سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
العقيدة أساس الإيمان :
ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله انّه وجّه سؤالاً الى جماعة من اصحابة فقال لهم : أيُّ عُرَى الإِيمانِ أوثَقُ؟ فَقالوا: اللهُ ورَسولُهُ أعلَمُ، وقالَ بَعضُهُم: الصَّلاةُ، وقالَ بَعضُهُم: الزَّكاةُ، وقالَ بَعضُهُم: الصِّيامُ، وقالَ بَعضُهُم: الحَجُّ وَالعُمرَةُ، وقالَ بَعضُهُم: الجِهادُ. فَقالَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله: لِكُلِّ ما قُلتُم فَضلٌ ولَيسَ بِهِ، ولكِن أوثَقُ عُرَى الإِيمانِ الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغضُ فِي اللهِ، وتَوالي (وتَوَلّي) أولِياءِ اللهِ وَالتَّبَرّي مِن أعداءِ اللهِ)1 .
الإيمان في الحديث الشريف أعلاه، فرض بمنزلة اناء كبير له عروة من هنا وعروة من هنا وعروة من هنا يستطيع الشخص ان يمسك بهذا الاناء الكبير من هذه العرى، وقد وجّه النبي صلى الله عليه وآله السؤال بأنّ الايمان له عرى فأي هذه العروات اوثق واقوى، وهذه الثلاث التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه واله مع بعض (الحُبُّ فِي اللهِ وَ البُغضُ فِي اللهِ ، وتَوَلّي أولِياءِ اللهِ وَالتَّبَرّي مِن أعداءِ الله)ِ اوثق عرى الايمان. فالصلاة من احكام الاسلام ومن اهم احكام الاسلام (ان قبلت قبل ماسواها وان ردّت ردّ ماسواها) الصلاة عروة عظيمة في الاسلام ولكنها ليست الاوثق والاقوى والاشد والزكاة والصوم والحج والجهاد هكذا ايضاً.
اما الاوثق تلك الامور الثلاثة، فالعقيدة هي الاساس للاعمال فالصلاة عمل والزكاة عمل والحج عمل والصوم عمل والجهاد عمل، وهذه الاعمال الصالحة على ما تبنى؟ تبنى على العقيدة، فالعقيدة هي الاساس، والانسان ممن ينطلق؟ ينطلق من الصلاة؟ لا، بل ينطلق من شيء تكون الصلاة مظهر لذلك المنطلق، او ينطلق من الزكاة ؟ بل ينطلق من امر يعتقده ان الزكاة من مظاهر ذلك المظهر النفسي وهكذا بالنسبة للحج والصوم والجهاد وغيرها من الواجبات المهمة في الاسلام ..
اهل البيت عليهم السلام هم اولياء الله تعالى:
انّ الحبّ في الله والبغض في الله، هذا اولاً بمعنى ان الانسان يبني كل تاريخه ويبني كل منطلاقاته ويبني كل اعماله ويبني كل ما يصدر منه وكل ما يجحم عنه ويتركه يبنيه على الحبّ في الله والبغض في الله، وهذين الامرين الايجابي والسلبي، يكون حبّه لشيء في سبيل الله، حبّه للمال في سبيل الله وبغضه لشيء في سبيل الله. واذا كان هكذا يسهل عليه اعطاء المال في الزكاة وفي الخمس وفي الصدقة وفي الضيافة وفي بر الوالدين وفي صلة الارحام وفي اسعاف المحتاجين والضعفاء لأنّه لا يحبّ المال لنفسه بل يحبّ المال في لله تعالى ويصرفه في الله، ويمنعه في الله اي يمنع المال في الموارد التي لايجوز اعطاء المال فيها، ويصوم في الله ويصلي في الله ويحج في الله، فالمنطلق هو الحبّ في الله والبغض في الله. وهكذا بالنسبة للامرين الآخرين التولّي لأولياء الله والتبرّي من اعداء الله، فهناك لله تعالى في الارض اولياء واعداء، ومحمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم هم اولياء الله، يتولى هؤلاء، واعدائهم اعداء الله ويتبرئ من اعداء الله. بمعنى يكون توجّهه القلبي وتولّيه لاولياء الله وتنفرّه القلبي وابتعاده النفسي بالنسبة لاعداء الله تعالى.
