شبكة النبأ: (إذا التزم الإنسان بتشريعات الله وما سنّه له نزلت عليه البركات) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
يتساءل كثيرون لماذا يكون بعض الناس ينجحون في حياتهم وآخرين يكونوا على العكس من ذلك، وما هي الأسباب التي تجعل هذا سعيدا، والآخر مخذولا كئيبا فاشلا؟، بعضهم يعزو ذلك لسوء الحظ، أو صعوبة الظروف التي تواجه الإنسان.
لكن يبقى الأمر الحاسم لشرط النجاح متعلقا بشخص الإنسان نفسه، ومدى تفاعله واستجابته للشرطين التكويني والتشريعي، فهناك من يلتزم بما شرّعه الله لصالح الإنسان فيبارك فيه ويزيده نجاحا، وهناك من لا يلتزم فتبتعد عنه البركة والارتقاء والتقدم.
فالبرَكة كما ورد معناها في اللغة، تعني النماء والزيادة، أو الخير الدائم. فلا يُقال عن شرّ أو سيّئ ولا عن الخير المنقطع أنّه مبارك.
وحين نحاول أن نبارك لشخص ما لأنه نجح في مشروع معين، أو اقترن بشريكة حياته، أو بنى منزلا جديدا للسكن فيه، فإننا نعني بهذه المباركة ديمومة التوفيق والتقدم لهذا الشخص، ما يعني أن التبريكات هي دعوة لزيادة الخير واستمراره للشخص الذي نبارك له.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في كتابه الموسوم بـ (نفحات الهدى) حول البركة:
(عندما نبارك لشخص تزوّج حديثاً فإنّما نتمنّى له دوام السعادة في زواجه، وكذلك عندما نبارك لشخص اشترى داراً فهذا يعني أنّنا نتمنى له دوام هذه النعمة عليه ونماءها وزيادتها وارتقاءها، ويقول الله تعالى عن كتابه أنّه ﴿ذكر مبارك﴾ لأنّ القرآن خير نامٍ ومستمرّ).
الله تعالى دائما يريد الصالح لعباده، ويحث على التزام الناس بتشريعاته التي هي في صالح الإنسان أصلا، فمن يلتزم بأحكام الله سوف يُحاط ببركاته تعالى، فهناك الجانب التكويني حيث لا يستطيع الإنسان التحكم فيه، لكن الجانب التشريعي والأحكام التي وضعها الله تعالى لصالح البشر تُرِك تنفيذها والالتزام بها للبشر نفسه.
النجاح بالتزام الإنسان للتشريع الإلهي
بمعنى بقيَ الإنسان حرّا في أن يلتزم بأحكام الله أو عكس ذلك، وفي حال الالتزام فإن الله سوف يزيد من بركاته على الإنسان، كما إن الإنسان شخصيا سوف يلمس لمس اليد درجة النجاح التي يحصل عليها بسبب التزامه بالتشريع الإلهي، لأن هذه التشريعات جاءت أصلا لتحقيق صالح الناس ودعمهم ومساعدتهم على تحقيق النجاح.
من يريد التقدم والتميّز عليه أن يلتزم بالأحكام التي تساعده على النجاح، وهذه هي الخطوة الأولى والأهم كي يكون الإنسان مباركا، وهي الخطوة التي تقوده إلى التوفيق المستمر في حياته، لأن النماء والخير سوف يلازمه بسبب البركات الإلهية التي تلازمه لأنه التزم بالتشريع الإلهي وطبّقه في حياته.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(إنّ الله تعالى هو خالق الإنسان وهو أعرف بما يصلحه، سواء من الناحية التكوينية أو التشريعية ﴿ألا يعلم مَن خلقَ وهو اللطيف الخبير﴾. ولذلك سنّ الله تعالى قوانين لمصلحة الإنسان ونظام حياته بعضها تكويني هو مجبر عليها، وبعضها الآخر تشريعي ترك للإنسان تنفيذه).
لذلك فإن الإنسان بدلا من أن يلقي اللوم على الظروف الصعبة، أو على الحظ السيّئ، من الأفضل له أن يكون إنسانا مباركا، وهو هدف واضح، ويمكن بلوغه من خلال قدرة الإنسان على الالتزام بالجانب التشريعي الذي يعين الإنسان على تجاوز الكثير من عقبات الفشل، لاسيما أن الأمر الحاسم والمؤكَّد أن التزام الإنسان يعني حيازته على البرَكة الإلهية.
وبالتالي حصوله على جميع أسباب التقدم والتوفيق، لاسيما أنه درس وتعلّم التشريعات، وفهمها، وعرف كيفية تطبيقها، ثم إنه سوف يلاحظ كيف تتطور حياته المادية والمعنوية، وكيف سينعكس ذلك على شخصيته ومكانته الاجتماعية والوظيفية وحتى العائلية.
لهذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله قائلا):
(إذا التزم الإنسان بتشريعات الله وما سنّه له من قوانين تصلح حياته نزلت عليه البركات التي مفتاحها القوانين التشريعية - إضافة إلى البركات التي أنزلها عليه بإرادته التكوينية التي لا دخل للإنسان فيها - وإلاّ عاش في خبط وظلام، وقد يحرمه الله من بركاته التكوينية أيضاً).
إن الله تعالى يقف بجانب الإنسان منذ خلقه، ومن لحظة بدْئهِ لرحلته الحياتية، فحتى الطبيعة التي يعيش فيها الإنسان جعلها الله تعالى مناسبة له، ومتعاونة معه، لكي يدرأ عنه مخاطر الوحشة والقلق التي قد تحيط به وهو يضربُ في الأرض بحثا عن رزقه.
كيف تُفتَح أبواب النجاح للإنسان؟
من الأمثلة الجميلة التي ضربها لنا سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، لتبيين البركة الإلهية ولطف الله تعالى بالإنسان، وتهيئة كل الظروف التي تبسّط الحياة له، وتفتح أمامه أبواب الاستقرار والأمان والنجاح هذا المثال الذي جاء فيه:
(كان في انجلترا جسر يسمى بجسر الانتحار، يقصده الشباب الذين سُلبوا العقل والعاطفة ليلقوا بأنفسهم من على مرتفع منه صوب الجهة التي يتدفّق الماء فيه بسرعة وقوّة ليتلقّفهم ويضرب بهم يميناً وشمالاً بالصخور ثم يموتون!، عندما لاحظ المهتمّون هناك أنّ معدّلات الانتحار في حالة ارتفاع مستمرّ، فكّروا في إيجاد طريقة لتقليله، وهذا هو الفرق بين الإسلام وغيره، فإنّ الإسلام يستأصل المشكلات والأمراض من الجذور، أمّا الأنظمة الأخرى فتفكّر في تقليله، وهي لا تنجح حتى في ذلك. وبعد أن اجتمع المهتمّون من الخبراء والمفكّرين والعلماء وقاموا بتجارب كثيرة اهتدوا إلى شيء خلقه الله عزّ وجلّ منذ بدء الخليقة، حيث اكتشفوا أنّ اللون الأخضر أكثر الألوان تأثيراً في مخّ الإنسان، فالخضرة أقوى وأجمل لون يناسب المخّ. فقاموا بصبغ الجسر باللون الأخضر. وكانت النتيجة تدنّي معدلات الانتحار في السنوات القادمة بنسبة ثمانين في المئة).
هكذا يريد الله اللطف بالبشر، فلا عذر لمن يبحث عن التقدم والسعادة، وأسبابها وشروطها معروفة له، وموجودة لديه، وهو قادر عليها، لأنها لا تدخل في باب المستحيل، بل إنها متاحة وممكنة، وواضحة وضوح الشمس، فحريّ بالإنسان أن يكون مباركا، وأن يستحصل البركة الإلهية في رحلته الحياتية بشكل مستمر.
هناك تشريعات معروفة و واضحة، تفرز بين الخير والشر، بين الجيد و الرديء، بين الصالح والطالح، إنها كاللون الأبيض واللون الأسود، لا تحتاج إلى ذكاء متميز لمعرفتها، لكن الأمر يتعلق بإرادة الإنسان نفسه، ومدى قدرته على الالتزام بأحكام الله وتشريعاته، لكي يضمن البركة، وهذا يعني ضمان النجاح المستمر والتميّز لاسيما أن الله تعالى جعل كل شيء في صالح الإنسان، لكي يعيش حياته في أمان وهدوء واستقرار.
الدليل على ذلك توظيف الطبيعة لكي تساعد الإنسان على تحصيل البركة، وعلى أن تمكين الإنسان من أن يكون بشرا مباركا، فالأرض الواسعة الجرداء، كساها الله تعالى بالاخضرار الدائم، لأن مخ الإنسان يتفاعل مع اللون الأخضر ويحبه فيجعله هادئا مستقر البال والقلب والمشاعر، وبالتالي هذا الاستقرار يقوده إلى السعادة والنجاح.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(الآن تعال إلى الطبيعة وانظر بأيّ لون كساها الله تعالى، لكي تطرد القلق والسأم عن الإنسان؟ إلاّ اللون الأخضر للأشجار؟ فكما أنّ خالق الطبيعة خلقها وفق نظام وقوانين تصلح للإنسان، فكذلك تشريعات الله! ولكن مع فرق أنّ الله تعالى ترك الإنسان حرّاً في تطبيقها!).
في النهاية بإمكان الإنسان أن يكون شخصا مباركا، الأمر مناط به، وبإصراره على حيازة هذا الهدف، لاسيما إنه سوف يكون محاطا بالبرَكة الإلهية، وهذا يعني أن الخير والنجاح والتوفيق يكون رفيقه طوال رحلته الحياتية، أما حين يلتهي الإنسان بالمحرّمات والانتهاكات وعدم الالتزام بما يريده الله من صالح للإنسان، فإن النتيجة واضحة، لذا ليس من العدل أن يلقي الإنسان عدم نجاحه في الحياة على سوء الحظ أو صعوبة الظروف.