LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في كلمته بذكرى استشهاد النبي الكريم صلى الله عليه وآله:"
لنسع إلى تحقّق العدالة والخير في العالم
رمز 47809
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 15 ربيع الأول 1446 - 19 سبتمبر 2024

النصّ الكامل لكلمة المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بمناسبة ذكرى استشهاد سيّد الكائنات، وأفضل الأنبياء والمرسلين، سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله، التي ألقاها في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، عصر يوم الجمعة 28صفر الأحزان 1446 للهجرة (2/9/2024م) بجموع المعزّين، كما هو معهود سنوياً.

تعريب: علاء الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية الكلام

أرفع التعازي إلى المقام الرفيع والمنيع والشامخ لصاحب الإمامة والولاية، والعصمة الكبرى والعظمى الإلهية، مولانا الإمام الحجة بن الحسن المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بمناسبة ذكرى استشهاد أشرف الخلق منذ بداية الخلق وحتى نهايته، وأفضل الأنبياء والمرسلين، النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وكذلك ذكرى استشهاد سبطه الأكبر، الإمام الحسن المجتبى عليه السلام (رغم أن القول الأصح في تاريخ استشهاده هو السابع من شهر صفر، وقد أشرت إلى ذلك عدّة مرّات). واُقدّم التعازي بذكرى استشهاد ثامن الحجج الأطهارص، مولانا الإمام الرضا عليه السلام، التي وقعت في آخر يوم من هذا الشهر.

كذلك اُعزّي بهذه المناسبات إلى جميع أبناء البشر الذين وقعوا في دوامات المحن والابتلاءات المتعددة والكثيرة بسبب هذه المصائب، التي ما زالت عواقبها تؤثر على الناس في أنحاء العالم حتى الآن، واُعزّي جميع المسلمين والمؤمنين في العالم، وخاصة المظلومين والمستضعفين في كافة أرجاء المعمورة.

من الجدير بالذكر أن أول شخص استخدم كلمة (مستضعف) بعد القرآن الكريم كان رسول الله صلى الله عليه وآله، حينما خاطب أهل بيته عليهم السلام قائلاً: «أنتُمُ المُستَضعَفونَ بَعدي؛ بعدي ستُستضعفون».

أسأل الله عزّ وجلّ أن يعجّل في ظهور صاحب البركات، مولانا بقية الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لينقذ أبناء آدم عليه وعلى نبينا وآله السلام من المحن والبلاءات المتنوعة.

تقدير وتكريم

في بداية كلامي، وقبل أن أتطرّق إلى شخصية النبي العظيم، رسول الإسلام صلى الله عليه وآله أستغل هذه الفرصة لأعبّر عن واجبي الشرعي بتقديم الشكر والامتنان لكل من قدّم خدمة في إحياء الشعائر الحسينية المقدّسة خلال شهري محرّم وصفر الماضيين، سواء كان ذلك من الذين أقاموا الشعائر الحسينية من أول أيام شهر محرم الحرام لهذا العام حتى آخر أيام شهر صفر، أو من الذين خلال السنوات الأخيرة قد بادروا إلى تنظيم مراسيم استقبال محرم لإحياء هذه المناسبة حتى قبل حلول هذا الشهر. وهذا الاستقبال لم يكن واسع الانتشار حتى ما يقارب عشر سنوات مضت، لكنه بفضل جهود المؤمنين والحسينيين في السنوات الأخيرة وجد مكانه المناسب بين المؤمنين وأصبح تقليداً مرسوماً ومتبنًى بشدّة.

جواز الشعائر المستحدثة

فيما يتعلق بالشعائر المستحدثة في المناسبات المختلفة، سبق وأن بيّنت أن جميع فقهاء الشيعة، ناهيك عن علماء المذاهب الأخرى، يجمعون على أنه لا يشترط أن تكون الشعائر قديمة أو أن تكون لها سابقة في عهد الأئمة المعصومين عليهم السلام.

كما أوضح العلماء أن المواضيع التي يتمّ التطرّق إليها في القرآن الكريم أو الروايات الشريفة للمعصومين عليهم السلام، ولم يحدّد لها الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وآله أو الأئمة المعصومين عليهم السلام إطاراً معيّناً، يتم إرجاعها إلى العرف الذي يحدّد مصاديقها.

لذلك، فإنّ جميع الشعائر المقدسة لأهل البيت عليهم السلام هي شعائر إلهية، وتعتبر مصداقاً للآية الكريمة: «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ». أي إنّ تعظيم شعائر الله هو من صفات القلوب المتّقية.

بناءً على ذلك، فإنّ كل ما يدلّ، عرفاً، على تعظيم وتكريم أهل البيت عليهم السلام يدخل في دائرة شعائر الله. لذلك، إذا لم يكن في السابق من المعتاد إقامة مراسيم استقبال لشهر محرم الحرام أو ارتداء اللباس الأسود قبل حلول هذا الشهر، فلا ضير في ذلك، ويمكن اعتبار هذه الأعمال جزءاً من الشعائر الحسينية. وبالمثل، حتى لو لم يكن في العصور السابقة من المعتاد اعتبار الأيام التي تلي شهر صفر وذكرى استشهاد النبي صلى الله عليه وآله أياماً للعزاء تحت عنوان (الأيّام المحسنيّة)، فإنّ هذا لا يتعارض مع تأسيس مثل هذه العادة في وقتنا الحالي، لأنّ مسألة الشعائر لم تُحدد من قبل الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وآله أو أهل البيت عليهم السلام. وبالتالي، فإنّ كل ما يُعتبر عرفاً تعظيماً وتكريماً لأهل البيت عليهم السلام يُعد من الشعائر. وإذا ظهرت في المستقبل عادات أو تقاليد أخرى تتماشى مع تعظيم أهل البيت عليهم السلام، فلن يكون هناك أي إشكال أو شبهة فيها.

النقطة الوحيدة التي يجب مراعاتها هي أنّ هذه الأعمال يجب ألّا تكون من المحرّمات الإلهية مثل الغناء المحرّم أو القمار وما شابه ذلك. ومع مراعاة هذه الشروط، فإنّ الانخراط في هذه الأعمال، كما جاء في القرآن الكريم، هو دليل على طهارة وتقوى القلوب.

