LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في كلمته بالتجمّع النسوي السنوي الرمضاني:"
لتكن كل مؤمنة عظيمة الشخصية مضحّية بالعمل
رمز 44272
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 24 رمضان العظيم 1445 - 4 أبريل 2024

كما هو معهود سنوياً، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة، بجمع كبير من النساء والفتيات، اللاتي حضرن في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، مساء يوم الاثنين السابع من شهر رمضان العظيم 1445 للهجرة (18/3/2024م)، بيّن فيها بعض مسؤوليات المرأة، ومكانة خيرة المؤمنات، وما يجدر أن تقوم به كل امرأة وفتاة في عصرنا الراهن، تجاه الله تعالى وأهل البيت صلوات الله عليهم والإسلام وكذلك تجاه البشرية.

أدناه نصّ الكلمة:

تعريب: علاء الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم عجّل لوليّك الفرج

أرفع التعازي إلى المقام الرفيع والشامخ، لصاحب الولاية العظمى والإمامة الكبرى، مولانا الحجّة بن الحسن، الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بمناسبة أيّام ذكرى وفاة عمّ النبي الكريم صلى الله عليه وآله، السيّد أبو طالب عليه السلام، وذكرى وفاة الطاهرة الجليلة السيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليها، أمّ المؤمنين، وأولى زوجات سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله، وأوّل امرأة آمنت بالنبي. وكذلك اُعزّي المؤمنين والمؤمنات كافّة. وأسأل الله تبارك وتعالى أن يشمل برحمته الخاصّة في هذا الشهر العظيم، البشرية كلّها، ويعجّل بظهور مولانا الإمام صاحب الأمر عجّل الله تعالى في فرجه الشريف، فظهوره الشريف أساس تثبيت وانتشار الحسن كلّه، وفناء الفساد كلّه.

مأمن النساء

جاء في الرواية الشريفة: (أكثر أهل الجنّة النساء). وليس سبب هذا الأمر لكثرة نفوس النساء، بل يبيّن الإمام صلوات الله عليه في سياق الرواية السبب بقوله: (علم الله ضعفهنّ فرحمهنّ). فالله تعالى ولحكمته اللامتناهية، خلق النساء، من جهات، أضعف بالنسبة إلى الرجال، ولذلك يعلم ضعفهنّ ويرحمهنّ. ولكن هذا لا يعنيّ أنّ كل النساء هنّ من أهل الجنّة، بل بعضهنّ يدخلن جهنّم. فالدنيا محلّ يعيّن فيه أهل الجنّة وأهل النار، والعاقبة للكل هي وفق الأعمال في الدنيا، فمن يعمل الصالحات والحسن، ستكون عاقبته الجنّة، ومن يسيء العمل فعاقبته جهنّم والعياذ بالله. ومع أنّ الله تعالى يتعامل مع النساء برحمة أكثر وبعطف أكبر، ولكن اللاتي يدخلن جهنّم فإنّهنّ يدخلنها لسواد صفحات أعمالهنّ وما صنعن لأنفسهنّ من عاقبة السوء.

