
تعريب: علاء الكاظمي
مقدّمة
جاء في القول المشهور: (الإسلام محمّدي الوجود، حسيني البقاء).
لقد تحقّق الإسلام وصار له الوجود الخارجي عبر نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. ولكن وبما أن الله تعالى قد جعل الدنيا دار امتحان، وأن جميع الخلق يجب أن يمتحنوا، فقد أظهر بعض الناس إسلامهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يؤمنوا حقّاً، بل أبطنوا النفاق.
المنافقون هم العدوّ
كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله من المنافقين، كما بيّن ذلك القرآن الكريم في آيات عديدة، وفي سورة سمّاها بالمنافقين، حيث خاطب الله تعالى فيها نبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله: «هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ»(سورة المنافقون: الآية4). وهذه الآية الكريمة تتضمّن ثلاث كلمات هي في غاية الحدّة والقطع، ولا نجده مثلها في القرآن إلاّ قليلاً، بل قد تكون فريدة. فالكفّار، وحسب هذه الآية الكريمة، في عدواتهم لا يبلغون مرتبة المنافقين، لأن عبارة: «هُمُ الْعَدُوُّ» تفيد الحصر. وتستمر الآية الكريمة بقوله تعالى: «فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ».
بما أنه يجب على الكل أن يمتحنوا، فإن هذه الجماعة المنافقة، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، استحوذوا على زمام الأمة، التي كان الكثير منها ممن وصفهم القرآن الكريم: (أكثرهم لا يعقلون)، ووصفهم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بـ: (همج رعاع)، وأبعدوهم عن الإسلام الحقيقي وأضلّوهم عنه. وهذه الحالة استمرت إلى يومنا هذا. فتلك الجماعة المنافقة اصطنعوا باسم الإسلام أموراً لا يمكن عدّها أو اعتبارها حتى من الكفر، بل هي أسوأ من الكفر. ولذا أقول للعالمين، بالأخصّ العلماء والمثقّفين، وباقي فئات المجتمع، عليكم بمطالعة التاريخ بدقة وتأمّل.
أظلم من فرعون ونمرود
لقد ظلم فرعون كثيراً وكذلك نمرود وشدّاد. وكذلك مارس الظلم كثيراً كل من أبي سفيان وأبي جهل، ومَن كان على شاكلتهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن لا يبلغ ظلم هؤلاء ظلم الذين حكموا باسم الإسلام، أمثال بني أمية وبني مروان وبني العباس. فالحكّام الكفرة لم يرتكبوا ما ارتكبه معاوية في يوم واحد، وهو ذبحه لأكثر من ثلاثين إنسان من الرجال والنساء والأطفال، وحرقهم. وهذا ما ذكرته المصادر التاريخية للخاصّة والعامة عن واحدة من أفعال معاوية الذي كان يسمّي نفسه خليفة المسلمين، وحكم باسم الإسلام.
من مخازي بني أمية
ذكروا عن أحد حكّام بني مروان وهو عمر بن عبد العزيز، قوله: (لو جاءت كلّ أمّة بشقيّها وجئنا بالحجّاج لغلبناهم) البداية والنهاية: ج9، ص139. وهل تعلمون مَن كان الحجّاج؟ لقد كان ممثّل أو والي ماسمّي بخليفة المسلمين وهو عبد الملك بن مروان، الذي حكم باسم الإسلام! فكان هذا الأخير يتظاهر بالإسلام وبالصلاة وبالصيام وبالحجّ. وهكذا كان مَن حكم قبله وبعده، ولكنهم لم يتوانوا عن ممارسة الظلم باسم الإسلام أبداً، وأظلموا كثيراً.
