نصّ المطارحة العلمية الأولى للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1444 للهجرة، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، بحضور ومشاركة الشخصيات العلمية، ووكلاء مراجع التقليد الأعلام، وناشطين دينيين وثقافيين، وطلبة العلوم الدينية، مساء يوم الخميس 1 شهر رمضان العظيم1444 للهجرة (23/3/2023م):
بسم الله الرحمن الرحيم
س1ـ ما هو وجه عدول سماحتكم من الاحتياط الوجوبي إلى الاحتياط الاستحبابي في مراعاة ترتيب غسل الجانبين في الغسل الترتيبي؟
ج: ان العدول من الاحتياط الوجوبي الى الاحتياط الاستحبابي أو الفتوى إلى الاحتياط الوجوبي قد تكرر على مدّ تاريخ الفقه و بين الأصحاب ومن النادر بين الفقهاء من زمن الشيخ المفيد والشيخ الطوسي من لم يغيّر فتواه أو رأيه في المسائل. في كثير من هذه الموارد نجد الاحتياط الوجوبي مستنداَ إلى الشهرة أو اجماع الفقهاء وبعد مراجعة الأقوال والأدلة يجد الفقيه عدم وجود شهرة في المسألة ونسبة الشهرة إلى الفقهاء لم تكن تامةً أو أن المسألة لم تكن مجمعاً عليها من قبل الفقهاء كما نسب إليهم وأنهم قد ذكروا رأياً آخر فإنّ الفقيه يعدل من الاحتياط الوجوبى إلى الاحتياط الاستحبابي تبعاً لاولئك.
وفي ما نحن فيه فإنّ صاحب العروة ذكر المسألة في بيان كيفية الغسل الترتيبي (العروة الوثقى ج 1، ص 270) بانه يجب الترتيب وهو أن يغسل الرأس والرقبة أولاً ثم الطرف الأيمن من البدن ثم الطرف الأيسر و نسب ذلك الی المشهور والظاهر أنّ النسبة هذه ليست تامة والروايات البيانية الواردة لبيان كيفية غسل الجنابة غير ظاهرة في لزوم مراعاة الترتيب في الجانبين. فالاحتياط الاستحبابي في المسألة انما هو لرعاية فتوى مجموعة من الفقهاء القائلين بلزوم الترتيب.
س2ـ ماهو الدليل في صحة زواج الصغيرة؟
ج: إنَّ جواز تزويج الصغيرة من قبل الولي هو مقتضى إطلاق الأدلة والملاك في ذلك احراز مصلحة ذلك للصغيرة، وهذا كاف في جوازه وهي صغيرة فولي الصغيرة أبوا وجدّها للأب لابد لهم من ملاحظة مصلحتها في جميع المسائل، قد يقال: إنّ الصغيرة لايجوز الدخول بها فينتفي بذلك مصلحة تزويجها فيقال: إنّ الدخول بالصغيرة وإن كان غير جائز إلّا أنه قد يتصور مصالح أخرى في توجيه هذا التزويج كما لوكان الولي قاصراً عن توفير ما تحتاجه الصغيرة وصرف المال عليها فإنّ الولي يزوجها وهي كذلك ليوفّر الزوج ما تحتاج هي إليه وامثال ذلك من المصالح التي يمكن تصورها في خصوص هذه المسألة.
ونظير هذه المسألة مذكورة في باب تشخيص الضرر في الصوم حيث لم يحصل للصائم اطمئنان بقول الطبيب بأنّ الصوم ضرري بالنسبة له فهو في هذه الحالة يصوم وإذا حصل له الاطمئنان بأنّ الصوم مضرٌّ له فيسقط وجوب الصوم عليه ذلك أنّ قول الطبيب في ظرف الشك حجة.
