النبأ: علي ال غراش
السيد محمد باقر الفالي أحد أعمدة المنبر الحسيني المؤثرين، ويشكل مدرسة في الخطابة الحسينية، لعقود طويلة، فهو عالم دين درس في الحوزة الدينية العلمية منذ صغره.
ولد السيد محمد باقر الفالي في كربلاء وتحديداً محلة المقلع في العباسية عام 1957، ونشأ وترعرع فيها، حيث درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وهجر مع عائلته من العراق من قبل الحكومة -الصدامية البعثية- إلى ايران في بداية الثمانينات، وهو متزوج من بنت المرجع الراحل آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (رحمه الله).
الفالي والتميز العلمي
السيد الفالي درس في الحوزة وارتقى إلى مستوى متقدم من دراسة البحث الخارج عند مراجع عظام، كما انه حصل على شهادة اكاديمية في مجال العلوم السياسية والقضاء من جامعة طهران، وعرف السيد محمد باقر الفالي من خلال تميزه في مجال الخطابة الحسينية، فهو عاشق حسيني حماسي شديد وقوي معروف بالدفاع عن مظلومية أهل البيت (عليهم السلام). بدأ السيد الفالي مسيرته الخطابية الحسينية مبكرا وله من العمر اثني عشر عاماً من خلال إلقاء القصائد الحسينية، ومن ثم اعتلى المنبر الحسيني خطيباً بشكل رسمي بعد ان لبس الزي الحوزوي على يد المرجع الراحل آية الله العظمى السيد الشيرازي - رضوان الله عليه-.
ومارس الخطابة في العديد من بلدان العالم، في العراق وفي مكة والمدينة في مواسم الحج والعمرة، وفي سوريا ولبنان والكويت والبحرين وسلطنة عمان ولندن وغيرها، كما انه مارس الخطابة في ايران باللغة العربية وكذلك الفارسية في مدن عديدة من المحافظات الايرانية.
خوض التحديات للدفاع عن أهل البيت
السيد محمد باقر الفالي دور متميز ونشط في العالم الشيعي بسبب نشاطه على المنبر الحسيني، طوال عقود طويلة، وقد خاض خلال ممارسته الخطابة جولات من التحديات لترسيخ القيم والعقيدة الاسلامية الأصيلة: حسب منهج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الايمان المحمدي، العلوي، الفاطمي، الحسني، الحسيني وابناء الحسين (عليهم السلام)، وتأصيل فكر مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والدفاع عن مظلومية أمير المؤمنين الإمام علي المرتضى، ومظلومية السيدة فاطمة الزهراء، ومظلومية الإمام الحسن المجتبى ومظلومية وقيم ومبادئ ثورة عاشوراء الإمام الحسين -عليهم السلام- وابراز معالم مدرسة الأئمة الأطهار -عليهم السلام- والتهيئة الصحيحة لخروج الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى ظهوره الشريف). فهو خطيب رفع خلال مسيرته الخطابية راية الدفاع عن مظلومية أهل البيت (عليهم السلام). ونتيجة موقفه الواضح في اختياره وتمسكه بمدرسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) الذي قال صلى الله عليه وآله: "اني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما ان تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض". وروي انه قال صلى الله عليه وآله: "أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق". فقد أفنى عمره في الدفاع عنهم والتبري من أعدائهم ومن عادهم ونبذ من خالفهم وعدم خوفه من لومة لائم، وبسبب ذلك تعرض خلال مسيرة حياته للاستهداف والتضييق والترحيل كما حدث في اخر حياته عندما رحل من الكويت البلد الذي أحب أهلها وعاش فيه فترة طويلة فيها وهو يرقى منابر حسينياتها. ونقل انه قد صَرَّح برغبته لزيارة الكويت بقوله: ”أشتاق إلى وطني الثاني الكويت وسأزوره إن وجهت لي الدعوة“.
التعرض لعملية اغتيال
وبسبب نشاطه ونصرته الحق والحقيقة تعرض لعملية اغتيال حيث نقل "كان السيد الفالي يرتقي المنبر ويلقي المحاضرات طوال شهر رمضان 1432 هـ في حسينية داوود العاشور الواقعة بمنطقة مهيجران التابعة لقضاء أبي الخصيب في محافظة البصرة بجنوب العراق، تعرض فيها لمحاولة اغتيال، حيث تم تفجير سيارة مفخخة على بعد 100 متر من الحسينية في الخامس والعشرين من أغسطس 2011 (24 رمضان)؛ وقد خلف الانفجار العشرات من القتلى والجرحى، في حين نجى السيد الفالي من محاولة الاغتيال حيث خرج من الحسينية قبل دقائق من التفجير، وقد أدت شدة الانفجار إلى حدوث أضرار في الأبنية المجاورة، وكذلك، تدمير عشرات السيارات. وقد حملت بعض الأوساط تنظيم القاعدة - متمثلةً في دولة العراق الإسلامية - مسؤولية التفجير".
أهم أعمال السيد الفالي
حتما للسيد محمد باقر الفالي الكثير من الاعمال والنشاطات ومن الصعوبة الكتابة عن تفاصيلها، ومن أهم اعمال الراحل الخطيب الحسيني السيد محمد باقر الفالي (رحمه الله):
١/ دور الارشاد والتوعية بالفكر المحمدي الأصيل (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر الحسيني لعقود من الزمن في العديد من مدن العالم، وتناوله خلال هذه الفترة الطويلة الكثير من القضايا التي تهم أفراد المجتمع، فهو حريص على بناء شخصية الفرد المنتمي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام بالشكل الصحيح حسب ما يتفق مع منهجهم عليهم السلام.
