نصّ المطارحة العلمية الرابعة والعشرون للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1444 للهجرة، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، بحضور ومشاركة الشخصيات العلمية، ووكلاء مراجع التقليد الأعلام، وناشطين دينيين وثقافيين، وطلبة العلوم الدينية، مساء يوم الخميس 29 شهر رمضان العظيم1444 للهجرة (20/4/2023م):
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ إذا أخرج المكلّف زكاة فطرته وعزلها، وقبل أن يعطيها للفقير تلفت فما هي وظيفته؟
ج ـ إنّ عزل المال لا يوجب خروج ذلك المال من ملكية المكلّف، فالاصل في تلف المال هو أن يكون المالك ضامناً، لعدم وجود دليل خاص أو قاعدة كلية تدلّ على أن العزل يوجب خروج المال من ملكيته أو أنَّ العزل يكون في حكم الاعطاء. فالاصل في جميع الامور المالية هو أنَّ العزل لا يكفي في الخروج عن ملكه وقد ذكرنا سابقاً أنَّ العزل في الهبة والهدية والصدقة يوجب خروجه من الملك مع انّه بالنسبة للصدقة قالوا بأنَّ العزل يكون في حكم اعطائها للفقير. وكذلك المدين إذا أخرج ما بذمته من امواله ثم تلفت الاموال بعد العزل يكون ضامناً. فالملاك في ذلك أن يعتبر الشارع يد المالك أمانياً مع عدم تفريط الأمين.
قال صاحب العروة: «إذا عزلها وأخّر دفعها إلى المستحق فإن كان لعدم تمكنه من الدفع لم يضمن لو تلف، وإن كان مع التمكن منه ضمن» (العروة الوثقى والتعليقات عليها، ج3، ص219، م3) ولا بد من حاشية على كلمة «من الدفع» وهي: «أو الحفظ لمستحق آخر معين، بل ولو غير المعين المعلوم مجيئه أو الإرسال إليه، بل حتّى المتوقّع».
ما قاله صاحب العروة من أن المالك إن كان له عذر في تأخير دفع الزكاة فهو معذور وإن لم يكن ذا عذر كان ضامناً لانه ورد في الآية المباركة: «إِنَّ اللَّهَ يأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» (سورة النساء: الآية 58) فإن كانت يد المالك اميناً ولم يتهاون في حفظ أو دفع المال إلى المستحق لم يكن ضامناً.
2ـ هل يجوز عزل زكاة الفطرة من اول شهر رمضان المبارك ودفعها قبل ليلة عيد الفطر؟
ج ـ إنها من المسائل الخلافية بين الفقهاء ولكن ورد في رواية صحيحة عن الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام أنهما قالا: «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ أو عبد، وصغير وكبير، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره» (وسائل الشيعة، ج9، ص354، ح12219) فالمستفاد من الرواية هو جواز دفع زكاة الفطرة من اول شهر رمضان المبارك (راجع جواهر الكلام، ج15، ص529).
3ـ اذا نوى المكلف مقدار الفطرية أن يكون من أمواله المودعة في حسابه البنكي، فهل يكفي ذلك؟
ج ـ صرف النية غير كاف بل لا بد من عزل مقدار زكاة الفطرة من أمواله.
4ـ ما هو المراد من العيلولة في زكاة الفطرة؟
ج ـ لقد ذكرنا في الجلسات السابقة: أنّه يجب على المكلف إعطاء زكاة فطرة بعنوانين: 1ـ من كان من عيال المكلّف والمقصود منه أنّ توفير الأكل، والملبس والمسكن له، يكون على عاتق المكلف وإن لم يكن الشخص ممن تجب نفقته على المكلف. 2ـ الضيف: الوارد حكمه في دليل خاص، فانه لم تجب زكاة فطرته بسبب العيلولة بل لورود دليل مستقل له لا بعنوان العيلولة بل بعنوان مستقل. وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في تعيين مصداق الضيف الذي يجب على المستضیف دفع زكاة الفطرة عنه ويظهر لي أنَّ الضيف المتعارف في زماننا الذي يكون مدعوّاً لوجبة طعام غداء أو عشاء أو ما شابهه ثم يرحل لم يكن مقصوداً في الرواية بل المراد منه هو الضيف الذي يحلّ في بيت المستضيف قبل الغروب من عيد الفطر وإن لم يأكل طعاماً عنده فإنَّ زكاة مثل هذا واجب على المستضيف.
إنَّ الفقهاء أوجبوا زكاة فطرة السجين على الحابس قال صاحب العروة: «یجب اخراجها ـ بعد تحقّق شرائطها ـ عن نفسه وعن... والمحبوس عندهم ولو على وجه محرّم» (العروة الوثقى مع التعليقات عليها، ج3، ص209).
