أدناه النصّ الكامل لكلمة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بمناسبة ذكرى استشهاد سيّدنا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، التي ألقاها بجموع المعزّين، يوم الجمعة 28 صفر الأحزان 1445 للهجرة (14/9/2023م) في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة.
تعريب: علاء الكاظمي
بسم الله الرحمن الرحیم
إلى صاحب العزاء
في البدء، أرفع التعازي إلى المقام الرفيع والعظيم للإمامة الكبرى والولاية العظمى، مولانا الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بمناسبة أيّام ذكرى استشهاد أشرف الأولين والآخرين، وأشرف الأنبياء والمرسلين، سيّدنا محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله، وكذلك وبناء على قول، ذكرى استشهاد مولانا الإمام الحسن المجتبى (مع أنه قد بيّنت في مناسبة بالماضي أنّ القول الأصحّ لاستشهاده صلوات الله عليه هو في يوم السابع من شهر صفر)، وكذلك استشهاد مولانا الإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه الذي ذُكر في آخر شهر صفر. وأعزّي جميع المؤمنين والمؤمنات، في العالم كلّه، بالأخص المظلومين الذين ينتظرون ظهور مولانا المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، حتى يزول به الظلم. وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعجّل في ظهور الإمام صلوات الله عليه.
شكراً لشيعة العراق
في مستهلّ كلامي، أعرب عن تقديري وأقدّم شكري، لجميع الذين كان لهم الدور في إحياء شعيرة الأربعين الحسيني المقدّس بأحسن من السنة الماضية، من قريب وبعيد. وبهذا الخصوص أشكر شيعة العراق شكراً خاصّاً، الذين قدّم بعضهم كل ما يملكه في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه. ولقد قام كل الشيعة في سائر البلدان بدورهم في خصوص الأربعين الحسيني المقدّس، ولكن شيعة العراق كان لهم الدور الأساسي والأكبر في قضية الأربعين. وقد اطّلعت مكرّراً، سواء في السنة الجارية والسنوات الماضية، عبر بعض الأصدقاء، على أنّ الشعب العراقي الكريم قد قدّم وعلى طبق الإخلاص، كل ما يملكوه لأجل إحياء الأربعين الحسيني المقدّس ولأجل شعيرة وزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة. بل إنّ بعض الشيعة في العراق وخارجه، ولأجل الأربعين الحسيني، اقترضوا الأموال من آخرين وقدّموا الجهود وبذلوا المساعي في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه. فالمؤمنون في خارج العراق قاموا بأدوارهم، ولكن الشعب العراقي، وبالأخص في العقود الثلاثة الأخيرة، قدّم الألوف من القتلى والسجناء والجرحى لمولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه.
لا يخفى بأنّ الذين ضحّوا بأنفسهم في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه ورحلوا عن الدنيا، والذين قتلوهم، وكذلك الذين ماتوا بسبب التعذيب في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه والذين مارسوا التعذيب بحقّهم، والذين سجنوهم، كلّهم قد ذهبوا عن الدنيا. وكم هو جميل وصف القرآن الكريم لكلا الفريقين، حيث قال عزّ من قائل: (فريق في الجنّة وفريق في السعير).
أصحاب السعير
لقد ذكرت في بعض المناسبات سابقاً، رواية تبيّن وتصف مكاناً في جهنّم يسمّى بالمقلاة. والمقلاة هي الوسيلة التي تستعمل لقلي الطعام. وهذا المكان فيه النار العظيمة المخيفة ووصفتها الروايات بنار ذي لون أسود، ولا يمكننا أن نتصوّرها، ولها حرارة بالغة جدّاً، بل قمّة الحرارة وبأقصى الدرجات. ولا نعلم عن سعة هذا المكان، وهل هو أكبر من الدنيا أم أصغر، لكن يعذّب فيه أعداء القضية الحسينية المقدّسة والمعرقلين لها، والذين تصدّوا لها وحاربوها وعادوها. فهذا المكان هو لعذاب كل الذين مارسوا الأدوار السلبية تجاه الشعائر الحسينية المقدّسة، وتعاملوا معها بالسلب، وكل الذين تعاملوا بالسلب مع الزائرين الحسينيين، والذين سجنوا المقيمين للشعائر الحسينية المقدّسة، أو صادروا أموالهم وممتلكاتهم، أو آذوهم أو عذّبوهم وغيرها. فوفقاً لتعبير الرواية، عندما يرمى أعداء الله في تلك المقلاة، يتقلقلون كتقلقل وقلي اللحم والباذنجان في السمن الساخن جدّاً ويتعذّبون. ولاتّضاح مدى العذاب وشدّته في المقلاة، نرجع إلى وصف القرآن الكريم لجهنم، بقوله عزّ وجلّ حول الوضع في نار جهنّم: (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميّت). ونستجير بالله تعالى من هكذا وصف. فوفقاً لما يقوله القرآن الكريم، لو أنّ الذين يعذّبون في جهنم وبالأخص في المقلاة، بالعذاب الإلهي، لو تعرّضوا لهكذا عذاب في الدنيا لماتوا. ولكن لا يوجد في جهنّم ما يسمّى بالموت، بل هو البقاء في العذاب (وما هو بميّت).
