نصّ المطارحة العلمية الثالثة والعشرون للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1444 للهجرة، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، بحضور ومشاركة الشخصيات العلمية، ووكلاء مراجع التقليد الأعلام، وناشطين دينيين وثقافيين، وطلبة العلوم الدينية، مساء يوم الأربعاء 28 شهر رمضان العظيم1444 للهجرة (19/4/2023م):
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ ما هو حكم أخذ الإبرة المقوية أو المغذی الوریدي في حال الصوم؟
ج ـ لقد أشكل في ذلك مجموعة من الفقهاء ومنهم المرحوم الوالد (آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي رضوان الله عليه) ولكن لعدم صدق أي من المفطرات على هذين، يظهر لي عدم وجود إشكال فيهما، وإن كان مراعاة الاحتياط الاستحبابي في تركهما أفضل. فقد ورد في حكمة وجوب الصوم رواية تقول: «إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير، لأنّ الغني كلما أراد شيئا قدر عليه، فأراد الله تعالى أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع » (وسائل الشيعة، ج10، ص7، ح12697).
2ـ ما هو حكم شمّ النباتات المعطرة واستعمال العطر حال الصيام؟
ج ـ لقد ذكر صاحب العروة في المورد السادس من المكروهات للصائم ذلك وقال: «السادس: شمّ الرياحين خصوصا النرجس، والمراد بها: كلّ نبت طيب الريح» (العروة الوثقى مع التعليقات عليها، ج3، ص42)، وأما استعمال العطر فهو مستحب للصائم.
3ـ لقد ورد في بعض الروايات أن مبدأ زكاة الفطرة هو بداية شهر رمضان، فهل هذه الروايات معتبرة لدى الفقهاء؟
ج ـ وقع الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة. روى الشيخ الطوسى بسند صحيح عن زرارة وبكير ابني أعين والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام أنهما قالا: «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ وعبد، وصغير وكبير، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره» (وسائل الشيعة، ج9، ص354،ح12219) فالمستفاد من هذه الرواية أن ليلة عيد الفطر ويوم العيد لهما حيثية تعليلية في الصوم لا الحيثية التقييدية، وقد عمل بعض الفقهاء بمقتضى ذلك وأجازوا اعطاء زكاة الفطرة من أول يوم من شهر رمضان المبارك ولا منافاة في ذلك أن تکون هي زكاة الفطرة، فأحد معاني زكاة الفطرة كما أشار إليه صاحب العروة: أنها زكاة الخلقة والبدن (العروة الوثقى والتعليقات عليها، ج3، ص206) وفي المقابل نجد فقهاءً لم يعملوا بهذه الرواية وقالوا: إنَّ زكاة الفطرة تجب من ليلة عيد الفطر والواجب إعطاؤه من ذلك الزمان.
قال صاحب الجواهر: «وأما أنه هو المبتدأ على وجه لا يجوز تقديمها قبله إلا على سبيل القرض من غير فرق بين شهر رمضان وغيره فهو خيرة المصنف هنا، حيث قال: على الأظهر، والشيخين وأبي الصلاح وابن إدريس وغيرهم على ما قيل، بل في المدارك وغيره أنه المشهور بين الأصحاب، لثبوت توقيتها بذلك، والموقت لا يجوز تقدمه على وقته كصلاة الظهرين، بل يكفي الشك في مشروعيتها قبله، وقال ابنا بابويه والشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية: يجوز إخراجها فطرة من أول شهر رمضان إلى آخره، ونسبه المفيد وسلّار وابن البراج إلى الرواية، واختاره المصنف في المعتبر والفاضل في المختلف وثاني الشهيدين وغيرهم على ما قيل، بل في الدروس والمسالك أنه المشهور، بل في الخلاف الإجماع عليه، لصحيح الفضلاء السابق» (وسائل الشيعة، ج9، ص354، ح12219) المؤيد بما في خبري معاوية بن عمّار السابقين (وسائل الشيعة، ج9، ص352، ح12213 وح12214) من تعليق الحكم على إدراك الشهر، وتعليل عدم الوجوب عن المولود ليلة الهلال بأنه قد خرج الشهر المشعر خصوصاً الأول بأنّ إدراك الشهر هو السبب في الوجوب وإن كان يتحقق ذلك بإدراك آخره، فالفرد الأكمل حينئذٍ منه إدراكه تاماً» (جواهر الكلام، ج15، ص529).