في الحديث الشريف المتواتر نقله عن رسول الله صلى الله عليه وآله انّه من يعادي علياً يعادي رسول الله ومن يعادي رسول الله يعادي الله تعالى، فيكون التولّي لاولياء الله، فاذا كان الحبّ لله فالتولي يكون لمن جعلهم الله اولياء واذا كان البغض في الله يكون التبرّي من اعداء الله وبالنتيجة يكون الاساس الحبّ في الله والبغض في الله. فالتولي لاولياء الله والتبرّي من اعداء الله نتيجتان طبيعيتان للحبّ في الله والبغض في الله. اذا كان هكذا فان هذا اوثق عرى الايمان كما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الصادق الامين والذي قال عنه الله تعالى في القران الحكيم (مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)2 .
لاقيمة للعمل ان لم يكن في الله :
من الممكن ان شخصاً يصلي ويلتزم بالصلاة ولكن لا يكون له نصيب من الايمان ويزكي ولا يكون له نصيب من الايمان ويصوم ولا يكون له نصيب من الايمان ويحج ولا يكون له نصيب من الايمان ويجاهد ولا يكون له نصيب من الايمان. فبني امية كانوا يزاولون هذه الاعمال الخمسة ولكن ليس عن منطلق الهي فلم تكن الصلاة نتيجة الحبّ في الله والبغض في الله ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج ولا الجهاد، وبنو امية جاهدوا اي مارسوا الجهاد ووسعوا الحكومة الاسلامية ولكن لا في الله لذا لم تكن لذلك قيمة فليس المهم ان ينتشر اسم الاسلام في اي رقعة بل المهم واقع الاسلام. ورسول الله صلى الله عليه وآله خير من يعرف واقع الاسلام وخير من يُعرف واقع الاسلام.
كان الزبير ابن عمّة رسول الله وابن عمّة امير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، وكان مع رسول الله وبعد رسول الله كان مع امير المؤمنين ولكن لم يكن ذلك حبّاً في الله وبغضاً في الله ولذلك انتهت عاقبته الى شر والعياذ بالله كما جاء في الحديث الشريف ان حبّه لابنه عبد الله صار سبباً لانحراف الزبير تبعاً لابنه عبد الله.
امير المؤمنين صلوات الله عليه اعماله في الله:
لقد صرح رسول الله صلى الله عليه وآله مراراً وتكراراً في حقّ امير المؤمنين صلوات الله عليه انّ حبّه حبّاً في الله وانّ ولايته ولاية لله ورسوله وان سبّ سبّ لله ورسوله وان تولّيه تولّي لله ورسوله وامثال هذه التعبيرات المتعددة والمكرّر نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
هكذا اجاب احد المراجع الاتقياء :
ينقل عن احد كبار مراجع التقليد (رضوان الله عليه) وقد رأيته في اكثر من مرة وكان مرجعاً فقيهاً مقدّساً متقياً خلوقاً، انّه كان يقول مكرّراً اني فكّرت ماذا اعددت لأول ليلة قبري اذا دُفنت؟ وجاءني رسل الله وملائكته وسألوني ماذا جئت به الى الآخرة وفي الدنيا ماذا صنعت وجئت به الى الآخرة؟ فكنت افكّر اذا سألوني اجيبهم بثلاث كلمات (الايمان بالله والتولّي لاولياء الله والتبرّي من اعداء الله)، والاّ بقية الاعمال الصالحة التي ربما تصدر عن منطلق صحيح او منطلق فاسد لا اعتمد عليها، ولا اعتمد على صلاتي ولا على صومي وزكاتي وحجّتي وعمرتي وعلى دراستي ولا على تدريسي وعلى كتابتي وعلى ارشادي وعلى نصيحتي، بل اعتمدي على هذه الامور الثلاثة (الايمان بالله والتولّي لاولياء الله والتبرّي من اعداء الله).
ليكن حبّكم في الله وبغضكم في الله
ينبغي على جميع المؤمنين والمؤمنات ان يركّزوا على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في انّه اوثق عُرى الايمان ان يكون حبّهم في الله وأن يكون بغضهم في الله وان يكون تولّيهم لأولياء الله وتبرّيهم من اعداء الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. الكافي : 2 / 125 / 6 ، المحاسن : 1 / 411 / 939 و ص 267 / 518 كلّها عن عمرو بن مدرك الطائي عن الإمام الصادق عليه السّلام ، معاني الأخبار : 398 / 55 عن عليّ بن مروك الطائي عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السّلام عنه صلّى الله عليه و آله ، بحار الأنوار : 69 / 242 / 17 وراجع الاختصاص : 365 ؛ وراجع شُعب الإيمان : 1 / 46 / 13 ، الإخوان : 86 / 1.
2.سورة الحشر الآية 7 .