اكشفوا حقائق التاريخ
أنا لا أريد أن أشرح أو أن أبيّن لكم التاريخ، فأنتم أهل العلم والفضل والتحقيق لكم دراية بالتاريخ، ولكن الهدف من ذكري لهذه النماذج من التاريخ، ليعرف من يسمع كلامي أو من سيسمعه بالمستقبل، أن هذه الجماعة الظالمة وأتباعها ليسوا من الإسلام الحقيقي الذي أتى به النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله. ولذا عليكم أنتم أهل العلم، أن تسعوا إلى نجاة الناس كافّة، حتى الناس في الغرب الذي يعتبرونه مهد الحرية، وأن تبيّنوا لهم الإسلام الأصيل والحقّ. وكذلك على المثقّفين وطلاّب العلم، أن يطالعوا التاريخ، لكي يضعوا حلاًّ لمستقبل البشرية، كل حسب قدرته. وأسأل الله عزّ وجلّ، بحكمته البالغة، أن يعجّل في فرج مولانا الإمام بقيّة الله المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لكي ترتفع مشاكل البشرية كلّها. علماً بأن ساعة الظهور الشريف خافية علينا، ولا نعلم متى يتحقّق هذا الفرج وهذا الأمل. يوجد اليوم مئات الملايين من المسلمين، وجلّهم يأخذون الأحكام الشرعية من كتب استندت في بيان الأحكام على ما روي عن خالد بن الوليد، وهارون العباسي، والمتوكّل العباسي، وأمثالهم. فيجب أن نبيّن لهم وللعالمين ان اسلام خالد بن الوليد وهارون والمتوكّل يختلف ويفرق كثيراً وكثيراً عن إسلام رسول الله صلى الله عليه وآله، بل هو في تضاد معه، وهو إسلام بالاسم فقط، بل هو أسوأ من الكفر ومن أعمال الكفّار، أيضاً.
ثمن بقاء الإسلام
لقد كان ثمن خلود الإسلام هو دم مولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه. وعن أهمية وقيمة هذا الدم الشريف، نقول أن دم الإمام الحسين صلوات الله عليه، هو أغلى وأفضل من دماء سبعة مليار من نسمة العالم اليوم، ومن الأولين والآخرين، سوى المعصومين صلوات الله عليهم. بعبارة: لو أريق دماء الناس كافّة في كل التواريخ، فإنها لا تبلغ مقام دم الإمام الحسين صلوات الله عليه. وخلاصة القول: اقتضاء لحكمة الله تعالى، كان يجب صون الإسلام وحفظه من كل انحراف، وهذا الأمر لم يتحقّق إلاّ باستشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه وبإراقة دمه الطاهر في تلك الظروف، وهو دم لم يوجد أكرم وأثمن منه.
حقّ الحسين عليه السلام على البشرية
ذكرت الروايات الشريفة أنه (ما من سماء يمرّ به روح الحسين عليه السلام إلاّ فزع له سبعون ألف مَلَك، يقومون قياماً ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة) الكامل في الزيارات: ص 153، ح190. فلقد نسمع أو نرى أن الخبر المفجع يفجع الإنسان ويؤلمه لأيام معدودة، ولكن كم كان كبيراً وعظيماً إراقة دم الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ وماذا رأت الملائكة بحيث جعلها تفزع إلى يوم القيامة؟! فلنعلم ان كل ما نؤدّيه من صلاة، وكل ما لدينا من اعتقاد، ومن الفضائل الأخلاقية، فهذه كلها مدينة لدم الإمام الحسين صلوات الله عليه. لأن الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه، بتضحياته، أحيى الإسلام الحقيقي وأبقاه خالداً. وكان من أهداف الإمام الحسين صلوات الله عليه، فيما اختاره في كربلاء، أيضاً، هو أن يوصل الإسلام إلى البشرية كلّها بلا استثناء، ويعرّفه لها، بلا إجبار أو إكراه على اعتناقه أو التديّن به، لأن القرآن الكريم قد قال: «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيكْفُرْ» (سورة الكهف: الآية29).
مسؤولية العلماء والمثقّفين
إذن، وطبقاً لقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فإنّه وبلا شكّ يتحمّل العلماء، وتتحمّل الحوزات العلمية، مسؤولية إيصال تعاليم الإسلام إلى البشرية، وهو الإسلام الذي أحياه دم الإمام الحسين صلوات الله عليه. وبما أن رجال الدين لهم قدرة أكثر على العمل، فإنّ مسؤوليتهم أكبر. وكذلك كبيرة هي مسؤولية المثقّفين والمتعلّمين في إيصال تعاليم الإسلام إلى العالمين. فيجب عليهم وعلى الجميع أن يعلموا بأن الإسلام الحقيقي والأصيل هو إسلام رسول الله، وإسلام أمير المؤمنين، وإسلام الإمام الحسين، وإسلام سائر المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وليس إسلام معاوية ويزيد، حتى يتّضح للناس كافّة بأن الإسلام الحقيقي هو ثمرة دم الإمام الحسين صلوات الله عليه.
