LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"28 صفر الأحزان 1444 للهجرة"
كلمة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بمناسبة ذكرى استشهاد النبي الكريم صلى الله عليه وآله

تعريب: علاء الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى في كتابه الكريم: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) سورة آل عمران: الآية 144

تعازي

أرفع التعازي إلى المقام الرفيع والمنيع، والعظيم للإمامة الكبرى والولاية العظمى، مولانا بقيّة الله، الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بمناسبة ذكرى استشهاد أشرف الأولين والآخرين، وأفضل الأنبياء والمرسلين، النبي الكريم سيّدنا محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وكذلك وبناء على قول، ذكرى استشهاد مولانا الإمام الحسن المجتبى والإمام الرضا صلوات الله عليهما.

حول ذكرى استشهاد سبط النبي الأكبر، مولانا الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه، وكما يبدو انّ الأصح هو ذكرى استشهاده صلوات الله عليه في يوم السابع من شهر صفر الأحزان، لكنه لا إشكال من إقامة العزاء على مصابه، مرتين في السنة، كما نقيم العزاء ثلاث مرّات سنوياً على مصاب استشهاد أمّه المكرّمة مولاتنا الصدّيقة الطاهرة السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، أي بعد أربعين يوماً من استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعد خمسة وسبعين يوماً، وبعد خمسة وتسعين يوماً أيضاً، ونحزن على مصابها صلوات الله عليها. أو كذكرى استشهاد مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه، حيث يقام العزاء على مصاب استشهاده مرّتين في السنة. وحتى لمثل الإمام الرضا صلوات الله عليه، الذي يقام العزاء لمصاب استشهاده في آخر صفر، وهو المشهور بين الشيعة، والآخر في السابع عشر من شهر صفر، الذي يحيا في بعض الدول ومنها بالعراق والخليج. وعلى أي حال، لا إشكال في ذلك، ولا إيراد، أن نقيم العزاء على مصاب الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه، مرّتين في السنة.

عالم الظلم والأزمات

على كل حال، بذكرى المصائب الأليمة المذكورة، أقدّم التعازي، إلى المؤمنين والمؤمنات في كل نقطة من العالم، ولكل المظلومين على الكرّة الأرضية، لأنّ نبّي الإسلام صلى الله عليه وآله هو رحمة للعالمين، وكذلك السيرة المباركة لعترته الطاهرة صلوات الله عليهم.

أسأل الله تعالى، بفضله وكرمه، وبعناية المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، أن يعجّل في الظهور الشريف لمولانا الإمام ولي العصّر صلوات الله عليه، حتى ينجو المؤمنين والمؤمنات، وكل المظلومين في العالم، حتى غير المسلمين، من المشاكل والأزمات، في كل المجالات، ومنها أزمات الحكومات مع الشعوب، وبالعكس، فالدنيا اليوم هي من المصاديق البارزة لـ(ملئت ظلماً وجوراً).

شكراً لمقيمي الأربعين

في البدء، وحول شعيرة الأربعين الحسيني المقدّس، وبعنوان المسؤولية الشرعية، أعرب عن تقديري وشكري، لجميع الذين ساهموا في تقديم أية خدمة، لأجل تعظيم وإحياء الأربعين الحسيني، سواء من الذين في كربلاء المقدّسة وبكل مدينة بالعراق وإيران، وكذلك في أي بلد إسلامي وغير إسلامي، الذين لم يتوانوا عن تقديم أية خدمة، وتحمّلوا الصعوبات وبذلوا الأموال، أو شجّعوا وحثّوا الآخرين، أو أيّدوا الفعاليات الحسينية، ولم يقصّروا لأجلها. وكان نتيجة مساعيهم وأعمالهم، في السنة الجارية أن رأينا إقامة المراسيم الإلهية بأجلى صورة، وحسب الإحصائيات الرسمية، أنّه شارك في الزيارة الأربعينية الحسينية، أكثر من واحد وعشرين مليون شخص. وقد شاهدنا جلالة هذه المراسيم والحضور الكبير، رغم المعرقلات التي صدرت من الأعداء في أشكال مختلفة.

فشل الأعداء

لقد قلت وذكرت، كراراً، وفي مناسبات مختلفة، انّ النبي الكريم صلى الله عليه وآله، قال بخصوص عرقلة الأعداء للقضية الحسينية المقدّسة ومعاداتها، جملة استفاد فيها من لفظ (ليجتهدنّ)، وحسب تتبعي الشخصي، في قاموس الروايات، وهي أكثر من عشرة آلاف رواية، أنّ هذا اللفظ فريد من نوعه. فيوجد في كتب الروايات الشيعية أكثر من مئة ألف رواية، وقرابة سبعين ألف منها في موسوعة بحار الأنوار، وأربعين ألف منها في وسائل الشيعة، وعشرين ألف منها في المستدرك على الوسائل. وإذا أردنا أن نجمع الأحاديث المشتركة في تلك الكتب، فبالقين سيكون بين أيدينا أكثر من مئة ألف رواية عن المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم. ومع ذلك، فأنا شخصياً وفي غير قضية عرقلة القضية الحسينية المقدّسة، لم أجد مورداً استفيد فيه من لفظ (ليجتهدنّ).

كما قلت مسبقاً، إنّ الذين على معرفة باللغة العربية، يعرفون جيّداً انّ اللام في (ليجتهدنّ) هي لام القسم وجاءت عوضاً عن لفظ القسم (والله)، التي تشعر بالتأكيد على فحوى الأمر. وأنّ نون التوكيد الثقيلة في الكلمة هي تأكيد المؤكّد أيضاً. علماً أنّ مصدر (جهد) له كذلك مفهوم تأكيدي، بمعنى الاستفادة القصوى من القدرة والطاقة. وقد نسب رسول الله صلى الله عليه وآله، لفظ (ليجتهدنّ) إلى أئمة الكفر وأتباعهم، ليبيّن التأكيد. فهم على قسمين: الأول: قادتهم، وعبّر عنهم بأئمة الكفر. والثاني: أتباعهم وعبّر عنهم بأشياع الضلالة. وهم في حال العداوة والمعاداة مع الإمام الحسين صلوات الله عليه، ولا يتوانون عن استعمال أي عرقلة، وكذب، وقتل النفس، والتعذيب، والسجن، ونشر المنشورات، وغيرها، ولن يتوانون. ولكن كل مساعيهم ومحاولاتهم فاشلة وخائبة كما وعد صلى الله عليه وآله بقوله (لا يزداد إلاّ علوّاً).