شكراً للجميع

بناءً على ما ذُكر، فإنّني ممتنّ لجميع من ساهم في إقامة مختلف أنواع الشعائر الحسينية المقدّسة، سواء من خلال إقامة مجالس العزاء أو تنظيم المواكب الحسينية منذ ما قبل حلول شهر محرّم الحرام وحتى يوم عاشوراء، حيث أصبح إحياء هذا اليوم في مختلف أنحاء العالم حركة عظيمة. كما أنّني أقدّم شكري الخاص لكل من بذل جهوداً كبيرة في توسيع وإثراء مراسم زيارة الأربعين الحسيني في مدينة كربلاء المقدّسة ومدن العراق المختلفة، وكذلك في سائر الدول الإسلامية وغير الإسلامية. فالله الحمد، كانت هذه المناسبة بالسنة الجارية أكثر عظمة وجلالاً مقارنةً بالسنوات الماضية في جميع أنحاء العالم. فكما تعلمون، لم تكن مراسيم مسيرة الأربعين الحسيني تُشاهد في العديد من مناطق العالم والمدن في الدول الإسلامية وغير الإسلامية في السنوات السابقة، ولكن هذا العام شهدنا أنّ محبّي الإمام الحسين عليه السلام أقاموا هذه المراسيم في تلك المدن والبلدان أيضاً. ولذا، أودّ أن أعرب عن امتناني العميق لجميع القائمين على الهيئات والمواكب الحسينية، ولكل من ساهم في إقامة هذه الشعيرة المقدّسة، مهما كان مقدار مساهمته، حتى لو كانت مجرّد لحظة أو أقل من ثانية.

الأجر حتى لأصغر وأقلّ خدمة

كل من يقدّم خدمة، مهما كانت، في خدمة الإمام الحسين عليه السلام، فإنّ تلك الخدمة لها قيمة ويتم حسابها. وقد استخدم القرآن الكريم مصطلح «مثقال ذرّة» لوصف دقّة الحساب للأعمال، فقال: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ». وفي التفاسير، تشير «ذَرَّة» إلى الجسيمات الصغيرة المعلّقة في الهواء التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة إلاّ عندما يسلّط عليها الضوء. وقد تكون هناك مليارات من هذه الجسيمات في الهواء من حولنا، ولكن العين البشرية لا تستطيع رؤيتها. ويستخدم القرآن الكريم وزن هذه الجسيمات كمعيار لدقّة الحساب، ويقول: «مِثْقَالَ ذَرَّةٍ»؛ أي وزن ذرّة واحدة. وتأتي كلمة مثقال من الجذر (ثقل) بمعنى الوزن، و«التاء» في الكلمة تعني وحدة الوزن لذرّة واحدة. فحتى لو جمعنا مليون ذرّة، قد لا يكون لها وزن ملحوظ، فما بالك بوزن ذرّة واحدة. وهذا يدلّ على دقّة العدالة الإلهية التي تأخذ في الحسبان وزن الجسيمات الدقيقة التي قد لا يُقاس وزنها حتى على الميزان. لذا، لا شيء من أعمال الخير يخفى على الله تعالى، وكل شيء يتمّ حسابه بدقّة بالغة.

من جهة أخرى، فقد جعل الله تعالى مقياس حساب الشرّ والسوء كذلك دقيقاً، فقال: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»، ويجب أن نلجأ إلى رحمة الله تعالى من عدله. وهذا الأمر ذو أهمية بالغة ويثير القلق. فكما أن من يسجّل خدمة تقدر بوزن ذرّة في خدمة الإمام الحسين عليه السلام سيجد جزاءه، فإنّ من يعيق شعائر أهل البيت عليهم السلام، وخصوصاً الشعائر الحسينية، أو يتخلّف عن دعم تلك الشعائر مع قدرته على ذلك، وهو ما يُسمّى (خذلاناً)، سيواجه عقوبات شديدة. ولقد ذكرت في مناسبات سابقة أنّ أول لعنة صدرت من لسان النبي الكريم صلى الله عليه وآله كانت عند ولادة الإمام الحسين عليه السلام، حيث قال: «اللهم اخذل من خذله». والخذلان يعني أكثر من مجرّد الإعاقة، فهو يشير إلى شخص لديه القدرة على دعم الإمام الحسين عليه السلام لكنه يمتنع عن ذلك. ومثل هذا الشخص يعرّض نفسه للعنة من النبي صلى الله عليه وآله، وسيحرم من نصر الله في الدنيا والآخرة. واقتداءً بالإمام الصادق عليه السلام الذي دعا الله تعالى ودموعه تجري للقائمين بالشعائر الحسينية، أدعو لجميع من كان له دور في إحياء الشعائر، وسأستمر في الدعاء لهم، لأنّ اتّباع الإمام المعصوم عليه السلام في هذه الأمور هو أمر واجب ومستحب.

عصر تألّق الشعائر

شهدت الشعائر الحسينية المقدّسة هذا العام نمواً ملحوظاً من حيث الجودة والكمية. وللأسف، يفتقر الشيعة إلى إحصاءات دقيقة في هذا المجال، ولا أعلم إذا كان بإمكان ألف من الخبراء استخدام الوسائل الحديثة لإجراء محاسبة دقيقة وجمع إحصاءات عن الخدمات التي تم تقديمها منذ قبل شهر محرم وصفر وحتى يوم الثامن من ربيع الأول، الذي هو ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وإحصاء عدد المجالس التي تُقام في جميع أنحاء الأرض لتكريم شعائر أهل البيت عليهم السلام، وجمع تفاصيل أخرى عن المصاريف التي تُصرف في هذا المجال، إذا كانوا سينجحون في ذلك أم لا. وهذا الحدث في تاريخ البشرية لا نظير له، ولا يوجد ما يماثله، وهو تجسيد واضح لوعد رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال: «وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علوّاً.» وقد تم تذكير هذا الحديث في يوم الحادي عشر من محرّم من قِبَل السيدة زينب الكبرى سلام الله عليها للإمام زين العابدين عليه السلام، لتهدئة قلبه المحزون، رغم أنّ الإمام عليه السلام كان على دراية بهذا الحديث. وبجانب وعد انتشار الشعائر الحسينية، من النقاط المهمة في هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله هو استخدامه لكلمة «ليجتهدنّ». فهذه الكلمة مشتقّة من الجذر «جَهْد»، مما يعني الجهد والمثابرة الشديدة. ومع ذلك، استخدم رسول الله صلى الله عليه وآله في حديثه لام القسم ونون التوكيد، مما يشير إلى أنّ قادة الكفر وأتباعهم سيبذلون أقصى جهدهم وطاقاتهم، بما في ذلك القوة الفكرية والمالية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لإزالة الشعائر الحسينية، ولكن مع ذلك، ستستمر هذه الشعائر في النمو والازدهار يوماً بعد يوم. علماً بأنّ استخدام تعبير بهذه القوة في الروايات هو إما نادر أو غير مسبوق. ولذا، أشكر جميع من ساهم في إقامة الشعائر الحسينية، وأتمنى أن يتسع نطاقها عاماً بعد عام. ومن المناسب أن يقوم كل من كان له دور هذا العام، سواء من خلال تقديم خدمة منذ قبل شهر محرّم وحتى أيام استشهاد سيدنا المحسن عليه السلام، بتوسيع نطاق خدماته في العام المقبل. فإذا كان شخص ما قد استخدم ماله أو عمره في هذا الطريق، أو تحمّل المتاعب والانتقادات، أو تعرّض للسجن أو التعذيب، فعليه أن يضاعف جهوده، فهذه الجهود ستكون في مصلحته. وإذا لم يفعل، فإنّ هذا التوفيق سيذهب إلى الآخرين، لأنّ الله تعالى وعد بزيادة هذه الشعائر. ولذا من يخطو في هذا الاتجاه سيكون شريكاً في الأجر، ومن يتهاون سيخسر.

