LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سلسلة توجيهات سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
نبراس المعرفة: الورع
رمز 49601
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 15 رجب الأصب 1446 - 16 يناير 2025

سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.

بسم الله الرحمن الرحيم

شدّة الورع

ورد في الحديث الصحيح عن الإمام الصادق صلوات الله عليه، أنه قال: (إِنَّمَا أَصْحَابِي مَنِ اشْتَدَّ وَرَعُهُ)(1).

الورع: هو الحذر من المحرمات ومن المظالم، سواء أكان ظلم الإنسان لنفسه، أو ظلم الإنسان للآخرين، فالذي يتجاوز حدوده، لايكون ورعاً، بینما من يتقيّد بالحدود والاُطر الإنسانية يكون ورعاً بمعنی الکلمة.

إنّ مفهوم شدّة الورع هو أن یلتزم الإنسان بالورع بکلّ جهاته ومجالاته وفي جمیع الأمکنة والأزمنة.

وبما أن الإنسان في طبعه غير معصوم ولذا ینزلق أحیاناً وتصدر منه بعض المعاصي لکنها إستثناءات كما يعبّر عنها القرآن الكريم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)(2).

فمن شدة الورع أن یصدر من الإنسان شيء إستثنائي فیه خلاف الورع، ثم يعقبه ندم واستغفار.

یقول الإمام الصادق عليه السلام في الحديث السابق: (إِنَّمَا أَصْحَابِي) وإنما، هي أداة حصر بمعنى: من ليس لديه شدة في الورع فليس من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام.

أحياناً وكما هو ورد في كتب الرجال أنه كل من صاحب الإمام وكان معه أو سمع حديثه أو رآه يعتبر هذا من أصحابه (لغة)، فالإمام الصادق عليه السلام يحصر كلامه الشريف بـ (إِنَّمَا) في إشارة إلى أصحابه الحقيقيين الواقعيين الذین قال فیهم (إِنَّمَا أَصْحَابِي مَنِ اشْتَدَّ وَرَعُهُ) فشدة الورع هي قمة الدين، وشدة الورع هي أساس الإسلام.

كيف يكون المرء شديد الورع

في الواقع بإمکان أي إنسان عادي أن یکون شدید الورع، وإن کان قد حصل ذلك تدریجیّاً، فالملكات الفاضلة هي أن يحصل الإنسان علی الورع شيئاً فشيئاً بتصميم وإرادة قوية حتی يمكنه أن يصل إلی الملكات الفاضلة ومنها شدة الورع.

فإذا عزم الإنسان وواصل جهده فسيوفق ويصل إلى شدة الورع، والنماذج كثيرة في تأريخ المعصومين عليهم السلام وهي کثیرة أیضاً  لغير المعصومين من الجانب السلبي.

 فالإنسان يمكن أن يستعين بتلك النماذج ويعتبِر منها ليُوفّق شيئاً فشيئاً لکي یصل إلی شدة الورع.

کان أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام واسمه هارون، وکان لهارون أخ مخالف لإمامة الإمام الصادق عليه السلام فسأله ذات مرة الإمام الصادق عليه السلام هارون عن أخیه؟

فقال هارون: إن أخي معروف بالخير والعدالة والتقوى وأنه رجل ولد مخالفاً لکم ومنحرفاً عن نهجکم!

فقال الإمام الصادق عليه السلام لهارون: وماذا وجد فينا ليحرفه عنّا؟

قال هارون: إنه يتورّع!!

وطبعاً هنا نقطة مهمة تبين كيف تسوّل للإنسان نفسه، ومن أي طريق يأتيه الشیطان.

فلم يناقشه الإمام عليه السلام علی جوابه بل قال له: وأين كان ورعه عند نهر بلخ!

لم يعلّق هارون علی کلام الإمام لأنه لم یفهم معناه ولمّا رجع إلی البیت، نقل ما قاله الإمام الصادق عليه السلام إلى أخيه.

فلما سمع ذلك الرجل (أخ هارون) تأثّر كثيراً، وقال لأخيه متعجّباً!!: هل قال لك هذا؟!

قال هارون: نعم یا أخي.

فقال أخو هارون: والله لا يعلم بهذا الأمر أحد غیري وغیر الله.

فقال هارون لأخيه أخبرني مالأمر؟!

فقال أخو هارون: إنني ذات مرّة کنت في سفر، ولدی وصولي إلی نهر بلخ صادفني صديق، فذهبنا معاً للسفر، ولما أقبل الليل لم يكن معنا ضياء فكان لابد أن نقيم تلك الليلة هناك.

فقال لي صاحبي: إما أن تحفظ لي أهلي لکي آتيكم بقبس من نار، وإما أن أحفظ لك أهلك وتأتيني بقبس من نار؟!

فقل له أخو هارون: أنا أحفظ لك أهلك.