عظمة الأربعين

بلطف من الله، أقيمت شعيرة الأربعين الحسيني بالسنة الجارية بجلالة وانتهت، ولكن ما رأيناه هو قبس من عظمة هذه الظاهرة، وهي بحاجة إلى المزيد من الفعاليات، حتى نرى ونشاهد الصور والمظاهر الأكبر والأكثر جلالة عنها. فالفعاليات التي رأيناها هي لا شيء وقليلة قبال العظمة الحقيقية لمراسيم الأربعين، لأنّ الناس كلّهم وفي كل نقطة من نقاط العالم، يحترمون الإمام الحسين صلوات الله عليه، حتى الكفّار والمشركين، فإنّهم يقيمون العزاء له. وهذا الأمر له مصاديق وأمثلة مختلفة في عالم اليوم. فعلى سبيل المثال، وكما نقلوا لي، وأنا قرأته في كتابات مختلفة أيضاً: أنّه في دولة الهند التي تبلغ نسمتها أكثر من المليار، ولعل نسبة الشيعة فيها لا تتجاوز الخمسة بالمئة، جعلوا يوم عاشوراء من أيّام العطل الرسمية، وكل الأديان والمذاهب في الهند يكرمون هذا اليوم ويعتبرونه يوم عطلة رسمية، ويعتبرونه عزاء وعطلة رسمية عامّة. في حين انّ أكثر الدول الإسلامية لا تعتبر يوم عاشوراء يوم عطلة رسمية، ولا يعترفون به كعزاء وعطلة عامّة رسمية، ولم تسجّله كيوم عطلة رسمية. وهذه الدول تعرف بأنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه هو السبط الأصغر لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولكنها لا تقول بإمامته رغم وجود الكثير من الأحاديث بالخصوص المذكور، ومنها: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) و(ريحانتاي من الدنيا) و(سيّدا شباب أهل الجنّة).

لنحذر الخذلان

مع وجود هكذا تقصير وأمثاله، يجب على الجميع أن يهتمّوا ويستفيدوا من الحريات النسبية الموجودة اليوم بالعالم، لنصرة الإمام الحسين صلوات الله عليه وتعريفه للعالم، عبر الكتابة والخطابة وماشابههما، وأن يهبّوا لهذا الأمر، حتى يكون يوم عاشوراء يوم عطلة عالمية. وهذه الثمرة ليست صعبة المنال، وسيشهد العالم تحقّقها. وسيكون الأجر لكل من يساهم ويسعى في هذا السبيل، ويتحمّل المشاق. وأما سيّئ الحظ، فهو من يشمله لعن النبي الكريم صلى الله عليه وآله الذي ذكره بالنسبة لمن يخذل القضية الحسينية المقدّسة بقوله: (اللهم اخذل من خذله). فيقيناً أنّ الله تعالى يهتمّ كثيراً بهذا الدعاء النبوي الشريف الذي دعا به النبي صلى الله عليه وآله وعيناه باكيتان، ويرتّب عليه الآثار. ولا شكّ انّ غير المهتمّين بالنسبة للقضية الحسينية، سيشملهم الخذلان الإلهي في الدنيا والآخرة.

إذن، يجب بذل الهمم غير المتناهية لذلك. فصاحب القلم والتأليف عليه أن يستفيد من قلمه وتأليفه في سبيل نصرة الإمام الحسين صلوات الله عليه. وصاحب المجلة وأمثالها، عليه أن يستعملها للسبيل المذكور. وكذلك أصحاب الخطابة والبيان، أو من لهم المنصب والمقام في الحوزات والجامعات، في كل مكان بالدنيا، عليهم أن يسعوا إلى تحقيق الهدف الذي أشرنا إليه. وأتمنى أن يتحقّق ذلك عملياً، شيئاً فشيئاً.

مراسيم لا نظير لها

لقد عشت في كربلاء المقدّسة لعدّة عقود، وحول الزيارة الأربعينية الحسينية، سمعت وشهدت أنّ الإحصائيات حول المشاركين في الزيارة حينها، بلغت المليون مشارك، ولكن في أربعين السنة الجارية (1444 للهجرة ـ 2022م)، شارك أكثر من واحد وعشرين مليون شخص، وهذا فريد من نوعه على الكرة الأرضية.

يوجد تجمّع لمجموعة غير مسلمة، وحسب ادّعائهم وإحصائياتهم التي يعلنوننها، أنّه يشارك في تجمّعهم قرابة خمسة مليون شخص. وشعيرة الحجّ التي هي من مناسك المسلمين، ويؤّكد عليها القرآن الكريم والمعصومين صلوات الله عليهم دائماً، كم تشهد سنوياً من الحضور؟ علماً بأنّه لولا القرارات المعرقلة، لشهدنا حضور الكثير والكثير في مراسيم الحجّ. وأكثر إحصائية سجّلها التاريخ حول الحجّ، ومذكورة في تفسير الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه، هي قرابة أربعة ملايين وخمسمئة ألف. فأين هذا العدد من حضور أكثر من واحد وعشرين مليون زائر في مراسيم الأربعين الحسيني للسنة الجارية؟ ولو ترفع وتزول المعرقلات التي يضعها بعضهم ممن يعتقد بالإمام الحسين صلوات الله عليه، وتقلّ، فسيصل عدد زوّار الأربعين إلى واحد وثلاثين مليون، وخمسين مليون، ومئة مليون وحتى مئتي مليون زائر.