س3ـ إذا أحرز الولي وجود المصلحة في تزويج الصغير أو الصغيرة، وغيره لم يحرز هذه المصلحة له أو لها فما هو الحكم؟
ج: عند تعارض تشخيص المصلحة بين ما شخّصه الولي و بين تشخيص غيره فإنّ تشخيص الولي مقدم على غيره لأنه هو الولي الشرعي لها وقد كلفّه الشارع بذلك، والحكم في باقي تصرفات الولي في شؤون الصغير والصغيرة كذلك.
س4ـ إن حصل التعارض بين رأي الولي وبين غيره، هل يمكن للمتخالفين رفع الدعوى إلى حاكم الشرع ليحكم في ذلك؟
ج: نعم، في الصورة المذکورة يَصّح رجوعهم إلى حاكم الشرع وما حكم به الحاكم لزم اتّباعه.
س5ـ إن تبين بعد تزويج الصغيرة والصغير أنّ الزواج لم يكن لصالحه فهل بمقتضى ولايته يكون الزواج صحيحاً؟
ج: لا يكون الزواج صحيحاً فاذا انكشف فيما بعد الزواج أنه لم يكن ذلك لمصلحته أو مصلحتها فبمقتضى القاعدة يكون الزواج باطلاً لأنّ الولي لا ولاية له في الزواج المخالف لمصلحته أو مصلحتها فإنّ الألفاظ وضعت للدلالة على معانيها الواقعية وفي ما نحن فيه توهّم الولي مصلحته فيكون الاستعمال للفظ خلاف الواقع.
6ـ هل يمكن القول بأنَّ ولاية الولي على الصغيرة شرط مجوز لعقدها لا شرط مصحح له وبذلك يتم العقد؟
ج: كلّا فإنّ الظاهر من الأدلة أنّ ولاية الولي شرط في صحة عقد النكاح واذا تبيّن خلافه انتفى العقد لأن المشروط عدم عند عدم شرطه وبحسب القاعدة يبطل عقد الزواج حينئذ.
س7ـ إذا كان المكلف یسكن مدينة قم المقدسة وله بيت في مشهد و يقيم في مشهد مدة قليلة خلال السنة الواحدة فما حكم هذا الشخص في صلاته وصومه؟
ج: ملكية الأرض أو البناء ليس كافياً على المشهور بين الفقهاء لاتمام الصلاة وإن كانت الرواية الصحيحة تدل على كفاية ذلك إلّا أن المشهور أعرضوا عنها فمثل هذا الشخص لو أقام في مشهد ولكن اقامته عدّت سفراً يجب عليه قصد اقامة عشرة أيام وإلا وجب عليه القصر في صلاته ولا يجوز له الصوم.
لابد من معرفة أنّ صدق عنوان الوطن ليس ملاكاً في لزوم اتمام الصلاة بل الملاك عدم صدق المسافر عليه وهو الملاك في القصر أو الإتمام فإذا صدق عليه عرفاً عنوان المسافر وجب القصر في الصلاة ونظير ذلك ما لو أقام شخص في منطقة ما وسكن بها ثم هاجرعنها فانه في الرجوع إلى تلك المنطقة لا بقصد الاقامة فيها لم يكن مقيماً بل عليه التقصير في الصلاة.
س8 ـ في فرض المسألة السابقة هل يجب على المالك دفع الخمس عن بيته في مشهد؟
ج: صدق المؤونة الفعلية لازم في عدم وجوب الخمس عليه.
س9ـ هل يمكن تحديد السنوات في عدم وجوب خمس المال المخمّس؟
ج: المسألة مذكورة في الجواهر والعروة وغيرهما من الكتب الفقهية وهو محل خلاف فصاحب الجواهر يذهب إلى عدم جواز استعمال المال غير المخمّس لوكان عنده شيء من المال المخمّس ويذكر في ذلك مسألة التنصيف، لكن يظهر لي أنّ خمس أمواله في السنة القادمة إن كانت اقل من المال المخمس فلا خمس عليه وذهب إلى ذلك بعض الفقهاء أيضاً.
