LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سلسلة توجيهات سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
نبراس المعرفة: إصلاح ذات البين
رمز 52373
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 8 ذوالحجّة الحرام 1446 - 5 يونيو 2025

سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة إصلاح ذات البين

ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله انّه قال (إصلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصوم)1 البين بمعنى الفرقة وبينونة فعندما تحدث فرقة وبينونة بين المؤمنين بعضهم مع بعض او بين المؤمنات بعضهنّ مع بعض او بين المؤمنين والمؤمنات، فاذا تصدى شخص لاصلاح هذه البينونة وهذه الفرقة بالنصيحة او بالموعظة حتى تزول هذه البينونة وتزول هذه الفرقة، ومن يتصدى لذلك ويوفق لاصلاح ذات البين وتبديل الفرقة الى الصلح وتبديل البينونة الى الوئام والانسجام بين المؤمنين بعضهم مع بعض فهذا العمل والجهد، هو افضل عند الله من عامة الصلاة والصيام. والشيخ الطوسي فسّر الحديث الشريف بأن المراد من عامة الصلاة والصيام هو الصلوات المستحبة والصيام المستحب.

ثواب من يصلح ذات البين

لنفرض كمثال ان شخصين احدهما التزم بالصيام المستحب وصام سنة كاملة واكثر فصام كل الصيام المستحب، مستثنى منه عيد الاضحى وعيد الفطر، فكم سيكون ثوابه واجره عند الله؟ ومع ذلك اتى هذا الشخص بكل الصلوات المستحبة طول السنة او اكثر، فصلى النوافل المرتبة نافلة الفجر، نافلة الظهرين، نافلة العشائين وصلى الصلوات المستحبة الاخرى وهي بالالوف كما في كتب الحديث الشريف، ولكن لم يكن في صحيفة اعماله اصلاح ذات البين، وشخص آخر من المؤمنين لم يصلّي حتى ركعة واحدة من الصلوات المستحبة ولم يصم يوماً واحداً من الصلوات المستحبة ولكنه اصلح ذات بين فرقة بين مؤمنين او بينونة بين مؤمنين او انفصال بين مؤمنين وحاول وحاول وحاول حتى تبدل ذلك الانفصال الى الاتصال وتبدلت الفرقة الى الصلح فهذا عند الله افضل من ذلك الشخص الذي صام كل الصيام المستحب وصلى كل الصلوات المستحبة، وهذا يدل على ان التصدي والقيام بإصلاح الفرقة بين المؤمنين كم له مقام عظيم عند الله تعالى.

مصاديق اصلاح ذات البين

 الفرقة والبينونة قد يكون بين شخصين اثنين كزوج وزوجة حاول الشيطان يفرقهما ويباين بينهما وتصدى شخص وحاول واصلح بينهما فهذا مصداق آخر، واصلاح بين الارحام بين اخ واخ وابن اخ مع عم وكذا بالنسبة للنساء الارحام بعضهن مع بعض والرجال والنساء الارحام، كأخ واخت او عمة وابن اخ بنت اخ خالة وابن اخت او خالة وبن اخت وخال وبنت اخت او عم وبنت اخ ارحام بعضهما مع بعض فصارت فرقة بينهم وتصدى شخص لاصلاح هذه الفرقة وردع هذه الفرقة وتبديلها الى صلح فهذا مصداق ايضاً. ومصداق آخر هي الفرقة التي يحدثها الشيطان بين الجيران بعضهم مع بعض او بين البائع والمشتري من المؤمنين على اختلاف الشهوات، كأن باع شيئاً وذاك اشترى ونتيجة بعض الممارسات حدثت الفرقة بين البائع والمشتري فجاء مؤمن واصلح الفرقة التي بينهما. والمصداق الاكبر هو الاصلاح بين الحكومات الاسلامية والشعوب الاسلامية، الشعوب الاسلامية التي تحدث بينهما الفرقة نتيجة لبعض السياسات الخاطئة والمغلوطة او الحكومات التي تحدث الفرقة والبينونة بينها حتى لو لم تصل البينونة الى الحروب فأن وصلت البينونة الى الحروب فإنّ الاصلاح في كثير الاحيان يكون واجبا"ً على كل من يتمكن لأنّ هذا الاصلاح يكون منعاً لإراقة الدماء البريئة، وهذا ايضاً مصداق عظيم من الاصلاح لذات البين. فحديث رسول الله صلى الله عليه وآله مطلق يشمل جميع تلك المصاديق وغيرها، وإصلاح ذات البين هو الموضوع والحكم له انه افضل من عامة الصلاة والصيام .