حاجتان ملحّتان

بعض يسأل: كيف يمكن استيعاب هكذا أعداد؟ ونقول: إنّ كل العراق هو بمنزلة كربلاء المقدّسة. ففي النجف الأشرف والد الإمام الحسين صلوات الله عليهما، وفي الكاظمية وسامراء أبناء الإمام الحسين صلوات الله عليهم. وهكذا هي سائر مدن العراق. فيمكن استيعاب وتنظيم الزائرين في مختلف المدن العراقية. فأين الإشكال والمانع؟

علماً بأنّني قلت كراراً، وأقولها مرّة أخرى، أنّ زائري الأربعين الحسيني بحاجة إلى أمرين مهمّين عاجلين، وأسأل الله تعالى أن يتم توفيرهما بأحسن ما يمكن، وهما يتطلبان ميزانية مالية كبيرة. ومن المؤسف له أن لا يتم تحقيق ذلك حالياً. والأمر الأول هو وسائط النقل المجاني، كالطائرات والبواخر والسيارات. والأمر الثاني: بناء المئات من الفنادق التي تتكون من عشرة طوابق في أطراف مدينة كربلاء المقدّسة لاستيعاب الزائرين الحسينيين وإسكانهم بشكل مجاني. فيجب توفير وسائط النقل والفنادق للزائرين بشكل كبير وكثير ومجاني، كما نرى تقديم وجبات الطعام والمشروبات والمياه بشكل مجاني وبشكل واسع وكبير. ولم نك نشهد هذا التوزيع والتقديم المجاني للطعام والمشروبات في الماضي بالوسعة والكثرة التي نراها اليوم، وهذا الأمر تطوّر واتّسع بمرور الأيام وبهمم الحسينيين، وهذا الأمر لا يدعو للقلق، فقد تحقّق بالمقدار الكافي، وهذا التحقّق هو الوعد الذي بشّر به سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: (فلا يزداد إلاّ علوّاً). فإن يتم تحقيق وتوفير الأمرين اللذين أشرت إليهما، فسنشهد سيلاً عارماً من الزائرين بمئة مليون ومئتي مليون وحتى خمسمئة مليون زائر في مناسبة الأربعين الحسيني.

خصيصة حسينية

جدير هنا أن أذكر بعض الأمور حول مراسيم الأربعين الحسيني. فمن السنن الحسنة التي يعمل بها في زماننا، هي مراسيم مرور أربعين يوماً على وفاة أي شخص، وهذه المراسيم هي من الخيرات للأموات ولا إشكال فيها. ولكن هل سمعتم أم وجدتم في التاريخ أنّه تقام مراسيم الأربعين لأحد من المعصومين صلوات الله عليهم، سوى الإمام الحسين صلوات الله عليه، حتى في السنة الأولى من استشهاد المعصوم؟! فأنا شخصياً لم أجد ولم أسمع، ولم أجده في التاريخ. فمثلاً: استشهد النبي الكريم صلى الله عليه وآله في الثامن والعشرين من شهر صفر، فهل أقاموا له مراسيم الأربعين؟ وهل يوجد في التاريخ أنّ السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أقاما مراسيم الأربعين للنبي صلى الله عليه وآله، حتى في سنة استشهاده؟ وكذلك الأمر نفسه يصدق بالنسبة للإمام علي صلوات الله عليه الذي يكون أربعين استشهاده في الأول من ذي القعدة، وللإمام الحسن المجتبى وللإمام زين العابدين وللإمامين الباقر والصادق ولسائر الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.

بلى لم يك من الرائج إقامة سُنّة مراسيم الأربعين لأي من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أو لأي شخص، حتى في سنة استشهادهم أو وفاتهم. في حين نجد في الرواية المعتبرة عن الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه، أنّه قال بأنّ زيارة الأربعين هي من علامات المؤمن. وتتضمن هذه الرواية نقطة يجدر بأهل العلم والفضيلة أن ينتبهوا إليها، وهي انّ الرواية المشار إليها ذكرت علامات للمؤمن، كانت قبل زمن الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه، بين الناس، والإمام أكّد عليها في روايته المذكورة. ومن تلك العلامات: التختم باليمين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة واحد وخمسين ركعة، التي كانت قبل زمن الإمام العسكري صلوات الله عليه، أي في زمن آبائه وأجداده الطاهرين صلوات الله عليهم، وكما قلت أكّد الإمام عليها في روايته.

علامة الإيمان

لذا، فإنّ الدلالة الالتزامية تفهمنا بأنّ الزيارة الأربعينية هي كسائر الموارد التي ذكرتها رواية الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه، التي كانت رائجة في الأزمنة السابقة والإمام أكّد عليها. وهذه الرواية لها الظهور لعدّة مطالب، ويستنتج منها المطلب الأخير. وبعبارة أخرى: لم يقتصر أهل البيت صلوات الله عليهم بزيارتهم لقبر الإمام الحسين صلوات الله عليه في سنة استشهاده فقط، وإقامتهم للعزاء عنده، أو أنّ ذلك لم يستمر ولم يحصل في السنين التالية، كلا. فظاهر الرواية بالدلالة الالتزامية تدّل على أنّ الزيارة الأربعينية الحسينية تكرّرت في السنوات التي تلت سنة استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه واستمرّت. علماً بأنّه لا إشكال من إقامة مراسيم الأربعين لسائر المعصومين كالنبي الكريم صلى الله عليه وآله، والسيّدة الزهراء والإمام علي صلوات الله عليهما، ولكن وعلى الظاهر أنّ هكذا مراسيم لم تقام مسبقاً في زمن الأئمة صلوات الله عليهم، ولو كانت لذكرت، كما في القول المشهور: (لو كان لبان). وقد سمعت أنّه في يومنا، يقوم بعض الأشخاص في الدول الإسلامية وغير الإسلامية بإقامة مراسيم الأربعين لبعض المعصومين كالنبي الكريم والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وآلهما، وهذا لا إشكال في أيضاً. ولكن ما بيّنه الأئمة صلوات الله عليهم وأكّدوا عليه واعتبروه من علامات الإيمان هو الأربعين الحسيني.