أفضل أسوة للنساء

لذا على كل فرد، بالأخص النساء المكرّمات، أن يسعين في هذه الدنيا إلى عمل ما من شأنّه أن يصرن سعيدات ومن أهل الجنّة. وأفضل أسوة وقدوة للنساء ولتعلّمهنّ هي السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها. فهي صلوات الله عليها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وزوجة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وأمّ الحسنين صلوات الله عليهما. وسائر النساء، إما هنّ بنات لآبائهنّ أو زوجات لرجال، أو أخوات لإخوة، أو أمّهات لأبناء. فيمكنهنّ باقتدائهنّ وتعلمهنّ من السيّدة الزهراء صلوات الله عليها أن يتعاملن بالصحيح واللائق مع سائر من تمّ ذكرهم. ولقد سمعتنّ أو قرأتنّ، أنتنّ أيّتها الحاضرات، في شهر رمضان العظيم وفي مراسيم مختلفة أخرى كيفية تعامل وسيرة السيّدة الزهراء صلوات الله عليها مع أرحامها. واعلمن أنّ السبيل في هذا الشهر الشريف للتعلّم منها صلوات الله عليها، معبّد أكثر. ولذا، اجعلن بناءكنّ على هذا الأمر باتّباع بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله، سواء كنتنّ زوجات أو اُمّهات أو أخوات. بلى إنّ رجالكنّ ليسوا كأمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولكن في الوقت نفسه يجب أن تعلمن بأنّكنّ لستنّ كالسيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها أيضاً. بل يمكنكنّ التقرّب إلى السيّدة الزهراء صلوات الله عليها بأن تتعاملن وتتصرّفن كتعامل وتصرّف السيّدة الزهراء صلوات الله عليها والاقتداء بها. ولذا، اعزمن من هذه اللحظة وفي هذا الشهر العظيم الذي نعيش انقضاء أيّامه، على هكذا عزم، بالأخص الفتيات والشابّات، فبهكذا عزم وتصميم ستنلن التوفيق.

وأسوة أفضل ثانية

الأسوة الرفيعة الثانية للنساء، مولاتنا أمّ المؤمنين السيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. فقبل زواجها من النبي الكريم صلى الله عليه وآله، كانت هذه المرأة المكرّمة سيّدة الرجال كلّهم والنساء كلهنّ وسيّدة العرب، من ناحية المقام والجلالة ورفعة الشخصية وكثرة ثروتها، وليس في مكّة المكرّمة فقط بل في جزيرة العرب وفي كل الحجاز، ولم يضاهيها أحد أصلاً. وعندما تزوّجت النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، قاطعها الكل، حتى القريبين منها، وامتنعوا عن لقائها ومعاشرتها، بحيث عند ساعة ولادتها للسيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها لم يعنها حتى أمرأة واحدة من نساء العرب، فأرسل الله تعالى من يعينها من نساء الجنّة. وكان السبب الوحيد في مقاطعتهم لها سلام الله عليها زواجها من رسول الله صلى الله عليه وآله، فهم كانوا يخالفون الإسلام، ولأنّ النبي صلى الله عليه وآله لم يك صاحب مكنة مالية، وكان يتيم الأمّ والأب، وقضى فترة صغره ونشأته بتكفّله من قبل عمّه السيّد أبو طالب عليه السلام. ولهذا عُرف صلى الله عليه وآله بيتيم أبي طالب عليه السلام. ومع ذلك كلّه، تزوّجت السيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليه مع النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله ووهبت وأنفقت كلّ ما لديها من ثروات وأموال في سبيل الله تعالى وفي سبيل رسول الله صلى الله عليه وآله.

للأمان من الندم

ذلك الإيثار والتضحية من تلك المرأة العظيمة، ألا يكون جديراً بأن يتعلّمه النسوة؟! ففي عصرنا الراهن، كم من النساء يستعملن شخصيتهنّ ويصرفن أموالهنّ في سبيل الله تعالى، ويتغاضين عنهما لأجل نيل رضا الله جلّ وعلا؟ فالسيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليها والسيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، أسوتان فريدتان ولا نظير لهما للمؤمنات والمؤمنين أيضاً، وبالأخص الفتيات والبنات اليافعات والشابّات، اللاتي عليهنّ أن يعرفن سمو وعظمة تلك المرأتين. ولذا عليكنّ من هذه اللحظة أن تجعلن في رأس قائمة أعمالكنّ، العلم بما سمعتنّ أو قرأتنّ عن تلك السيّدتين العظيمتين، وهذا الأمر بحاجة إلى التصميم الواقعي والحقيقي، حتى تنلن الموفقيّة. فستنتهي الدنيا في يوم، وحتى لو عاش المرء لمدّة قرن واحد، فبعد موته تسأله ملائكة الله كم عشت في الدنيا فسيقول: «لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ». وفي آية أخرى يقول الله تعالى عن لسان حال الإنسان: «سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ». فعندما تنتهي الدنيا بحلوّها ومرّها، يظنّ المرء أنّها كانت لمدّة ساعة وانتهت، فعندها لا تنفع الحسرة والندم إذا دخل المرء النار وصار من أصحاب جهنّم، أو لم يرتق الدرجات العالية في الجنّة إن دخلها.

