سلسلة توجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الموسومة بـ(نبراس المعرفة)، التي يتطرّق فيها سماحته إلى المواضيع الدينية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن جوانب من السيرة الوضّاءة للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وعظمة الإسلام وجماله، وأنّ به تسعد البشرية في الدارين، وغيرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
أفضل مكان للخدمة:
ورد في الحديث الشريف انّ (إماطة الأذى عن الطريق صدقة).1
خدمة المجتمع فضيلة كبيرة، بأي نوع من انواع الخدمة. والدنيا جعلها الله تعالى مزرعة للآخرة، ويعني الزرع في الدنيا والحصاد في الآخرة، وكذلك في الاحاديث الشريفة ما يستفاد منها انّ الدنيا مزرعة لخير الانسان أيضاً. فالدنيا نِعم المكان لمن يستفيد منها وكل من صار موفّقاً في الدنيا صار موفّقاً في الآخرة. فأبو ذر في هذه الدنيا صار أبا ذر وسلمان في هذه الدنيا صار سلمان وزرارة ومحمد بن مسلم وامثالهما في هذه الدنيا صارا في هذه الدنيا في المقام الرفيع، وعلي بن مهزيار وامثاله في هذه الدنيا صاروا كذلك. فالدنيا مثلها كما في الاحاديث الشريفة مثل سوق كما ان شخص يدخل سوق فيبيع ويشتري ويتاجر ويرتفع في دنياه كذلك الدنيا سوق لقول الخير وعمل الخير. والامثلة المذكورة في بعض الروايات أمثلة للامور التي هي صغيرة في اعين الناس ولكن هي على الرغم من صغرها لها تأثير في مستقبل دنيا الانسان وفي آخرته ايضاً.
اماطة الأذى عن الطريق:
في الحديث الشريف ان الامام السجاد كان احياناً راكباً ويسير الى مقصد ثم يرى اذى في الطريق فيوقف راحلته وينزل عنها ويميط الاذى عن الطريق ويدفعه الى جانب الطريق حتى ان المارة اذا كان في الليل اوكان غير ملتفت او كان لا يبيصر كي لا يتعثر بهذا الاذى فيصيبه ألم اويصيبه كسر او تصبه مشكلة، فكان الامام (صلوات الله عليه) يتكرر منه ذلك انه يوقف راحلته وينزل ويدفع الاذى عن الطريق ويميط الاذى عن الطريق ثم يركب ويواصل مسيرته.
يوجب الجنة أحياناً:
في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان شخصاً دخل الجنة بهذا السبب، اي رأى في الطريق اذى فأماط الاذى فدفعه الى جانب الطريق(2) فصار سبباً ليدخله الله تعالى الى تلك الجنة. فالجنة على عظمتها قد تكون نتيجة هذا العمل الصغير الذي لا يستوجب جهداً، لا صرف مال ولا صرف وقت لمجرد انه خدمة للمجتمع وخدمة للناس وتسهيل للناس ودفع المشكلة عن الناس.
في الحديث الشريف عن روح الله عيسى بن مريم (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام) انّه ذات مرة مرّ بقبر ورأى ان الشخص المدفون في حالة العذاب معذّباً، ثم مرّ بهذا القبر في سنة اخرى فرأى ان هذا الشخص غير معذّب، فسأل الله تعالى ان صاحب هذا القبر كان معذّباً في السنة السابقة والآن غير معذّب؟ فأتاه الوحي من الله تعالى انّ صاحب القبر كان يستوجب العذاب وكان معذّباً ولكن ادرك له ولد صالح آوى يتيماً واصلح طريقاً للمسلمين فرفع الله تعالى العذاب عن الاب بهاتين الصنيعتين، آوى يتيماً واصلح طريقاً. فمادام الانسان في الدنيا عليه ان يستغلّ الفكر والقول والعمل في صالح المجتمع بمعنى انّه يفكر في خدمة المجتمع ويقول ويتكلّم في خدمة المجتمع ويعمل بيده ورجله وحضوره لخدمة المجتمع فالدنيا جعلها الله تعالى سبب خير لمستقل الانسان في الدنيا ولمستقبله في الآخرة.