همم مضاعفة

يجب مضاعفة الهمم لأجل الزيارة الأربعينية والحذر من خذلانها، فضلاً عن عرقلتها. فلقد وجدت في رواية أنّه يوجد في جهنم مكاناً اسمه (مقلاة)، وهذا المكان ووفقاً للرواية يختصّ بالذين يؤذون المقيمين للشعائر الحسينية المقدّسة. ولا أعلم عن سعة وكبر المكان المذكور، ولكن بما انّ الذين يؤذون المقيمين للشعائر الحسينية والزائرين الحسينيين، في مختلف أدوار التاريخ، من بني أميّة وبني العباس وإلى يومك، فلا شكّ سيكون مكاناً كبيراً واسعاً حتى يستوعب كل اولئك، لأنّ أعدادهم تبلغ الملايين.

يقال في العربية للوسيلة التي يُقلى فيها اللحم وسائر الأغذية الأخرى كالباذنجان واليقطين وغيرها، بمقلاة. ويوجد هكذا مكان أو وسيلة في جهنم، وهو خاص بعذاب الذين عرقلوا في حياتهم بالدنيا القضية الحسينية المقدّسة وعرقلوا الزيارة الحسينية والزائرين الحسينيين. وأما الذين تعرّضوا للأذى في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه، مثل من صُفع على وجهه، أو حُبس في بيته (الذي تذكره الروايات) أو أخذوا منه الأموال لأجل زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه (فأخذ المال من زائري الإمام الحسين صلوات الله عليه حتى لأجل سمة وتأشيرة الدخول يعدّ من مصاديق خذلان القضية الحسينية)، كل اولئك سيحضرون عند المقلاة وسيرون عذاب الذين ظلموهم، وكيف أنّ الله تعالى يأخذ حقّهم منهم، فيقرّوا ويطمئنّوا ويفرحوا.

أنا شخصياً لم أجد هكذا حالة أو عذاب بالنسبة للذين يرتكبون الخذلان في طريق زيارة النبي الكريم أو الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، أو في طريق زيارة السيّدة الزهراء صلوات الله عليها (المخفي قبرها). وإن وجد أحد الفضلاء هكذا أمراً حول سائر المعصومين صلوات الله عليه فليأتيني به. بينما كل ما تم ذكره يختصّ بالإمام الحسين صلوات الله عليه فقط، وهو من الخصائص الحسينية.

نقترض للقضية الحسينية

إذن، من الأمور الجديرة بالاهتمام هو الأربعين الحسيني، الذي يجب أن يعظّم ويُحيى أفضل وأوسع من قبل، وبمساعي الجميع. فيجب لأجل ذلك عدم غض النظر عن أي مسعى. وكما ذكرت كراراً، يجدر بالمرء أن يقترض لذلك، وحتى لو لم يمكنه تسديد القرض ويرحل عن الدنيا وهو مديون. فهكذا أشخاص ليسوا من الذين تشير الروايات إلى أنّهم يبقون بالحبس حتى يتم تسديد ديونهم. وقد ذكرت كثيراً في مناسبات مختلفة، وأكّرّر مرّة أخرى، أن النبي الكريم صلى الله عليه وآله، استشهد وكان مطلوباً لمئة شخص. وكان الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، ولمدّة سبع سنوات من بعد استشهاد النبي صلى الله عليه وآله، يؤدّي ديون النبي، عندما كان يذهب إلى الحجّ، وذلك في منطقة منى التي يجتمع فيها الحجّاج، حيث كان الإمام صلوات الله عليه يعلن للجميع: من كان له دين عند رسول الله صلى الله عليه وآله فليأتي إليّ ويأخذ دَينه. وكما يجدر الدين والقرض من الآخرين، لأجل إمرار المعيشة وللارتقاء في مستوى الحياة، الكمّي والكيفي، أو لأجل قضايا العرس، للأبناء والبنات، أو لأجل العلاج، فهكذا يجدر القرض والدَين في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه ولإقامة العزاء على مصابه، ولنشر معارف القضية الحسينية. فهكذا عمل هو من الفضائل، ولا إشكال حتى لو لم يستطع تسديد الديون. وإن رحل عن الدنيا ولم يتمكّن من تسديد ديونه، فلتؤدّى ديونه من تركته، وإن لم يترك أو يخلف شيئاً، ووفقاً للروايات، يجب على إمام المسلمين أن يسدد ديون المديون، وإلاّ يأثم. والمقصود من إمام المسلمين في الرواية هو ليس الإمام المعصوم، بل غير المعصوم الذي يدّعي الإمام، أمثال: بني أميّة وبني مروان وبني العباس وأضرابهم. فلذا يجب بذل الهمم في سبيل الأربعين الحسيني والعمل على إزالة النواقص وتأمين وتوفير الاحتياجات.

مكانة الزائر عند الله

لقد أقيم الأربعين بالسنة الجارية، أفضل من السنة الماضية، وبمشاكل أقلّ، ولكن يجب السعي إلى إقامته بالأحسن والأفضل في المستقبل. وقد شاهدت جوانب من مراسيم الأربعين العظيمة في الصور التي أوصلوها لي. فزائر الإمام الحسين صلوات الله عليه يحظى بمكانة ثمينة عند الله تعالى. وذكرت الروايات الشريفة حول زوّار الإمام الحسين صلوات الله عليه في كتاب الكامل في الزيارات الشريف، أمراً لم أجد شبيهاً له في زيارات باقي المعصومين صلوات الله عليهم، حتى رسول الله والإمام أمير المؤمنين والسيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم، وحتى حول الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه. فالرواية التي يذكرها الكامل في الزيارات وفي كتب أخرى أيضاً، تقول بأنّه عندما يرجع الزائر الحسيني، يأتيه مَلَك ويقول له: (إنّ رسول الله يبلغك السلام). فكم يحظى هذا الأمر من الدرجات المعنوية، وكم هو ثمين؟ وهذه من الخصائص الحسينية.