هكذا هم أهل الجنّة، والذين تحمّلوا المتاعب والمشاكل في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه بالدنيا، صغيرها وكبيرها. فسيبشّرون بأنّه لا نهاية ولا آخر للنعم التي سيعطيها الله تعالى لهم، حتى لو استفادوا من تلك النعم مئة أو مئتين أو ألف سنة. فستكون فرحتهم، ويكون سرورهم بشكل لو كانوا في الدنيا لعجزوا عن التعبير عنهما وإظهارهما.
الشكر لمطلقي المسيرات
على كل حال، أشكر كل الذين خطوا الخطوات، الصغيرة والكبيرة، في سبيل إقامة الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة بأحسن نحو، وقدّموا الخدمات فيها. وأعرب عن تقديري لكل الأعزّة، في المدن وباقي البلدان، سواء الإسلامية وغير الإسلامية، الذين أطلقوا مسيرات الأربعين الحسيني، وأحيوا هذه الشعيرة المقدّسة بالمشي على الأقدام، والذين وزّعوا الطعام بهذه المناسبة، وكل الذين قدّموا أنواع الخدمات لأجل إحياء شعيرة الأربعين الحسيني. فلقد ذكرت لمرّات عديدة، ويجدر ذكرها آلاف المرّات، بأنّ هذه الجلالة والعظمة اللتين تزدادان سنة بعد سنة ولله الحمد، هي بسبب دعاء سيّدنا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وهو: (وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علوّاً).
ليست بكثيرة
مع كل ما ذُكر، ولأمرين، إنّ كل الفعاليات والخدمات التي قدّمت، هي لا شيء قبال القضية الحسينية المقدّسة. لأنّه أولاً: إنّ مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه هو في السماء أكبر مقاماً وأعظم درجة مما هو في الأرض، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض). وثانياً: لأنّه لم يتمّ تكريم وتجليل الإمام الحسين صلوات الله عليه بقدر مكانته في الدنيا ومقامه ومنزلته فيها. فالإمام الحسين صلوات الله عليه له المقام الرفيع والمقدّس عند أتباع سائر المذاهب الإسلامية الأخرى وحتى غير الإسلامية وحتى عند الكفّار أيضاً وليس عند الشيعة فقط، ويشاركون في شعائره المقدّسة. ولله الحمد، فإنّ الإعلام في عالم اليوم، يقوم بتجسيد وعرض المحبّة والخدمة للإمام الحسين صلوات الله عليه من الناس في العالم كلّه، بالأخص في مواقع العالم الافتراضي والتواصل الاجتماعي وفي القنوات الفضائية العالمية، ونرى فيها كيف يبدي الكثير من المحبّين، محبّتهم وشغفهم بالإمام الحسين صلوات الله عليه بمشاركتهم في إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة، في كل بقعة من المعمورة، وهم بالألوف والألوف من أتباع سائر الأديان والمذاهب. ولذا فإنّ المساعي التي بذلت في سبيل القضية الحسينية المقدّسة، لا تناسب شأن ومنزلة ومكانة الإمام الحسين صلوات الله عليه في الدنيا، مع أنّها جديرة بالثناء والمدح. وأسأل الله تعالى أن يزيد من توفيق الذين وفّقوا إلى اليوم لخدمة القضية الحسينية المقدّسة، أكثر وأكثر، وأن يمنّ بعنايته على من حرم هذا التوفيق، حتى لا يحرموا من الفيوضات الإلهية.
ما أكثر العبر
بصدد ما قلته، أذكر لكم قصّة وقعت في زمن المرحوم السيّد بحر العلوم رضوان الله تعالى عليه، أي قبل قرابة مئتي سنة. وذكرت هذه القصة في كتب مختلفة، وأنقلها لكم من الجزء الثاني لكتاب (المآثر الكبرى). وبإمكان أصحاب التحقيق أن يراجعوا هذا الكتاب، ويطّلعوا على تفاصيل القصّة وجزئياتها. في ذلك الزمان كان العراق تحت سيطرة الحكومة العثمانية، وقد وضعت الأخيرة قوانين صعبة لأجل زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، حتى تصعب الزيارة على المؤمنين والزائرين وتعسر، وبالنتيجة تقلّ الزيارة. وكان من القوانين التي وضعها العثمانيون في بعض الأزمنة، لزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه أنّه يجب على كل زائر أن يدفع للحكومة درهماً. وكان الدرهم حينها يعادل عُشر ثمن خروف. ووضعوا لأجل استلام الدرهم شاباً كحارس في باب الدخول إلى الحرم الحسيني الطاهر. حتى يأخذ من كل زائر الدرهم المشار إليه، وبعدها يختم بختم خاص على ساق رجل الزائر كعلامة، ويسمح بعدها للزائر بدخول الحائر الحسيني. وهكذا كان كل زائر يدفع الدرهم للحكومة بنفسه، حتى لو كان ضمن قافلة أو مجموعة واحدة من الزائرين الذين يتشرّفون للزيارة.