لنتعلّم من النبيّ الرحمة والإنسانية

تُعدّ الآيات الكثيرة في القرآن الكريم مرآة لأقوال وأفعال رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد عرّف الله تعالى نبيّه من خلال هذه الآيات. وإنّ هذه الشخصية الفريدة قد أدرجت سورة كاملة باسمها في الكتاب الحكيم، ومن بين تلك الآيات، الآية الكريمة: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ» وتشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان دائماً في ظل رحمة الله تعالى، وهذه الرحمة الإلهية جعلته يتعامل مع الناس برفق ورحمة، كظل للرحمة الإلهية الذي يظللهم. ولهذا السبب، لم يُرَ رسول الله صلى الله عليه وآله يتعامل مع أي فرد من أفراد المجتمع بعنف أو قسوة. ومع الأخذ بعين الاعتبار هذا الموضوع، قال الله تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» وفي هذه الآية، يكمن أمر من الله تعالى، وهو الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله. فقد طلب الله من الجميع أن يتبعوا نبيّه وجعله قدوة للجميع في أفعالهم وأقوالهم وأعمالهم. علماً بأنّ ليس أحد قادراً على أن يكون مثل رسول الله صلى الله عليه وآله تماماً، إلاّ أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام والأئمة المعصومين عليهم السلام. ولكن هذا لا يعني أنّه لا يمكننا جعل رسول الله صلى الله عليه وآله قدوة لنا، بل يمكننا الاقتداء به في كل جانب من جوانب الحياة الدنيوية والأبعاد الروحية، ونسعى إلى تشبيه أنفسنا به صلى الله عليه وآله. بلى، يمكن أن نسير على الدرب الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وآله، ويمكننا أن نتبع المنهج نفسه الذي كان ملتزماً به صلى الله عليه وآله. لو لم يكن ذلك ممكنا، لما أمر الله تعالى في القرآن الكريم بالاقتداء به. فلذا، يمكننا أن نتّخذ النبي صلى الله عليه وآله قدوة لنا ونستوحي منه المنهج الصحيح. وبالتأكيد، إن ّنيّاتنا وأفعالنا لن تصل إلى نقاء وصلاح نيّة وأفعال رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنّ نقص عصارة العصمة الكبرى في وجودنا هو عامل أساسي في هذا الفرق. ومع ذلك، يمكننا أن نتحرّك نحو الاتجاه الذي يعكس نفحات من طيبة النبي الكريم صلى الله عليه وآله. ولذا من المناسب أن يتعلّم قادة الحكومات الإسلامية من رسول الله صلى الله عليه وآله، ويجعلوا اللين والرحمة والأخلاق الحسنة أساساً في تعاملهم مع الناس. وهذا القاعدة تنطبق على جميع التصرّفات والتعامل مثل تعامل المسلمين مع بعضهم بعضاً، وتعامل الآباء والأمهات مع أبنائهم، والتعامل بين الأزواج، والشركاء في العمل، والأساتذة مع طلابهم، وغيرها. فيجب على الجميع أن يتعلّموا من النبي الكريم صلى الله عليه وآله الذي كان مصدراً للرحمة والعطف، وأن يتعاملوا مع الآخرين بلين ولطف ورفق، بما يتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم.

ما حصل في معركة اُحد

الآية التي ذُكرت في بداية الحديث نزلت بعد معركة اُحد، وقد قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ» وسأشير بإيجاز إلى هذه الواقعة لتوضيح سبب نزول الآية. فقد أتى مشركو مكّة من جميع الجهات إلى المدينة المنورة، وقاموا بقطع مئات الكيلومترات ليحاصروا المدينة ويقضوا على الإسلام والنبي صلى الله عليه وآله والمسلمين. وعندما وصل المسلمون إلى منطقة اُحد، أمر النبي صلى الله عليه وآله بعض المسلمين بالمرابطة على قمّة جبل اُحد، ليتجنّبوا هجوم المشركين المحتمل من الأعلى ويمنعوا التفافهم حول جيش المسلمين من هذه المنطقة، وبالتالي يقتصر القتال بين المسلمين والمشركين على جبهة واحدة. وقد تم الاتفاق بين النبي صلى الله عليه وآله وأولئك الخمسين من المسلمين على أن يظلوا في قمّة جبل أحد تحت أي ظرف، سواء انتصر المسلمون أو تعرّضوا للهزيمة. واستقر اولئك الخمسون على قمّة الجبل وسدّوا الطريق أمام المشركين من تلك المنطقة، ووقعت المعركة بين جيشي المسلمين والمشركين في أسفل الجبل. وعندما بدأ المسلمون في تحقيق النصر وفرّ بعض المشركين، قرّر بعض أولئك الذين كانوا في قمّة الجبل مغادرة مواقعهم لجمع الغنائم، معتقدين أنّ المعركة قد انتهت بالنصر. وهذا القرار قوبل بمعارضة من قائد تلك المجموعة، الذي قال إنّ النبي صلى الله عليه وآله أمرهم بالبقاء في مواقعهم حتى يتم السماح لهم بالمغادرة. ولكن أفراد المجموعة تجاهلوا تعليماته وتركوا موقعهم الاستراتيجي على قمّة جبل اُحد. وفي تلك الأثناء، لاحظ بعض المشركين، الذين كانوا في حالة فرار، أنّ تلك المجموعة من المسلمين قد نزلت من الجبل. فاستغل المشركون، بقيادة خالد بن الوليد الذي كان لا يزال غير مسلم في ذلك الوقت، الوضع واستفادوا من ارتفاع الجبل للهجوم على المسلمين الذين كانوا مشغولين بجمع الغنائم. فشنّوا هجوماً وأدّى ذلك إلى مقتل عدد كبير من المسلمين، مما دفع العديد منهم، الذين شكّلوا الأغلبية، إلى الفرار من ساحة المعركة. وفي النهاية، بقي النبي صلى الله عليه وآله وعدد قليل من المسلمين، من بينهم أمير المؤمنين عليه السلام، في ساحة المعركة وواجهوا المشركين بشجاعة. وفي هذه الأثناء، تحمّل أمير المؤمنين عليه السلام دوراً هامّاً في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث تصدّى لهجمات المشركين وحمى النبي صلى الله عليه وآله، رغم أنّ النبي صلى الله عليه وآله قد تعرّض لإصابات بالغة، حيث كُسرت أسنانه وجبهته نتيجة ضربات الحجارة من المشركين، إلاّ أنّ هذا العدد القليل من المسلمين تمكّن من قهر ما تبقى من جيش المشركين. وبحسب الروايات، استشهد سبعون من المسلمين في هذه المعركة، ومن بينهم حمزة بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وآله. بعد انتهاء المعركة، عاد النبي صلى الله عليه وآله مع القليل من الأصحاب الذين ظلوا في ساحة القتال، إلى المدينة فاتحًا، على الرغم من الخسائر التي تكبّدها جيش المسلمين.