من الواجب

بلى إنّ للزائر الحسيني تلك المكانة الخاصّة، فهل يجوز أن ينام الزائر الحسيني على الأرض ويستريح على قطعة من الكرتون؟ فإن أدركنا حقّاً حقيقة مكانة الزائر عند الله تعالى، فيجدر بنا الآه والتأوّه. وأصحاب الثروات والقدرات، وهم الأثرياء والحكّام، بإمكانهم أن يرفعوا ويزيلوا هذه المشكلة للزائر الحسيني، وباستطاعتهم أن يقوموا بإيجاد وتوفير أماكن استراحة ومنام للزائرين الحسينيين حتى لو بلغ عددهم في يوم ما مئة مليون زائر، وحتى لا يناموا على الأرض أو لا يجدون مكاناً لائقاً ومناسباً للاستراحة. فيجب الاهتمام بذلك وبذل الهمم. ولا شكّ انّ هذه الاحتياجات ستؤمّن يوماً ما، ولكن تبقى الحسرة على الذين يمكنهم اليوم أن يشجّعوا ويحثّوا على الاهتمام بخطاباتهم وبأقلامهم، ولكن قصّروا.

أنا أشكر جميع الذين تحمّلوا العناء والتعب لأجل إقامة مراسيم المسيرات الحسينية الأربعينية، سواء في الدول الإسلامية وغير الإسلامية. وكل ما أقيم من فعاليات في الزيارة والمسيرة الأربعينية، من إطعام، وتوزيع الماء، وتشجيع الآخرين، وإهداء ثياب العزاء، وصرف الأموال، وغيرها وغيرها، هي كلّها من الشعائر الحسينية المقدّسة، وذات قيمّة كبيرة. وأتمنّى وكما وعد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله، بقوله (فلا يزداد إلاً علوّاً) أن نرى يوماً بعد يوم اتساع الشعائر الحسينية، كما رأينا اتّساعها منذ أربعين وخمسين سنة ولحدّ يومنا، وبالتحديد منها مراسيم الأربعين الحسيني، في كل العالم. فلا يخطر على بالي أنّ الدول غير الإسلامية شهدت في السنين الماضية مراسيم ومسيرات الأربعين الحسيني، لكن اليوم نرى تحقّقه.

الأمر الثاني

الأمر الثاني هي السيرة النبويّة الشريفة، وأذكر نموذجاً من مئات النماذج لتلك السيرة الوضّاءة، مع نموذج من غيرها من السير، التي رآها معظمنا أو سمع عنها في الصحف وغيرها، عبر السنين الماضية، ومنها الأحداث التي وقعت في العراق قبل قرابة ستين سنة، وإحداها الانقلاب الذي حصل بالعراق سنة 1378 للهجرة، وعاصره منّا من كان بعمر العشر سنوات حينها، وكان انقلاباً عسكرياً، وأدّى إلى سقوط الملكية في العراق، فقام أصحاب الانقلاب بقتل وسجن وتعذيب ومصادرة أموال وممتلكات كل من كان له دوراً في حكم الملكية. ويمكنكم معرفة تفاصيل ذلك عبر مراجعة ما كتبته الصحف حينها. وقد صادف وقوع الانقلاب في العراق في شهر ذي الحجّة الحرام، واستمرّت الأحداث من بعده لمدّة خمس سنوات. وشكّلوا حينها محكمة باسم (المحكمة العليا) برئاسة شخص كان اسمه فاضل عباس المهداوي. فقام الأخير بمحاكمة كل الأشخاص الذين كان لهم الدور في الحكم السابق وتم اعتقالهم، وأصدر أحكام الإعدام بحقّ عدد منهم، وتناقلته الصحف والإذاعة والتلفاز. وكانت بعض المحكمات لا تستغرق سوى دقيقة ونصف الدقيقة وتصدّر حكم الإعدام. فاعترض على تلك الأحكام، مراجع التقليد واستنكروها، وقالوا إنّه لا وجاهة ولا مقبولية شرعية لهذه الأحكام التي تقضي بالإعدام. فوفقاً لآراء ووجهات نظر المراجع حينها: أولاً: ليس حكم كل جرم أو مجرم، الإعدام، وثانياً: وعلى فرض صدور حكم الإعدام بحقّ المجرم، فإنّه لا صلاحية لكل شخص أن ينفّذ حكم الإعدام. فمثلاً: إن قتل شخص أبا زيد عن عمد، فيحقّ لابنه أن يقتصّ منه، ولكن ذلك لا يحقّ لجار زيد. وإن قتله جاره، فقد ارتكب القتل ويجب قصاصه.

فعل غربي سيئ

من المؤسف، إنّ قتل وإبادة أفراد وأشخاص النظام السابق، هي من أفعال الدول الغربية في القرون الوسطى وسرت إلى الدول الإسلامية، ومنها العراق وهو إحدى الدول الإسلامية. وفي زمن ذلك الانقلاب، كانت أحكام الإعدام تصدر بحقّ العشرات وحتى المئات، وكان التلفاز العراقي حينها يبثّ تلك المحكمات التي لم تستغرق سوى دقيقة واحدة ونصف الدقيقة. وكما قلت، حصل الكثير من تلك الحالات والوقائع في زمننا الحالي، كما حصل ووقع مثلها من قبل في زمن بني أميّة وبني مروان وبني عباس. فاجعلوا تلك الأحداث والوقائع بجانب وقائع فتح مكّة من قبل نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، وقارنوا بينهما واحكموا، ولتعرفوا الفارق والتمايز.

النهج والفكر الصحيحين

لقد عرض دين الإسلام والفكر الإسلامي، للدنيا، منهجاً ونهجاً وفكراً جديداً ومقبولاً. فواقعة فتح مكّة، والثلاثة أيّام من بعدها التي كان فيها رسول الله صلى الله عليه وآله متواجداً في مكّة، هي حُجّة الإسلام، وهي سيرة النبي، ومنهج الإسلام ونهجه. فكل أفعال وتقارير النبي الكريم صلى الله عليه وآله وحتى كيفية نظره إلى الناس والعدو المنهزم، وكل ما صدر عنه صلى الله عليه وآله من أسلوب وتعامل وذهاب ورواح في تلك الثلاثة أيّام هي حجّة على العالمين وهي تعريفاً للإسلام ولا نظير لها، ويجب التأمّل والتدبّر فيها، ودراستها بدقّة كاملة وبكل حذافيرها. وهكذا هي تقريراته صلى الله عليه وآله، أي سكوته وتأييده لأفعال الآخرين. فتعامل النبي صلى الله عليه وآله في تلك الأيّام الثلاثة تحوي المئات من المطالب التعليمية للبشرية، وإذا أردنا دراستها وبحثها بشكل دقيق فستسوجب موسوعة بعديد من المجلّدات. وإذا أراد أصحاب السينما إنتاج فلماً تاريخياً عنها فسيكون مدّته ساعات وساعات، ويهزّ الدنيا كلّها. ولا ننسى أنّه يجب الأخذ عن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم في إنتاج الأفلام ووفقاً لما ذكروه ووصفوه عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله، وليس عن المنافقين من الأصحاب، ومما ذكروه عن النبي من الافتراءات والأكاذيب، والتهم الكثيرة التي نسبوها إليه صلى الله عليه وآله.