عاقبة المؤذي
ذات يوم، جاء رجل مع زوجته لأجل التشرّف بزيارة الحرم الحسيني الطاهر، فطلب منهما الحارس دفع المبلغ المذكور. فدفع الرجل المبلغ وختم الحارس على ساق رجل الرجل وسمح له بالدخول للحرم، ولكن الرجل الزوج منع الحارس من أن يختم على ساق رجل زوجته. وقال الزوج للحارس أعطيك ما تشاء من المال ولكن لا تختم على ساق رجل زوجتي. فغضب الحارس وضرب بخشبة كانت بيده على رجل زوجة الرجل، وسقطت المرأة على الأرض. فترك الرجل وزوجته المكان ولم يتشرّفا بزيارة الحائر الحسيني.
لم يمرّ على ما حصل، حتى أصيب الحارس الذي جعلته الحكومة العثمانية، بألم شديد في بدنه، وبدأ يصيح من شدّة الألم، وبعد ساعة هلك. وهذه القصّة مذكورة في كتاب (المآثر الكبرى) بشكل مفصّل أكثر، ويمكنكم مراجعة الكتاب، لأنّني لا أريد أن أذكر تفاصيلها وجزئياتها هنا. فقد ذكر الكتاب ما جرى على ذلك الحارس بعد تعدّيه على تلك المرأة، وكيف أنّ أمّه وأخته حاولتا أخذ الرضا من الرجل المذكور وزوجته حتى يعفو عن الحارس. وحسب ما ذكره الكتاب المذكور، أنّه حتى جنازة ذلك الحارس تعرّضت للعذاب ولم يعثر عليها.
الله والحقّ الحسيني
المهم هو أن نعلم جيّداً بأنّ الله تبارك وتعالى، ولأجل امتحان البشر واختباره، سمح بأن يستشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه وهو عطشان، ولكن لم يسمح أصلاً بأن تمس قبر الحسين صلوات الله عليه حتى قطرة واحدة من الماء الذي أجروه على كربلاء، من قبل الأعداء الذين سعوا إلى التجاسر والتطاول على الجثمان الطاهر للإمام الحسين صلوات الله عليه. فالمشهود والواضح والعيان أنّ الله عزّ وجلّ قد غضّ الطرف عن حقّ ربوبيته برحمته وعطفه، ولكن لن يسمح، أن يضيع حقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه، حتى بمقدار مثقال ذرّة. والشواهد والوقائع في هذا المجال كثيرة وكثيرة وبالمئات وبالألوف، ويجدر بالشباب الأعزاء الذين يسمعون كلامي، أن يجمعوا مثل هذه القصص والوقائع، لأنّه (لقد كان لكم في قصصهم عبرة لأولي الألباب). فكل القصص والعبر شواهد واضحة للجميع، بالأخص ما يرى في زيارة الأربعين الحسيني المقدّس. فكم هو جدير بالذين يسيرون مشياً على الأقدام في الزيارة الأربعينية، أو يشاركون فيها بطرق أخرى، وبالأخص الشباب، من بنين وبنات، أن يسجّلوا ويكتبوا الوقائع، وما يرونه في الزيارة أو ما ينقله لهم غيرهم، ويعملوا منها مؤلّفاً ويصدر في كتاب. فهكذا كتاب سيكون علامة خالدة لهم في مستقبل التاريخ ولعلّه لمئات السنين، إضافة إلى الأجر الكثير في الآخرة. وعلى كل، أنا أشكر كل الذين كان لهم الدور في إقامة الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة، وهذا من أعمالي التي التزمت بها ولازلت ملتزماً بها، لأنّ عمل المعصوم صلوات الله عليه أسوة للجميع، وكما ذكرت في السابق، أنّ مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه، قد دعا للزائرين الحسينيين حال السجود والدموع تجري من عينيه الشريفتين.
من تاريخ النبي
أشير إلى رواية تاريخية حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ذكرتها الكتب الشيعية وغير الشيعة، سواء من أهل العامّة في صحاحهم الستة، والكفّار في كتبهم ذات الصلة بتاريخ نبي الإسلام صلى الله عليه وآله. والرواية هي من الروايات الموثّقة بسلسلة أسانيدها وكالصحيحة، ويعني أنّ كل رواتها من الثقاة، وأحد رواتها من أصحاب الإجماع وهو أبان بن عثمان. وتشتهر هذه الرواية بصحيحة محمّد بن مسلم أيضاً، نقلها عن مولانا الإمام الباقر صلوات الله عليه، وبعده نقلها أبان بن عثمان عن محمّد وإلى آخره. وهذه الرواية هي من مئات ومئات الروايات ولعلّه الألوف من الروايات التي تنقل الجوانب المشرقة من تاريخ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وقد ذكرها الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في كتبه، بالأسانيد نفسها. كما ذكرت في سائر الكتب الأخرى، ومنها وسائل الشيعة وبحار الأنوار. وأذكر بعض ما جاء في الرواية كشاهد على كلامي.
