من الغنائم والهدايا بالملايين والملايين، مع ذلك كان مديوناً غالباً، وكثيراً ما كان يستدين لهذا وذاك). الأمر الذي يدلّ بصورة قاطعة على ان قائد الدولة الإسلامية العظمى، ينتهج العدالة في توزيع الأموال لكي يحافظ على الدولة الإسلامية من الضعف ويبقي عليها قوية متماسكة من خلال سياسة العطاء التي لا تستثني حتى الأعداء، وما أثبت هذه السياسة المديونية التي لازمت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مع انه قائد الدولة. لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب: (حتى إنّ أمير المؤمنين عليه السلام جعل أناساً ينادون في أيام الحجّ في الشوارع والطرقات ويعلنون للناس بحثاً عن ديون رسول الله صلي الله عليه وآله ليؤدّيها).