حياة الدنيا

لقد امتلأت الدنيا اليوم بالفساد والضلال، ويقول القرآن الكريم: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ». وأتذكّر أنّه قبل قرابة سبعين سنة كان الفساد نادراً. فمن يساوينا بالعمر، يتذكّرون ندرة وجود الفساد في ذلك الزمان بين الرجال والنساء. وعلى سبيل المثال: كان الطلاق في ذلك الزمان لا يقع إلاّ بالقليل والقليل، وكان مذموماً. وكذلك كان زواج الشباب والشابات في تلك الحقبة الماضية لا يواجه ما يواجهه اليوم من مشاكل وصعوبات. ويخطر في بالي، أنّه كنت أدرس في إحدى المدارس، وكان أحد أهل العلم متصدّياً لأمر الطلاق بين الناس، وكان الناس في مدينة كربلاء وقراها وأريافها وأطرافها يراجعونه لأمر الطلاق.  فكان الطلاق في كل شهر لا يتجاوز ثلاث حالات في كل محافظة كربلاء المقدّسة وحواليها وأطرافها، وذلك من خلال الذين كانوا يراجعون الشخص المذكور. ولكن إحصائيات الطلاق اليوم فاقت حدّ حتى التصوّر واتّسعت دائرته بشكل رهيب، فالكثير من حالات الطلاق تقع اليوم في أيّام الخطوبة والعقد بل وحتى في مراسيم إجراء عقد الزواج!

من جانب آخر، الإحصائيات الكثيرة لعمليات الخطف والقتل والانتحار ازدادت وبتصاعد في المجتمعات البشرية. فخلال ثلاثين سنة من وجودي في مدينة كربلاء المقدّسة لا أتذكّر وقوع حالة واحدة من الانتحار، ولكن نسمع في مجتمع اليوم دائماً انتحار فلان الشخص وآخر وآخر، ويخلقون بانتحارهم ويسبّبون تبعات مؤلمة لوالديهم أو لنسائهم أو لأبنائهم أو لأزواجهم ويتأثّروا به.

سببان لانتشار الفساد في العالم

يجب علينا أن نتأمّل: ما هو منشأ وعين هذا المقدار من الفساد والضلال في عالم اليوم. فالعامل الأساسي لهكذا وضع وحالة أمرين: الأول الإعلام المكلف بعشرات ومئات المليارات لأهل الباطل والضلالة، الذي يتم عبر القنوات الفضائية وعبر أجهزة الهاتف المحمول والعالم الافتراضي. والثاني التقصير والتهاون من المؤمنين والمؤمنات. فعالم التشيّع اليوم يحظى بعشرات الملايين من النساء والفتيات والبنات المؤمنات، ولله الحمد، وكلهنّ يعتقدن بالأصول الخمسة، أي التوحيد، والنبوّة، والإمامة، والعدل والمعاد، فيجب عليهنّ أن يدخلن ساحة ممارسة التبليغ الديني. فالتبليغ الذي يتمّ عبر النساء الشيعيات ليس بنسبة حتى واحد بالمئة مما يقوم به الأعداء في مجال الإعلام، بل هو تحت واحد بالمئة مع الأسف. فهذه النسبة إحصائية غير مقبولة وغير مرضية. علماً بأنّه يوجد من النساء الكبيرات في العمر المبتليات بالمشاكل التي لا تبقي لهنّ المجال لمارسة التبليغ. ولكن الشابات والفتيات من النساء هم في راحة بال أكثر ولهنّ القدرة أكثر ويمكنهنّ أن يقمن بفعاليات في الصدد المذكور.