وعليه إن كانت أمواله في السنة الماضية مليون ديناراً مثلاً ودفع 200 الف منها بعنوان الخمس فالثمانمائة المتبقية هو المخمس فينظر إن كان يملك في السنة القادمة هذا المقدار أو أقل لا يجب عليه الخمس، لكن لو كان يملك مليون وثمانمائة الف دينار في السنة القادمة فيجب دفع 200 الف دينار بعنوان الخمس ويكون المتبقي وهو مليون وتسعمائة الف دينار مخمّساً وفي السنة القادمة إن كان يملك هذا المقدار أو أقل منه فلا خمس عليه.
س10ـ في فرض السؤال المتقدم هل يجب عليه أن ينوي أنه يصرف خلال السنة من الأموال غير المخمسة كي تبقى امواله المخمّسة على حالها؟
ج: كلا، لا يلزم منه أن ينوي ذلك.
س11ـ إنّ المستفاد من رواية هي والله الإفادة يوماً بيوم (وسائل الشيعة چ 9 ص 546 ح 12682) أنه لو صرف المكلف أمواله المخمسة خلال السنة ثم حصلت له فائدة جديدة يجب عليه التخميس وإن كان أقل من ماله المخمس في السنة الماضية؟
ج: المال الذي تم تحصيله خلال السنة وإن كانت فائدة لكنها معدودة من ضمن المؤونه وهو مستثنى الخمس. فانّ عرف السوق أيضاً كذلك فإنّ البائع وإن حصل له ربح لكنه قد تضرر أيضاً فلو زاد الربح جعله مكان الضرر ولا يعدّه ربحاً في الواقع.
س12ـ لو أنّ شخصاً من أهل الكتاب قام بأعمال صالحة في حياته فهل يدخل الجنّة؟
ج: لقد ورد في آيات القرآن الكريم وروايات المعصومين عليهم السلام أنّ ملاك دخول الجنة ليس الاتيان بالاعمال الصالحة فقط . فلو أنّ شخصاً جاء بالاعمال الصالحة والطالحة معاً فإن الكسر والانكسار يقتضي حبط بعض الاعمال الصالحة وآثارها، فإنّ الله سبحانه و تعالى يحاسب المكلف يوم القيامة بمقتضى علمه تعالى فقد ورد في الروايات أن قيامة الشخص تبدأ من حين موته (بحارالأنوار، ج 58، ص 7 و ج 70، ص 67)
س13ـ بمرور الزمن تتوسع بعض البلدان حتى يصير الفاصل بين بعضها والأخر أقل من أربع فراسخ فما حكم السفر إلى هذه البلدان؟
ج: الملاك والمعيار في ذلك الفعلية والحكم تابع لموضوعه فإذا تغير الموضوع تغير حكمه أيضا بالتبع وقد حصل ذلك بالنسبة للكاظمية وبغداد سابقاً ففي بداية الأمر كان الفاصل بينهما اكثر من أربع فراسخ فكانت الصلاة في الكاظمية قصراً لأهل بغداد وبعد ذلك وضمن التوسعة أصبح الفاصل بينهما أقل من أربع فراسخ فأفتى الفقهاء بوجوب اتمام الصلاة في الكاظمية لاهل بغداد.
س14ـ إذا سلك المقيم في بلده اكثر من أربع فراسخ فهل يعدّ مسافراً حينئذ؟
ج: كلا، لأنّ المعيار في ذلك ما ذكره القرآن الكريم حيث قال تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ (النساء، 101) والمقصود بذلك (الضرب في الأرض) هو السير في الصحراء وخارج البلد الذي يقيم فيه وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام الضرب في الارض رواحا ومجيئاً وحدوده أربع فراسخ، مضافاً إلى أنّ البلاد الكبيرة كانت موجودة في زمن المعصومين أيضا ولم يفرقوا في الحكم بينها وبين البلاد الصغيرة. ورد في بعض الكتب أنّ سامراء في زمن الامامين الهادى والعسكري عليهما السلام. كانت ثمانية فراسخ يقول صاحب الجواهر: إن الكوفة كانت ثمانية فراسخ وكذلك واسط وبصرة ... كانت من البلاد الكبيرة.