4ـ ما هي النية في اعطاء زكاة الفطرة بعد الزوال من يوم عيد الفطر؟
ج ـ كل واجب مؤقت إذا أُخّر عن وقته الخاص المعين يُأتى به على نحو القضاء وقد ورد في بعض الروايات هذا التعبير: «وبعد الصلاة صدقة» (وسائل الشيعة، ج9، ص353، ح12216) نعم كل أقسام الزكاة يعدّ صدقة وقد اختار الامام عليه السلام لقضاء زكاة الفطرة تعبيراً آخر ولا منافاة بين هذا التعبير وبين قضاء الزكاة إن أُخّر عن وقتها.
5ـ هل يمكن اعطاء زكاة الفطرة للفقير قبل موعده؟
ج ـ إذا أقرض الفقير قبل موعد زكاة الفطرة وفي وقت جواز أو وجوب اعطاء الزكاة كان الفقير باقياً على فقره يجوز حينئذٍ أن يعدّ ما أقرضه زكاة ويبرئَ ذمة الفقير منه.
قال صاحب العروة: «لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها على شهر رمضان، نعم إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضاً ثم يحسب عند دخول وقتها» (العروة الوثقى مع التعليقات عليها، ج3، ص218، م1).
6ـ هل غُسل مسّ الميت يعد ناقضاً للوضوء؟
ج ـ لقد وقع الخلاف بين الفقهاء في ناقضية مسّ الميت، وقد ذهب أغلب الفقهاء المتأخرين إلى ناقضيته على الاحوط وجوباً وذلك استناداً إلى بعض العمومات الدالّة على ناقضيته وفي المقابل لم نجد لمس الميت أثراً في تحديدات نواقض الوضوء.
قال صاحب العروة: «مسّ الميت ينقض الوضوء، فيجب الوضوء مع غسله» (العروة الوثقى والتعليقات عليها، ج1، ص338) وقد ذكرتُ حاشية بعد كلمة «ينقض الوضوء» وقلت: «على الأحوط، وكذا في المسألة التالية» وقال أيضاً: «يجب هذا الغسل لكلّ واجبٍ مشروطٍ بالطهارة من الحدث الأصغر، ويشترط في ما يشترط فيه الطهارة» (العروة الوثقى مع التعليقات عليها، ج1، ص339، م16).
7ـ اذا نسى المكلف غسل مسّ الميت، وتذكر ذلك بعد اتمام أعمال الحجّ فما هي وظيفته؟
ج ـ لم يشترط الطهارة من الحدث في اعمال الحج، سوى في الطواف الواجب وصلاته. فحجّه صحيح ولا إشكال فيه ولكن على الاحوط وجوباً يعيد هو أو نائبه الطواف وصلاته مع الطهارة.
لا بد من الانتباه إلى أنَّ الطهارة من الحدث شرط في الطواف الواجب كما هي شرط في الصلاة الواجبة، لكنه لم تشترط الطهارة في الطواف المستحب خلافاً للصلاة المستحبة حيث يشترط فيها ذلك.
8ـ لو ترك المكلّف عمداً غسل الجنابة والحيض قبل طلوع الفجر، لم يكن صومه صحيحاً، فهل لغُسل مسّ الميت الحكم نفسه؟
ج ـ عدم الاصباح جنباً وكذا بالنسبة لغسل الحيض، شرط لصحة الصوم، ولكنه لم يرد دليل في خصوص اشتراط غسل مس الميت في صحة الصوم.
9ـ هل الأغسال المستحبة تغني عن الوضوء؟
ج ـ لم تكن الاغسال المستحبة والواجبة ـ ما عدا غسل الجنابة ـ تغني عن الوضوء على ما هو المشهور بين الفقهاء نعم ورد في رواية «وأي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ» (وسائل الشيعة، ج2، ص247، ح2068) وقد عمل بها القلّة من الفقهاء إلّا أنَّ المشهور أعرض عنها.