لإصلاح العالم

لذا على النساء، بالأخص الشابات والفتيات والبنات، أن يقمن بالفعاليات في مجال ممارسة تبليغ الإسلام الحقيقي والصحيح، أكثر وأكثر. فعليهنّ أن لا يقصّرن في أداء مسؤولياتهنّ لأجل تعريف الإسلام الصحيح والواقعي وليس الإسلام الاسمي وبالاسم فقط. فلو كان النبي الكريم صلى الله عليه وآله بيننا اليوم ووسط المجتمعات الإسلامية، فهل سيرضى بالإسلام الذي يعملون به اليوم على مستوى العالم؟! فهل الإسلام الموجود اليوم، هو الإسلام نفسه الذي بيّنه صلى الله عليه وآله بأقواله وبأعماله؟ فبلا شكّ كلا، فما نشاهده اليوم من إسلام لا يرضى به النبي الكريم صلى الله عليه وآله. فيجب أن يصل إلى العالم كلّه الإسلام الذي عمله به رسول الله صلى الله عليه وآله ووصلنا عن طريق أهل البيت صلوات الله عليهم، لا الإسلام الذي وصل عن طريق المنافقين من الأصحاب. فعالم الإسلام اليوم يختلف كثيراً وكثيراً عن الإسلام الذي جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وآله عبر أقواله وأفعاله وتقاريره. بلى، قد يكون من أسباب ما نعيشه اليوم، هو حاصل ونتاج إعلام أهل الباطل والضلالة، ولكن التهاون والتقصير من قبل المسلمين هو السبب الآخر لما حلّ بنا اليوم. فخير ما ينفع في الدنيا والآخرة للمؤمنين والمؤمنات، بذل المساعي لأجل إصلاح الأوضاع في العالم اليوم.

أين الثرى من الثريا؟

يقول سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا يبقى من الإسلام إلاّ اسمه ومن القرآن إلاّ رسمه). ففي كل مكان من عالم اليوم، يذكر الإسلام وتتلى آيات القرآن الكريم، ولكن هل ترى مثل ما عمله النبي الكريم صلى الله عليه وآله من الإسلام والقرآن الكريم في مكان ما؟! وهل الدول الإسلامية ملتزمة بعمل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بمقدار واحد بالمئة؟! ولذا على النساء، الجامعيات والحوزويات والمثقّفات، أن يطالعن تاريخ وسيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ويطلعلن عليهما. وكنموذج، ابحثن في كتب التاريخ والروايات وانظرن الى زواج النبي الكريم صلى الله عليه وآله وخطبة عقد زواجه، فكم جعل صلى الله عليه وآله مهر العقد، وكم نحن بعيدون عن هذه السيرة. يقول بعضهم لا يمكن في الوقت الحالي إمكانية العمل بسيرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله! ومن أحد أركان هكذا تفكير هو نتاج دعايات أهل الباطل، والركن الآخر التقصير والتهاون من قبل المؤمنين والمؤمنات. فيجدر بهم أن لا يقصّروا ولا يتهاونوا ويوصلوا سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله إلى العالم، وحينها: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ». فالمهم هو الإيصال والإبلاغ للعالمين في دنيا اليوم.

نساء نموذجيّات

أرى أن أذكر لكنّ بعض النساء اللاتي صرن أسوة وقدوة لكل النساء في طول التاريخ، ومنها: امرأة باسم حُبّى التي كانت من أصحاب الإمام الصادق صلوات الله عليه، وكان لها أخ باسم ميسّر وكان من أصحاب الإمام أيضاً. وميسّر من أسماء الله تعالى الحسنى ويعني المسهّل، ومذكور في دعاء الجوشن الكبير. وذات يوم جاء ميسّر إلى الإمام الصادق صلوات الله عليه وشكى أخته حبّى. فقال له الإمام صلوات الله عليه جملة جعلت ميسّر لا يشكو أخته إلى آخر عمره، وهي: (ياميسّر دعها فإنّه ما يدفع عنكم إلاّ بدعائها). وهذا الكلام من الإمام الصادق صلوات الله عليه علامة عن القرب والتقدير الذي تحظى به حبّى عند الله تبارك وتعالى، بحيث صارت سبباً لدفع البلاء عن عائلتها. والملفت في قول الإمام الصادق، أنّه صلوات الله عليه لم يقل (ما يدفع عنك) بل قال (ما يدفع عنكم) حيث استعمل الإمام ضمير الجمع. وهذا يعني أنّ تلك الأخت صارت سبباً في دفع البلاء عن عائلتها كلّهم، وليس عن أخيها ميسّر فقط.

