في ليالي شهر رمضان العظيم يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات على بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة. وخلال لقائهم بسماحته دام ظله يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلى ما يتفضل به سماحته من وصايا وتوجيهات.
حكم الدم في البيضة وحكم التعذيب لأخذ الإقرار
في البدء استهلت الجلسة بالسؤال عن حكم تعذيب المتهّم بالجرم لإخذ الإقرار هل يجوز ذلك؟ ولو أدى إلى نقص عضو أو تلفه فما هو التكليف حينئذ؟
أجاب سماحته دام ظله : أن هذه المسألة عنونت في الكتب الفقهية وقد أجمع المتقدمون والمتأخرون إلى يومنا هذا على أن التعذيب ممنوع وحرام مطلقا وأصل هذا الحكم موجود في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وقد وبّخ صلى الله عليه وآله شخصاً قد قتل كافراً بعد الإقرار بالشهادتين بدعوى أنه أقر بالشهادتين صونا لنفسه، قال صلى الله عليه وآله: «أ فلا شققت قلبه».
ولا يجوز أخذ الإقرار من المتهم بالتعذيب، ولا اعتبار بإقراره لو اعترف وهو على هذا الحال ولو أدّى التعذيب إلى نقص عضوٍ أو تلفه يجرى فيه أحكام من جنى عمداً من قصاص أو دية.
حكم اليقين ببطلان الصلاة بعد إتمامها
ثم سئل دامت بركات وجوده الشريف: لو أن أحداً قطع بنقصان صلاته بعد إتيانه بأحكام الشك، وبعد فراغه من الصلاة فما هو حكم صلاته؟
فأجاب سماحته دام ظله: الظاهر أن هذه المسألة ليس لها دليل خاص ولا بد من أن نستفيد حكمها من العمومات. ومقتضى العمومات هو أنه لو أتى بفعل يبطل الصلاة مطلقا أي في صورة العمد والنسيان والجهل والسهو، فيجب عليه الإعادة أو القضاء، وأما في غير هذه الصورة فلا تجب عليه الإعادة أو القضاء.
ثم قال أحد الحاضرين: قد عمل هذا الشخص بوظيفته الشرعية، وعلى هذا ينبغي أن يكون ما صلاه مجزيا.
أجاب سماحته دام ظله عن هذه المداخلة: بأن إجزاء العمل على طبق الوظيفة هو إجزاءٌ ما داميٌ، أي مراعى فهو مجزٍ ما دام لم يتبين الخلاف، وليس إجزاءً مطلقا، ولذا لو أن شخصا بعد أدائه صلاة الظهر سأل البينة كم ركعةً صليتُ؟ وقالت البينة أربع ركعات، ثم قطع بأنه صلى ثلاث ركعات، فهذا يجب عليه إعادة صلاته أو قضاؤها مع أنه أعمل البينة وهي أقوى الحجج في الموضوعات، وهذا لدليل ما بيّنّاه في محله وذكرنا أن حجية الحجج والأمارات ما داميّة لا مستمرة ومطلقة.
فروع في أحكام الخمس
ثم أخذ البعض بالسؤال عن بعض مسائل الخمس وأنه إلى متى يجوز أخذ المؤونة من الأرباح السنوية ولا يأخذها من ماله المخمّس؟
أجاب سماحته مُدّ ظله قائلا: قد طرح هذه المسألة صاحب الجواهر والشيخ الأنصارى وصاحب العروة ومع أن المسألة خلافية بحسب الأدلة ولكن يبدو للنظر أن له أن لا يأخذ مؤونته من ماله المخمس ويأخذ من الربح السنوي ولا يؤدى خمس ما صرف منه في مؤونته والدليل على ذلك إطلاق قوله عليه السلام: «الخمس بعد المؤونة»، خصوصا أنه يبدو للنظر أن في حجية الإطلاق لا يلزم إحراز كون المتكلم في مقام البيان من هذه الجهة بل ما يجب هو أن لا يكون عدم البيان تلك الجهة محرزا.
سؤال آخر تقدم به أحد الحاضرين حيث سئل عن الشخص الذي يكون مصرفه هو الخمسَ فهل يجب عليه الخمس فيما زاد عن مؤنته؟
فأجاب سماحته: قد طرح صاحب العروة هذه المسألة وقد اختلف الفقهاء فيها، وسبب اختلافهم هو الإستفادة من رواية مضمونها أن الإمام الرضا عليه السلام أرسل لشخص مبلغا من المال، وزاد مقدار من هذا المال، فكتب إليه صلوات الله عليه: هذا المال الذي أرسلتموه إليّ هل هو من الخمس؟ فقال الإمام عليه السلام في جوابه: «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس».
وهنا بحث هل المراد من صاحب الخمس هو الإمام المعصوم عليه السلام فقط؟ ففي هذه الصورة في زماننا هذا يجب الخمس على من معيشته من الخمس، أو له إطلاق ويشمل الفقهاء جامعي الشرئط أيضاً؟ وعلى هذا لا يجب عليه الخمس. نعم استفاد صاحب العروة هنا من «صاحب الخمس» معنى أوسع وعمّمه على زكاة المال وزكاة الفطرة أيضاً.
