LOGIN
المقالات
alshirazi.org
أربعين الإمام الحسين في مدينة السيدة زينب
رمز 104
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 25 ديسمبر 2012
بقلم: السيد عبد الرسول الموسوي الكاظمي

في الشطر الأول من القرن العشرين قام علاّمة الشيعة في دمشق السيد محسن الأمين العاملي بتدوين رسالة بعنوان: (التنزيه لأعمال الشبيه) وذلك لسببين: أولاهما, هو أن السيد لم يكن يتعاطف مع الشعائر الحسينية الأصيلة من جانب, ومن جانب آخر كان يريد التواصل مع أبناء السنّة في دمشق.

وثانيهما: أنه ذكر في كتابه أعيان الشيعة من أن الشيعة في الشام كانوا يمارسون هذه الشعائر التي لم تكن تروق له على الإطلاق, وتذرّع بقتل السنّة في منطقة (ببيلا) لأحد شباب الشيعة حين ذهابهم ليلة عاشوراء لإقامة المراسم العاشورائية بجوار مرقد العقيلة زينب عليها السلام, فكان أن أصدر فتوى بحرمة هذه الممارسات, حتى أنه لم يكن للشيعة باستطاعتهم السجود على التربة, فكانوا حتى العصر الحاضر يصلّون على الحصير العشبي, ومع رفع الكثير من المحاذير لكنهم ظلوا على تقيّتهم, وهم لا يؤذّنون بحيّ على خير العمل في مئذنة جامع الإمام عليّ عليه السلام في حي الأمين.

وتدور الأيام, ويأتي أحد أبناء الحسين عليه السلام الغيارى لتأسيس الحوزة العلمية في جوار مرقد السيدة زينب عليها السلام, فبنيت أسس جديدة على ضوء الحركة العلمية في تلك المنطقة المقدّسة حيث رفعت الرايات الحسينية عالية وانطلقت المجالس العزائية في الحوزة وفي الدور وفي المرقد الزينبي المقدّس, وتطوّرت حتى شملت كل ربوع دمشق ونواحيها كحي الإمام الصادق عليه السلام المسمّى (بحي الجورة) وكذلك في (حي الإمام زين العابدين عليه السلام) في المهاجرين, وعلى ضوء ذلك ارتفعت الغيرة عند أهالي حي الأمين فصاروا يرفعون اللافتات السوداء وإطلاق الشعارات الحسينية وإقامة المجالس في المسجد والمدرسة وغيرها.

ومنذ أواخر التسعينات بلغت ذروة المجالس والمسيرات الحسينية بجوار المرقد الزينبي المطهَّر وكثرت الحسينيات الخاصّة والعامّة للنساء والرجال وكانت المراسم تبدأ منذ الليلة الأولى من المحرّم وحتى الآخر من شهر صفر المعظّم, فكانت مئذنتا المرقد الزينبي والصحن والحرم المطهّرين يوشحان بالسواد على نفقة بعض شباب الحوزة العلمية وحتى كتابة هذه السطور عام 1434هـ فكان الحسينيون يقيمون شعائرهم الحسينية في الحسينيات ومسيرات العزاء في الشوارع حتى المقام الزينبي, فمسيرات الردّات كانت تنطلق كل ليلة, وعزاء الزنجيل واللطم والشبيه والتطبير وعزاء طويريج وحرق الخيام ومراسم ليلة الغرباء, كل ذلك تحت حماية الدولة, دون أي موانع, وكانت الجاليات الإسلامية المختلفة تشترك في إقامة كل هذه الشعائر الدينية, كل حسب طريقته ومنهجه, فالعراقيون والأفغانيون والإيرانيون والهنود والباكستانيون والآذريون والأفارقة من مختلف الدول الإفريقية, وحتى شيعة سوريا من مختلف المحافظات كانوا يؤدّون دورهم من تكايا توزيع الشاي والطعام والعصائر, منتشرة في أطراف المقام الزينبي المطهّر وقامت العلاقات العامة للحوزة الزينبية بإطلاق مسيرة المشي من الحوزة حتى المقام المطهر للسيدة رقية عليها السلام في دمشق يوم الخامس من شهر صفر من كل عام, ثم تنطلق مسيرات المشي من أنحاء متفرّقة من أحياء الشام باتجاه السيدة رقية عليها السلام, فجر يوم الأربعين الحسيني حيث يؤدّون فريضة الفجر, ثم ينطلقون رجالاً ونساء وأطفالاً وشيباً وشباباً وأعلاماً من رجال الدين باتجاه مدينة السيدة زينب عليها السلام, حاملين الريات واللافتات, يردّدون شعارات الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها صلوت الله وسلامه عليهم, وعلى امتداد الطريق ترى سيارات توزيع المياه العذبة والعصائر وموائد الأطعمة منتشرة هنا وهناك.

والذي يلفت الأنظار موكب السبايا والرؤوس الذي كان يؤدّيه شيعة حمص من منطقة المشتل باتجاه المرقد الزينبي المطهر.

هذا في الحاضرة الزينبية, وماذا يدور في يوم الأربعين في دمشق؟

هناك موكب كبير للهنود يأتي كل عام من بريطانيا ليشارك في زيارة الأربعين حيث يمشون حفاة نساءاً ورجالاً وأطفالاً من مطار هيثرو في بريطانيا وحتى مطار دمشق ويبقون حفاة حتى رحيلهم وعودتهم متوشّحين بالسواد ومتهيّئين للعزاء وهؤلاء يقومون بالمسير في الطرقات والأزقّة التي سار بها سبايا أهل البيت عليهم السلام حيث يلطمون الصدور ويضربون بسلاسل السكاكين على ظهورهم في سوق الحميدية باتجاه الأزقة والطرقات المؤدّية لخرابة الشام ومرقد السيدة رقية عليها السلام, تيمّناً وتبرّكاً وتذكاراً لما تحمله أجواء تلك الأزقة من عبقات العترة الطاهرة عليهم السلام.

فخربة الشام تحمل في طياتها الكثير الكثير من الآلام والأوجاع وآهات أنفاس اليتامى والأيامى للحسين وأهل بيته عليهم السلام ومريض كربلاء الإمام زين العابدين عليه السلام.

رحم الله المفكرّ المجاهد والآية الحجّة السيد الشهيد حسن الشيرازي قدّس الله سره في جنان الخلد على بذرته الطيبة المباركة وحمله للواء الحسيني وأعماله الخالدة التي ستظلّ تشعّ بالعنفوان والشموخ الحسيني, ورحم الله شهداء طريق كربلاء في كل زمان ومكان.