لقد كانت حبّى امرأة مثلكنّ، ولم تك بنت أو زوجة النبي الكريم صلى الله عليه وآله أو أمّاً للأئمة صلوات الله عليهم. فلذا أنتنّ يمكنكنّ أن تصلن إلى هكذا مرتبة ومقربة عند الله تعالى وأهل البيت صلوات الله عليهم، وشهر رمضان العظيم خير فرصة لذلك. فالطريق الوحيد للوصول إلى هكذا مقام ومرتبة واضح للجميع، وهو اجتناب الذنوب والابتعاد عنها فحسب، كما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته الشريفة باستقبال شهر رمضان العظيم، بقوله: (الورع عن محارم الله). فعلى كل مؤمنة ومؤمن أن يصمّما على ذلك، ويسعيا إلى عدم تلوّثهما بالذنوب، وأن يتوبا إذا صدرت منهما معصية أو ذنب، لأنّ الحديث الشريف يقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له). فإذا أذنب المؤمن، عليه أن يطلب المغفرة من الله تعالى بالتوبة، مثل ما إذا تلوّث مكان من البيت يقومون بغسله وتنظيفه.

بنات عميس

المرأة الأسوة الثانية هي أسماء بنت عميس وأختها سلمى، اللتين قال مولانا الإمام الباقر صلوات الله عليه بحقّهما: (رحم الله الأخوات من أهل الجنّة). والأخوات التي ذكرهنّ الإمام، هنّ سبع أخوات، كان منهنّ أسماء وسلمى من بنات عميس. فلم تك أسماء ولا سلمى من زوجات الإمام ولا من بناته ولا أمّاً له صلوات الله عليه، بل كنّ كسائر النساء، ولكن وصلن إلى مقام بحيث يترحّم عليهنّ الإمام الباقر صلوات الله عليه. وهذا لا يعني أنّه لا يمكن أن يكن لهنّ أختاً ثامنة، بل كل واحدة منكنّ يمكنها أن تكون الأخت الثامنة لهنّ. ونيل هكذا مقام يتضمّن مسيراً صعباً، ولكنه ممكن وليس بالعسير، مثل الشاب الفقير الذي يبغي الزواج فيبذل كل ما في وسعه ويصرف طاقاته لكي يهيّئ مقدّمات زواجه، أو كالضعيف مالياً ويريد شراء بيت يسكن فيه، فيكد ويكدّ كثيراً حتى يشتريه. وبإمكانكنّ أنتنّ النساء والفتيات المؤمنات أن تصلنّ إلى ما وصل إليه بنات عميس عبر معرفة مسؤولياتكنّ والعمل بها. فعلى سبيل المثال: المرأة غير المتزوّجة عليها أن تعرف مسؤولياتها في كلا الحالتين، أي وهي غير متزوّجة ومتزوّجة. وهكذا التي لا أبناء لها أو التي لها أبناء، عليها أن تعرف مسؤولياتها وكذلك مسؤولياتها تجاه أرحامها وجيرانها. وخير فرصة للعزم والتمرّن لأجل نيل مقام من القرب من الله تعالى، هو شهر رمضان العظيم.