سبل ممارسة الهداية
لا يعرف الكثير من الناس في عالمنا، اللغة العربية ولا الفارسية، ولذلك، وبهذا الصدد، ولتحقيق الهدف وأداء المسؤولية الملقاة علينا، يجب أن نستفيد من كل الإمكانات ومن قدراتنا كلّها.
على سبيل المثال: يجدر ترجمة كتاب (الهدى إلى دين المصطفى) وكتاب (الرحلة المدرسية أو المدرسة السيّارة) للعلاّمة الجليل الشيخ محمد جواد البلاغي قدّس سرّه، إلى جميع اللغات، وجعله في متناول الناس كافّة، فلا شكّ سوف يقبل على دين الإسلام وأهل البيت صلوات الله عليهم، أفواجاً من الناس وأفواجاً. ففي هذين الكتابين ذكر العلاّمة البلاغي بأن كل حروب نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله كانت دفاعية، ولم يك صلى الله عليه وآله هو البادي بأية حرب أبداً. فيجب إيصال مثل هذه الحقائق إلى الدنيا كلّها، لكي تعرف إسلام رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكي لا يستدّلوا على الإسلام بأمثال معاوية، الذي قتل وذبح في يوم واحد فقط، قرابة ثلاثين ألف من النساء والأطفال وكبار السن، وأمر بحرقهم.
إسلام سفّاكوا الدماء
مما يؤسف له، ان الدنيا اليوم عُرض ويُعرض عليها إسلام معاوية والحجّاج، وليس الإسلام الحقيقي المتمثّل بإسلام رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم. فعن الحجّاج، مثلاً، ذكروا في زمن حكمه، أنه أمر بمطاردة عطيّه، واضطّر الأخير إلى الهجرة والتغّرب من بلد إلى بلد، عبر سنين، حتى عائلته جهلوا مصيره، إلى أن قبض عليه جلاوزة الحجّاج في أطراف مدينة شيراز، فسجونه ومارسوا بحقّه أشدّ أنواع التعذيب.
مما يؤسف له ان العالم لا يعرف الإسلام الحقيقي الحسيني، وما يعرفه عن الإسلام من شيء فهو إسلام سفّاكي الدماء، ولهذا تراهم يبتعدون ومبتعدين عن الإسلام.
من الخُلق المحمّدي
شارك في حرب حنين قرابة ثمانية آلاف ممن كانوا يعدّون أنفسهم بأنهم من الصحابة، وفي هذه الحرب، فرّ منهم سبعة آلاف وتسعمائة و...، وانتهت الحرب بانتصار المسلمين بقيادة النبيّ صلى الله عليه وآله وببسالة واستماتة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فجمعت الغنائم لكي توزّع على المسلمين. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخرج شعرة من ظهر بعير من الغنائم، ولوّح به للمسلمين وقال (مامضمونه): أيها المسلمون، لا يحقّ لي من هذه الغنائم حتى هذه الشعرة الواحدة.
وذكرت الروايات أن عدد من المسلمين حينها، استرجعوا ما أخذوه من الغنائم زيادة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله. فالإمام الحسين صلوات الله عليه، استشهد لأجل هكذا إسلام. فإذا أوصلنا المئات والآلاف من مثل هذه النماذج من تعامل النبيّ صلى الله عليه وآله، للعالمين، فستحدث انعاطفة كبيرة في العالم كلّه.
الصدق في العمل
يجب أن نعرّف الإسلام الحقيقي وتعالميه، وكذلك أهداف النهضة الحسينية المقدّسة، التي عين أهداف الإسلام الحقيقي، إلى الدنيا كلّها.