فلما ذهب صاحب أخو هارون، خلّف عندي وصيفة (3) جميلة، فوقع بيني وبينها الحرام، ولم أذكر ماجرى بيننا لأحد، ولم افش ذلك السرّ لأحد أبداً، وهي أيضاً لم تذكر ذلك لأحد، ولم تفش سرّ ماجرى بیننا.

وهنا نقول: هذا هو ورع من لم يتّبع الإمام الصادق عليه السلام کیف لایحتاط في دينه!!

يقول هارون: أخذت أخي معي إلى الإمام الصادق عليه السلام دخلنا عليه، وشهد أخي بإمامة الإمام الصادق(عليه السلام)(4).

هذه واحدة من الكثير من معجزات المعصومين عليهم السلام والتي لم يظهرونها إلا في الموارد الضرورية، لتتمّ فیها الحجة على الناس.

فالورع في هذا المجال كيف يكون وكيف يخرج حتى وإن كان یطلق علیه ورعاً، لکنه ليس ورعاً شدیداً، فمن ورع الحاكم ان يراعي الشعب، ومن ورع الرئيس أن يوفّر للشعب وللأمة الفرص المختلفة في النمو لیزدهر الشعب إقتصادیاً وسیاسیاً وتنمو الأمة في العلوم والفضيلة والأخلاق.

تربية القائد نفسه وأمّته على الورع الشدید

مارس رسول الله صلوات الله عليه وآله كقائد للمسلمین القيادة والنبوّة کما مارس أمير المؤمنين صلوات الله عليه القيادة والإمامة، وهناك مئات النماذج لتحلي کلا القائدین بالورع الشدید فترة حکومتهما.

فمنها تقسيم أمير المؤمنين عليه السلام العطاء على المسلمين بالتساوي، فأعطی کلّ واحد منهم ثلاثة دنانير، ففي الوقت الذي أخذ فیه ثلاثة دنانير أعطى لمولاه قنبر ثلاثه دنانير أیضاً.

كان الإمام آنذاك الحاكم الذي یحکم أكثر من نصف الكرة الأرضية، وقد أزعج ذلك التقسیم بالتساوي كلاً من طلحة والزبير ولم یروق لهم أن یستلموا ثلاثة دنانیر فقط من بيت المال المسلمین.

وبیت المال بإختصار هو مجمع لأموال الأمة وحاجاتهم، سواء کانت الحاجات العامة كتعبيد الطرق وبناء المساجد والخانات وبناء الجسور والمدارس، أو الحاجات الفردية كحالات الزواج وعلاج المرضى وتوفیر أجور سفر البعض، على إختلاف حاجات الأفراد ومقدار ماتتطلبه الحاجة.

وأما الفائض من تلك الأموال فیُقسَّم بالسويّة على بقية المسلمين غنيهم وفقيرهم عبدهم ومولاهم، فقد قال أمير المؤمنين للمُوكَّل من قِبَلِه علی بيت المال: إحسب ما لدینا من مال، لنعلم كيف نقسمه على الباقين، ولاشك أن أمير المؤمنين عليه السلام کان يعلم بذلك بالأدلة القطعية، لأن الله تعالى قد اطّلع المعصومين عليهم السلام على الغيب، فعلم الغيب لله تعالى ذاتي ولكن للمعصومين عليهم السلام یحصل بعطاء من الله تعالى، ولكنهم وكما هو مقرر لهم يتعاملون كسائر الناس بعملهم وسيرتهم الظاهریة.

بعد المحاسبة قدّم الموكل تقريره عن الأموال الفائضة،  فكان حصة الفرد الواحد ثلاث دنانير، ولذا أعطی الإمام علیه السلام طلحة ابن الزبیر ثلاث دنانير، وأعطی لأبیه ثلاثة أیضاً، وهو نفس المبلغ الذي استلمه لنفسه ولمولاه قنبر.

غضب طلحة والزبير من طریقة التقسیم بالتساوي، وقالا: هذه إهانة لنا. کیف یساوي الإمام بينهم وبين الناس العاديين!

فقال عليه السلام: أنا أيضاً أخذت ثلاثة وأعطيت قنبر ثلاثة(5)

هذه فرصة عملية لتربية الأمة، فالقائد الإسلامي والحاكم الإسلامي يجب عليه بمقدار مايمكنه أن يوفر فرص نمو الأمة، وإلا لم يكن لهذا القائد أو الحاكم ورعاً، فشدة الورع مطلوبة في كل المجالات، وهذه إحدى أنواع المجالات.

الورع یکون أحیاناً شخصياً وآخر إجتماعياً وثالث في المعاملات، وأمير المؤمنين عليه السلام هو أسوة لنا في جمیع ذلك.