تسجّل صدقة:
ورد في أحاديث عديدة التعبير بالصدقة عن مختلف الخدمات الاجتماعية فالامر بالمعروف صدقة والنهي عن المنكر صدقة، والانسان بلسانه يأمر شخصاً او اشخاصاً بخير وبمعروف، فهذا يسجّل له صدقة او يرى منكراً من شخص او اشخاص فينهاهم عن المنكر فهذا النهي عن المنكر نفسه صدقة سواء عمل الذين نهاهم عن المنكر بقوله ام لم ينتهوا او الذين امرهم بالمعروف عملوا بذلك ام لم يعملوا. وفي الحديث الشريف امثال ذلك يوجد العديد، فالكلمة الطيّبة صدقة، واماطة الاذى عن الطريق صدقة، وكل عمل خير يعتبر صدقة. فعلى الانسان المؤمن والمؤمنة أن يستغلّ كل واحد منهما حياته بما يمكنه وبما يعرفه من عمل الخير للآخرين حتى بهذه المستويات الصغيرة. فاذا كان اماطة الاذى عن طريق احياناً يوجب دخول شخص لا يستحق الجنة دخوله للجنة. ولذا على الانسان ان يستفيد من فكره ومن لسانه ومن عمله، فأي عمل خير لأي شخص يمكنه يعرفه او لا يعرفه رحماً له او غير رحم، واذا كان رحماً فهو افضل، وبالنسبة للزوجين افضل، وبالنسبة للخير الذي هو تعليم وارشاد وهداية فمراتب الفضل تكون مختلفه في ذلك.
إنّ كون الدنيا خير وكون الدنيا مزرعة وكون الدنيا كما في بعض الاحاديث (الدنيا سوق ربح يها قوم وخسر آخرون)3 هو انّ الذين يفتقدون رأس مالهم في السوق بسوء صنيعهم في التجارة، مثلهم مثل اولئك الذين يأتون الى الدنيا ويخرجون من الدنيا بدون عمل الخير. فاستغلال الدنيا والاستفادة منها واغتنام الفرص المختلفة فيها للخير للآخرين. واذا هكذا تربّى المجتمع يكون مجتمعاً خيّر ومجتمعاً صالحاً ومجتمعاً متكاتفاً ومتعاضداً. ولنفرض في مجتمع صغير في عائلة مؤلّفة من عدّة اشخاص من اب وام واولاد اذا كل واحد من هؤلاء كل ما يعرفه ويمكنه من عمل الخير للآخرين يعمل يعني الاب يحاول ان يكون الاب قوله وفعله خيراً للعائلة والاُمّ هكذا تعزم والاولاد هكذا يعزمون، فستكون هذه العائلة موفّق’ وسعيدة من جميع الجهات من عشيرة وارحام وعائلة اكبر كقرية ومدينة ودولة وعائلة اكبر كالبشر في العالم.
حتى خدمة الحيوان:
اكّدت الاحاديث المتواترة والمئات والمئات من الاحاديث الشريفة بمختلف الامثلة والقصص لدفع الناس وتوجيههم الى خدمة المجتمع بعضهم لبعض فعلى الإنسان ان يستغل كل فرصة لخدمة أي انسان واي شخص. وفي الاحاديث لخدمة الحيوان ايضاً. ففي الحديث الشريف: (ان مومسة دخلت الجنّة في كلب سقته بخفّها)4، ومومسة يعني امرأة فاسدة، المرأة الفاسدة ليست من اهل الجنة ولكنها في الطريق رأت حيوان الكلب (اجل الله الجميع) يموت من العطش وكان هناك بئر عميق فنزعت المومسة خفّها وشدّت الخفّ بشيء من ملابسها وادخلته في البئر وسحبت الماء بخفّها واعطت لذلك الكلب الذي كان يموت عطشاً فشرب الكلب وارتوى ودفع عنه الموت. وفي الحديث الشريف انّ تلك المومسة أي المرأة الفاجرة البعيدة من الجنة القريبة من النار بهذا العمل الواحد صارت من اهل الجنة. أي إن مومسة دخلت الجنة في كلب. فحتى خدمة الحيوان سواء كان للانسان او لا يكون للانسان، وحتى الحيوان الذي يكون نجس عين كالكلب بالنتيجة كبد حرّى.
لا تجعلوا أيّامكم تمر دون صدقات:
المهم ان الانسان كل يوم يمرّ عليه ان لا يدعه يمرّ بدون عدّة صدقات منه، من نصيحة ومن ارشاد ومن هداية ومن عمل خير لشخص ومن وساطة خير ومن دفع بلاء لشخص ومن دفع تهمة عن مؤمن. فاذا عزم الانسان على ان يستفيد من حياته قولاً وعملاً وحضوراً واحجاماً، على ان يخدم الآخرين فهذا يكون دائماً في خير.
لذا، على الانسان المؤمن ان يستغلّ كل الفرص لأي خدمة ولأي رفع حاجة لآخرين بأي مستوى كان، والانسان الذي يعزم على ان يكون هكذا سيكون سعيداً في الدنيا وسعيداً في الآخرة .
المصادر:
1.بحار الانوار ج 75 باب 42 الرواية /روي عن النبي صلىاللهعليه وآله أنه قال: إن على كل مسلم في كل يوم صدقة، قيل: من يطيق ذلك؟ قال صلىاللهعليه وآله أماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وإرشادك الرجل إلى الطريق صدقة، وعيادتك المريض صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردّك السلام صدقة.
2. الخصال، ج1، ص32، ح 111. الرواية / عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (دخل عبد الجنة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه عنه).
3. تحف العقول:483.
4. الحديث مروي في الفريقين ومتّفق عليه.