LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سلسلة توجيهات سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
نبراس المعرفة: صلة الرحم
رمز 46650
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 25 محرّم الحرام 1446 - 1 أغسطس 2024

سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.

بسم الله الرحمن الرحيم

صلة الأرحام تزيد في العمر والقطیعة تُنقصه:

قالت مولاتنا الزهراء عليها السلام في خطبتها الفدكيّة: (صِلَةَ الْأَرْحَامِ مَنْسَأَةً فِي الْعُمُرِ)(1).

مسألة الأرحام - بمفهومها السلبي المتمثّل بقطیعة الرَّحم أو بمفهومها الإیجابي المتمثّل بصلة الرحم ـ هي مسألة مهمة للغایة ويبتلي بها أغلب الناس إن لم نقل كُلهم.

الأرحام هي العلاقة‌ التي تجمع بین الأقرباء صعوداً ونزولاً في القرابة، وسّمي بالرحم بإعتبار أن الجامع فیما بینهم هو (الرحم) سواء كان رحم الأم أو الجدّة أو ماشابه ذلك.

وقد جعل الله تعالى للأرحام أحكاماً شرعية، بعضهم مع بعض، وجعل آثاراً وضعية لقطیعة الأرحام أو صلتها، منها طول العمر وقصره.

ففي خطبة سيدتنا ومولاتنا الزهراء (سلام الله عليها) هناك إشارات كثيرة لمختلف المسائل الإسلامية ومنها العقائد والأحكام وفي مسألة الأرحام.

المهم أن هذه المسألة الإجتماعية هي محل إبتلاء لجميع الناس في كل زمان ومكان، وهذا ما أشارت له السيدة الزهراء صلوات الله عليها في أن صلة الأرحام سبب لطول العمر، فكل إنسان له عمر محدود بالتقدير الإلهي، وهذا لاخلاف فيه بين الرجال والنساء، لکن من الأمور التي توجب طول العمر هي صلة الرحم. ومن الأمور التي توجب قصر العمر هي قطيعة الرحم.

ورد عن رسول الله صلی الله عليه وآله أنه قال: (إن الرجل ليصل رحمه، وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام،‌ فينسئهُ اللَّه عزَّ وجلّ‏ ثلاثين سنة، وأن الرجل ليقطع الرحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيره اللَّه إلى ثلاثة أيام)(2).

وإلى جانب ذلك الحدیث، ورد في كلام مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها ـ المارّ ذكره في كلمة (مَنْسَأَةً) في قولها (صِلَةَ الْأَرْحَامِ مَنْسَأَةً فِي الْعُمُرِ).

ولابد من الوقوف عند هذه الکلمة قليلاً، فكلمة (مَنْسَأَةً) كلمة بلاغية تدلّ علی الكناية، وكما هو معروف أن الكناية أبلغ من التصريح، بمعنى أن المرء إذا وصل رحمه تكون صلته لأرحامه سبباً لنسيانه الموت المُقرر نزوله في وقته المحدد، فيبقى هكذا ـ لايتذكر الموت ـ حتى يصل إلى الوقت الذي أوجبت فيه صلة الرحم طول عمره.

صلة الرحم تداركته، فلم يمت!!

هناك قصة وردت عن الإمام موسى بن جعفر صلوات الله عليهما یوم كان متخفیاً عن الأنظار في مكة المكرمة، لا يخرج في وضح النهار.

تقول القصة عندما همّ المنصور بقتل الإمام الصادق عليه السلام، وهمّ بقتل ولده الإمام الكاظم صلوات الله عليه، كان المنصور يتصور أن بإمکانه أن يقتل الإمام موسى بن جعفر صلوات الله عليهما ليقطع حبل الأئمة المتّصل للوجود.

فقام المنصور من أجل تحقیق هذا الهدف بعدد من الخطوات والأمور الخفیّة.

منها: أنه جعل الإمام واسطة بينه وبين الشيعة، كي لا تنقطع أخبار الشيعة عنه، مع أن  عامة الناس کانوا لايعرفون مكان الإمام.