شدّة الورع في كافة المجالات

ذات مرّة رأيت أحد التجار، فقال لي: إنه كان يبيع الحديد، وذات مرّة جاءه شخص وقال له: أنا أشتري منّك الحديد بمبلغ معیّن، وبصك بنکي، فليس لي الآن المال الکافي الآن لأعطيك إیّاه نقداً.

یقول التاجر، قلت حسناً، وكان عندي خان أخزن فیه قطع الحديد، فطلب المشتري منّي بلطف أن أبقي تلك القطع عندي في الخان لآخذها فيما بعد.

قلت حسناً لامانع لديّ.

یقول التاجر بعد فترة قصيرة، جاءني شخص آخر، وقال لي: هل تبيع هذا الحديد؟

قلت له: لقد بعته.

قال لمن بعته؟

قلت لشخص ما.

قال: وهل أعطاك ثمنه؟

قلت:  لا، ولكنه قال لي أنه لايملك مالاً الآن وأعطاني صكّ بذلك.

فقال لي: ولماذا لم يأخذ الحديد؟

قلت له: لقد استجازني أن يبقي الحديد عندي وسيعاود أخذه فيما بعد.

قال لي: أنا أشتري منك هذا الحديد وأعطيك المال نقداً وأكثر من ذلك، وأحمل الحديد وأمضي.

قلت له: إنّ هذا الحديد ليس لي، فقد بعته وخرج عن ملكي.

نظر إليّ وقال: أنت تاجر، ألا ترضی أن أعطيك المال نقداً وأحمل الحديد؟!

قلت: ان الحديد ليس لي بل هو الآن ملك لغيري، ولم أوافق.

أنظر إلی ورع البائع كيف یجب أن يكون؟!

وأنظر إلی ورع المشتري کیف ينبغي أن یکون، علیه أن لايقول بهذا الكلام.

وهکذا یجب أن یکون الورع في الزوج والزوجة والأب والأم والأولاد والفقيه والعالم.

وأما الورع بالنسبة للعالم فقد نقل لي أحد المراجع المعروفين (رضوان الله عليه) مسألة من مسائل التي وقعت له.

قال لي: كنّا مجموعة من المراجع والفقهاء زهاء عشرة وذكر لي بعض الأسماء، نناقش مسألة واحدة من المسائل الشرعیة لثلاثة أسابيع!!

وکما نعلم إنّ المسألة الشرعية تعني حكم الله تعالى، ومادام الفقیه الورع لم تحصل له القناعة بالحكم الشرعي لایستطیع أن يفتي بها؟؟

تأمّل! عشرة من الفقهاء المراجع المتقين يصرفون عشرات الساعات لمسألة شرعیة واحدة، لأن القران الكريم يقول: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(6).

هذا هو ورع العالم، فکیف یجب أن یکون ورع الحاكم والبائع وغیرهم؟!

یقول الإمام الصادق عليه السلام: (إنما) بمعنى الورع الذي ليس ورعه بشديد، وهذا الشخص لایعدّ من أصحابه عليه السلام..

لنيل رضا المعصومين عليهم السلام

على كل مؤمن ومؤمنة في كل زمان ومکان أن یبذل جهده على تحصيل (شدّة الورع) حتى يكون مرضيّاً عند الله تعالى وعند المعصومون عليهم السلام، ويكون مرضياً في زماننا هذا، زمن غيبة مولانا الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ومرضياً بنسبة عالیة من الرضا، وهذا طبعاً بحاجة إلى (شدة الورع) فإذا لم يكن الإنسان بهذا المستوى فهو کما یقول الإمام الصادق (عليه السلام) ليس من أصحابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الكافي، ج2 ص62 ح6.

(2) سورة آل عمران: 135.

(3)الوصفية: هي البنت التي لم تبلغ بعد.

(4)بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج47: ص156 / ح220 والخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ج2: ص617 / ح17، الرواية عن هارون بن رئاب قال: كان لي أخ جارودي، فدخلت على أبي عبدالله (الصادق) عليه السّلام فقال لي: ما فعَلَ أخوك الجاروديّ؟ قلت: صالح، هو مَرْضيّ عند القاضي وعند الجيران في كلّ الحالات، غير أنّه لا يُقرّ بولايتكم. قال: ما يمنعه من ذلك؟ قلت: يزعم أنّه يتورّع! فقال: أين كان ورعُه ليلةَ نهر بَلَخ؟ فقدمتُ على أخي، فقلت له: ثكلتك أمُّك، دخلتُ على أبي عبدالله عليه السّلام وسألني عنك، فأخبرته أنّك مَرْضيّ عند الجيران وعند القاضي في الحالات كلّها غيرَ أنّه لا يقرّ بولايتكم، فقال: ما يمنعه من ذلك، فقلت: يزعم أنّه يتورّع، فقال: أين كان ورعه ليلةَ نهر بلخ؟ فقال: أخبرك أبو عبدالله بهذا؟! قلت: نعم. قال: أشهد أنّه حجّة ربِّ العالمين! قلت: أخبِرْني عن قصّتك. قال: أقبلتُ مِن وراء نهر بلخ فصَحِبني رجلٌ معه وصيفة فارهة الجمال، فلمّا كنّا على النهر. قال لي: إمّا أن تقتبس لنا ناراً فأحفظ عليك، وإمّا أن أقتبس ناراً وتحفَظَ علَيّ؟ قلتُ: اذهبْ واقتبسْ وأحفَظُ عليك، فلمّا ذهب قمتُ إلى الوصيفة، وكان منّي إليها ما كان! واللهِ ما أفشَتْ ولا أفشَيتُ لأحد، ولم يعلم بذلك إلاّ الله، فدخله رعب، فخرجتُ من السنة الثانية وهو معي، فأدخلتُه على أبي عبدالله عليه السّلام فذكرتُ الحديث (أي الذي دار بينه وبين أخيه)، فما خرج مِن عنده حتّى قال بإمامته.