٢/ ترسيخ العقيدة والإيمان الصحيح والالتزام به، والتمسك بقيم ومبادئ العقيدة، ونبذ حالة التدين القشري.
٣/ الدفاع عن مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) من سيد الخلق سيدنا الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) والإمام علي المرتضى (عليه السلام) وخاصة مظلومية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهو شديد وواضح في طرح مظلوميتها وما وقع عليها من ظلم وظلامة واعتداء بشفافية والتبري من المعتدين عليها ومن يسير على طريقتهم.
٤/ ترسيخ مبادئ قيم ثورة عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام)، فهو يتعامل بان ثورة الإمام الحسين عليه السلام مستمرة ونداء الحسين هل من ناصر قائم ينتظر من يلبي النداء ب لبيك يا حسين، ويوم عاشوراء وما حدث فيه من بطولة وتضحية ومذابح ومجازر ووحشية وقطع راس الإمام الحسين عليه السلام حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وقتل وقطع رؤوس أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ بنات النبي صلى الله عليه وآله اسرى من بلد إلى بلد.. فهذا اليوم بالنسبة له كل يوم من باب كل يوم عاشوراء كل ارض كربلاء، ولانه حسيني يحمل ثورة عاشوراء الامام الحسين الخالدة فهو يتعامل على المنبر بروح ثورية في طريقة كلامه وخطابته اتجاه المظلومية ورفض الظلم والفساد والاستبداد من منطلق (هيهات منا الذلة).
٥/ حرص السيد الفالي خلال محاضرته على المنبر الحسيني ان يكون صوت العقل والحكمة والوعي ومحاربة الافكار العصبية والقبلية والمناطقية والعشائرية في المجتمع العراقي، فهو شفاف في نقد الحالات السيئة السلبية في المجتمع من عادات وتقاليد اجتماعية قبلية تنتشر في المجتمع مخالفة لمنهج اهل البيت عليهم السلام، كما انه يقدم الحل لتلك القضايا والحالات الاجتماعية السيئة الخطيرة من منهج أهل البيت عليهم السلام.
٦/ السعي في خدمة الناس والمجتمع في حل المشاكل وتقديم الدعم والمساعدة، ونشر الثقافة الدينية والفكر الاسلامي الرسالي الأصيل، عبر طباعة الكتب والاشرطة الدينية وبالذات في العقيدة وسيرة عاشوراء الامام الحسين عليه السلام وتوزيعها مجانا. المساهمة في تأسيس المشاريع الحسينية، في العديد من البلدان وتشجيع الاخرين على اهمية وجود تلك المراكز الدينية الحسينية فهي منابر علم ووعي لفكر أهل البيت عليهم السلام وتحصين للمجتمع. الاهتمام بمساعدة الايتام والمحتاجين. تأسيس معرض فني إسلامي عرضت فيه لوحات فنية حول قضايا الاسلام وأهل البيت عليهم السلام.
٧/ رغم اهتمامه الكبير بالمنبر الحسيني والخطابة، لديه تركيز على أهمية الكتاب من خلال قيامه بترجمة العديد من الكتب من اللغة العربية الى اللغة الفارسية نحو ٣٤ كتاباً، وتأليفه كتاب: في مدرسة الحسين. وكتاب: هكذا علمنا الإسلام. وكتاب باللغة الفارسية: نظرة على حياة الإمام جعفر الصادق. كما قام بتأليف واخراج مسرحية بعنوان (هلاك الطاغية) في دولة الكويت عام ١٩٩١.
كما انه شاعر متميز وله قصائد كثيرة في أهل البيت (عليهم السلام) وبالخصوص حول السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.
ومن قصائده المشهورة:
أبناء فاطم روح القدس عبدكم
وثابت حول عرش الله اسمكمُ
أقول والقلب لا يهديه غيركمُ
يا آل بيت رسول الله حبكمُ
فرض من الله في القرآن أنزله
المصطفى خير خلق الله جدكمُ
والمرتضى والدٌ والطهرُ أمكمُ
وبعد ذكر آله الكون ذكركمُ
كفاكمُ من عظيم الشأن أنكمُ
من لم يصل عليكم لا صلاة له
السيد الفالي انتقل إلى رحمة الله
رحم الله السيد الفالي الذي رحل عن عالمنا إلى عالم الخلود والرحمة الالهية، بعدما صرف عمره في خدمة أهل البيت (عليهم السلام) والدفاع عن مظلوميتهم عليهم السلام وارشاد الناس الحق والحقيقة والخير والصلاح والفلاح والنجاح حسب منهج اهل البيت (عليهم السلام).
نسأل الله تعالى ان يتغمد الفقيد الغالي الخطيب الحسيني السيد محمد باقر الموسوي الفالي، وان يرحمه بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويحشره مع النبي وآله الطيبين الطاهرين، وان يلهم أهله وذويه ومحبيه ومن ينتمي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الصبر والسلوان. وتعزية إلى المراجع العظام والعلماء والخطباء والكتاب والمفكرين وإلى عشاق العدل والحرية والكرامة ونصرة المظلومين ورفض الظالمين.. خالص العزاء والمواساة. إنا لله وإنا إليه راجعون.