ویشار إلی أن الله تعالى منح المعصومين القدرة علی الإعجاز في كل مجال، لكنهم لم يستخدموا هذا الإعجاز إلا في حالات خاصة ونادرة. ولذا كانوا يتعرضون للقتل والتعذيب والمشاکل لأن الله تعالى يريد أن يختبر عباده من خلالهم.

فقال الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام لأحد أصحابه الذين كانوا يتردّدون علیه وينقلون عنه بعض الأحكام الشرعية إلى أتباعه من الشيعة، قال ما مضمونه: (غداً ستجد شخصاً (وذكر أوصافه) في المسجد الحرام إن سألك عني دلّه عليّ).

وبالفعل فقد جاء صحابي الإمام إلی المسجد فرأی ذلك الشخص لما دنا منه، قال له اتبعني لآخذك إلى الإمام.

فأتّبعه الرجل عن بعد حتى لا يكشف أحد من جلاوزة السلطة مكان الإمام الكاظم صلوات الله عليه.

عندما وصل تحدّث معه الإمام إلى أن سأله قائلاً: أين أخوك؟

فقال: خرجنا أنا وأخي لنذهب إلى مكة المكرمة، فهو بقي في قرية، وأنا رحلت عنه.

فأجاب الإمام ذلك الرجل قائلاً له: أتود أن أخبرك كيف تفارقتما؟!

أنتما قد تساببتما وتقاطعتما، فکلاکما قطع رحمه. والتقدير الإلهي یقتضي موتكما نتيجة تلك المقاطعة، وسیموت أخوك قبل أن يرجع إلى داره، بینما أنت قد وَصَلت عمّتك في الطريق فرفع الله عنك الموت الذي كان قريب منك، وقد طال عمرك!

فسأل الرجل الإمام عليه السلام قائلاً: كم سيكون عمري؟

فقال الإمام: عشرين سنة.

لاحظوا، لأن هذین کلیهما قطعا رحمهما، فإرادة الله إقتضت أن یموتا، لكن صلة الرحم لأحدهما تداركت ذلك الرجل فزادت في عمره.

وهنا ينقل أحد الرّواة، يقول كنت أذهب إلى الحج طيلة عشرين عاماً وأنا أرى ذلك الرجل، لکنه في العام الحادي والعشرين الذي وعد به الإمام الكاظم علیه السلام عندما ذهبت إلی الحج لم أره!..).

فصلة الرحم قد منحت هذا الرجل عشرين عاماً، بینما قطيعة الرحم كانت سبباً في موت أخیه رغم أن التقدير الإلهي اقتضى موت كليهما وهذا طبقاً لما مرّ ذكره في الحديث الشريف لرسول الله صلی الله عليه وآله: (إن الرجل ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فينسئهُ اللَّه عزَّ وجلّ‏ ثلاثين سنة، وأن الرجل ليقطع الرّحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيره اللَّه إلى ثلاثة أيام)...

إعزموا على ترك قطيعة الرّحم

على الجميع أن ينتبهوا بأن صلة الرحم تترتب علیها آثار كبيرة یجب الإلتفات إلیها وليس فقط الإلتفات والعمل بجوانب الحرمة والاستحباب والكراهية وماشابه.

فهناك آثار أخرويّة تترتب على الأرحام إيجاباً إذا وُصِلت وسلباً إذا قُطِعت، فهي توجب طول العمر وتحسین العلاقات في العائلة. 

فهل يكون مستحسن من شخص أن يقطع رحمه بسبب عمل أو كلمة نابیة ويخسر بسببها سنين طویلة من العمر؟

وهل یجوز أن يترك المرء زيادة عمره في الدنيا عن طريق صلة الرحم؟

على الجميع أن يعزموا على أن لايقطعوا رحماً أياً كان، وأن لا يتركوا صلة الرحم مهما كانت الظروف، فالفقير لايمكنه أن يصل رحمه بالمال فعليه أن يصل رحمه بالقول وتفريج الكروب قولاً وعملاً.

وهذا هو المعنى والمراد مما ذكرته سيدتنا الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها حینما قالت: (صِلَةَ الْأَرْحَامِ مَنْسَأَةً فِي الْعُمُرِ).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الإحتجاج، ج1 ص99.

(2)الذنوب الكبيرة، ج‏1 ص‏147.