عظمة الرحمة النبويّة

إنّ سلوك النبي صلى الله عليه وآله مع الأشخاص الذين فرّوا من ساحة المعركة وأدى ذلك إلى تعرّض جيش المسلمين للهجوم من قبل المشركين، يستحقّ التأمّل والتدقيق. فكما نرى في تصرّفات العالم اليوم، فإنّ معاملة هكذا أفراد غالباً ما تكون صارمة. ففي الدول الإسلامية، كما شهدنا في الحرب بين إيران والعراق، يُحكم على هكذا أفراد بالإعدام. أما في الدول الغربية، حتى تلك التي تمنع الإعدام، فإنّها تفرض عليهم عقوبات بالسجن الطويل وتقوم بمصادرة الممتلكات، بينما تقوم دول أخرى بالإعدام. ومع ذلك، فإنّ ما يميّز سلوك النبي صلى الله عليه وآله هو رحمته البالغة وحسن معاملته حتى مع من أخطأوا. وعلى الرغم من الموقف الحرج والخسائر التي تكبّدها المسلمون، لم يتصرّف النبي صلى الله عليه وآله بشدّة مع اولئك الأشخاص الذين خالفوا أوامره. فهذا التباين بين سلوك النبي صلى الله عليه وآله والأنظمة المعاصرة يبرز عمق الرحمة والعدالة التي تجسّدت في سلوكه، وهو ما يعكس التعاليم العليا للإسلام في التعامل مع الناس، حتى في أصعب الظروف. علماً بأنّ هذه العادة هي المتبعة من العصور القديمة حتى اليوم. ومع ذلك، لم يقم رسول الله صلى الله عليه وآله بمحاكمة أي من أولئك الذين فرّوا من ساحة المعركة، ولا قام بعقابهم، بل لم يوجّه إليهم أي نوع من الشدّة أو العقوبات، بل على العكس، تعامل معهم برحمة وعفو، حتى أنّ هذه الأفعال لم تستدعِ منه صلى الله عليه وآله أي نوع من العقوبات أو السجن أو التعذيب. وعند ذلك، نزلت الآية الكريمة: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ»، التي تسلّط الضوء على رحمة النبي صلى الله عليه وآله وتعاطفه مع الآخرين حتى في أوقات الأزمات والشدائد. وهذه الواقعة تعتبر فريدة من نوعها في تاريخ البشرية من زمن آدم عليه السلام حتى يومنا هذا. فقد تعامل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله مع جميع الذين فرّوا من ساحة المعركة برحمة وشفقة، ولم يتعامل معهم بعنف أو قسوة. بل لم يُبدِ أي تذمّر أو شكوى منهم. وكذلك لم يوجّه النبي صلى الله عليه وآله انتقاداً سوى لأحد المنافقين الذي فرّ من المعركة وظل هارباً لثلاثة أيام، حيث قال له عند عودته: «لقد ذَهَبْتَ بها عريضة»، وهي عبارة تعبّر عن المبالغة في فراره. وهذا كان الاستثناء الوحيد من سلوك النبي صلى الله عليه وآله، الذي كان بشكل عام رحيماً وعطوفاً. وبعد هذه الحادثة نزلت الآية الكريمة: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ»، التي تُظهر كيف أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان قدوة في التعامل الرحيم والمُحسن حتى في الظروف الصعبة.

للبشرية جمعاء

أشير إلى موضوع مهم، وأوصيكم، أنتم وكل من يصله كلامي في أي مكان في العالم، خاصة الشباب والشابّات، بالبحث والدراسة حول هذا الموضوع.

لقد استخدم القرآن الكريم بانتظام تعبير «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» في آياته، وهذا التعبير لا يقتصر على الشيعة أو المسلمين فقط، بل يشمل جميع البشر. ففي الوقت الحالي، بلغ عدد سكان العالم أكثر من ثمانية مليارات إنسان. وبناءً على ذلك، عندما يخاطب القرآن الكريم جميع البشر أو جميع سكان العالم، فإنّ ثقافة هذا الكتاب السماوي يجب أن تصل إلى جميع الثمانية مليارات شخص الذين يعيشون الآن. والعمل على تحقيق هذا الأمر هو واجب عيني على عاتق الجميع، حيث لم يتم تحقّق من فيه الكفاية في هذا الشأن بالعالم حتى الآن. وعندما يتحقّق هذا الهدف، سيقبل كل من يرغب، وأما من لا يرغب فعلى الأقل تكون قد أُقيمت عليه الحجّة ولا عذر له عند الله تعالى. وهذا الحكم لا يقتصر على ثقافة القرآن فحسب، بل كذلك يشمل ثقافة أهل البيت عليهم السلام. فقد استخدم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله تعبير «معاشر الناس» في خطبته يوم الغدير بشكل متكرّر، رغم أنّ الحضور في ذلك اليوم كانوا من المسلمين، سواء المنافقين أو المؤمنين، ولم يكن هناك نصارى أو يهود أو علمانيين بين تلك الجموع العظيمة، إلاّ أنّ خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله خاطب جميع الناس، سواء المسلمين أو غير المسلمين، وأبلغهم أمر الله تعالى. وبناءً على ذلك، عندما يوجّه النبي صلى الله عليه وآله خطابه مراراً وتكراراً إلى جميع البشر، فإنّ ذلك يعني أنّ خطابه يتعلّق بكل الأفراد، وأنّ ثقافة أهل البيت عليهم السلام يجب أن تصل إلى جميع الناس. وكذلك استخدم أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في خطبه بنهج البلاغة وفي غيره من النصوص، وكذلك الأئمة الآخرون مثل الإمام الحسن المجتبى عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام، تعبير «أيها الناس» في خطبهم ومواعظهم، مما يعكس أنّ خطابهم كان موجّهاً إلى جميع البشر.

الخطاب الفاطمي

كمثال على ذلك، عندما حضرت السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها إلى مسجد والدها، رسول الله صلى الله عليه وآله، بعد استشهاده وتحدثت هناك، كان الحضور في المسجد من المسلمين، بما في ذلك المنافقين والمؤمنين. ومع ذلك، خاطبت السيدة فاطمة سلام الله عليها جميع الناس بقولها: «أيّها الناس، اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمّد». وهذا الأسلوب في البيان يعني أن خطابها كان موجّهاً إلى جميع البشر وليس فقط إلى من كانوا حاضرين في المسجد في ذلك الوقت. وكانت الحاضرات في المسجد يعلمن بأجمعهنّ أنّ المتحدّثة خلف الستار هي السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، حيث تم الإعلان مسبقًا بين الناس عن حضورها وإلقاء خطبتها في مسجد النبي صلى الله عليه وآله. ولذلك، تجمّع الناس في المسجد للاستماع إلى كلماتها. ومع ذلك، استخدمت السيدة فاطمة سلام الله عليها تعبير «أيها الناس» لتوسيع نطاق رسالتها إلى جميع الناس في العالم، مما يجعل من الضروري علينا جميعاً أن نواصل هذا الجهد.