الله تعالى يصلح بين اثنين في الآخرة ويكافئ الذي عفا

 في الحديث الشريف ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالساً بين اصحابه فتبسم حتى بدت نواجذه أي بدت الاسنان المقدمة من داخل فمه من الشفتان نتيجة للتبسم ،انفصلت احداهما عن الاخرى فبانت اسنان رسول الله صلى الله عليه وآله، فقيل يارسول الله لماذا التبسم؟ فنقل النبي صلى الله عليه واله قصة عن القيامة وقال جاء شخصان بينهما مظلمة في الدنيا (قد يكون ظلمة بمال او ظلمة بكلام اواكل حق فكانت بينهما مظلمة) فالمظلوم طلب من الله تعالى ان يأخذ بظلامته من الذي ظلمه، وأمر الله تعالى المؤمن الذي في (رقبته مظلمة) لذلك المؤمن ان يعطي لذلك حقّه، ولكن هناك لا مال حتى يرضيه بالمال والمؤمن الذي صدرت منه المظلمة ليست له حسنة حتى يعطيها لذلك المظلوم نتيجة الظلم الذي وقع عليه فقال الهي ليس عندي شيء اعطيه. والله تعالى ينظر الى القضية بين هذين المؤمنين، فالمظلوم طلب من الله اخذ ظلامته فقال الهي ان لم يكن للظالم حسنة يعطينيها فخذ من سيئاتي واجعلها في صحيفة اعمال الظالم. فالله تعالى هو اصلح بينهما كما في الحديث الشريف. وقال الله تعالى للمظلوم انظر فوقك. فنظر واذا هناك نعيم عظيم من مياه واشجار وقصور. فقال المظلوم: الهي لمن هذه النعم؟ فقال الله تعالى: لمن يعطيني ثمنها. فقال المظلوم ومن يمكنه ان يعطيك ثمن هذه النعم العظيمة؟ فقال الله تعالى: انت يمكنك ان تعطيني ثمنها. فقال المظلوم: وما ثمنها ؟ فقال الله تعالى: عفوك عن اخيك. فقال: الهي عفوت عنه. فلما عفا المظلوم عن ذلك الذي ظلمه في الدنيا صار ذلك النعيم ثمناً لعفوه عمن ظلمه. واما ذلك المؤمن الذي كانت في رقبته مظلمة في الدنيا لم تبقى عليه سيئة فالسيئة كانت تلك. فقال الله تعالى: خذ بيد اخيك وكلاكما ادخلا هذا النعيم وهذه الجنة. فالله تعالى الذي يعطي الثواب العظيم للمؤمن الذي يصلح بين مؤمنين او مؤمنتين او بين مؤمن ومؤمنة او بين زوجين او ارحام او غير ذلك، هو يقوم بدوره لإصلاح ذات البين.

بعضهم يعمل بعكس ما أمر به القرآن الكريم:

من المؤسف حقاً ان نرى بعض البلاد الاسلامية مع بعضها الفرقة عظيمة والبينونة بينها كبيرة، وبعض البلاد الاسلامية تصادق بلاد الكفر وفي الوقت نفسه تتحارب مع بلاد الاسلام الاخرى ويقول القرآن الكريم بكل صراحة: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)2 المؤمنون كصفتهم كمؤمنين رحماء مع بعضهم اما مع الكفار الظالمين والكفار المعتدين يكونوا شديدين عليهم، ولكن من المؤسف جداً وحقاً ان نرى في هذا اليوم في بعض البلاد الاسلامية تتعامل مع الكفار بعكس ما يصرح به القرآن الكريم وتتعامل مع البلاد الاسلامية الاخر بعكس ما يصرح به القرآن الكريم.

يجب على المؤمنين التصدّي لإصلاح ذات البين

ينبغي للمؤمنين جميعاً، كلاً في مجاله ومستواه، ان يقوموا بإصلاح ذات البين مهما كلّف الأمر من بذل وقت او بذل طاقات او بذل مال. فتحصيلهم للثواب العظيم من عامة الصلاة والصيام وكل الصلاة المستحبة وكل الصيام المستحب لا يكون ثوابه بمستوى الاصلاح بين مؤمنين او بين مؤمنتين او بين مؤمن ومؤمنة. ونحن في شهر رمضان العظيم وكل الفضائل مضاعف اجرها فيه، ليحاول الجميع ان يقوموا بما يمكنهم من الاصلاح لذات البين. فكل فرقة بين اثنين او مجموعتين وكل بينونة وكل انفصال، ليحاول الكل بمقدار ما يمكنه الى تبديل تلك البينونة وذلك الانفصال الى الإصلاح وتبديلهما الى الإصلاح وتبديلهما الى الوئام، ليحصل الجميع على الثواب العظيم. واذا تصدى الجميع، كل بمقداره وبما يمكنه، لإصلاح ذات البين فإنّ المشاكل تخفّ كثيراً بين المؤمنين بعضهم مع بعض .

ــــــــــــــــــــــ

المصادر :

1.ثواب الأعمال: 148، وسائل الشيعة 13:163، البحار 76:44

2.سورة الفتح الاية 29