بعد ذلك سأل أحد الحاضرين: أ ليس يجيء هنا ما قاله سماعة: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس؛ فقال عليه السلام: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»؟
فأجاب دام ظله العالي: أن رواية «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس» أخص مطلقاً ولذا تخصّص عموم هذه الرواية.
ثم أخذ أحد الحاضرين بالمداخلة قائلا: إننا نشكّ في صدق الفائدة على هذا المال الذي يعطيه صاحب الخمس، ولذلك نقول بأن هذا المورد لا يكون مشمولاً لعموم قوله عليه السلام: «كل ما أفاد الناس» لأن الإكتساب مأخوذ في صدق الفائدة.
فتفضّل سماحته بالإجابة قائلا: لم يرد في أي دليل عنوان الإكتساب بل جاء عنوان الفائدة ولا بد من السير في إطار الدليل، ولذا قال المشهور قديما وحديثا بوجوب الخمس في الهدية والجائزة، ولم يرد في الأدلة تعبير أرباح المكاسب، بل هو إصطلاح من الفقهاء.
وفي السياق ذاته سئل عن وجه عدم وجوب الخمس في المهر والإرث مع أنهما فائدة أيضاً؟
فأجاب سماحته دام ظله: في إرث من لا يحتسب دليل خاص على وجوب الخمس فيه، ويستفاد منه أن إرث من يحتسب ليس فيه الخمس، وفي المهر كذلك لا يجب فيه الخمس بناءً على الشهرة العظيمة.
حكم قول «لبيك يا حسين» حال الإحرام
بعد ذلك سئل سماحته: هل يجوز قول «لبيك يا حسين» او «لبيك يا علي» حال الإحرام أو لا يجوز؟
فأجاب دام ظله الشريف : لا إشكال فيه بشرط أن لا يكون بدلاً عن تلبية الإحرام.
وفي ذات المسألة سأل أحد الحاضرين: إذا كان هذا جائزاً فلماذا أبرز الامام الصادق عليه السلام البراءة من شخص من أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب مقلاص حينما قال: لبيك جعفر بن محمد لبيك؟
فأجاب أدام الله بقاءه: علة إبراز البراءة أن هذا الشخص قالها بديلا عن «لبيك اللهم لبيك» والعياذ بالله كانت له عقيدة بألوهية الإمام الصادق عليه السلام وقد لعن الإمام عليه السلام محمد بن مقلاص الذي إدّعى النبوّة وإدّعى ألوهيةَ الإمام الصادق عليه السلام فأظهر الإمام البراءة منه وابتهل إلى الله تعالى وقال عليه السلام مضمونا: إنما عملت ما عملت هكذا أرتاح في قبري. والذي يخطر بالبال أنه عليه السلام قال هذا كي لا يؤاخذه الله تعالى يوم القيامة كعيسى عليه السلام كما جاء في الآية الشريفة: «... يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَينِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...» مع أنه تعالى يعلم أن عيسى عليه السلام لم يدّع ذلك، ولكن يسأله عن هذا على رؤوس الأشهاد فتضرّع عليه السلام إلى الله تعالى حتى لا يسائله هذا السؤال يوم القيامة.
ملاك كثير السفر
ثم سأل أحد الفضلاء عن ملاك كثير السفر؟
فأجاب سماحته دام ظله : بعد ما بين الإختلاف في المسألة وذكر المباني المختلفة فيها: أنه إذا سافر أحد في شهر واحد أو أكثر، بقيدين: 1ـ أن لا يستقر في مكان عشرة أيام 2ـ أن لا تكون الأسفار بدون قصد قبلي ولا تكون اتفاقيةً؛ فهو كثير السفر، نعم هنا بحث في أنه هل يشترط أن تكون أسفاره للإكتساب فحسب؟ كما أصرّ على ذلك بعض المعاصرين، أو يكفى في كونه كثير السفر لو كان سفره لغير الكسب أيضا؟ كأسفار الزيارة أو صلة الأرحام ويبدو لي أنه لا فرق في ذلك سواء كان سفره للكسب أم غير ذلك، لأن الملاك في كثرة السفر أحد عنوانين: «من عمله السفر» «من عمله في السفر» والعمل أعم من الكسب وغيره، ويؤيده حكم الأشتقان الوارد في الروايات.
أحكام خمس الكنز
وفي صعيد آخر سئل سماحته عن فروع أحكام خمس الكنز ومالكيته؟
فقال سماحته دام ظله؛ بعد الجواب عن فروع مختلفة: في مقدار الكنز الذي تكون قيمته متعارفة هذا في زمن المعصومين عليهم السلام كان واجدُه يؤدّي خمسه ويتملّك الباقي. وأما المقدار الذي يكون أكثر من المتعارف أو تكون قيمته كبيرة جدا. فأمره بيد الحاكم الشرعي، ولا يتملّكه الشخص، والوجه في ذلك هو الإنصراف، ويستفاد من أدلة ولاية الفقيه ـ حتى على مبنى ولايته في الأمور الحسبية والذي هو إجماعيٌ ـ أن أمره بيد الحاكم الشرعي.
وأما الولاية المطلقة فهي خاصة بالله تعالى ولا يصح إطلاقها على غير الباري تعالى.