فعل صحابي منافق
كما نعلم، وذكره القرآن الكريم أيضاً، أنّ أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وآله على قسمين. قسم منافقون أي الذين أظهروا الإسلام، ولكن أبطنوا وأخفوا الكفر في قلوبهم. وقدّ خصّص الله سبحانه وتعالى لهم سورة كاملة في القرآن الكريم وسمّاها بـ(المنافقون) وأشار في سور أخرى إلى المنافقين. ذات يوم شنّ أحد المنافقين مع جماعة من رفاقه، هجوماً على اليهود المسالمين في فترة سلمهم مع النبي الكريم صلى الله عليه وآله، الذين كانوا يعيشون أطراف المدينة المنوّرة، وقتلوا بعضهم وصادروا أموالهم. فوصل الخبر إلى النبي الكريم صلى الله عليه وآله، فقام صلى الله عليه وآله أولاً بإعلان التبرّي من أصحاب الهجوم أمام الملأ وخاطب الله تعالى بالتبرّي من ذلك المنافق، وأعلن صلى الله عليه وآله بأنّ الشيء الذي حصل هو تصرّف شخصي من ذلك المنافق.
ثم أعطى صلى الله عليه وآله للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه صندوقاً من الذهب، وأمره بأن يذهب ليجبر ما قام به ذلك المنافق ورفاقه. وقد قام النبي صلى الله عليه وآله بهذا الردّ من الفعل وهو بريء من أي دور فيما قام به ذلك المنافق ورفاقه ولم يأمره بذلك أصلاً ولم يسمح له، وهذا يعني أنّ ما حصل ليس على عاتق النبي صلى الله عليه وآله، لا عرفاً ولا شرعاً. ولكن ما أريد أن أبيّنه هو بما أنّ قول وتقرير النبي الكريم صلى الله عليه وآله، في منطق الشرع، هو في مقام قانون الإسلام، ولذا قام صلى الله عليه وآله بذلك الرد من الفعل لكي يضع قانوناً لكل الحكّام الإسلاميين. ووفقاً لهذا القانون الإسلامي والنبوي، يجب على كل من يحكم منطقة أو أرضاً من البلاد الإسلامية، ويجلس على كرسي الحكم، أن يقوم بمثل ما قام به النبي صلى الله عليه وآله، في الموارد التي تشابه ما قام به ذلك المنافق. وسأذكر تفاصيل هذا الوجوب بعد ذكر الرواية.
عليّ عليه السلام لها
وفقاً لأمر النبي صلى الله عليه وآله، ذهب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى ذوي المتضرّرين من ذلك الهجوم وقام بجبر ما لحقهم من جرم وجناية وأضرار وخسائر. وهذا العمل حجّة على الجميع، لجهتين:
الأولى: هو أمر من رسول الله صلى الله عليه وآله المعصوم بالعصمة الكبرى.
الثانية: ما قام به الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو معصوم بالعصمة الكبرى أيضاً، قد رضي به رسول الله صلى الله عليه وآله وأيّده وشكره على ما قام به.
إنّ ما قام به الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، قدّمه بشكل تقرير إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بعد رجوعه، هكذا: «يَارَسُولَ اَللهِ عَمَدْتُ فَأَعْطَيْتُ لِكُلِّ دَمٍ دِيَةً وَلِكُلِّ جَنِينٍ غُرَّةً وَلِكُلِّ مَالٍ مَالاً وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ، فَأَعْطَيْتُهُمْ لِمِيلَغَةِ كِلاَبِهِمْ وَحَبَلَةِ رُعَاتِهِمْ وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ، فَأَعْطَيْتُهُمْ لِرَوْعَةِ نِسَائِهِمْ وَفَزَعِ صِبْيَانِهِمْ وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ، فَأَعْطَيْتُهُمْ لِمَا يَعْلَمُونَ وَلِمَا لاَ يَعْلَمُونَ وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ، فَأَعْطَيْتُهُمْ لِيَرْضَوْا عَنْكَ».
التنفيذ العلوي لقانون الإسلام
لقد قام الإمام علي صلوات الله عليه بعدّة خطوات، تدارك بها الجريمة وأجبر بها الجناية، كالتالي:
الأولى: «عَمَدْتُ فَأَعْطَيْتُ لِكُلِّ دَمٍ دِيَةً». كما يعرف أهل العلم، أنّ مقدار الدية وفقاً لأمر الإسلام ألف دينار ذهب ما يعادل ألف مثقال. ولا يخفى أنّ كل مثقال يساوي ثلاثة أو أربعة دنانير، وبالنتيجة ما يساوي شرعاً سبعمئة وخمسين مثقال ذهب. وهذا المبلغ أعطاه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى ذوي كل مقتول.