علماً بأنه يجب أن يكون عملنا وتعاملنا صادقاً وحسناً، أي مصداقاً لـ(ابلاغ المبين) حتى يطمئنّ الناس بنا. لأنه كذبوا وكذبوا على الإسلام في العالم، كثيراً وكثيراً. فقد كتبت إحدى الصحف الرسمية في أحد البلدان عن أحد مسؤوليها، عنواناً (مانشيت)، هكذا جاء: أربعة آلاف كذبة لفلان المسؤول!).
إذن، ولتبليغ الإسلام وأداء المسؤولية في هذا المجال، يجب أن يكون تعاملنا صادقاً حتى يصدّقنا الناس بالعالم.
من روائع الخُلُق النبويّ
أمراً آخر أذكره عن معركة حنين، أيضاً، وهو: توجد أمثلة راقية في معركة حنين، ويجب أن يعرفها العالم، وهي أمثلة ونماذج لم يرى التاريخ كلّه، مثلها أبداً، ولم يرى مثلها أتباع كل الأديان. ففي هذه الحرب فرّ معظم المسلمين، سوى الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقلائل من المسلمين، وكان في هذه الحرب قد اجتمع قرابة أربعة وعشرين ألفاً من المشركين، وكلّهم مدججين بالسلام والعتاد، كما ذكر ذلك صاحب موسوعة (بحار الأنوار) الشريفة.
وكما ذكرت الروايات والمصادر التاريخية للشيعة والعامة ومصادر غير المسلمين أيضاً، أن نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، لم يأخذ من غنائم هذه المعركة حتى كبشاً واحداً، بل قسّم الغنائم كلّها بين المسلمين. وعندما رأى الفّارون من المسلمين انتصار الإسلام، جاء أحدهم، لكي يأخذ شيئاً من الغنائم. فوقف أمام رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال، بحقّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، وبصلافة، عبارة وقحة وغير مؤدّبة. فاستأذن بعض الأصحاب من النبيّ صلى الله عليه وآله، بأن يأذن لهم بمعاقبته والنيل منه، فلم يأذن لهم النبيّ صلى الله عليه وآله ولم يسمح لهم بذلك.
العفو أولى وأجمل
علماً، وحسب وجهة نظر الإسلام، أنه كان يحقّ للنبيّ صلى الله عليه وآله أن يعاقب الشخص المذكور، وهذا الحق محفوظ في الإسلام حتى في الموارد العسكرية، ولكنه صلى الله عليه وآله، لم يعمل بذلك. وعلماً بأن أحكام القتل في الإسلام، قليلة وقليلة جدّاً. ومثل هذه التصرّفات تجاه الإساءات، لن تجد مثلها، أبداً، في عالم اليوم، في بلاد الغرب التي تدّعي الحرية، أو نادراً ما تجد مثلها.
فلم يصدر من رسول الله صلى الله عليه وآله، أي رد فعل، تجاه سوء أدب ذلك الفار من الحرب، الذي أتى ليأخذ نصيبه من الغنائم، بل حيث انه صلى الله عليه وآله قدوة للخلق أجمعين، تصرّف صلى الله عليه وآله، تصرّفاً إنسانياً، وقال له (مامضمونه): أني لم آخذ من هذه الغنائم، لا جملاً، ولا بقرة، ولا حتى كبشاً واحداً. ولعل الشخص المذكور، كان قد أخذ نصيبه وجاء يريد المزيد، وكان بإمكان النبيّ صلى الله عليه وآله أن يعامله بالمثل، وأن يواجه بعبارة مثلها، وهذا حقّ جعله القرآن الكريم، بقوله عزّ من قائل: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم). سورة البقرة: الآية194. لكنه صلى الله عليه وآله، لم يستعمل هذا الحق!
على خطى النبيّ
لا أدري، هل ان رسول الله صلى الله عليه وآله، كان قد أعطى شيئاً من غنائم معركة حنين، إلى الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أم لا، ولكن يمكننا معرفة ذلك، من خلال ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خطبه وكلماته الشريفتين، في بيانه ووصفه لجهود النبيّ صلى الله عليه وآله، كما ذكر ذلك في الخصال (للصدوق) وغيره. فقد قال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه (ماضمونه): كان رسول الله صلى الله عليه وآله، يعلم بحال بيتنا، وكان يعطي ويوزّع المال والغنائم لجميع المسلمين، إلاّ نحن. ولا يخفى بأن الإمام أمير المؤمنين والسيدة الزهراء صلوات الله عليهما، لم يكونا بحاجة إلى ذلك، بل إنّ تعامل نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله مع أهل بيته وأقاربه، هو تعليم للعالمين أجمع.