كما أنّها صلوات الله عليها قدّمت نفسها ونسَبها بوضوح لتمنع أي محاولة من الأعداء لإنكار وجودها أو إرجاع خطبتها إلى امرأة أخرى، لأنّ السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها كانت الوحيدة التي تحمل صفة ابنة النبي صلى الله عليه وآله. وبهذا الأسلوب، سدّت الطريق أمام أي محاولة للردّ أو الإنكار من قبل الأعداء.

البلاغ المبین

ما أريد أن أوضّحه هو أنّ ثقافة القرآن ورسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام يجب أن تصل إلى العالم. وكلمة (يجب)، تدلّ على وجوب هذا الأمر، وطالما لم يتحقّق من فيه الكفاية، أي لم يشتغل عدد كافٍ من الناس بهذه المهمة، فإنّ الانشغال بهذا الموضوع واجب على الجميع عينياً. وبالطبع، قد تكون هناك واجبات عينية متعدّدة، وبالإضافة إلى هذا الواجب قد تكون هناك واجبات أخرى في المجتمع، وقد يحدث بينها تعارض، وفي هذه الحالة يجب على كل فرد أن يقوم بواجبه. ومع ذلك، وبالنظر إلى سهولة الوصول إلى وسائل الإعلام، مثل القنوات الفضائية والهواتف المحمولة والصحف والمجلات والكتب وغيرها، لا ينبغي أن نشهد في عالم اليوم وجود شخص من بين أكثر من ثمانية مليارات إنسان يقف يوم القيامة أمام الله تعالى ويقول إنّه لم تصله ثقافة القرآن وأهل البيت عليهم السلام. ولكن هل تحقّق هذا الهدف اليوم، وهل وصلت ثقافة القرآن وأهل البيت عليهم السلام إلى جميع الناس في العالم؟ بالتأكيد، لم يتحقّق ذلك بعد.

إذا نُقلت ثقافة رسول الله صلى الله عليه وآله وثقافة أمير المؤمنين علي عليه السلام، الذي حكم نصف الأرض، إلى العالم، فسيكون من النادر أن يعاندها أحد أو يرفض قبولها. لطالما كان المعاندون عبر التاريخ أقل عدداً من الذين يقبلون الحقيقة. وكذلك اليوم، الأمر على هذا النحو، فقلّة من الناس يعاندون الحقيقة نتيجة الأكاذيب والمغالطات المنتشرة. وهذه الأكاذيب والمغالطات التي انتشرت في المجتمعات جعلت بعض الأفراد الذين لا يعادون الحقّ يعجزون عن الإيمان بثقافة القرآن وأهل البيت عليهم السلام ويبتعدون عنها. ومع ذلك، فإنّ إيصال هذه الثقافة سيحقّق على الأقل أن يتم تنفيذ أمر القرآن بالبلاغ المبين، فلا يكون لهؤلاء الأشخاص حجّة أمام الله تعالى. ولذلك، يجب أن نجعل (البلاغ المبين) الذي هو أمر الله في القرآن الكريم هدفنا المقدّس. والبلاغ المبين يعني إيصال الرسالة بوضوح بحيث يقتنع بها الشخص أو الجماعة المستهدفة. وفي هذه الحالة، لن يرفضها إلاّ من كان من النواصب والمعاندين.

نشر الخطاب النبوي

ورد في الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله كان أثناء وجوده في المدينة المنوّرة، يُلقي بعد كل صلاة واجبة ولدقائق من الخطب. وبناءً على ذلك، كان صلى الله عليه وآله يُخصص وقتاً بعد كل صلاة من الصلوات الخمس لإلقاء خطب قصيرة يوجّه فيها كلامه للحاضرين. ويُقدر عدد هذه الخطب على مدار عام واحد بما يقارب ألفي خطبة، وخلال فترة عشر سنوات التي قضاها صلى الله عليه وآله في المدينة المنوّرة، يصل عدد خطبه بعد الصلوات الخمس إلى قرابة عشرين ألف خطبة. وكانت هذه الخطب تتضمن شرح عقائد الإسلام، مثل التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة والمعاد، بالإضافة إلى أحكام الإسلام المتعلّقة بالواجبات، والمحرّمات، والمستحبّات، والمكروهات، والمباحات. وكانت هذه الخطب تتم بشكل مستقل عن الخطب العامّة التي كان يلقيها النبي صلى الله عليه وآله في تجمّعات أخرى للمسلمين. وهذه الخطب والمواعظ يجب أن تُنقل إلى العالم.

الواجبات الكفائية في الإسلام

من وجهة نظر الإسلام، هناك ثلاثة أمور تعدّ من الواجبات الكفائية، التي إذا لم يقم بها العدد الكافي من الناس، تصبح واجباً عينياً على الجميع، وهذا الأمر محلّ إجماع بين العلماء، ولا يوجد أي عالم يخالف هذا الرأي. وأول هذه الواجبات هداية الناس إلى الإسلام، بمعنى أن يُعرَّفوا بالإسلام ويُدعون إليه. وفي هذا السياق، يجب إيصال الرسالة بطريقة تحقّق البلاغ المبين، بحيث يقتنع الناس بحقيقة الإسلام. وبحسب ما جاء في القرآن الكريم، يترك القرار للناس، كما في الآية التالية: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف: 29).

إذاً، هداية أكثر من ثمانية مليارات إنسان في جميع أنحاء العالم إلى الإسلام هي واجب كفائي. وحيث إنّ العدد الكافي من الناس لم يقم بهذا الواجب، فقد أصبح هذا الأمر، مثل بقية الواجبات العينية، واجباً عينياً.