الثانية: «وَلِكُلِّ جَنِينٍ غُرَّةً». الجنين هو ما يقال لما في بطن المرأة من حمل للمدّة قبل أربعة أشهر. فإن كان عمر الجنين أربعة أشهر أو أكثر، وبسبب وجود الروح فيه فله حكم الإنسان الكامل، ويشمله الجملة المذكورة من كلام الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وإن كان عمر الجنين أقل من أربعة أشهر ولا روح فيه، فلا تشمله دية الإنسان الكامل. ولكن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه قام بإعطاء دية حتى الجنين الذي لم ترد فيه الروح بعد وأسقط بسبب الخوف من القتال. وحول مقدار (غُرّة) قالوا بأنّها تعدل خمسين مثقال ذهب، ولا يسعنا المجال هنا لنذكر المباحث اللغوية لها.
الثالثة: «وَلِكُلِّ مَالٍ مَالاً». وعوّض الإمام صلوات الله عليه كل اليهود الذين تلفت أموالهم أو نهبت ممتلكاتهم كالسجّاد والأواني والخيل وغيرها، من قبل ذلك المنافق ورفاقه، وأجبرها لهم وأعطى لليهود المتضرّرين ما يعادل ما تلف ونهب منهم.
الرابعة والخامسة: «وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ، فَأَعْطَيْتُهُمْ لِمِيلَغَةِ كِلاَبِهِمْ وَحَبَلَةِ رُعَاتِهِمْ». كما تعلمون أنّ ناس ذلك الزمان كانوا يستفادون من الحيوانات كالكلاب لأجل حراسة بيوتهم أو بساتينهم أو أغنامهم وأنعامهم. وكانت الكلاب متواجدة كثيراً في مكان سكنى الناس حينها، ومن الطبيعي أنّهم كانوا يجعلون طعام الكلب أمامه على الأرض ويضعون له الماء في إناء لا قيمة لها مثل إناء الفخار المكسور، وكان مثل ذلك الإناء يسمّى بالعربية (ميلغة). فجمال قانون الإسلام أن ينفّذ من قبل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فقد أعطى لكل من كان له كلب أو كلاب، من الأموال حتى لما تضرّر من الأواني المكسورة التي تشرب منها كلابهم وهي لا قيمة لها.
يقال لما كانوا يشدّون به أرجل الحيوان حتى لا يفر أو عندما لا يستفيدون منه بـ«حبلة» وكان يستعملها رعاة الأغنام وأصحاب باقي الأنعام والحيوانات. ومن البديهي أنّهم كانوا يستعملون الحبل غير الثمين، أي من الحبل المستعمل أو الذي على وشك أن يبلى. وحتى هذا النوع من الحبال أعطى الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهم مبالغها لليهود وعوّضهم عنها.
السادس والسابع: «وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ، فَأَعْطَيْتُهُمْ ولِرَوْعَةِ نِسَائِهِمْ وَفَزَعِ صِبْيَانِهِمْ». لا شكّ أنّ النساء والأطفال يصابون بالخوف حين وقوع القتال والحرب. وقد أعطى الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه للنساء اللاتي خفن مقداراً من الذهب حتى يجبر لهنّ ما أصابهنّ من خوف. وكذلك أعطى مثله للأطفال جرّاء خوفهم.
«الفزع» يقال لحالة الطفل الذي يلجأ هارباً إلى أبيه أو أمّه أو إلى شخص آخر أكبر سنّاً منه، من شدّة خوفه حتى يشعر بالأمن. ومن البديهي أنّه حين وقوع الحرب يلجأ الأطفال إلى الكبار من شدّة خوفهم ووحشتهم. وجعل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه حتى لهذه الحالات لأطفال اليهود نصيباً من الأموال كغرامة وأعطاهم مقادير من قطع الذهب، حتى يشتري بها أوليائهم وعوائلهم لهم ألبسة وغير ذلك، وتنتابهم الطمأنينة ويفرحوا. وهذه هي سيرة النبي الكريم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما التي أراد الإمام الحسين صلوات الله عليه أن يحييها بقوله صلوات الله عليه: «اُرِيدُ أن أسِیرَ بِسیرَةِ جَدّي وَأبي عَلي بنِ أبي طالِب».
الثامنة: «وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ، فَأَعْطَيْتُهُمْ لِمَا يَعْلَمُونَ وَلِمَا لاَيَعْلَمُونَ». وبعد كل ما أعطاه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه من الأموال كديات للقتلى والأجنّة وغيرها من الغرامات المالية الأخرى كميلغة الكلاب وحبال رعاة الأغنام وأعطى لخوف وفزع أطفال ونساء اليهود وغيرها، كذلك أعطى الإمام صلوات الله عليه الأموال لليهود لما تضرّر من أشيائهم وممتلكاتهم التي تضرّرت ولا يعلمونها أو ربما ما فقدوه منها وعوّضهم عنها، كمثل صاحب الأغنام الذي له أغناماً كثيرة ولا يدري هل تلف منها أو ضاع بعد الهجوم الذي تعرّضوا له.