الإسلام مَدين للتضحية الحسينية
إن الإسلام مَدين لتضحيات الإمام الحسين صلوات الله عليه، فيجب علينا أن نحول دون طمس أهداف الإمام الحسين صلوات الله عليه، وعلينا أن نؤدّي مسؤوليتنا في هذا المقام. فيجب أن تكون أخلاقنا أخلاقاً حسنة، وأن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله، كما قال عزّ من قائل: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (سورة الأحزاب: الآية21)، وأن نحذر من أن لا نكون سبباً في ابتعاد وفرار ضعّاف الإيمان من الناس من الإسلام.
خطابي للمثقّفين، ولطلاّب العلم بالعالم كافّة، مهما كان دينهم ومذهبهم، وكذلك للمسلمين القاطنين في البلدان غير الإسلامية، وللهيئات الإسلامية، والأمناء للمساجد، وأصحاب الحسينيات، وللمجتمعات الإسلامية، والمؤسسات الثقافية، وأمثالهم، هو أن ما حفظه التاريخ في مصادره عن الإسلام الحقيقي الذي بقي خالداً بسبب تضحيات الإمام الحسين صلوات الله عليه، يجب إيصاله وتعريفه للعالمَين، لكي تتعرّف الدنيا كلّها على طريقة وأسلوب حكومة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وحكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
من مآسي الابتعاد عن أهل البيت
مع وفور الثروات التي منّ الله تعالى بها على الكرة الأرضية، نرى اليوم موت المئات من الناس بسبب المجاعة والجوع، في حين لم نر في أي مصدر من المصادر التاريخية، أنه مات مسلم واحد من الجوع أو غير مسلم في طوال عشر سنين من حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله، أو في حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي استمرت لخمس سنوات، ولم نجد ذلك حتى في مصادر الأعداء والمعادين لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. علماً بأن رقعة حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كانت ممتدّة في ذلك الزمان إلى خمسين دولة من دول اليوم. وفي المقابل ذكرت المصادر التاريخية أنه في زمن أحد من حكم قبل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، مات الصحابي الجليل أباذر بسبب الجوع.
إذن، على ماذا يدلّ وجود هذا الكم الهائل من الجوعى في العالم اليوم؟ ولماذا يمارس أكثر الظلم في الدول الإسلامية؟ فبين فترة وأخرى تشتعل نار الحرب بين بلدين مسلمين، أو بين شعب واحد لبلد إسلامي، ويزهق إثر ذلك أرواح الألوف من الأبرياء.
الغرب يلعب بالمسلمين
وقع منذ زمن انقلاب جمال عبد الناصر في مصر سنة 1952 للميلاد ـ 1372 للهجرة، انقلابات عديدة، وأريقت بسببها دماء ودماء. ويتنازع بلدين مسلمين مجاورين. ويقوم الغرب بإشعال نار الحرب بين بلدين مسلمين، ويدفع المسلمين ضريبة ذلك، وبعد انتهاء الحرب، أو وقف إطلاق النار، نرى الكم الهائل من الأرامل والأطفال الأيتام، والخراب، بحيث لا ينال كلا الطرفين المتنازعين، سوى خراب وقتلى.
قبل قرابة أربعين أو خمسين سنة، في إحدى الإسلامية، وخلال عقد واحد، وقعت تسع انقلابات، خلّفت الكثير من القتلى والمصابين والمعاقين، والخراب الكثير. ومما يؤسف له، أن هذا النوع من الإسلام يتم تعريفه للدنيا، أي إسلاماً مليئاً بالدموية والعنف والخراب، وترى الغرب، الذي يشعل نار الحرب بين المسلمين، يعيش برفاه وسلام.