(5)دعائم الإسلام: ج1/ص384 الرواية: رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ أَمَرَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ، وَأَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ تَيِّهَانَ، أَنْ يُقْسِمُوا فَيْئاً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ لَهُمْ: اِعْدِلُوا فِيهِ وَلاَ تُفَضِّلُوا أَحَداً عَلَى أَحَدٍ. فَحَسَبُوا فَوَجَدُوا اَلَّذِي يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ، فَأَعْطَوُا اَلنَّاسَ. فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ طَلْحَةُ وَاَلزُّبَيْرُ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اِبْنُهُ، فَدَفَعُوا إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ. فَقَالَ طَلْحَةُ وَاَلزُّبَيْرُ: لَيْسَ هَكَذَا كَانَ يُعْطِينَا عُمَرُ، فَهَذَا مِنْكُمْ أَوْ عَنْ أَمْرِ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: بَلْ هَكَذَا أَمَرَنَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَمَضَيَا إِلَيْهِ فَوَجَدَاهُ فِي بَعْضِ أَمْوَالِهِ قَائِماً فِي اَلشَّمْسِ عَلَى أَجِيرٍ لَهُ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالاَ: تَرَى أَنْ تَرْتَفِعَ مَعَنَا إِلَى اَلظِّلِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالاَ لَهُ: إِنَّا أَتَيْنَا إِلَى عُمَّالِكَ عَلَى قِسْمَةِ هَذَا اَلْفَيْءِ، فَأَعْطَوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا مِثْلَ مَا أَعْطَوْا سَائِرَ اَلنَّاسِ. قَالَ: وَمَا تُرِيدَانِ؟ قَالاَ: لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ يُعْطِينَا عُمَرُ. قَالَ: فَمَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يُعْطِيكُمَا؟ فَسَكَتَا. فَقَالَ: أَلَيْسَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؟ قَالاَ: نَعَمْ. قَالَ: أَفَسُنَّةُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَوْلَى بِالاِتِّبَاعِ عِنْدَكُمَا أَمْ سُنَّةُ عُمَرَ؟ قَالاَ: سُنَّةُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَلَكِنْ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ لَنَا سَابِقَةٌ وَغَنَاءَ وَقَرَابَةٌ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ لاَ تُسَوِّيَنَا بِالنَّاسِ فَافْعَلْ. قَالَ: سَابِقَتُكُمَا أَسْبَقُ أَمْ سَابِقَتِي؟ قَالاَ: سَابِقَتُكَ. قَالَ: فَقَرَابَتُكُمَا أَقْرَبُ أَمْ قَرَابَتِي؟ قَالاَ: قَرَابَتُكَ. قَالَ: فَغَنَاؤُكُمَا أَعْظَمُ أَمْ غَنَائِي؟ قَالاَ: بَلْ أَنْتَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمُ غَنَاءً. قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا أَنَا وَأَجِيرِي هَذَا فِي هَذَا اَلْمَالِ إِلاَّ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَوْمَى بِيَدِهِ إِلَى اَلْأَجِيرِ اَلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالاَ: جِئْنَا لِهَذَا وَغَيْرِهِ، قَالَ: وَمَا غَيْرُهُ؟ قَالاَ: أَرَدْنَا اَلْعُمْرَةَ فَأْذَنْ لَنَا. قَالَ: اِنْطَلِقَا فَمَا اَلْعُمْرَةَ تُرِيدَانِ! وَلَقَدْ أُنْبِئْتُ بِأَمْرِكُمَا وَأُرِيتُ مَضَاجِعَكُمَا! فَمَضَيَا، وَهُوَ يَتْلُو وَهُمَا يَسْمَعَانِ: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عظيماً) ـ سورة الفتح: 10 ـ .

(6)سورة الإسراء: 36.