LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سلسلة توجيهات سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
نبراس المعرفة: نصرة المظلوم
رمز 47137
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 17 صفر الأحزان 1446 - 22 أغسطس 2024

سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:

(اُقعِدَ رجل من الأخيار في قبره، فقيل له: إنّا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله!

فقال: لا أطيقها.. فلم يزالوا به حتى إنتهوا إلى جلدة واحدة، فقالوا: ليس منها بُد.

قال: فبما تجلدوني بها؟

قالوا: نجلدك لأنك صليت يوما بغير وضوء ومررت على ضعيف فلم تنصره.

قال الإمام الصادق علیه السلام: فجلدوه جلدة من عذاب الله عز وجل فامتلأ قبره ناراً)(1).

لو دققنا النظر في نص الحديث الشريف لوجدنا كلمة (رجل من الأخيار) تدلّ علی أن الرجل کان على مستوى من الإلتزام الدیني، بحیث لا يرتکب الحرام ولا يترك الواجب ولا یتهرّب من الإلتزامات الشرعية، لكنه مع ذلك عوقب لأنه ترك نصرة إنسان مظلوم وترکه وحیداً ولم يعنه علی ظلامته. فکانت أقلّ ما یُنزل بحقّه من عقوبة أن يُجلد جلدة واحدة من عقاب الآخرة فيمتلأ قبره نارا.

إن من أوضح مصاديق من تعرّض للمظلومیة هم العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم) لیس فقط لأنهم أصحاب مراتب رفیعة‌ ومقامات سامیة، بل تعرّضوا لأنواع الظلم والقهر والإضطهاد، ولازالوا یتعرّضون للظلم بأشکال مختلفة بعد حیاتهم وإلى يومنا هذا. في حین أن الله تبارك وتعالی خلق كل شيء من أجلهم وهو القائل جلّ وعلا لنبیه: (لَوْلاَكَ لَمَا خَلَقْتُ اَلْأَفْلاَكَ..)(2).

مظاهر نُصرة الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم)

كيف ننصر المعصومين عليهم السلام في زماننا هذا؟

إذا کانت نصرة المظلوم واجبة،‌ والمعصومون أفضل مصداق للمظلومیة، فإن السؤال الأهم هو کیف یمکننا نصرة المعصومین في زماننا هذا؟ وما هي السبل التي تساعدنا علی أداء تلك النصرة؟

في الواقع إن النصرة لأهل البیت والأئمة المعصومین علیهم السلام تأتي عن طريق توسيع وتعميم شعائرهم وترویج أفکارهم ومعتقداتهم، وبإحیاء مناسباتهم الدینیة من مواليد وشهادات وما أشبه. 

فعلینا أن نقیم هذه المناسبات الدینیة بشتی أنواعها وصورها، کعقد المجالس وتأليف الکتب ونشرالصحف وإقامة المسيرات الولائية وخاصة الأربعينية المقدسة لسيد الشهداء عليه السلام)، وكذلك عبر تأسیس الفضائيات ووسائل الإعلام التي تنشر ثقافة أهل البیت علیهم السلام في مختلف المناسبات.

فهذه الأمور تعدّ من مظاهر نصرة الأئمة علیهم السلام، والترك لها هو من مظاهر ترك نصرتهم لمن کانت له القدرة على ذلك.

فقد ورد في مضمون الرواية أن أمير المؤمنين علیه السلام، بینما کان جالساً في المسجد بین أصحابه، وإذا به یسمع رجلاً ينادي: (واظلامتاه).

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: (ظلمني والله الحجر والمَدر) فهذه كناية واضحة تدلّ علی مظلومیته الواسعة. والكناية أبلغ من التصريح.

وتدلّ هذه الکنایة علی معنی هو أن كل شيء ظلمني! والظلامة هنا بمعنى أن البعض ظلموه عبر إيقاع التُّهم علیه، والبعض الآخر ظلمه لأنه خذله وترك نصرته، والبعض الآخر ظلمه لأنه إغتصب حقّه في الإمامة والخلافة، وبعض ظلمه بالسکوت عن کلّ ذلك وغیره، في حین کان بالإمکان نصرته بالمال واللسان والقلم.

من مظاهر نُصرة السيدة الزهراء (صلوات الله عليها)

يجب علینا نصرة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) عن طريق إحياء مناسبة مولدها الشريف ومناسبات إستشهادها، فكما أراد أهل البيت الطاهرين (صلوات الله عليهم) أن يبقى قبرها مجهولاً، فإنهم أرادوا أيضاً أن يبقى زمان إستشهادها مجهولاً وهو سرّ من الأسرار، ولذا ورد في الأحاديث المعتبرة أنها أستشهدت بعد خمس وسبعين يوماً من إستشهاد أبيها رسول الله صلی الله عليه وآله، وفي بعضها ورد أنها أستشهدت بعد خمس وتسعين يوماً، وفي بعضها بعد أربعين يوماً، وما إلی ذلك من الروایات المتعدّدة.