تعريف الإسلام للبشرية
إذن يجب علينا أن نعرّف الإسلامي المحمّدي الأصيل إلى العالمين، وهو الإسلام الذي بقي خالداً بسبب الإمام الحسين صلوات الله عليه. ففي القرون الثلاثة عشر الماضية، لم تتوفر الإمكانات التي يمكن عبرها إيصال الإسلام الحقيقي إلى البشرية كلها. فيجب علينا في عالم اليوم الذي تتوفّر فيه الإمكانات، وتوجد فيه نسبة من الحريّات أيضاً، أن نعرّف الإسلام الرحيم المحمّدي الحسيني إلى الدنيا كلّها، وذلك: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ» (سورة النساء: الآية165). وهذا يعني أنه علينا أن نوصل رسالة الإسلام وأن نعرّفه إلى البشرية كلّها، بلا إكراهها أو إجبارها على اعتناق الإسلام أو القبول به، كما صرّح القرآن الكريم بذلك، وكما قام بذلك، أيضاً، مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، في الخطبة الغديرية الشريفة، حيث خاطب صلى الله عليه وآله الناس بقوله: «يَاأَيُّهَا النَّاسُ»، لأن الغدير هو للناس كافّة، وليس لأهل العراق أو إيران، بل للناس في كلّ العالم. ومثل ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله، عندما أرسل رسائل إلى الأكاسرة والأباطرة والملوك، عرّف فيها لهم الإسلام، ودعاهم إليه، بلاإجبار أو إكراه، كما أكّد القرآن الكريم: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (سورة البقرة: الآية256).
فالعديد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، كانوا قد جاءوا من أماكن وبلدان أخرى. وكما قلنا، بأنه في أوروبا وأفريقيا، ولعله في نسبة ثمانين بالمائة من دول العالم، أي في غير الدول الإسلامية، توجد نسبة من الحريّات، فيجب الاستفادة من هذه الفرص، لنشر الإسلام المحمدي الوجود والحسيني البقاء؟فإذن يجب علينا في هذا الصدد أن نستفيد من التكنولوجيا الإعلامية الحديثة، بالأخص القنوات الفضائية، في إيصال رسالة الإسلام، إلى الدنيا كلّها، وهي رسالة الحقّ والحقيقة.
مسؤولية الشيعة
قبل فترة، ذكرت إحصائية، أنه يوجد في العالم ذي السبعة مليار نسمة، إثنا عشر ألف قناة فضائية. فإذا كانت نسبة الشيعة من نسمة العالم، عشرة بالمائة، فيجب أن يكون للشيعة (1200) قناة فضائية.
هنا علينا أن نعرف أين تكمن المشكلة؟ فقد يتصوّر بعض الناس ان تأسيس القنوات الفضائية، يقدر عليها الأثرياء جدّاً، فعليهم أن يضعوا ماعندهم من الإمكانات بين يدي الشيعة، ولكنه هذا ليس هو الأصل والأساس، بل نحن علينا أن نشمّر عن سواعدنا، وإذا افتقدنا للمال، فعلينا أن نقترض لذلك. فاعلموا أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وكذلك باقي المعصومين صلوات الله عليهم، كانوا يقترضون المال لرفع احتياجات غيرهم من الناس.
علماؤنا أسوتنا
فالمرحوم الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسّس الحوزة العلمية في قم المقدّسة، شرع بتأسيس الحوزات في معظم إيران، بيديه الخاليتين من المال، وعبر الاستدانة والاقتراض. وعاش المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني قدّس سرّه إلى آخر عمره، وهو لا يملك بيتاً، وعاشت عائلته لفترة في مسجد السهلة الشريف، ولكنه قدّس سّره بنى المئات من المدارس والحسينيات، في العراق وإيران وباكستان، وغيرها من البلدان. ففي النجف لوحدها، اشترى السيد الأصفهاني للفقراء، مئات البيوت.
وقد نقل لي أحدهم، بأن المرحوم السيد الأصفهاني سأله: هل لك بيتاً؟ قلت: كلا. فأعطاني صرّة من المال وقال لي: اشتر بها بيتاً.
كذلك لم يكن المرحوم الشيخ الميرزا محمد تقيّ الشيرازي قدّس سرّه، قائد ثورة العشرين المجية ضد الاستعمار الإنجليزي، يملك بيتاً، حتى استشهد.