س15ـ لو أنّ مقیما خرج عن محل اقامته وسار أقل من أربعة فراسخ فهل يعد ذلك سفراً شرعياً قاطعاً لإقامته أم لا؟
ج: هذه المسألة مذكورة في كتاب العروة الوثقى وهي محل خلاف بين الفقهاء فبعض كالسيد الأخ (آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي رضوان الله عليه) ذهب إلى أنّ السفر إن كان قصير المدة لعدة ساعات أو نصف يوم مثلا خارج محل اقامته فإنّ ذلك لا يضر بقصد الاقامة والمرحوم الشيخ الميرزا النائيني ذهب إلى مبيت ليلة واحدة في عدم الاضرار بقصد الاقامة والذي يظهر لي أنه لو كان سفره قصيرا لمدة ساعة أو ساعتين لا يضر بذلك.
نعم ذكرت مسألة اُخرى في العروة وهو اشتراط وحدة المكان وعدمه فلا يصح منه أن يقصد الإقامة في عدة أماكن في وقت واحد وهو تام أيضاً.
س16ـ ما هي علة اختلاف الأقوال في مسألة التزاحم؟
ج: إنّ منشأ الخلاف هو الظهور العرفي في المسألة، فعلى الترتب ذكر المشهور أنه لو ترك المهم لاجل الأهم وجاء بالأخير كفاه ذلك وعلى مبنى عدم الترتب فقد ذهب صاحب الكفاية إلى بطلان العمل وعدم الاكتفاء به. نعم ذهب الاخير في الفقه الى القول بكفاية ذلك تبعاً للمشهور وما يذكر في توجيه قول الآخوند الخراساني أنه اعتبر في ذلك ملاك الأمر لا الأمر نفسه فإنّ الجواب عن ذلك في ما نحن فيه عدم التفريق بين الأمر وملاكه من هذه الجهة.
س17ـ ماهو المعيار في القول بحجية الروايات وعدمها؟ فنجد روايات صحيحة السند اعرض عنها المشهور ولم نجد وجهاً لذلك؟
ج: ليس المعيار في حجية الروايات انحصار ذلك بصحة السند أو ظهور الدلالة أو ما شابههما بل بناء العقلاء يقتضي الاعراض عن رواية صحيحة السند والدلالة بإعراض مشهور أهل الخبرة الثقات عن تلك الرواية والذي يسمى بالكسر الدلالي أو السندي، وفي المقابل نجد خبراً ضعيف السند او الدلالة عمل به مشهور اهل الخبرة الثقات فبناء العقلاء يقتضى العمل بذلك الخبر ويعدّ معتبراً.
ومثال ذلك ماورد في مضمون الرواية أنّ المسافر يجب عليه التسبيحات الأربع بعد صلاة القصر بدلاً عن الركعتين الساقطتين من صلاته، فهذه الرواية في الظاهر تدل على وجوبه لمكان الأمر فيها وسندها معتبر أيضاً إلا أنّ الفقهاء أعرضوا عن وجوب ذلك وأفتوا بإستحبابه.
س18ـ ما هو حكم الكذب العملي؟
ج: الكذب العملي ليس كذباً فلا يعد حراماً وإن كان فعلاً قبيحاً فما دلت الروايات على حرمته هو الكذب القولي.
س19ـ ما هو حكم إراقة الماء في آخر الوقت ليضطر المكلف إلى التيمّم بدل الطهارة المائية؟
ج: المكلف في فرض السؤال يكون عاصياً عرفاً وقد ارتكب محرماً ولكن الحكم تابع للموضوع فالشخص الفاقد للماء وظيفته التيمّم وصلاته بالطهارة الترابية صحيحة.