10 ـ لو نسي المكلف غسل الجنابة ولكن في خلال هذه المدة ـ بين الجنابة والتذكر ـ قد أتى بغسل آخر فما هو وظيفته؟
ج ـ يظهر لي ـ كما ذهب إلى ذلك جماعة من الفقهاء ـ أنه لو كان مكلفاً بغسل واجب وقد نسيه سهواً أو جهلاً أو نسياناً وفي هذه المدة أتى بغسل مستحب فإن هذا الغسل يغني عن الغسل الواجب وإن لم يكن قد نوى الواجب ونظيره الوضوء حيث يشترط فيه قصد القربة والاخلاص، بشرط عدم تقييده بعدم الوجوب. لقد اجمع الفقهاء أن الوضوء يشترط فيه القربة والاخلاص فقط وبالنسبة للأغسال لم يتعرض كثير منهم لهذه المسألة وقد ذكرها المرحوم الأخ (آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي رضوان الله عليه).
إنَّ المستفاد من الأدلة هو وجوب غسلٍ ما على الجنب وكذلك بالنسبة إلى غسل النساء، ولم يرد في دليل واحد وجوب نية غسل الجنابة أو الاستحاضة أو الحيض، كما لم يشترطوا في الوضوء تقييده بناقضه. وتبعاً لهذه المسألة تأتي مسألة الخطأ في التطبيق في مبحث النية، مثلاً لو أراد غسل الجنابة ونوى غسل الجمعة خطأً فلا إشكال في صحة غسله وكما لو أراد أن يصلّى الظهر لكنه نوى العصر خطأً .ونظيره أيضاً كما ذكره المرحوم الاخ رضوان الله عليه أنَّ المكلّف إذا كان يعلم بوجوب طواف في آخر حجّ التمتع ولم يكن يعلم بأنه هو طواف النساء بل تصوّر أنه هو طواف الوداع ـ الذي يذهب إليه العامة ـ فنوى الوداع كان حجه كاملاً ولا إشكال فيه.
هنا يطرح مسألة أخرى وهي أنه لو كان مجموعة من الاعمال المشتركة على ذمة المكلف وذلك أعم من الواجب والمستحب فإن كانت النسبة بينها التباين وجب التعيين والتمييز بينها كصلاة الصبح ونافلتها حيث إنَّ النسبة بينهما هو التباين، لكنه إن كانت النسبة عموماً وخصوصاً فلا يلزم التعيين. إذاً لا بحث ولا نقاش في كبرى المسألة وإنما البحث هو في صغراها. فأينما يستفاد من الادلة التباين بين العملين لزم التعيين وفي غير ذلك لم يلزم.
ذهب صاحب العروة في اجتماع عناوين مختلفة من الوجوب والاستحباب في صوم يوم ما، أنَّ المكلف إذا نوى قصد القربة والاخلاص سقط عنه الواجب، ويكون في ما نواه مأجوراً فقط، قال صاحب العروة: «إذا تعدد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من الاستحباب أو من الأمرين فقصد الجميع أثيب على الجميع، وإن قصد بعض دون بعض أثيب على المنوي، وسقط الأمر بالنسبة إلى البقية» (العروة الوثقى والتعليقات عليها، ج3، ص12، م11)، فجمع أغسال مختلفة في وقت واحد هو من قبيل العام والخاص لا التباين، والتقييد يحتاج إلى دليل فإن لم يكن للدليل ظهور في وجوب التقييد فالاصل العدم.
11ـ هل الغسل مستحب نفسي كالوضوء أم لا؟
ج ـ كلا، فان الغسل خلافاً للوضوء ليس مستحباً نفسياً، الوضوء يرفع الحدث وإن لم يكن المكلّف قد أتى بها لسبب. وقد عُدّ الوضوء نوراً وإن لم تكن لغاية ما، خلافاً للغسل، حيث لم يرد في استحبابه دليل خاص. نعم ذهب جماعة من الفقهاء ومنهم المرحوم الأخ رضوان الله عليه في البحث العلمي إلى نفي بُعد الاستحباب النفسي للغسل، ولكن في مقام الفتوى ذهبوا إلى قول المشهور من عدم استحبابه نفسياً.
نعم إذا كان عليه غسل واجب وكان ناسياً وأتى بغسل لا على وجه التعيين بل أتى به ناوياً القربة والاخلاص، أجزأه عن الغسل الواجب. فانه وإن لم يكن الغسل مستحباً في نفسه إلّا أنَّ المكلف كان عليه غسل واجب فأجزأه هذا الغسل عن ذاك.
