سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة ملازمة لسيّر الاتقياء
قال الله تبارك وتعالى في القران الحكيم في صفات المؤمنين (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ)(1) بمعنى يتبعون السيئة بالحسنة ومن خصال المؤمنين انه اذا اساء اليهم شخص لايتبعون السيئة بالسيئة وان كان ذلك جائز (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ)(2) لكن ذلك ليس فضيلة ولكن الفضيلة هي ان يدفع المؤمن السيئة الموجهة اليه بالحسنة (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) هذه الظاهرة الاسلامية عند الله سبحانه وتعالى وهذه الميزة الدينية في منطق القران الحكيم فالمجتمع الايماني والمجتمع الاسلامي والبلد الاسلامي والمسلمون بعضهم مع بعض يعين لهم القران الكريم كفضية اسلامية ان يتعامل بعضهم بعضا" بهذه الخصلة اذا اساء شخص الى مؤمن ان لايرد الاساءة بالإساءة ولايرد الاساءة بالسكوت عن الاساءة بل يرد الاساءة بالحسنة اي بالاحسان ,وهذه الظاهرة كانت طافحة على سيرة المؤمنين الاخيار على سيرة المؤمنين الاتقياء وقد اخذوا ذلك عن القرآن الكريم وعن القادة الشرعيين رسول الله (صلى الله عليه واله) واهل بيته الاطهار (صلوات الله عليهم) هؤلاء كانوا النماذج الجيدة والرفيعة للاخلاق الحسنة وللفضيلة ومنها هذا الخلق الرفيع درء السيئة بالحسنة..
رسول الله صلى الله عليه واله كان يدرء السيئة بالحسنة
كان رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو سيد الاولين والاخرين ه يتعامل بهذه الخصلة حيث كان في المدينة المنورة وكان رئيس حكومة في نفس الوقت حيث كان يتعامل هكذا مع المنافقين من اصحابه ومع اهل الضلال من اصحابه ومع اهل الفسق والفساد من اصحابه فكانوا يسئون الى رسول الله (صلى الله عليه واله) والقصص والقضايا التي حفظها التأريخ في ذلك بالعشرات وبالمئات حيث ورد في كثير منها في الاحاديث الشريفة وفي تفاسير القران الكريم وفي الموساعات الحديثية الشريفة وفي التواريخ ايضا" ولكن رسول الله(صلى الله عليه واله) كان يقابلهم بالاحسان فكان يدرء (يدفع) حتى مع المشركين كان هكذا (صلى الله عليه واله) فالمشركون في مكة المكرمة بالمئات رموا رسول الله ( صلى الله عليه واله) بالمئات واالالوف من الحصى والاحجار حتى ادموا جسم رسول الله (صلى الله عليه واله)من رأسه الى قدمه جرت الدماء على بدنه ومع ذلك لم عليهم وانما دعا لهم وطلب من الله تعالى في نفس اللحظة الهداية لهم فقال (اللهم اهد قومي فأنهم لايعلمون),اي حسنة اعظم من دعاء رسول الله (صلى الله عليه واله) بالهداية اي سيئة اعظم من ان يكافؤا ويقابلوا نصيحة رسول الله(صلى الله عليه واله) بأن يدموا جسمه الشريف من رأسه الى قدمه فهذه السيئة العظيمة والفضيعة والنادرة في التاريخ قابلها رسول الله(صلى الله عليه واله) قابلها ودرءها بأعظم حسنة في دعاءه لهم بالهداية ...
كذلك امير المؤمنين صلوات الله عليه
كان سيدنا ومولانا امير المؤمنين (صلوات الله عليه) وهو رئيس حكومة وكان يحكم اكبر قطعة من المعمورة في زمانه والتي تقدر بخمسين دولة او اكثر في خريطة العالم اليوم , في ذلك اليوم كان القاسطون والمارقون والمنافقون وغيرهم قابلوا امير المؤمنين بأشد انواع السيئات قولا" وعملا" في مواقفهم وفي اقوالهم وفي مقابلتهم لأمير المؤمنين بشتى انواع المقابلات شتى انواع السيئات فكان يقابلهم بالحسنة , في قصة الجمل وفي قصة صفين وفي قصة نهروان في كل واحد منها الوف القصص والوف النماذج قابلها امير المؤمنين(صلوات الله عليه) بالحسنة وبالاحسان ..
كيف يتعامل الحاكم الاسلامي الحقيقي مع المسيئين
(من القصص الخالدة في فضائل امير المؤمنين في درء السيئة بالحسنة ) هي قصة ذلك الخارجي مع امير المؤمنين (صلوات الله عليه) في وقت كان فيه حاكم ورئيس حكومة وفي جمهرة من المسلحين وهذه القصة موجودة في نهج البلاغة وفي غيره فذات مرة تكلم امير المؤمنين (صلوات الله عليه) بكلام حكمة في الشارع على عموم الناس فأنبرى احد من الخوارج في وجه امير المؤمنين (صلوات الله عليه ) وقال : (قاتله الله كافرا" ما افقهه) قاتله الله بمعنى الموت له , قال ذلك في وجه امير المؤمنين وكان هو الحاكم الاعلى في ذلك اليوم وينسبه الى الكفر فأراد بعض من حول امير المؤمنين ان يذهبوا الى الرجل ويأدبوه فمنعهم بكلمته وما اعظمها من كلمة فأمير المؤمنين تلميذ رسول الله (صلوات الله عليهما والهما) (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) فقال لأصحابه دعوه اتركوه ثم قال : (سب بسب او عفو عن ذنب)(3) وعفا عنه ((وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ)) الرجل سب امير المؤمنين (صلوات الله عليه) فأمير المؤمنين في نفس الوقت الذي عن الخارجي حدد الحكم الشرعي لمثل هذه القضية) بمعنى ان امير المؤمنين قال ان هذا سبني سبة فالقران الكريم يقول (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ) وليّ الحق ان اسبه ولكن الفضيلة ان اعفو عنه يعني مثل مقال امير المؤمنين مقتضى قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ) فيصح سبه بنفس ذلك السب ولكن امير المؤمنين(صلوات الله عليه) عفى عنه , والمئات والمئات والالوف من القصص فهذا الذي يقوله القران الكريم بالنسبة للصالحين وبالنسبة للمؤمنين بعضهم مع بعض ..