5ـ هل يجوز للضيف أن يعطي زكاة فطرته بنفسه؟
ج ـ هذه المسألة هي من المسائل التي وقع الخلاف الشديد بين الفقهاء فيها، وفيه أقوال والذي يظهر لي جواز ذلك لأنَّ الدليل ظاهر في الرخصة لا العزيمة، وإن شك فيه فانَّ القدر المتيقن هو الرخصة، والاستيذان من المستضيف أو الوكالة منه ليسا شرطاً في صحة زكاة الفطرة وابراء ذمة المستضيف وإن كان بعضهم قد اعتبره شرطاً لصحة دفع زكاة الفطرة.
قال صاحب العروة: «من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه سواءٌ كان غنياً أو فقيراً وتكلّف بالإخراج بل لا تكون حينئذٍ فطرة، حيث إنه غير مكلّف بها، نعم لو قصد التبرع بها عنه أجزأه على الأقوى وإن كان الأحوط العدم» (العروة الوثقى مع التعليقات عليها، ج3، ص212، م6) فيجب وضع حاشية على كلمة «لا يجزيه »بأن «الاجزاء غير بعيد ».وقال في اصل جواز توكيل الغير لدفع زكاة الفطرة: «يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكل ويتولى الوكيل النية، والأحوط نية الموكل أيضا على حسب ما مر في زكاة المال ويجوز توكيله في الإيصال ويكون المتولي حينئذ هو نفسه، ويجوز الإذن في الدفع عنه أيضا، لا بعنوان الوكالة، وحكمه حكمها بل يجوز توكيله أو إذنه في الدفع من ماله بقصد الرجوع عليه بالمثل أو القيمة، كما يجوز التبرع به من ماله بإذنه أو لا بإذنه وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء في هذا وسابقه» (العروة الوثقى والتعليقات عليها، ج3، ص211، م5).
6ـ ما هو مقدار الصاع والمدّ؟
ج ـ كل صاع يعادل 3 كيلو غرام ويعادل 4 مدّات والمدّ هو 750 غرام.
7ـ هل يجوز في الصاع الواحد الذي يعادل زكاة فطرة شخص واحد أن يدفعها من جنسين، نصفها من جنس والنصف الآخر من جنس آخر؟
ج ـ كلّا فإنَّ المستفاد من الدلیل هو اتحاد الجنس، فالدلیل الذي يقول صاع من الحنطة أو الشعير أو غيرهما، كما ورد في الرواية: «الفطرة صاع من حنطة، وصاع من شعير، وصاع من تمر، وصاع من زبيب» (وسائل الشيعة، ج9، ص334، ح12160). فالمستفاد منه هو صاع من ذلك الجنس لا أن يكون بعضه من جنس آخر. نعم إذا أراد أن يدفع قيمتها بدلاً عن العين يجوز له التبعيض بأن يكون نصفها قيمة الحنطة ونصفها الآخر قيمة الشعير.
8ـ ما هي وظيفة ذي العطاش والمصاب بالامراض الكليوية في شهر رمضان؟
ج ـ هذه المسألة من المسائل الخلافية بين الفقهاء ويظهر لى أنَّ ذا العطاش والمصاب بالامراض الكليوية يجوز لهما شرب الماء بالمقدار الذي يريدانه، ثم يدفعان فدية بجهة هذا المرض. ويظهر لي أنه لا موضوعية للإحساس بالعطش في دليل ذي العطاش، بل المقصود ـ كما ذهب إليه بعض الفقهاء أيضاً ـ هو «مَن به داء العطش» (العروة الوثقى والتعليقات عليها، ج3، ص63) فإنَّ المستفاد من الرواية طريقية ذلك فإن كان المكلّف مصاباً بمرض يقتضي ذلك شرب الماء، وإن لم يحس بالظمأ، كالمصابين بالامراض الكليوية فأمثال هؤلاء يجوز لهم شرب الماء أيضاً، نعم إذا كان محتاجاً لأخذ حبة دواء صغيرة، لا يصوم ويجوز له الأكل والشرب.
لا بد من الاخذ بعين الاعتبار أنَّ المكلّف إذا كان محتاجاً للماء فقط بجهة مرضه وجب عليه دفع الفدية ويصوم، ولكن إن لم يكن محتاجاً للماء فقط بأن يجب عليه أكل شيء ما أو التداوي بالدواء لا يصوم ويجوز له الأكل والشرب حینئذ .
ثم إنّه لا يجب أن يكون ذا العطاش عطشاناً في طول السنة ويحتاج إلى الماء ليكون ذلك مجوزاً له في شرب الماء في شهر رمضان بل لو كان كذلك في شهر رمضان فقط جاز له شرب الماء، نعم في وجوب القضاء وعدمه ـ في جميع فروض المسألة ـ يوجد خلاف بين الفقهاء.
9ـ هل العامل الذي يحتاج إلى الماء فقط حين عمله، يلحق بذي العطاش فيجوز له شرب الماء ويصوم أم لا؟
ج ـ كلّا، فإن فرض المسألة تختلف مع ذي العطاش، لأنَّ دليل ذي العطاش هو من باب «ضيق فم الركيّة» فانه من البداية مقيد بمرض داخلي لا أن يعمل ويعطش.