التعامل الرحيم

ما يلفت النظر في الانقلاب الذي وقع في العراق قبل قرابة ستة وستين سنة، انّ كل الذين صدر بحقّهم أحكام الإعدام أو تم قتلهم، لم يظلموا أحداً من أصحاب الانقلاب المذكور الذي قام به قرابة خمسين شخصاً من الضبّاط. لكنّ أصحاب الانقلاب قاموا بإعدام حتى من كان له أبسط عمل في الحكم السابق، ولم يفرّقوا بين الصالح والطالح منهم. في حين إنّ مشركي مكّة ظلموا النبي الكريم صلى الله عليه وآله لمدّة عشرين سنة. ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقوم بمثل طريقة وأسلوب الآخرين لكان ذلك يستوجب قيامه بإعدام الألوف، لكنه صلى الله عليه وآله لم يقم بذلك أصلاً، أي لم يعدم حتى رؤوساء المشركين كأبي سفيان وأمثاله، بل ولم يسجنهم، والأكثر من ذلك، لم يسمح لأحد من المسلمين بأن يعتدي عليهم أو يعذّبهم.

ومن الأمثلة

على سبيل المثال: ألقي القبض على أحد المشركين بعد فتح مكّة، وكان من أدباء العرب، ومارس الحرب الإعلامية والثقافية ضدّ النبي الكريم صلى الله عليه وآله لمدّة عشرين سنة، وكان ينظم الشعر السخري ضدّ النبي صلى الله عليه وآله. وبعد فتح مكّة ألقي القبض عليه من قبل المسلمين، فطلب أحدهم من النبي صلى الله عليه وآله أن يقتله، ولكن رفض النبي صلى الله عليه وآله. وبعدها طلب من النبي صلى الله عليه وآله أن يقلع أسنانه الأمامية حتى لا يمكنه أن يستعمل لسانه ضدّ النبي، فرفض النبي أيضاً. أليس هذا التعامل مع العدو من نبي الإسلام صلى الله عليه وآله فريداً في نوعه؟ ومن المسؤول في تعريف مثل هذا التعامل للعالم ونشره؟ هل هذه من مسؤولية المسيحيين أم اليهود؟ وهل يقوم بهذه المسؤولية أتباع الصحابة المنافقين؟ فلو نقوم بعرض ذلك التعامل على العالم ونبيّنه للبشرية ألف مرّة، وفي مختلف الأشكال، فهو قليل، بل يلزم عرضه بالبلاغ المبين.

دور الشباب

أيّها الشباب الأعزاء الشيعة، ذكوراً وإناثاً، في كل مكان بالعالم، تقع عليكم مسؤولية تبليغ المعارف والسيرة النبويّتين الشريفتين، كما هي مسؤولية الجميع، ولكن الدور الأهم هو للشباب.

يخاطب القرآن الكريم سائلاً بعض الناس بقوله عزّ من قائل: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ). فهل الجواب سيكون من النصارى أم اليهود؟ وهل هؤلاء يقولون لم نصلّي ولم نصم؟ فمن المسلّم به ليس اولئك، بل سيكون الجواب من المسلمين، وكذلك بضمنهم الكفّار، لأنّه وحسب المعروف بين الفقهاء انّ الكفّار مكلّفين بالفروع. فلذا يجب أن يعرف العالم السيرة النبويّة الشريفة ومعالمها.

الخروج من الدين أفواجاً!

أذكر قصّة، ذكرتها كتب الخاصّة والعامّة، عن معاوية والحجّاج أيضاً. فقد جاء شخص عند معاوية، فسأله الأخير هل تعرف من القرآن شيئاً؟ فبدأ الشخص بتلاوة القرآن، وكان مما قرأه سورة النصر، وهكذا قرأ آية منها: ورأيت الناس يخرجون من دين الله أفواجاً! عوضاً عن يدخلون في دين الله أفواجاً. فاعترض عليه معاوية بقوله: لِمَ قرأت بالخطأ. فقال الشخص لمعاوية: إنّ يدخلون في دين الله أفواجاً كانت مختصّة بزمن نبي الإسلام الله صلى الله عليه وآله، ولكن بزمنك، تبّدل الأمر وصار الناس يخرجون من دين الله أفواجاً. وحسب ما ذكرته كتب التاريخ للخاصّة والعامّة انّ معاوية لم يكذّب الشخص. وهكذا مثله حصل في زمن الحجّاج الذي جعله عبد الملك المرواني والياً على الكوفة.