فإقامة مجالس العزاء والمسيرات الولائية وتأسيس الفضائيات الكثيرة التي تحمل إسمها الشريف والتي تعقد على ذكر فضائلها ومصائبها ـ كل ذلك يعتبر من مصاديق نصرة السيدة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) وبقية أهل البيت المظلومين (صلوات الله عليهم). 

فلا زالت هذه الظلامة موجودة إلى اليوم،‌ ومازال نداء نصرتها ونصرة المعصومين (صلوات الله عليهم) یدعونا لذلك في عالم اليوم. وشكر الله مساعي كل المؤمنين الذين يقيمون أنواعاً متعددة من النصرة للسيدة الطاهرة فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها)، ولكن هذا قليل بالنسبة للعترة الطاهرة وبالأخص السيدة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها).

فإقامة الشعائر الفاطمية المقدسة بشتى أنواعها هي واحدة من أفضل مصادیق النصرة لها (سلام الله عليها) في هذا الزمان، فمن يستطيع نصرتها بالأكثر، لا يحق له أن يقتنع بالأقل. وعلی كل إنسان أن یتحمّل المسؤولیة بمقدار ما يستطيع.

يُنقل عن المرجع الكبير السيد أبو الحسن الإصفهاني (رضوان الله عليه) أن جماعة قالوا له:

إن أحد الكسبة كان يقيم الشعائر الفاطمية المقدسة بمقدار نفسه وكان إذا حلّت ذكرى إستشهاد الزهراء علیها السلام، کان يبذل المال وإن لم يملك، فإنه کان يستدين المبلغ، ثم يعمل ويسدد المال شيئاً فشيئاً.

ولكن هذا الكاسب توفي وفي ذمته ديون من إحياءه لشعائر السيدة الزهراء (صلوات الله عليها) ومجالسها، فسأل السيد أبو الحسن الإصفهاني (رضوان الله عليه): كم علیه دین ومن يطلبه؟

فدفع السيد أبو الحسن كل ذلك عن الکاسب الت كانت مترتبة علیه الدیون من وراء إقامة تلك المجالس، وينقل عن السيد أبي الحسن الإصفهاني أنه سُئل: هل يجوز صرف سهم الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)  في هذا مجال الشعائر الفاطمية؟

أجاب سماحته: نعم، یجوز إقامة الشعائر الفاطمية المقدسة إما وجوباً عينیاً أو كفائیاً أو من جهة الإستحباب. ففي باب التزاحم يكون مقدماً وراجحاً على الدَيْن..

أحيوا الشعائر الفاطمية المقدسة ولو بالاقتراض:

ينبغي على كل المؤمنین والمؤمنات بمقدار ما يستطيعون أن يقيموا الشعائر الفاطمية المقدسة،‌ ولو بالإقتراض لذلك، لأنه ینبغي إحیاء هذه المناسبة بأفضل ما يمكن حتى يكون إحیاء المناسبة تبليغاً للتوحيد والرسالة والنبوة والإمامة.

ففي الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى مخاطباً رسوله الأكرم صلی الله عليه وآله: 

(يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما).

وليس معنى  ذلك أن علياً أفضل من رسول الله أو أن فاطمةَ أفضل من كليهما صلوات الله عليهم أجمعين، بل أن خلق رسول الله صلی الله عليه وآله جاء لغرض بقاء الدين والرسالة وإن لم يخلق علي بن ابي طالب والسيدة فاطمة صلوات الله عليهما (کما ذکرالمفسرون) لكان لغواً ذلك الخلق ونقضاً للغرض الذي وجد من أجله رسول الله صلی الله عليه وآله، فهذه المجموعة الطاهرة الثلاثية وبقية الأمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين هم سببا لإحیاء الدين وبقاءه إلى يوم القيامة، فكل واحد من هؤلاء الثلاثة (محمد وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم علّة لبقاء دين الله،‌ ولذلك ينبغي على الجميع إقامة الشعائر الفاطمية المقدسة وأن يجتهدوا بمقدار مايمكنهم لذلك ولو بمقدار اقتراضهم لأمورهم الشخصية،‌ ليتمكنوا من إحياء تلك الشعائر المقدسة على نحو أوسع وأفضل..

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1)بحار الأنوار، ج6 ص221.

(2)تأویل الآیات الظاهرة فی فضائل العترة الطاهرة، ج1 ص430.