النقطة الأخيرة: «وَفَضَلَتْ مَعِي فَضْلَةٌ، فَأَعْطَيْتُهُمْ لِيَرْضَوْا عَنْكَ». ويعني أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهب وأعطى ما تبقّى من أموال ودنانير الذهب لليهود حتى لا يحملوا شيئاً من الغيض على رسول الله صلى الله عليه وآله في قلوبهم أولا يبقى أثر منه. وبيّن الإمام لتلك القبيلة من اليهود أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله تبرّأ من الفعل القبيح الذي تعرَضوا له، وأنّه لم يأمر به وليس منه. وهذا التعامل من الإمام أدخل السرور على قلب النبي الكريم صلى الله عليه وآله بحيث سأل الإمام وهل هكذا فعلت؟ علماً بأنّ هكذا سؤال هو من باب سؤال العارف، كسؤال الله سبحانه وتعالى من النبي موسى الكليم على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام حينما سأله بقوله عزّ من قائل:«وَمٰا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰا مُوسىٰ».
القائد مسؤول
لم يك للنبي صلى الله عليه وآله أي دور في الجريمة التي وقعت بحقّ اليهود من قبل أحد الأصحاب المتظاهرين بالإسلام. ولكن ما قام به الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع تلك القبيلة التي تعرّضت للجريمة، كان من باب أنّ النبي صلى الله عليه وآله يعتبر نفسه مسؤولاً عن جبر ما حصل. وهذا نموذج من مئات النماذج والقصص التي تبيّن السيرة المحمّدية الوضّاءة. وأذكر لكم بعض المطالب المهمّة في القصّة التي مرّت:
الأول: وفقاً ومطابقاً لما قام به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وهو في مقام قيادة وإمام المسلمين، يكون القائد المسلم مسؤولاً عن كل أفعال وأعمال من يعمل تحت يديه وإمرته، حتى لو لم يك له أي دور فيما يقوم به من تحت إمرته. فكما أنّ النبي الكريم صلى الله عليه وآله أخذ على عاتقه مسؤولية جبر جريمة ذلك الصحابي المنافق الذي خلا قلبه من الإيمان وكان ممتلئاً بالكفر، فعلى قائد البلد الإسلامي أن يعرف بأنّه مسؤولاً عن أخطاء وتصرّفات من يعمل تحت يديه وتحت إمرته وعليه أن يجبر ما يقومون به من أخطاء وتصرّفات خاطئة، حتى لو كان ما قاموا به بلا علمه وبلا إذنه وبلا أمره. فبالنتيجة قائد البلد الإسلامي هو المسؤول عن هكذا أعمال وتصرّفات. فالبلد الإسلامي هو البلد الذي يتبع رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يتبع الفكر والنهج المتلوّثين بالكفر.
قاعدة التأسّي
أخاطب أهل العلم، بأنّ ما مرّ ذكره له مؤيّد علمي يسمّى بـ(قاعدة التأسّي)، وقد تناولتها وبشكل مفصّل البحوث الفقهية الإسلامية. ووفقاً لهذه القاعة، أنّ قول المعصوم وفعله وتقريره حجّة ويجب اتّباعه، إلاّ بوجود قرينة تدل على عدم وجوب الفعل. وذلك قد ذكرته كراراً في البحوث العلمية وتناولت فروعها. وكما تمّ بيانه أنّ الرواية المذكورة هي من الروايات المعتبرة وصحيحة السند، ونقلها العديد من الشخصيات العلمية، وذكرتها صحاح أهل العامّة الستة بسند صحيح أيضاً، فلا شبهة فيها ولا شكّ، ولا كيف ولا إذا. فكل جزء مما قام به الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع اليهود، هو من النبي الكريم صلى الله عليه وآله وأيّده وأقرّه، فضلاً عن أنّ فعل الإمام هو عمل معصوم وحجّة. ووفقاً لقاعدة التأسّي يجب اتّباعه.
علماً بأنّه لم يقل بعض العلماء بأصل وجوب التأسّي، ويعدّونه من الظاهر في الاستحباب، ومنهم المرحوم الميرزا القمّي رضوان الله تعالى عليه، الذي قال في كتابه (القوانين) بأنّ الأصل في التأسّي الاستحباب. ولكن بمراجعة الكتب الفقهية له نرى أنّ هذا العالم الجليل قد استدلّ ولمرّات وكراراً بوجوب التأسّي.
