سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا شبّه الرسول الأكرم أهل بيته بسفينة نوح؟
ورد في الحديث الشريف المتواتر، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
(مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ)(1).
لقد صرح القرآن الکریم في أكثر من موضع، بلزوم الأخذ والعمل بما جاء علی لسان رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله من کلام، فقال: (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)(2).
ومن ضمن ما جاء علی لسان رسول الله بالقطع واليقين هو هذا الحدیث المتواتر: (مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ).
فإذا حصل لدینا هذا العلم الوجداني من هذا الخبر المتواتر وبمختلف طبقات الرواة، تعلق فینا العلم بصدور الكلام عن رسول الله، ویجب علیه إتباع أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليهم أجمعين) کإتّباع قوم نوح لنبیهم علیه السلام، فمن ركب السفينة نجا ومن تخلّف عنها ولم يركب لعذر أو لعدم عذر فقد غرق وهلك.
هذا التشبيه والتمثيل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسفينة نوح بالنسبة لأهل بيته (صلوات الله عليهم) يعني بوضوح أن كل من يتبع أهل البيت عليهم السلام يكون کمن رکب السفینة في زمن نوح علیه السلام ونجا، ومن لم یتّبع فهو کمن تخلّف عن رکوب السفینة وغرق بالطوفان سواء علم بذلك أو جهل عنه أو قصّر فیه.
إختیار وتعيين الرسول الأكرم لأهل بيته في أكثر من حديث
لقد عيّن رسول الله صلی الله عليه وآله أهل البيت الأطهار عليهم السلام في أحاديث عديدة متواترة.
منها: أنه كان يأتي كل يوم إلی باب دار علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ويسلم عليهم ويخاطبهم بعبارة (أَهْلَ اَلْبَيْتِ) فكان يقول: (اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ)(3).
ففي بعض الأحاديث كان صلی الله علیه وآله يمرّ في کلّ یوم وعلی مدی ستة أشهر (مئة وسبعین یوم ومرّة) على باب دار علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ویقول (هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي)(4).
ویقصد بهم الأشخاص الثلاثة عشر وهم فاطمة والأئمة الإثني عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) وأن إتباع هؤلاء هو سبب النجاة ولا نجاة إلا بهذا الطريق فقط.
نموذج للناجین من الغرق
نقل أحد علمائنا الشیعة أنه ذات مرّة دار بینه وبین عالم من غیر مذهبنا نقاش في مذهب أهل البيت علیهم السلام إستغرق ساعات طويلة.
وحاول العالم الشیعي أن یقنع خصمه بجلسات متعددة، ولكن من دون جدوی، ولمّا یأس منه، قال له:
أنا بإتباعي لأهل البيت عليهم السلام أعلَم أنني من أهل الجنة.
ولكنك، لاتعلم بأنك من أهل الجنة، فاصنع لنفسك طريقاً یسلك بك إلی الجنة؟!
فأجابه ذلك العالم الذي هو من غیر مذهبنا: لا أحد یستطیع أن يعرف أنه من أهل الجنة!!
فقال العالم: لکنّي بإتباعي لأهل البيت أعلم أنني من أهل الجنة!!
فقال له العالم الثاني متعجباً: كيف؟؟
فأجابه: لأنه ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله حدیث متواتر بالقطع واليقين یقول: (مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ)
ولذا فأنا إتّبعت أهل البيت عليهم السلام وأنا قطعاً من الناجين ومن أصحاب الجنة إذا کنت مصداقاً لهذا الحدیث. بینما أنت الذي تتبع هذا المذهب أو ذاك لا ضمان لك، وأنّك ناج ومن أهل الجنة!!
فقال العالم الثاني: أنا لا أتبع هذا المذهب أو ذاك بل أتّبع قناعتي!!
فأنا أعمل بقناعتي في مسألة معینة بهذا المذهب، وأعمل بقناعتي في مسألة أخری في مذهب آخر.