12ـ إذا اعتدّت المرأة بعد وفاة زوجها ثم تزوجت بعد ذلك، وبعد مرور سنتين عُثر على جنازة زوجها الاول فهل يجوز لها النظر إليها؟
ج ـ لم يكن للنظر أو لمس جنازته في أيام العدة من حرمة، ولكن مع اتمام العدّة وزواجها بعدها بل إذا لم تتزوج بعد العدّة ففي بقاء المحرمية وجواز النظر أو اللمس إشكال.
13ـ إلى متى يبقى أثر غسل الزيارة وباقي الاغسال كذلك؟
ج ـ لقد ذكر صاحب العروة هذه المسألة وهي محل خلاف بين الفقهاء. قال صاحب العروة: « فصل في الأغسال المكانية أي الذي يستحب عند إرادة الدخول في مكان، وهي الغسل لدخول حرم مكّة، وللدخول فيها ولدخول مسجدها وكعبتها. ولدخول حرم المدينة، وللدخول فيها، ولدخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله، وكذا للدخول في سائر المشاهد المشرفة للأئمة عليهم السلام. ووقتها قبل الدخول عند إرادته، ولا يبعد استحبابها بعد الدخول للكون فيها إذا لم يغتسل قبله، كما لا يبعد كفاية غسل واحد في أول اليوم، أو أول الليل للدخول إلى آخره، بل لا يبعد عدم الحاجة إلى التكرار مع التكرر، كما أنه لا يبعد جواز التداخل أيضا فيما لو أراد دخول الحرم ومكة والمسجد والكعبة في ذلك اليوم، فيغتسل غسلاً واحداً للجميع، وكذا بالنسبة إلى المدينة وحرمها ومسجدها» (العروة الوثقى مع التعليقات عليها، ج1، ص449).
ذهب بعضهم إلى بقاء أثر غسل الليل إلى الصباح وأثر غسل النهار إلى الليل كما ورد ذلك في غسل الاحرام، وإن أمكن إلغاء الخصوصية فانها تشمل غسل الزيارة أيضاً، وذهب بعض إلى دوامه يوماً كاملاً.
14ـ إذا كان حضور شخص ما في مجلس يقلّل من حدوث المعصية أو يمنع منها تماماً، فهل حضوره في ذلك المجلس من باب النهي عن المنكر واجب أم لا؟
ج ـ إذا كان حضوره يمنع من ذلك فحضوره يكون واجباً عقلياً لا شرعياً، كمقدمة الواجب التي تكون واجبة عقلاً أو كمقدمة الحرام الذي يعد حراماً عقلاً.
لقد أشار الشيخ الانصاري إلى حكم دفع المنكر لكنه لم يذكر رأيه المختار من الوجوب أو عدمه، فقال: «نعم، يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشيء ممّن يعلم أنّه يصرف المبيع في الحرام، بأنّ دفع المنكر كرفعه واجب، ولا يتمّ إلّا بترك البيع، فيجب. وإليه أشار المحقّق الأردبيلي رحمه اللّه حيث استدلّ على حرمة بيع العنب في المسألة بعد عموم النهي عن الإعانة بأدلّة النهي عن المنكر» (المكاسب، ج1، ص141).
لقد ورد في أدلة النهي عن المنكر أنَّ المراد منه النهي اللساني ولم يرد دليل في دفع المنكر إلّا إذا نفينا الخصوصية عن النهي ليكون المقصود هو المنع بأي طريقة كانت لساناً أو عملاً. وأما الرواية الشريفة: «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية» (وسائل الشيعة، ج1، ص76، ح171) فانها تدل على الاستحباب لا الوجوب.
15ـ لو حصل المكلّف في ضمن سنته الخمسية على ما يجب تخميسه فوراً كالكنز، فخمسه، فهل مع حلول سنته الخمسية وبقاء شيء من ذلك الكنز يجب عليه التخميس مرة أخرى؟
ج ـ هما عنوانان مختلفان وكل عنوان بنفسه يوجب التخميس، فيجب التخميس فوراً في بداية الأمر وإذا لم يصرف الجميع في مؤونة سنته وجب عليه التخميس مرة أخرى، ونظيره ما لو أعطى المكلّف زكاة ماله ثم لم يصرف المال في مؤونة سنته وجب عليه دفع خمسه إذا حل رأس سنته الخمسية.