مع بالغ الأسى، نسأل: ألم يحصل مثله في عصرنا الراهن؟ ومن المسؤول عن هذا الوضع؟ فمن المؤسف له، أنّه في عصرنا الحالي، لم يجري التعريف الصحيح واللائق والجدير بنبي الإسلام صلى الله عليه وآله ولا القرآن ولا أهل البيت صلوات الله عليهم. وكذلك لا ننسى دور الأعداء وافترائهم للكذب، وقلبهم للحقائق. وكذلك، لم يقم أتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته صلوات الله عليهم والقرآن، بأداء مسؤوليتهم بالشكل الصحيح والمطلوب، وبالنتيجة نشهد الوضع الحالي، إضافة إلى أخطاء وتقصير الدول الإسلامية، وهو حديث يطول بيانه. فمما يخطر على بالي، أنّه يمر على الانقلاب الذي وقع في مصر سنة (1952م) قرابة سبعين سنة، فهل خلت كل الانقلابات التي حصلت ووقعت في الفترة الزمنية المذكورة من حالات الإعدام والإبادة والقتل؟ فرسول الله صلى الله عليه وآله بعد فتح مكّة لم يقم بقتل الذين عادوه وحاربوه وعادوا المسلمين لسنين عديدة. ففي يوم الفتح كان في مكّة، المئات من الذين ارتكبوا تلك المظالم، وقتلوا العديد من المسلمين في الحروب، أو جرحوهم أو أعاقوهم، أو صادروا أموال المسلمين واعتدوا عليهم. أليس هذا التعامل جميل في ذاته ونفسه؟ ألا يجب تعريف وتبيين هذا التعامل للعالم كلّه؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ إنّنا جميعاً تقع علينا مسؤولية ذلك، كل حسب قدرته واستطاعته. وبما انّه لا يوجد اليوم من فيه الكفاية، فقد تبّدلت المسؤولية إلى واجب عيني. بلى، يستثنى من ذلك، من يقوم بمسؤولية أهم أو مساوية للمسؤولية التي ذكرناه، ولكن إن خلى الأمر من مزاحم مساوي أو أهم، فلا شكّ ستكون المسؤولية المشار إليها من الواجب العيني.

صحابة النفاق

أتاني بعض الفضلاء بكتابات فيها الإهانة إلى شخصية نبي الإسلام صلى الله عليه وآله والقرآن الكريم وأهل البيت صلوات الله عليهم، وفيها كلمات نابية وسيّئة. وهذه نتيجة الافتراءات والكذب من قبل الصحابة المنافقين، أي الذين أنزل الله تعالى بحقّهم سورة كاملة وسمّاها بسورة المنافقين، ووصفهم بأنّهم هم العدو. وهذا يعني انّ الأعداء الحقيقيين لرسول الله صلى الله عليه وآله ليس الكفّار والمشركين، بل هم الذين اندسّوا في إطار الإسلام ولكنهم يكنّون النفاق. وتقديم ما يجب التأخير في العبارة يفيد الظهور في الحصر، ويعني: اعلم يارسول الله انّ المنافقين هم الأعداء الحقيقيين لا غيرهم. وبجعلنا للإنصاف معياراً، يتّضح بكل وضوح وحقيقة انّ المنافقين هم سبب عدم تقدّم الإسلام وهم السبب في خروج الناس من دين الله أفواجاً.

مسؤوليتان ضروريتان

مسؤوليتان مهمّتان في عصرنا الحاضر، وهما الأربعين الحسيني وتبليغ الإسلام الحقيقي المبين الذي أتى به النبي الكريم صلى الله عليه وآله وطبّقه. ولا يخفى انّ البلاغ المبين بحاجة إلى التعلّم. فكل مسلم ولأجل القيام بمسؤولياته، لا يستغني عن مراجعة ومطالعة المجلّدات السبعة من موسوعة بحار الأنوار القيّمة التي تحتوي على تاريخ وسيرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله، ولابدّ من مطالعتها. وهذه المسؤولية تتأكّد أكثر على طلاب الجامعة والحوزة. فعليهم أن يقوموا اليوم، وهي ضرورة ملّحة ومهمّة جدّاً، بدراسة وبحث التعامل والأسلوب السياسي والاقتصادي لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله، وأن يعرّفوهما للبشرية ويعرضوهما عليها.

ففي كل دول العالم اليوم، هل ترى الزواج للشباب ميسّراً وسهلاً وأنّهم لا يعانون من الفقر والمكنة المالية؟ هل يجد ذلك أحداً منكم في دولة ما؟ بلى، من الممكن أن ترى عدم زواج شاب بسبب آخر غير مالي، ولكن الغالبية والأكثرية من الشباب لا يتمكّنون من الزواج بسبب الفقر المالي وقلّة المكنة المالية. ولم تسجّل مثل تلك الحالات في دولة النبي الكريم صلى الله عليه وآله التي طالت لمدّة عشر سنوات. بلى، كان فيها فقراء لكنّهم لم يبقوا على الفقر إلى آخر عمرهم. فقد كان بعض الناس في دولة النبي صلى الله عليه وآله، لا يملكون السكن والبيوت، لكنّهم لم يبقوا إلى آخر عمرهم يعيشون في بيوت استئجارية، أو بدون مأوى.

إعلام معادي مستمر

كذلك كانت أوضاع المسلمين في دولة الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه التي طالت لمدّة خمس سنوات وامتدّت إلى قرابة نصف الكرة الأرضية، كأوضاعهم في زمن دولة النبي صلى الله عليه وآله. وقد حصلت تلك الإنجازات، رغم وجود الكثير من الأعداء ورغم الإعلام المضاد الواسع ضدّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فقد سمعتم من الخطباء أنّهم يذكرون في مجالسهم بأنّه عندما جرح الإمام علي صلوات الله عليه في المسجد، سأل بعضهم: وهل كان عليّ يصلّي ويذهب إلى المسجد؟! وكذلك نسبوا العديد من التهم الأخرى بحقّ الإمام علي صلوات الله عليه، وهي مسجّلة ومكتوبة في موسوعة بحار الأنوار القيّمة، ولا أذكرها حالياً. فكان مما يفتريه الأعداء قولهم بأنّ أظافر عليّ مكسورة بسبب فلان عمل. وهي تهم، تدمي قلب المنصف وتؤلمه، وهي تهم تدمع العين بسببها. وهذا غيض من فيض الإعلام المضاد للإعداء المستمرّ لحد يومك. وهذا ما يجب أن يعرفه العالم كلّه. فيجب على الجميع، من الوعّاظ والخطباء والمتدينيين وإلى الشباب، ذكوراً وإناثاً، في أطراف الأرض كلّها، أن يعرّفوا تلك الأمور للعالم، بالاستفادة مما حصلوا عليه من طاقات وقوى في شهري محرّم الحرام وصفر الأحزان، وذلك عبر ممارسة التبليغ والدفاع عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم والقرآن الكريم.