وجوب الولاية

الواجب الثاني الذي يجب الالتفات إليه هو ما أوضحه القرآن الكريم، فقد قال الله تعالى: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا» (الحجرات: 14). واستناداً إلى هذه الآية، فإنّ الإسلام يتألّف من جزئين: الإسلام (القبول الظاهري للدين) والإيمان (القبول الباطني والقلبي). ولا يتحقّق الإسلام الكامل والمرضي لله تعالى إلاّ إذا اجتمع الجزءان معاً. ويتضمّن الجزء الأول من الإسلام الإقرار بوحدانية الله تعالى ورسالة النبي محمّد صلى الله عليه وآله، الذي يتحقّق من خلال الشهادتين: «أشهد أن لا إله إلاّ الله» و«أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله». ونتيجة لهذا الإقرار، تُصان أموال الشخص ودمه وعرضه. وأما الجزء الثاني، الذي يكمل الجزء الأول، فقد سمّاه القرآن الكريم (الإيمان)، وهذا يعني أنّ الشخص، بالإضافة إلى الشهادة بوحدانية الله ورسالة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، يحتاج إلى الإقرار بولاية الإما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي يتحقّق بشهادة «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» وقبول هذه الولاية. وهذا هو ما أكّد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله عندما أمر بالتمسّك بالقرآن والعترة، حيث قال: «كتاب الله وعترتي ». إذاً، الإيمان هو مفهوم يشمل الإقرار والقبول بكل من القرآن، والنبي صلى الله عليه وآله، وعترة الرسول صلوات الله عليهم أجمعين. والقيام بتوجيه المسلمين من الإسلام إلى الإيمان هو واجب كفائي، وحيث إنّه لم يتحقّق من فيه الكفاية، فقد تحوّل إلى واجب عيني. ووفقاً لقول الله تعالى في الآية السابقة، فإنّ الإسلام وحده ليس كافياً ومرضيّاً لله تعالى، بل يجب أن يكون الإسلام مصحوباً بالإيمان.

لا تُقبل إلاّ بالولاية

لقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الأمر في أول خطبة ألقاها بعد خمس وعشرين سنة من إقصائه. فبعد سنوات طويلة من قبول الخلافة الظاهرية ببيعة الناس بعد اسشهاد النبي صلى الله عليه وآله، قام الإمام عليه السلام بإلقاء خطبة صرّح فيها بأنّ الله تعالى لا يقبل التوحيد دون قبول نبوّة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يقبل التوحيد والنبوّة دون قبول ولاية أمير المؤمنين عليه السلام. وبناءً على هذا الوصف، إذا وجد شخص يقول إنه يؤمن بوحدانية الله ولكن لا يقبل برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله، فإن الله تعالى لن يقبل توحيده، حتى وإن كان ملتزمًا بالعبادات مثل الصلاة والصوم. وكذلك إذا كان الشخص ملتزماً بوحدانية الله تعالى وبرسالة النبي محّمد صلى الله عليه وآله ولكن لا يقبل بولاية أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الأئمة عليهم السلام، فإنّ الله تعالى لن يقبل توحيده ونبوته وعباداته. وهذا هو ما أكّده أمير المؤمنين عليه السلام في أوّل خطبة ألقاها بعد بيعة الناس له. ولذا، فإنّ توجيه المسلمين من الإسلام إلى الإيمان هو واجب أيضًا.

أما الواجب الثالث، فهو توجيه المؤمنين الذين يعانون من خلل أو نقص في أعمالهم، أو الذين وقعوا في معصية أو الذين تركوا واجباً، إلى واجباتهم الإلزامية. ولا يهم إنّ كان هؤلاء الأفراد من أقاربنا أو من غيرهم مثل الجيران أو الطلاب أو الأساتذة أو الأزواج وغيرهم. وإنّ القيام بهذه الواجبات الثلاثة هو من الواجبات الكفائية في العصر الحاضر. وبما أنه لم يُعتنَ بها بشكل كافٍ، فقد تحوّلت إلى واجبات عينية. ولذا، يجب على كل فرد أن يساهم في تحقيق هذه الواجبات حسب قدرته واستطاعته، ويعذر من لم يك بإمكانه.

التاريخ المشرق

إنّ تاريخ النبي الكريم صلى الله عليه وآله مليء بالنقاط البارزة التي لا نظير لها في تاريخ البشرية، ومن الصعب العثور على مثيل لها. وواحدة من هذه النقاط تتعلّق بغزوة اُحد، التي نزل في إثرها الآية الكريمة: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ». ومن خلال دراسة تاريخ النبي صلى الله عليه وآله والتفحّص في تفاصيله، يمكن الوصول إلى العديد من الأمثلة المشابهة لما تمّ ذكره.

مثال آخر من النقاط اللامعة في تاريخ النبي صلى الله عليه وآله هي حادثة فتح مكّة، التي تُعدُّ فريدة في تاريخ البشرية. فقد قاتل مشركو مكّة النبي صلى الله عليه وآله لمدّة عشرين عاماً، ومنذ الأيام الأولى لإعلان الرسالة كانوا في صراع مع النبي صلى الله عليه وآله، واستمر هذا الصراع طوال السنوات الثلاث عشرة التي قضاها في مكّة. وخلال هذه الفترة، تعرّض النبي صلى الله عليه وآله لضغوط جسدية ونفسية كبيرة من قبل المشركين، حيث تعرّض للرجم والسخرية والسبّ والتعذيب وقتل أصحابه. واضطر صلى الله عليه وآله للخروج من مكّة ورافقه عدد قليل من المسلمين الذين آمنوا به، وعاشوا في شعب أبي طالب عليه السلام، حيث عانوا لعدّة سنوات من صعوبات شديدة، مثل نقص المياه والغذاء والعديد من المشقّات الأخرى. وكانت هذه المرحلة من أصعب الفترات التي مرَّ بها النبي صلى الله عليه وآله، ولكنها كانت من أبرز فترات الصمود والثبات في حياته، التي أظهرت عمق الصبر والإيثار الذي تحلّى به صلى الله عليه وآله وأصحابه. وقد قمت سابقاً بذكر هذا الموضوع في مناسبة مع جمع من الوعاظ الكرام، وأعيد الآن ذكره بين يديكم أيها الأعزاء. وأنصحكم بقراءة ما يتعلّق بالمدّة التي قضاها رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام في شعب أبي طالب عليه السلام، والصعوبات التي واجهتها خلال تلك الفترة، التي تم جمعها في كتاب (بحار الأنوار)، وقراءتكم لهذه الأحداث والتفاصيل ستجعل من الصعب عليكم مقاومة التأثّر، فهل تستطيعون منع دموعكم من السيلان؟!

لقد عذّب المشركون النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله بوسائل متعدّدة من التعذيب النفسي والجسدي وضغطوا عليه من جميع النواحي لمدّة ثلاث عشرة سنة حتى هاجر من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنورة. وحتى في المدينة لم يترك المشركون النبي صلى الله عليه وآله وشأنه، بل فرضوا عليه العديد من الحروب، مثل: بدر، واُحد، والأحزاب، وغيرها، حتى بلغ عدد الحروب ثمانين حرباً. ويدلّ الله تعالى في قوله: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ» على كثرة هذه الحروب وتكرار الدعم الإلهي للنبي صلى الله عليه وآله في تلك المواقف الصعبة.