نساء حفظن الروايات

كان محمّد بن أبي عمير من ثقاة أصحاب الإمام الكاظم صلوات الله عليه. ويمكنكنّ أن تراجعن كتب رجال الشيعة لتجدنّ الكثير من أصحاب المعصومين صلوات الله عليهم من الرجال وبجنبهم الكثير من النساء أيضاً. ففي وسط اولئك الأصحاب، يوجد فيهم النظيف والجيّد والحسن، وكذلك سيّئ السيرة وغير الثقة بل وحتى مجهول الحال، وتعرّفن عليهم. ولقد بلغ عدد أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وآله قرابة عشرات الآلاف، ومذكورة أسمائهم، وكان بينهم ما وصفهم القرآن الكريم بالمنافقين. فهؤلاء أسلموا على يد رسول الله صلىالله عليه وآله وكانوا يصلّون ويصومون، ولكنهم كانوا يعملون ضدّ النبي صلى الله عليه وآله. وكان في أصحاب النبي وأمير المؤمنين وسائر المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، الطيّب من الأصحاب والحسن، وهكذا كان حتى زمن مولانا الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف. ووسط اولئك من الأصحاب الذين كان لهم ارتباطاً بالمعصوم، نساء قدّمن خدمات كبيرة، مثل عمّة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف وغيرها من النساء.

وسط الكثير من الأصحاب، يوجد ثلاثة من أصحاب المعصومين صلوات الله عليهم، كانوا في القمّة وارتقوا المراتب الرفيعة بحيث لم يرق إليها رابع، وهذا ما يفهمه أهل العلم وأصحاب الاختصاص. فاولئك عدّت رواياتهم صحيحة، المسندة منها والمرسلة، وأحدهم هو محمد بن أبي عمير، الذي كان من خلّص أصحاب الإمام الكاظم صلوات الله عليه ومن المقرّبين إليه كثيراً.

أسوة الصمود والتحمّل

بعد استشهاد الإمام الكاظم صلوات الله عليه، اعتقل ابن أبي عمير بأمر من هارون العباسي وتعرّض للتعذيب. وفي تتبعي الشخصي في سير وأحوال أصحاب المعصومين صلوات الله عليهم، لم أجد شخصاً تعرّض للتعذيب كالذي تعرّض له ابن أبي عمر وبقي بعده حيّاً. فلا شكّ أنّه لم يحن أجله لكي يموت تحت تعذيب جلاوزة هارون. فقد نقل التاريخ أنّ هارون كان بنفسه يشرف شخصياً على تعذيب ابن أبي عمير. وكان السبب في تعذيب ابن أبي عمير أنّه كان هارون يطلب منه أسماء الخاصّة من أصحاب الإمام الكاظم صلوات الله عليه، وكان ابن أبي عمير يمتنع، لأنّهم كانوا سيتعرّضون للسجن والتعذيب والموت. وقد نقل التاريخ أنّ ابن أبي عمير بقي في سجن هارون لمدّة سبعة عشرة سنة وتحت التعذيب ولم يفش حتى باسم واحد من أصحاب الإمام الكاظم صلوات الله عليه. وكان من أنواع التعذيب الذي تعرّض له ابن أبي عمير: الجلد بالسياط، والصفع على وجهه، وجرحه وإحراق بدنه، ونوع من التعذيب خصّوه به بحيث لم يعذّب بمثله غيره في طول التاريخ، وهو التعذيب بآلة كانوا يسمّونها (الخشبة). فكانت هذه الآلة قطعة من الخشب ودقّوا في طرف منها العديد من المسامير، بحيث كانت رؤوسها تخرج من الطرف الآخر. وبهذه الآلة ضربوا ابن أبي عمير كراراً، وكانوا في كل مرّة يضربونه مئة ضربة على ظهره. وهكذا تعذيب يندر وجوده في طول تاريخ بني أمية وبني العباس. ومع كل التعذيب القاسي والشديد، لم يكشف ابن أبي عمير عن اسماء أصحاب الإمام الكاظم صلوات الله عليه. والملفت في مسألة ابن أبي عمير، أنّه خلال فترة سجنه التي امتدّت إلى سبعة عشرة سنة وصموده في السجن، تم حفظ ما كان من آثار وروايات عند ابن أبي عمير التي جمعها من أهل البيت صلوات الله عليهم، من قبل أختيه، منّة وسعيدة، فبقيت تلك الآثار والروايات في مأمن من هارون وجلاوزته الذين كانوا دائماً يقتحمون بيت ابن أبي عمير ويداهمونه. فلا شكّ أنّ ما قام به تلك الأختين هو عمل كبير وثمين وقيّم بالنسبة إلى تاريخ التشيّع، ولهما الأجر الكبير والقرب الكثير عند الله تبارك وتعالى.