أيّام الفرح والحزن

أذكّر، بأنّه إلى يوم الثامن من شهر ربيع الأول هي الأيّام المحسنية وتًلحق بشهر صفر، وهي أيّام الحزن والعزاء. وبعدها ومن يوم التاسع من ربيع الأول، ووفقاً للرواية المعتبرة عن أحمد بن إسحاق، تبدأ أيّام أعياد أهل البيت صلوات الله عليهم. وهذه من أسماء يوم التاسع من ربيع الأول. وقد ذكرت الروايات، إثنان وسبعون اسماً ليوم التاسع من ربيع الأول، وأشارت إليها موسوعة بحار الأنوار وغيرها من الكتب. وقد روى المرحوم الشيخ الصدوق رحمه الله، بسند، رواية تقول بوجوب فرح الشيعة في أفراح أهل البيت صلوات الله عليهم، وحزنهم في أحزانهم، وهي: (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا). وذكرها المرحوم ابن قولويه في كتابه القيّم الكامل في الزيارت أيضاً. فيجب أن لا نفرح بيوم الحزن.

إنّ أيّام ذكرى مواليد أهل البيت صلوات الله عليهم، كمولد النبي الكريم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، والسيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليه، أو أيّام زواج الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليهما، هي من الأيّام التي فرح بها وفيها أهل البيت صلوات الله عليهم، وعلينا أن نفرح نحن فيها أيضاً. وكذلك بالنسبة للأيّام التاريخية المهمّة، مثل انتصار رسول الله صلى الله عليه وآله على مشركي مكّة بفتحها، أو انتصار الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حروب الجمل وصفين والنهروان، ويوم مولد الإمامين الحسنين صلوات الله عليهما، هي أيّام تدخل في إطار ودائرة (يفرحون لفرحنا) ويجب أن نفرح في هذه الأيّام.

مفهوم الفرح والحزن

كما بيّنت مراراً، انّ الفرح لا يعني فرح القلب، بل يعني إظهار الفرح. وعلى سبيل المثال: في أيّام أفراح أهل البيت صلوات الله عليهم، ليقوم كل فرد بشراء كميّة من الحلويات ويوزّعها على أفراد عائلته أو جيرانه، إعراباً عن فرحه وإظهاراً له، ويوجب فرح الآخرين أيضاً. وبعض يمكنهم أن يقيموا الاحتفالات لأفراح أهل البيت صلوات الله عليهم، أو يقوموا بإطعام المؤمنين، أو حتى يبعثوا الآخرين إلى سفرة. فكم هو جدير وحسن، أن نبعث بعض الأشخاص إلى زيارة مرقد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في يوم ذكرى مولده. فهذه الأعمال كلّها هي مصداق لـ(يفرحون لفرحنا) ومن الشعائر الإلهية.

تعريف للشعائر الإلهية

قد يسأل بعضنا: ما الذي يدخل في إطار ودائرة الشعائر؟ وللجواب أقول: قد بيّنت في كلمات سابقة بأنّه لا حاجة بأنّ فلان الفعل أو الشيء يجب أن يكون أو كان في زمن الأئمة صلوات الله عليهم، حتى يمكن عدّه من الشعائر الإلهية، بل كل ما هو مشروع ويكون تجليلاً لله تعالى أو لأهل البيت صلوات الله عليهم، فهو من الشعائر الإلهية. وأما ما يقال بأنّه يجب أن تكون الشعائر لها سابقة في زمن الأئمة صلوات الله عليهم، فهذا القول هو من الفكر المتهرّئ للوهابية. فعلى سبيل المثال: هل إنّ الضريح المقدّس للإمام الحسين صلوات الله عليه أو القبّة أو المنارتين، المصنوعة من الذهب والفضّة، ولم تك في زمن الأئمة صلوات الله عليهم، هي ليست من الشعائر الحسينية ولا من الشعائر الإلهية؟ لا شكّ، ومن المسلّم به هي من أقدس الشعائر.

إذن، أأكّد، في مجال العمل بأمر (يفرحون لفرحنا) إن افتقدت نقطة من نقاط العالم، سواء في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، إلى حسينية يقام فيها مجالس أفراح أهل البيت صلوات الله عليهم، فيجب الاهتمام ببناء حسينية فيها، ولو بشكل غير مكلف جدّاً. وإن حصل التقصير في ذلك، فهو خذلان، والمقصّر فيه، يشمله لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الذي يختصّ بمن يخذل الإمام الحسين صلوات الله عليه.

لتعرفوا الحقيقة

أسأل الله عزّ وجلّ، أن يمن بمزيد من التوفيق على الذين وفّقوا في سبيل علوّ وشموخ الأربعين الحسيني، وفي تبليغ معارف القرآن، وسيرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله، وأن تشملهم عنايته تعالى، وكذلك أن يمنّ بالتوفيق على الذين لم يوفّقوا، لكي يكون لهم الدور في السبيل المشار إليه. فيجب أن يكون الأربعين الحسيني، أكثر جلالة وإجلالاً وظهوراً، سواء في مدينة كربلاء المقدّسة، وفي كل نقطة من نقاط العالم، في المدن والأرياف، وفي الدول الإسلامية وغير الإسلامية.

كذلك يجب أن نعلم جيّداً، بأنّ تاريخ النبي الكريم صلى الله عليه وآله، وبالأخص واقعة فتح مكّة وما رافق الفتح من هوامش، هو من الأمور المهمّة التي يجب أن لا نغفل عنها. ويجدر إنتاج فلماً بالخصوص المذكور، ونعرضه على العالم كلّه، فعندها سنرى في زماننا تحقّق: (يدخلون في دين الله أفواجاً). فمما يدعو إلى التأسّف، أنّه مثل تلك الأمور التي ذكرناها عن سيرة النبي وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، لا تُذكر، أو تذكر قليلاً، ويجهلها حتى أبناء الشيعة، وليس لهم المعرفة الكاملة بها. فعلى الشباب أن يقوموا بأنفسهم بدراسة التاريخ والبحث فيه ليعرفوا تلك المعارف، ويقوموا بعدها بإيصالها وتعريفها للآخرين.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.