الوضع اليوم مؤسف
على أي حال، عندما واجه النبي الكريم صلى الله عليه وآله تلك الجريمة التي ارتكبها أحد الأصحاب المنافقين، وارتكب القتل بلا إذن من رسول الله صلى الله عليه وآله وصادر أموال الناس وأتلفها، اعتبر صلى الله عليه وآله نفسه مسؤولاً. وعليه فإنّ القادة المسلمين في أي بلد، هم مسؤولون عن الأعمال القبيحة والخطأ التي يقوم بها من يعمل تحت أيديهم وتحت إمرتهم، حتى لو لم يك للقائد أي دور فيها، ويجب عليهم أن يجبروا ما صدر من أعمال قبيحة وخطأ ويعملوا على تداركها، وهكذا عمل هو مستحبّ إن لم يك واجباً. ففي أي بلد إسلامي تراعى هذه القاعدة الإسلامية ويعمل بها ويتبعونها؟ إنّ الوضع اليوم في الدول الإسلامية ليبعث على الأسى والتأسّف الكثيرين.
الأمر الأهم هو أنّه يجب على الجميع، وجوباً كفائياً أن يوصلوا ذلك إلى العالمين، حتى يستفيد منها الحكومات والدول غير الإسلامية أيضاً مع أنّهم ليسوا بمؤمنين بالإسلام، ولكن من باب أنّه عمل جميل وجدير. فيجب علينا أن نطلع العالم على حقيقة الإسلام، وأن ندعوهم إلى التعلّم من الإسلام الحقيقي والتأسّي بسيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله.
الحداثة في الإسلام
لقد قرّوا وصوّتوا على قانون وقاموا بتنفيذه في بعض الدول غير الإسلامية قبل سنوات ويفخرون به، وهو أنّه يحقّ لكل من أصابه الخوف والهلع من شخص آخر أن يطالب بالغرامة. وعلى سبيل المثال: إذا مرّت شاحنة كبيرة من جنب سيارة خصوصي صغيرة ولامست بشكل باهت وخفيف جدّاً السيارة الصغيرة دون أن تحدث فيها حتى خمش في لونها، فيحقّ لركاب السيارة الصغيرة أن يرفعوا الشكوى في المحكمة ويطالبوا بالغرامة من سائق الشاحنة الكبيرة على ما أصابهم من خوف وهلع ووحشة. العجيب في الأمر أنّه وقبل ألف وأربعمئة سنة، قام بالعمل بهكذا قانون، نبي الإسلام وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما في القصّة التي مرّ ذكرها أعلاه وأعطيا صلوات الله عليهما وآلهما الغرامات للنساء والأطفال من اليهود الذين تعرّضوا لهجوم ذلك الصحابي المنافق ورفاقه. وهكذا هو الإسلام الحقيقي والواقعي، وليس ما نشاهده اليوم في الدول الإسلامية. ولا يعرف العالم اليوم مثل ما ذكرناه. إذن أليس من الواجب الكفائي أن نعرّفه عليها؟ فتبليغ مثل تلك المعارف ليس بمن فيه الكفاية اليوم، والعمل به من الواجب الكفائي.
رسالة الإعلام
لقد ذكرت في المناسبات الماضية حول كيفية تعامل مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه مع الحر بن يزيد الرياحي وجيشه، فيجدر عرض هذا التعامل وما يشابهه للعالم والبشر عبر إنتاج الأفلام. وأذكّر مرّة أخرى بأهمية ذلك وأقول للجميع بالأخص الشباب الغيارى في الدول الإسلامية وغير الإسلامية وأوصيهم بأن يعرضوا ذلك التعامل للناس في العالم عبر الأفلام، حتى يعرفوا كيف تعامل نبي الإسلام صلى الله عليه وآله مع التصّرف الغلط والشخصي من أحد المنافقين من الأصحاب، وكيف تحمّل صلى الله عليه وآله مسؤولية تلك الجريمة وعمل على جبرها.
المحسنية من شعائر الله
لقد شارف شهر صفر الأحزان على النهاية، وبعده ستكون الأيّام المحسنية، وهي من الشعائر المقدّسة ومن شعائر الله تعالى. وبعبارة كل ما يرتبط بأهل البيت صلوات الله عليهم، ويكون، عرفاً، سبباً لتعظيمهم وتجليلهم، فهو من الشعائر وبالتبع من شعائر الله تعالى، وهذا الأمر لا شكّ فيه ولا ريب. وهكذا هي الأيّام المحسنية، وليس بالضرورة أنّها لم تك في الأزمنة الماضية.
سابقة للشعائر
لقد قلت كراراً في المناسبات المختلفة الماضية، أنّ السابقة للشعيرة ليس ملاك الصحّة عليها، بل يمكن أن تحدث الشعائر بمرور الأيّام والأزمنة. فهل كان في زمن الأئمة صلوات الله عليهم، القباب والأضرحة للمراقد المطهّرة للإمام الحسين أو للإمام الرضا أو في المراقد المقدّسة في النجف والكاظمية وسامراء؟! فهل هي ليست من الشعائر الإلهية لأنّها لم تكن في زمن الأئمة صلوات الله عليهم؟ فهكذا فكر لا أساس له ولا يصدر إلاّ من الأمّي. فقد قال الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم: (علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع). وعليه فإنّ الضرب بالزنجيل واللطم على الصدور، وتأسيس المواكب الحسينية وفعالياتها، والأيّام المحسنية هي من شعائر الله تعالى. فإحياء هذه الأيّام، ودعمها مالياً، وإقامة العزاء في هذه الأيّام إلى يوم الثامن من شهر ربيع الأول الذي يصادف ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه، كلّها من مصاديق (يحزنون لحزننا) وما يليها من أيّام هي من مصاديق (يفرحون لفرحنا) وهي أيّام أفراح أهل البيت صلوات الله عليهم وتبدأ بعد المحسنية. وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع لأن يحزنوا لأحزان أهل البيت صلوات الله عليهم ويفرحوا لأفراحهم.