لنكن من المصلحين

أيّتهنّ الأخوات المكرّمات! إنّ تلك النساء كنّ مثلكنّ وأنتنّ يمكنكنّ أن تصلن إلى ما وصلن إليه. واللازم لهذا الهدف الراقي أن تصمّمن في شهر رمضان العظيم تصميماً راسخاً وبجدّ على نيل ما ناله تلك النساء. ففوات هذه الفرصة يبعث على التأسّف والتحسّر. فإذا صمّم المرء في شهر رمضان العظيم على بناء نفسه وتزكيتها، سيوفّق أكثر من غيره من الشهور والأيّام.

من جانب آخر، اسعين إلى إيصال الإسلام الصحيح الذي قال به وعمله سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله، لا الإسلام بالاسم فقط. فعلى سبيل المثال: اخطون في مجال تسهيل قضية زواج الشباب، وإن كنتنّ تعرفن بنتاً وولداً، يريدان بعضهما وصمّما على الانتخاب الصحيح ويحظيا بالرضا والموافقة من عائلتيهما لزواجهما، فاسعين إلى إزالة ما يعترضهما ويعترض زواجهما من مشاكل وعراقيل، حتى لا يرتفع سنّ زواجهما. وكذلك اللاتي على اطلاع بالقضايا العائلية وعلى علم بها، لا يدعن المشاكل التي تحدث بين الزوجين بأن تسبّب طلاقهما. فبإمكانكنّ أن تنلن التوفيق الأكثر والأكثر في هذا المجال.

طاقة بسعة العالم

إنّ طاقة وقوى المرأة بسعة العالم، وإذا صمّمت على عمل، فلا شكّ توفّق. فسوى الصدّيقة الطاهرة السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها والسيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليها وهما الأسوتين الأفضل والقدوتين الأحسن، أنتن يمكنكنّ أن تصلن إلى مكانة تلك النساء اللاتي تم الإشارة إليهنّ، وتذكرهنّ كتب الرجال.

أنتن السيّدات، بالأخص الشابّات والبنات والفتيات المثقّفات والجامعيات والحوزويات، صمّمن على أن تقومنّ بتعريف الإسلام الصحيح للعالم، ويمكنكنّ أن تستفدن في هذا المجال بما لديكنّ وباختياركنّ من وسائل، كالقنوات الفضائية والهواتف المحمولة. وهذا العمل يعني الامتثال لأمر النبي الكريم صلى الله عليه وآله الذي أمر بتبليغه مكرّراً ولمرّات ومرّات بقوله: (فليبلّغ الشاهد الغائب). وهذا الأمر لا يختصّ بالرجال فحسب، بل يشمل النساء وكل من لديه ولديها المعرفة في هذا المجال. فلذا، اسعين في الأول إلى معرفة الإسلام الحقيقي والصحيح، معرفة جيّدة، وبالثاني أن تنقلن ما تعلّمتنّه وعملتنّ به. ولا تملن في هذا السبيل ولا تتعبن. فمثلاً إن كنتنّ تمارسن الفعاليات في مجال العائلة، وعلمتنّ بأنّ زوجين لا يراعيا الحقوق الواجبة تجاه بعضهما ولا يلتزما بها، فأنصحوهما مرّات ومرّات، ولا تتعبن من النصيحة ولا تتألّمن، كما لم يتعب ولم يتألّم ولم يمل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله من دعوته لمشركي مكّة ولم ييأس. فرغم ما عانه من الكثير من الأذى والظلم، ومنها رميه بالحجارات والحصيات، لكنّه صلى الله عليه وآله كان يواصل ويقول لهم: (قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا). وسيتبيّن في عالم الآخرة كم كرّر صلى الله عليه وآله تلك الجملة حتى يؤمن بعضهم بالإسلام. فلقد تعرّض صلى الله عليه وآله كثيراً وكثيراً لهجمات من رميه بالحجارة والحصى من قبل المشركين، بحيث سال الدم من رأسه الشريف إلى قدميه الشريفتين. في حين وكما تقول الروايات الشريفة إنّ النبي الكريم صلى الله عليه وآله كان يتمتّع بقوّة جسمانية كبيرة تعادل قوّة أربعين رجلاً.