فتح مكّة

استغرق الأمر عشرين عاماً حتى فتح النبي الأعظم صلى الله عليه وآله مكة. وحقّاً، إذا كان النبي صلى الله عليه وآله يريد أن يتعامل مع المشركين وفقاً لما هو معتاد في مثل هذه الظروف، لكان يجب عليه أن يقتل عدداً كبيراً من المشركين في يوم فتح مكّة. فقد كان اولئك المشركون قد عارضوا النبي صلى الله عليه وآله وقاموا بقتل آلاف المسلمين على مدى تلك السنوات العشرين، وهاجموا المسلمين عدّة مرات، وصادروا أموالهم وحتى منزل النبي صلى الله عليه وآله، وغير ذلك. ومع ذلك، بعد فتح مكّة والانتصار على المشركين، لم يقم النبي صلى الله عليه وآله بقتل أي شخص منهم، بل عفا عنهم جميعاً. وهذا النوع من التعامل لا يوجد له نظير في التاريخ، فهو فعلاً غير مسبوق، ولكن العالم قد لا يكون على علم بهذا الفعل النبيل.

لقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وآله في جميع الحروب التي فرضت عليه، منتصراً بفضل الله تعالى، كما أشار إلى ذلك في الآية: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ»، ومع ذلك، لم يكن النبي صلى الله عليه وآله أبداً هو البادئ بالحرب أو الغازي للأراضي الأخرى. بل كان يكتفي بالدفاع عن نفسه ضد هجمات الأعداء، على الرغم من كونه دائماً منتصراً في ميادين المعارك. وهذا السلوك، الذي كان يقتصر على الدفاع وعدم الهجوم، هو أيضاً سلوك غير مسبوق. فالنبي صلى الله عليه وآله، رغم قوّته ونصره، لم يسع أبداً لبدء الحروب أو الاعتداء، بل كان دائما يلتزم بالدفاع عن النفس وحماية المسلمين.

لذا، يجب أن تُعرض مثل هذه المواضيع للعالم وتُعرض بتفصيل في القنوات الفضائية، أو من خلال الأفلام الوثائقية التي تعرض تاريخ نبي الإسلام صلى الله عليه وآله بشكل دقيق. ومن المهم أن يتم نقل تاريخ النبي صلى الله عليه وآله من المصادر الصحيحة، وهي الروايات التي نقلها أهل البيت عليهم السلام، وليس من المصادر التي تحتوي على روايات مضلّلة أو مفترى عليها من قبل بعض المنافقين الذين أساؤوا إليه. فتقديم الحقائق التاريخية بدقّة وموضوعية يساهم في تصحيح المفاهيم الخاطئة ورفع مستوى الوعي العالمي حول القيم النبيلة التي تجسّدها سيرة النبي صلى الله عليه وآله.

العفو عن أصحاب الاغتيال

نقطة بارزة أخرى في تاريخ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله تظهر في حادثة محاولة اغتياله في العقبة. ويشير أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذه الحادثة في دعاء صنمي قريش عندما يقول: «وَدِبابٍ دَحرَجُوها». ففي هذه الحادثة، حاول سبعة عشر من المنافقين اغتيال النبي صلى الله عليه وآله، وقد شرعوا في تنفيذ مخطّطهم، لكنهم لم ينجحوا في ذلك بفضل إرادة الله عزّ وجلّ. وكان من بين من رافقوا النبي صلى الله عليه وآله في تلك الحادثة حذيفة بن اليمان، الذي شهد محاولة الاغتيال عندما نزل الرعد والبرق. ويق قبر حذيفة خلف قبر سلمان، وقد تشرّفت بزيارة قبره. وبالرغم من أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعرف هويات أولئك الذين حاولوا اغتياله، فإنّه لم يعاقب أي واحد منهم، سواء بالإعدام أو السجن أو التعذيب أو مصادرة أموالهم. وهذا النوع من التعامل مع من حاولوا اغتياله يعكس سلوكاً فريداً ونادراً في التاريخ، حيث يظهر النبوّة النبيلة والرحمة اللامحدودة للنبي صلى الله عليه وآله، التي لا توجد لها نظير في التاريخ. ففي عصرنا الحالي، يختلف التعامل مع محاولات الاغتيال بشكل كبير عن تعامل النبي صلى الله عليه وآله مع من حاولوا اغتياله. ففي العديد من الدول اليوم، تُعتبر محاولة الاغتيال جريمة خطيرة يعاقب عليها بأقصى العقوبات، مثل الإعدام أو السجن مدى الحياة، حتى وإن لم تُنفّذ المحاولة بنجاح.

تعامل الحكومات مع الاغتيال

لقد قرأت قبل عدّة سنوات في إحدى الصحف لإحدى الدول الإسلامية عن تنفيذ حكم الإعدام ضد عدد من الأشخاص بتهمة محاولة اغتيال مسؤول حكومي عبر قذف قنبلة من نافذة غرفة. وقد تم الإعدام بناءً على الاتهام، سواء كان صحيحاً أم لا. وفي حالات مشابهة، يتم تنفيذ أحكام الإعدام بناءً على تحقيقات واعترافات، ولكن هناك دائماً تساؤلات حول دقّة الإجراءات القانونية والعدالة في مثل هذه القضايا. ففي فترة وجودي في العراق، شهدت حادثة أخرى تتعلّق باغتيال أحد رؤساء الجمهورية بعد تحوّل العراق إلى الجمهورية. وفي تلك الفترة، تم محاولة اغتيال أحد الرؤساء في بغداد، ولكن المحاولة لم تنجح ونجا الشخص المستهدف. وبعد محاولة الاغتيال، فرّ المهاجمون، ولكن تم إعدام العشرات من الأبرياء الذين كانوا مرتبطين عائلياً بالمتورّطين في محاولة الاغتيال، وتم تغطية هذه الحادثة في الصحف العراقية في ذلك الوقت.

أما في واقعة العقبة، حاول سبعة عشر من المنافقين اغتيال النبي صلى الله عليه وآله، لكن بفضل الله تعالى لم يُصَب النبيّ بأي ضرر. وحتى مع معرفة النبي صلى الله عليه وآله بهويات المتورطين، لم يكشف عن أسمائهم، وكان حذيفة بن اليمان هو الوحيد الذي رأى وجوههم بفضل الله بعد حدوث رعد وبرق. فهل يمكن العثور على نظير آخر لمثل هذا السلوك؟

حقّاً إنّ تعامل النبي الكريم صلى الله عليه وآله مع الذين حاولوا اغتياله يعكس نموذجاً غير مسبوق من الرحمة والتسامح. وإنّ تقديم هذا السلوك النبوي للعالم هو واجب، حيث إنّ العالم غير مطّلع على هذه الجوانب النبيلة من سيرة النبي صلى الله عليه وآله. ومثل هذه النماذج يمكن أن تكون مصدر إلهام وتعليم للإنسانية.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ» وهذا يعني أنّه بعد إرسال الرسل، لا يكون للناس حجّة على الله تعالى. ولذا أيّها المسلمون، يجب أن نحرص على ألاّ يُقدّم أحد في يوم القيامة بحجّة أنه لم تصل إليه هذه المعلومات أو أنّه كان غير مطّلع عليها، ثم يُحاسبنا الله تعالى على تقصيرنا في هذا الأمر. فكل شخص يجب أن يبذل جهداً قدر استطاعته لإيصال ثقافة النبي صلى الله عليه وآله إلى العالم، سواء من خلال استثمار المال في هذا المجال، أو تشجيع الآخرين بالكلمة، أو الكتابة والتأليف، أو أي وسيلة أخرى متاحة.