نقل لي أحد تلامذة الشيخ عبد الكريم الحائري قدّس سرّه بأنه: ذات يوم، رأيت الشيخ مغموماً، فسألته عن سبب ذلك؟ فقال لي: لعدم مقدرتي على سداد ديوني، ولم أجد من يقرضني. وهذا يعني أنه كان يقترض دائماً لحلّ مشاكل الناس والمجتمع.
علينا أن نجعل أسلوب وتعامل أهل البيت صلوات الله عليهم، نموذجاً نقتدي به في هذه المجالات.
الهمّة هي المطلوب
اليوم يوجد مثل هذه الإمكانات، فعلينا أن نبذل الهمم لها، وأن نرهن لذلك ماء الوجه، وأن نقترض لأداء هذه المسؤولية الكبيرة ولإصال الأمانة الإلهية إلى مقصدها. فاعلموا ان أغلب المساجد والمؤسسات الموجودة في العراق وإيران، قد تم بناؤها بهمم الضعفاء والفقراء مالياً من الجتمع. وهذا يعني أنهم قد قاموا ببناء تلك المراكز بأموال قليلة، أو قد رهنوا ماء وجوههم، أو عبر جمعهم للتبرّعات. ولقد قام المرحوم آية الله العظمى السيد البروجردي رضوان الله عليه، لوحده، ببناء، أو إعادة إعمار، أربعمائة مسجد في مدينة طهران فقط. وذكروا بأنه قدّس سرّه كان يعيش مما يحصل عليه من وارد المِلك الذي ورثه.
لنتحمّل الصعوبات
على الشباب، والكبار، والجميع، أن يعبّئوا ويبذلوا كل ما لديهم من قدرات في سبيل إيصال الإسلام وتعريفه إلى العالم كلّه وإلى العالمين أجمع، أي الإسلام المحمّدي الوجود والحسيني البقاء. ولا شكّ، أن هذا العمل تصاحبه الصعوبات، وترافقه المشاكل الكثيرة، ولكنه محفوظاً عند الله تبارك وتعالى. ولنعلم ان العلماء الماضين قدّس الله أسراهم، قد ساروا على هذا الطريق وتحمّلوا ما تحمّلوه من الصعوبات والمشاكل، ومنهم العلاّمة السيد بحر العلوم قدّس سرّه، الذي كان يبعث ما يؤلّفه من كتاب إلى الهند، لكي يطبع هناك، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف ووسائل ذلك اليوم، وباذلاً ما لديه من قدرات، لكي يكون قد نشر الإسلام وأوصله رسالته إلى الناس.
لذا، فتحمّل الصعوبات والمشاكل في هذا الطريق، هو أمر واجب وضروري، يجب أن لا نغفل عنه، لأن الله تعالى لا يعذرنا عن التقصير في هذا الطريق.
دعاء للعاملين
أسأل الله تبارك وتعالى، أن يعجّل في ظهور مولانا الإمام وليّ العصر صلوات الله عليه وعجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأقول لرجال الدين والمثقّفين، ولطلاّب العلم، وباقي فئات المجتمع: أتمنى لكم التوفيق، بأن توفّقوا في شهري محرّم الحرام وصفر المظفّر، وفي باقي الفرص المواتية والأيام القادمة، في تأسيس وإطلاق القنوات الفضائية الشيعية، وأن تنتجوا البرامج القيّمة والغنيّة والجيّدة، التي تسهم في تعريف الإسلام المحمّدي الوجود والحسيني البقاء، إلى العالمين أجمع، وأن توسّعوا رقعة الإسلام الذي تبلور في أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.
وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أعزاءنا! سبق وأن وضعنا بين أيديكم، أهم ما جاء في الكلمة القيّمة للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, التي ألقاها بوفود العلماء والفضلاء والمبلّغين, في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة, يوم الأربعاء الموافق للثالث والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام 1436 للهجرة (7/10/2015م), بمناسبة قرب حلول شهر محرّم الحرام 1437 للهجرة, وذكرى استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه. ونضع بين أيديكم النصّ الكامل لهذه الكلمة القيّمة، تعميماً للفائدة، والله تعالى من وراء القصد.