الصمود النبويّ

مع كل الأذى والظلم الذي لحقه، لم يكفّ صلى الله عليه وآله عن تبليغ الإسلام وواصل العمل. بل اشترى صلى الله عليه وآله حتى ظلم وجور أقاربه، وتعرّض ولمرّات كثيرة إلى الرمي بالحجارة من قبل أقاربه ومنهم أبو لهب. وفي إحدى المرّات التي رمى فيها أبو لهب للحجارة، أصابت حجارة عرقوب رِجل النبي صلى الله عليه وآله، وهو مكان لعصب، وجرحه وأدّى إلى أن يعاني صلى الله عليه وآله طول عمره الشريف من صعوبة في المشي وأذى في رجله ويتحمّل الألم الشديد. فإصابة العرقوب لا يمكن علاجه حتى في عصرنا الراهن، وإذا أصيب بأذى أو جرح، فصاحبه يصاب بألم ووجع إلى آخر عمره. ومع ذلك كلّه لم يكفّ النبي الكريم صلى الله عليه وآله عن تبليغ الدين والإسلام، وأصرّ على التبليغ وصمد. وبهذا الصدد يقول القرآن الكريم: (لقد كان لكم أسوة حسنة في رسول الله) أي يوصينا القرآن الحكيم بالتعلّم من النبي صلى الله عليه وآله. وعليه عليكنّ أن تصمدن وتقاومن في سبيل التبليغ، وفي الوقت نفسه لا تكنّ عنيفات في التعامل ولا حادّات في الخُلُق مع أحد في ممارسة التبليغ. واجعلن قوله تعالى: (ادع الى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة) نبراساً لكنّ، واجتنبن النزاع والزعل وماشابههما، ولا تفسحن المجال للتعب في هذا السبيل، واعرضن للعالم، لمرّات ومرّات ومرّات، الإسلام الذي عمل به وطبّقه رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما في حكومتيهما، ومارسن التبليغ لأجله.

كنّ من العظيمات

كما عليكنّ أن تسعين إلى أن تكونّن مثلك تلك المرأتين العظيمتين، حتى يشملكنّ الحديث الشريف (أكثر أهل الجنّة النساء). واحذرن من أن لا تكن إحداكنّ ممن إذا رحلت عن الدنيا، تبدأ لها المشاكل العويصة والمصاعب الكبيرة في عالم الآخرة بسبب أقوالها وتصرّفاتها وأعمالها. وشهر رمضان العظيم أفضل وقت وأحسن فرصة لبناء النفس، وكذلك لأجل تبليغ الإسلام الصحيح الذي يقول به القرآن الحكيم، وعمله وطبّقه النبي الكريم وأمير المؤمنين وأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.

أسأل الله تبارك وتعالى التوفيق لكل النساء، أنتن الحاضرات وسائر النساء الاخريات في مختلف دول العالم، في مجال بناء النفس وتزكيتها، وكذلك في مجال البعد عن التقصير في إيصال الإسلام الصحيح إلى العالم كلّه، أكثر وأكثر. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.