10ـ لقد ذكر صاحب الوسائل في باب كراهة السفر في شهر رمضان وقال: «باب كراهة السفر في شهر رمضان حتى يمضي ثلاث وعشرون منه الّا لضرورة أو طاعة كالحجّ والعمرة وتشييع المؤمن واستقباله» (وسائل الشيعة، ج10، ص181، باب3) فما هو المراد من الضرورة في كلامه؟
ج ـ الذي يذهب إلى ارتفاع الكراهة بسبب الضرورة، يقصد منها المعنى الأعم فيشمل الحاجة الحرجية أيضاً. نعم إذا كان الاستحباب والكراهة من جهتين أمكن الجمع بينهما كما لو سافر المكلف لصلة الرحم قبل الثالث والعشرين من رمضان، فانه من باب البحث العلمي يجوز أن يكون سفره مكروهاً لانه قبل 23 من الشهر ويكون مستحباً من جهة صلة الرحم.
لقد ذكر الشيخ الانصاري وبعض آخر في ذيل حديث الرفع، بأن هذا الحديث هل يشمل المكروهات والمستحبات أم وردت في خصوص الإلزاميات؟ هنالك قولان في المسألة، وشموله للمستحبات والمكروهات غير ظاهر، وقد ذهب بعضهم إلى أن المستحبات والمكروهات لا تشتمل على الحكم الإلزامي فلا يرفعه حديث الرفع .ونظيره عدم النوم بين الطلوعين، إن كان ضررياً، طبعاً لا بمقدار يكون تحمّله حراماً، فإذا نام الشخص كان النوم واجباً من جهة الضرورة ومكروهاً أيضاً.
11ـ ما هو حكم الاعتكاف في مراقد أهل البيت عليهم السلام المشرفة؟
ج ـ أجمع الفقهاء على عدم انعقاد الاعتكاف في غير المسجد الجامع وقد ذكر صاحب العروة في الشرط السادس من شرائط الاعتكاف أنه: «السادس: أن يكون في المسجد الجامع، فلا يكفي في غير المسجد، ولا في مسجد القبيلة والسوق...» ( العروة الوثقى مع التعليقات عليها، ج3، ص95). وما قاله المشهور من الفقهاء أنَّ المشاهد الشريفة تكون في حكم المساجد فإن المقصود منه من جهة الاحترام ولا يشمل الاعتكاف. نعم يجوز الاعتكاف في المساجد الموجودة في المراقد المقدّسة لانها تعد مسجداً جامعاً حيث يقصده الناس من أماكن مختلفة كالمسجد الموجود خلف ضريح الامام الحسين عليه السلام. كان ينقل لنا السيد الوالد (آية الله العظمى ميرزا مهدي الشيرازي رضوان الله عليه) أنه كان بين ذلك المسجد والضريح المطهر جدار قد أمر أحد مشايخ كربلاء بهدم الجدار والحاق المسجد بحرم الامام الحسين عليه السلام، كذلك المسجد الموجود على جهة رأس السيدة المعصومة عليها السلام والمسجد المجاور لضريح أمير المؤمنين عليه السلام فكلها تعد من المساجد الجامعة.
أما الرواية التي تدل على الاعتكاف عند سيد الشهداء عليه السلام (الإقبال، ج1، ص358) ـ كما أشرنا اليه سابقاً ـ أنَّ المراد منه الاعتكاف اللغوي لا الاصطلاحي لوجود قرائن ثلاث في الرواية نفسها والقرائن هي: 1ـ «واعتكاف ليلة في شهر رمضان يعدل حجة» 2ـ «واعتكاف ليلة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله» 3ـ «وأدنى الاعتكاف ساعة بين العشاءين»، فالمستفاد من هذه القرائن أنّ المراد هو الاعتكاف اللغوي لا الاصطلاحي.
12ـ هل مقدمة الواجب، واجبة شرعاً، ومقدمة الحرام، حرام شرعاً؟
ج ـ إن المشهور هو أن المقدمة الموصلة، والمقدمة الاولى والثانية والثالثة و... في مقدمة الواجب، واجبة عقلاً لا شرعاً وكذا في مقدمة الحرام أنه حرام عقلاً لا شرعاً، لهذا إذا سافر سفر المعصية وارتكب المعصية فيه لم يرتكب محرمين بل هو حرام واحد.
نعم ذهب النادر من الفقهاء إلى أنّ المقدمة الأخيرة وهي المقدمة الموصلة حرام شرعاً.
13ـ إذا صب ماء الوضوء في ملك غيره يكون الوضوء باطلاً، ففي أي صورة ذاك؟
ج ـ فيما يصدق عليه التصرّف في مال غيره، ففي هذه الصورة يكون مصب الوضوء غصبياً والوضوء يكون باطلاً.