قصة حاطب بن أبي بلتعة وتعامل النبي محمد صلى الله عليه وآله معه هي إحدى النماذج البارزة في تاريخ النبي المشرق. سأوجز القصة بشكل مختصر، وأحث المهتمين على الرجوع إلى الكتب الروائية والتاريخية مثل بحار الأنوار للحصول على التفاصيل الكاملة.

التعامل مع الجاسوس

كان حاطب بن أبي بلتعة من المشركين الذين دخلوا الإسلام وجاء إلى المدينة. وعندما لم تحقّق قريش أهدافها من محاولات الحرب ضد النبي صلى الله عليه وآله، قرّرت أن تتجسّس على المسلمين وتتعرّف على أسرار جيش المسلمين. ولهذا الغرض، أرسلوا امرأة فاسقة من مكة إلى المدينة للتجسّس. والتقت هذه المرأة بحاطب، وطلبت منه معلومات عن أسرار الجيش الإسلامي. وكان حاطب على دراية ببعض تلك الأسرار، فكتب رسالة بها تفاصيل عسكرية وسلّمها إلى المرأة لتوصلها إلى زعماء قريش. وقامت المرأة بإخفاء الرسالة في شعرها وبدأت في الرحيل إلى مكّة عبر طرق غير معتادة لتجنّب المراقبة. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله على علم بمؤامرة حاطب بن أبي بلتعة، وعلم بمكان وجود المرأة التي حملت الرسالة، فقام بتكليف أمير المؤمنين عليه السلام وثلاثة من الصحابة للذهاب إلى المكان المذكور لاسترداد الرسالة. وعندما وصل أمير المؤمنين عليه السلام ورفاقه إلى الموقع، وجدوا المرأة وهي تحاول الهروب. فطلبوا منها تسليم الرسالة، لكنها أنكرت وجودها وأقسمت بكل من اللات والعزّى والآلهة التي تعبدها أنّها لا تحمل أي رسالة. وحاولوا إقناعها دون جدوى، وعندما فشلوا في الحصول على الرسالة، قالوا لأمير المؤمنين عليه السلام بأنّ المرأة لا تحمل رسالة. ولكنن أمير المؤمنين عليه السلام، الذي كان واثقاً من صحّة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله، غضب من هذا الردّ وأصرّ على أن النبي صلى الله عليه وآله لا يمكن أن يخطئ. لذلك أمر بمطالبة المرأة برسالتها بتشديد وتهديد لفظي. وعندما وجدت المرأة أنّه لا يوجد مفرّ من أمير المؤمنين عليه السلام، استسلمت أخيراً وسلّمت الرسالة إليهم.

تعامل لا نظير له

إنّ القوانين والأعراف الحديثة في معظم البلدان، بما في ذلك الدول الغربية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، قد تتّخذ إجراءات صارمة جدّاً ضد الأفراد المتورّطين في التجسّس ونقل الأسرار العسكرية، لكن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله أظهر مثالاً غير مسبوق وعظيماً من الرحمة والعدالة. فعندما استفسر النبي صلى الله عليه وآله عن سبب مجيء المرأة إلى المدينة وسمع منها أنّها جاءت بسبب الفقر، أعطاها المساعدة التي تحتاجها بما في ذلك المال والمركب، ووسائل أخرى. وهذا التصرّف يعكس الجوانب الإنسانية العميقة في شخصية النبي صلى الله عليه وآله، حيث أظهر تعاطفاً واهتماماً بظروف الناس حتى عندما كانوا في موقف قد يُنظر إليه على أنّه تهديد للأمن. وعندما اكتشف النبي صلى الله عليه وآله أنّ حاطب كان يرسل معلومات للمشركين، لم يتّخذ النبي صلى الله عليه وآله ضدّه إجراءات قاسية أو عنيفة، ولم يعاقبه على الفور. وبدلاً من ذلك، سأل النبي صلى الله عليه وآله حاطب عن سبب تصرّفه، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بأنّه لم يرتدّ عن الإسلام أو يفقد إيمانه، بل فعل ذلك خوفاً من أن ينجح المشركون في الهجوم على المسلمين وأن يلحقوا به الأذى، وكان يأمل في الحصول على حماية منهم إذا انتصروا.

وصيّة للشباب

أوصي الشباب الأعزّاء في العالم كلّه، بجمع وتوثيق ونشر النقاط اللامعة في تاريخ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، وإيصال ذلك إلى العالم كلّه، وخاصّة إلى حكومات الدول غير الإسلامية. ففي العديد من الدول غير الإسلامية، قد لا تسعى الحكومات إلى ظلم شعوبها، بل تبحث عن حكم عادل. وإذا تم نقل هذه النقاط اللامعة والمثالية من حكم النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام إلى العالم، وكان الناس في هذه الدول يؤمنون بهذه القيم والتصرّفات النبيلة، فإنّ ذلك يمكن أن يسهم في تحقيق تعاليم الإسلام ومبادئ العدالة على مستوى العالم.

كما يجب التأكيد على أنّ نشر معارف الإسلام ورسائل الأخلاق والإنسانية التي يحملها النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام يجب أن يتم بجدّ وعلى نطاق واسع في العالم المعاصر، لأنّ هذه المواضيع لم يتم تناولها بشكل كافٍ، وهذه المسؤولية تقع على عاتقنا لاستخدام كل وسيلة متاحة لتحقيق هذا الهدف. ومن خلال هذا الجهد، سيتحقّق نداء القرآن «يا أيّها الناس»، وخطاب النبي الكريم صلى الله عليه وآله، ونداء السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها إلى الناس، ونأمل أن يساهم ذلك في تحقيق العدالة والخير على مستوى عالمي.

أتمنّى من الله العلي القدير أن يتقبّل العزاء من المؤمنين في شهري محرّم الحرام وصفر الأحزان، وأيام ما قبل محرّم وما بعد صفر، التي تمتد حتى الثامن من شهر ربيع الأول. وأسأل الله عزّ وجلّ أن يحقّق جميع حوائج القائمين بالشعائر الحسينية في الدنيا والآخرة، وأن يوفّقهم لمزيد من الخدمة والإخلاص في هذا الطريق المبارك بالمستقبل.

كذلك أسأل الله العليّ القدير أن يوفّق الجميع لنصرة القرآن الكريم ونصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم، وأن يسدّد خطواتهم ليتجنّبوا التقصير والقصور في هذا الطريق. وأرجو أن يعينهم على إيصال معارف الإسلام والنقاط اللامعة والفريدة في تاريخ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام إلى العالم، سواء قبلها العالم أم لا، كما جاء في قوله تعالى: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ».

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.