علامتان للشيعة
إنّ من علامات الشيعة بحقّ ومن عناوينهم، العمل بالتولّي والتبرّي، جنباً إلى جنب، وليس القبول بأحدهما وترك الآخر. فيجب إطاعة أهل البيت صلوات الله عليهم في أوامرهم والامتثال لهم. فقد أوصوا صلوات الله عليهم بالعمل بالتولّي والتبرّي جنباً إلى جنب، وقالوا: (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا). ويعني أنّ شيعتنا يفرحون في أفراحنا ويحزنون في أحزاننا. ويقول الله عزّ وجلّ حول الذين يدّعون الإسلام ويصلّون ويواظبون عل الصيام ويأتون بالحجّ، ولكنهم لا يعملون بباقي أوامر الإسلام بأنّهم من الكافرين الحقيقيين، بقوله عزّ من قائل: «أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً».
إذاً يجب علينا أن ننتبه بأن لا نعمل خلاف دستور وأمر أهل البيت صلوات الله عليهم، وأن نمتثل لهم بشكل مطلق، ومنه الامتثال للتولّي والتبرّي، جنباً إلى جنب. وأسأل الله تعالى أن يمن بالتوفيق على الجميع بأن يسيروا على هذا النهج أكثر وأكثر من ذي قبل.
الحسينيات مدارس للمعارف الإسلامية
في ختام الكلام، أشير إلى أمر مهم، باختصار، حول أهمية الحسينيات ومكانتها الخاصّة في المجتمع الشيعي. يجب على كل فرد من شيعة أهل البيت صلوات الله عليهم، في أي مكان بالعالم، في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وفي المدن الصغيرة والكبيرة، وحتى في القرى والأرياف، أن يؤسسوا ويبنوا حسينية في المكان الذي يفتقد الحسينية. وحتى لو كانوا فقراء فعليهم أن يشمّروا عن سواعد الهمّة ويعملوا شيئاً فشيئاً على بناء الحسينية في المكان المذكور، لكي يكون لهم صدقة جارية، ويبقى أثراً لهم، وتمتلئ الدنيا بالحسينيات. وفي المرحلة الثانية، ومن باب الواجب الكفائي، يجب أن تكون الحسينيات مدارس أهل البيت صلوات الله عليهم ومكاناً لنشر معارفهم. فيجب أن يتعلّم البنات والبنين والأشبال والشباب، معارف الإسلام في الحسينيات. فلا ينحصر الإسلام في الصلاة والصيام والحجّ، بل هو مجموعة من المعارف الرفيعة الإلهية، التي يجب أن يعرفها كل المسلمين، شيئاً فشيئاً. وهذا الأمر من الواجب الكفائي على الجميع، لأنّه لا يوجد اليوم من فيه الكفاية، ولعله لا يتواجد حتى لسنوات.
أنقذوا الشباب
أحياناً قد يغرق الشاب في مستنقع القبائح نتيجة ابتعاده عن الإسلام، ولكن وبتأثير نصيحة واحدة يتغير وينجو، وخير مثال على ذلك هو أبو ذر الغفاري. فقد كان في شبابه من عبّاد الأصنام، وحسب ما ذكرته المصادر التاريخية للشيعة وغيرهم كان من قطّاع الطرق. وقالوا عن شجاعته وقوّته أنّه لوحده كان يشنّ الغارات على القوافل (كان يهجم على الصرّم وحده)، في حين أنّ سائر قطّاع الطرق كانوا يشنّون الغارات بشكل جماعي، لأنّه كان يتواجد في بعض القوافل من الشجعان والبارعين في الحرب. وهكذا شخص وبلقاء قصير مع النبي الكريم صلى الله عليه وآله وحواره معه، انتبه ووصل إلى مقام بحيث قال بحقّه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا أبا ذر أنت منّا أهل البيت). فالشباب القاطنين في الدول الإسلامية الذين ابتعدوا بمقدار ما عن المعارف الدينية، وكذلك الشباب الذين يعيشون في الدول غير الإسلامية وحتى الشباب غير المسلم، لهم القابلية على التغيّر والتحوّل. فيجب على الجميع أن يسعوا ويبذلوا الجهود لأجل الشباب المشار إليهم، وأن يهتمّوا كثيراً وبجدّ إلى إيصال الإسلام الكامل للشباب وللأشبال. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.