صلاح الأمة بصلاح حاكمها
عندما كان رئيس الحكومة مثل رسول الله(صلوات الله عليه واله) وهو يدرء الحسنة بالسيئة ورئيس حكومة مثل امير المؤمنين (صلوات الله عليه) وهو يدرء بالحسنة السيئة فمن الطبيعي ان المؤمنين والمسلمين يتعلمون واللائقون منهم يتعلمون فـ (الناس على دين ملوكهم) يتعلمون من رئيس الحكومة رسول الله وامير المؤمنين (صلوات الله عليهما والهما) وغير اللائقين تتم الحجة عليهم بذلك..
صفحات سوداء حكامها بني أمية وبني العباس
انظروا الى ماصنعه الحكام بأسم الاسلام وبأسم خلافة رسول الله من بني امية وبني العباس ونظرائهم فالتأريخ صفحاته مسودة بممارسات هؤلاء وواحدة من قصص هؤلاء القصة المعروفة التي وردت في كتب التأريخ وكتب التفسير والحديث صنيع عبد الملك بن مروان يوم حج في ايامه وكان في مكة المكرمة فصعد المنبر وخطب وجعل يعظ الناس بمواعظ كان الأحق به ان يتعظ هو بها وان يعمل هو بها وكان مخالفا" لما يقول ولما يعظ فنبرى احد المؤمنين ونصح عبد الملك بنصائح وطلب منه ان يعمل بما يقول قبل ان يعظ المسلمين وفي التأريخ يذكر ان الرجل اخذ ولم يعلم خبره , فلماذا نصح عبد الملك ؟ عبد الملك كان يعتبر نفسه خليفة لرسول الله (صلى الله عليه واله) وهذا القران الحكيم يقول (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) الرجل نصحه ولم يسبه وعلى رؤوس الاشهاد والرجل قال كلمات كان الجميع يعلم انها صحيحة بالنسبة لعبد الملك بن مروان ولنفرض ان عبد الملك اعتبرها سبة فلماذا لم يعمل كما عمل رسول الله(صلى الله عليه واله) لماذا لم يعمل كما امر القران الكريم (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) لماذا لم يعمل كما عمل امير المؤمنين (صلوات الله عليه) ,فالرجل أُخذ ولم يُعلم خبره وعائلته وغير عائلته فقدوه وقد فقد عن التاريخ وخرج عن التاريخ ولايُعلم اين ذهبوا به وكيف عذبوه وكيف قتلوه واين دفنوه ...
القوم ابناء القوم
اننا نرى مع شديد الاسف في البلاد الاسلامية الممارسات الفضيعة من قتل وتشريد وتعذيب وذبح الرجال والاطفال والنساء امام اهاليهم واغتصاب النساء (والعياذ بالله) بأسم الاسلام وتحت راية مكتوب عليها (لا اله الا الله محمدا" رسول الله (صلى الله عليه واله) فالقوم ابناء القوم ,القوم فهم ليسوا ابناء رسول الله وابناء امير المؤمنين وابناء القران الكريم , اهكذا يقول القران الكريم ؟ وعمل رسول الله (صلوات الله عليه واله) وعمل امير المؤمنين (صلوات الله عليه) امام التاريخ في الوف القصص والوف الموارد , الذي سود وجه التاريخ الاسلامي مع شديد الاسف هي ممارسات الحكام الذي حكموا بأسم الاسلام وعملوا خلاف الاسلام ...
نداء مكرر لغير المسلمين وطلب مكرر من المؤمنين
انني اكرر هذا النداء الى بلاد غير المسلمين والى غير المسلمين ممن يعيشون في العالم سواء اصحاب الاديان او العلمانيين او غيرهم خصوصا" المثقفين منهم الذين تعلموا ودرسوا ان يدرسوا الاسلام من خلال القران الكريم لا من خلال بني امية وبي العباس وان يدرسوا الاسلام من ممارسات رسول الله(صلى الله عليه واله) ومن ممارسات امير المؤمنين(صلوات الله عليه) كحاكمين اسلاميين لا من ممارسات بني امية وبني العباس وامثالهم لامن ممارسات معاوية ويزيد وعبد الملك وابناءه واخوانه وهارون ومأمون وامثال هؤلاء ,وليقفوا على الاسلام الصحيح وليتنعموا بالاسلام الصحيح بالاسلام الواقعي بالاسلام الذي هو مطابق للقران الكريم ومطابق لرسول الله (صلى الله عليه واله) لينعموا في بلادهم بنعم اكثر وافضل ومن هنا اكرر طلبي من المؤمنين والمؤمنات ومن المسلمين والمسلمات خصوصا" المثقفين منهم ان يجمعوا من تاريخ رسول الله(صلى الله عليه واله) ومن تاريخ امير المؤمنين (صلوات الله عليه) هذه النقاط النيرة وكل تاريخهم نيّر ويعرضونها على العالم بالعرض المناسب وبالتغطية الواسعة على كل البشر حتى يكون كل واحد من المؤمنين قد ساهم في ايجاد المدينة الفاضلة على سطح الكرة الارضية كلها ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة الرعد الاية 22
2سورة البقرة الاية 194
3بحار الأنوار: ج33 ص434 ب26 ح643