فمثلاً (الشخص المتوضئ المتطهر إذا جرح في مكان في بدنه، فبعض المذاهب تقول إذا جرى بمقدار ألف يبطل الوضوء ومذهب آخر یقول إذا جرى بمقدار ألفين يبطل الوضوء، لکنّي سواء جری ألف أو ألفین ولم أعِد الوضوء لأن قناعتي ترى أن خروج الدم من البدن لايبطل الوضوء.
فقال له العالم الشيعي: لا بأس، إن كانت قناعتك حقاً وواقعاً مطابقة للواقع عند الله تعالى فأنت ناج، ولكن إذا لم تکن قناعتك مطابقة للواقع فأنت لست معذور ولا یمکنك أن تنجو.
ثم استطرد، هل عندك حديث متواتر في مذهبك أو المذاهب الأخری یقول: مثل أمتي كمثل سفينة نوح..؟
أو لدیك قناعة شخصیة بذلك؟
إن كان عندك مثل هذه القناعة بالعلم أو بالقطع أو بطريق متواتر أو بمذهب معیّن غير مذهب أهل البيت یضمن لك النجاة، فأنت ناجٍ من الهلکة لا محالة!!
فکّر العالم ملیّاً، ثم سكت وأطرق برأسه لأنه لایمتلك برهاناً قاطعاً علی ذلك.
وقیل إنه بعد نقاش طویل إتّبع مذهب أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) بالقطع واليقين، معترفاً أن إنحصار النجاة هو بإتباع أهل البيت عليهم السلام، لا بغیره، لأنّهم سفینة النجاة والأدلاّء علی مرضات الله).
هم الناجون
إتّفقت الأدیان السماویة علی أنّ من لم یرکب سفینة نوح عليه السلام غرق وهلك، سواء كان طفلاً أو شيخاً أو رجلاً أو امرأة أو كان عالماً أو جاهلاً أو قاصراً أو مقصراً.
نعم القاصر عقلاً معذور شرعاً ولا إشكال علیه، لكنه غرق ولم ينج.
إذن الناجون هم من رکبوا سفينة نوح عليه السلام فقط.
والأمر مشابه في زماننا فرسول الله مثّل أهل بيته الطاهرين بسفينة نوح، وطريق النجاة منحصر بإتّباعهم (عليهم الصلاة والسلام).
الواجب على الجميع
يجب على کافة الموالین لأهل البيت عليهم السلام، أن يُوصلوا رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بیته الأطهار علیهم السلام إلى المذاهب الأخری، لتکون الحجة ملقاة علیهم (مَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)(5).
فمن لم یقتنع بعد إتمام الحجة علیه فذنبه علی نفسه و(لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ)(6).
لیصلوا إلی هذه الحقیقة: أن من یتّبع أهل البیت کمن رکب سفینة نوح، أما الذي لم یتّبع أهل البیت فهو کمن لم یرکب السفینة، سواء کان معانداً أو غیر معاند، فالملاك في رکوب السفینة لأنها الوحیدة التي تنجو من الغرق والموت والهلاك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)مجمع الزوائد ج9 ص168، ورواه السخاوي في إستجلاب إرتقاء الغرف ص81، والحمويني في فرائد السمطين ج2 ص242 رقم516، والقندوزي في ينابيع المودة ص28، والكنجي في كفاية الطالب ص378، والحضرمي في وسيلة المآل ص121. الرواية: روى الهيثمي بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: سَمِعْتُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ، وإِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ مَثَلُ بَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ دَخَلَهُ غُفِرَ لَهُ.
(2)سورة الحشر: 7.
(3)الحديث منقول في مصادر عدة منها: بحار الأنوار ج35 ص215 / ح20 و أمالي الصدوق: ص88 عنه: بحار الأنوار ج83 ص246 / ح6 وغيرها.
(4) الجملة واردة في أكثر من حديث (هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي) الكافي: ج1 ص286 / ح1، و أمالي الطوسي: ص368 / المجلس13 / ح34 وغيرها.
(5)سورة الکهف: 29.
(6) سورة النساء: 165.