LOGIN
المقالات
alshirazi.org
"قبسات من فكر سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
الدور الإصلاحي للمرأة في عالم اليوم
رمز 1146
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ 19 شوال المكرّم 1445 - 28 أبريل 2024

شبكة النبأ: (على النساء أن يقمنَ بالتبليغ لنشر الإسلام الحقيقي والصحيح) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

منذ قرون وعقود متعاقبة يعيش المسلمون في حالة من التردّي المتواصل، فما أن رحل النبي صلى الله عليه وآله، وحين انتهى من بعده حكم الإمام علي عليه السلام، لم يبق من الإسلام سوى رسمهِ واسمه، أما من حيث التطبيق لتعاليم الإسلام الفعلية، فهذا لم يحدث لا في الدول الإسلامية، ولا فعل ذلك بقية المسلمين في دول المهجر.

هذا الواقع المتراجع للمسلمين جعلهم يعيشون في واقع غير مستساغ، يمكن أن نسميه واقع الإسلام غير الحقيقي، حيث لم يطبَّق الدين كما جاء به النبي صلى الله عليه وآله، ولم يصل الإسلام الحقيقي للناس، بل أن الإسلام الموجود في الواقع شكلي (رسم و اسم)، ولا يرتقي في أي حال من الأحوال إلى الدين المحمدي.

أما الأسباب فهي كثيرة، أولها تقصير المؤمنين والمؤمنات في تأدية دورهم الإصلاحي التبليغي كما يجب أو بالشكل الصحيح، فعلى الرغم من التطور الهائل في وسائل التوصيل الإعلامية أو سواها، إلا أن ما بذله المسلمون في مجال نشر الدين الإسلامي الصحيح لا يرتقي إلى الدرجة المطلوبة ولا يوازي المسؤولية والمهمة الكبيرة لهذا الهدف.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في إحدى كلماته التوجيهية القيمة:

(قال سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا يبقى من الإسلام إلاّ رسمه، ومن الإسلام إلاّ اسمه). ففي كل مكان من عالم اليوم، يذكر الإسلام وتتلى آيات القرآن الكريم، ولكن هل ترى مثل ما عمله النبي الكريم صلى الله عليه وآله من الإسلام والقرآن الكريم في مكان ما؟! وهل الدول الإسلامية ملتزمة بعمل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بمقدار واحد بالمئة؟!).

إذًا لا يوجد التزام بالإسلام في الدول الإسلامية، وهنالك تقصير واضح في قضية الإصلاح، مثلما هنالك تقصير في مجال التبليغ والنشر والتعريف بالدين الإسلامي الحقيقي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وآله، وشُيِّدت من خلاله أعظم دولة، وتم تغيير المجتمع عبر منظومة القيم الإسلامية لتصبح هناك أمة إسلامية في دولة عظمى تفوقت على جميع الدول الكبرى آنذاك، وهذا التفوق أساسه معنوي فكري أسس للتفوق المادي الكبير.

هذه الحقيقة الموجودة على الأرض وفي واقع المسلمين توجب عليهم التصدي لمسؤوليات الإصلاح والتبليغ بدرجة عالية، ولا يُستثنى من هذه المهمة المرأة المسلمة، حيث يقع عليها دور أساسي في التبليغ، ونشر الإسلام وتوصيله إلى أبعد نقطة ممكنة، مع التأكيد التام على أن الإسلام الذي يتم نشره بين الناس هو الإسلام الحقيقي وليس الإسلام المحرَّف.

لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلا:

(على النساء، بالأخص الشابات والفتيات والبنات، أن يقمن بالفعاليات في مجال ممارسة تبليغ الإسلام الحقيقي والصحيح، أكثر وأكثر. فعليهنّ أن لا يقصّرن في أداء مسؤولياتهنّ لأجل تعريف الإسلام الصحيح والواقعي وليس الإسلام الاسمي وبالاسم فقط).

ما هي مسؤولية المرأة المسلمة؟

من الواضح أن المسؤولية الملقاة على المرأة المسلمة، لاسيما الواعية المثقفة، هي مسؤولية كبيرة لا تقل شأنا ودرجة عما يقوم به الرجل المسلم، فكلاهما عليه دوره المعروف، وعلى المرأة مهمة تبليغية هدفها الأول والأخير تصحيح ما يجري اليوم من تحريف مخطَّط له لقضايا الدين، والعقائد، ومنظومة القيم التي تتعرض لهجمة التغيير والتحريف بشكل متواصل، الأمر الذي يستدعي مضاعفة الجهود.

فما نلاحظه اليوم في واقع المسلمين، ليس هو الإسلام الذي جاء به الرسول الأكرم، بل هناك مساع جارفة لزرع حالات الانحراف الفكري والسلوكي عند المسلمين والمسلمات، وهنا يبرز دور المرأة المسلمة في توضيح المآرب التخريبية التي تستهدف الدين والمرأة على وجه الخصوص، حيث توجد حملات إعلامية تثقيفية سلوكية هدفها تحول جسد المرأة إلى سلعة يُباع ويشترى، في محاولة لانتهاك حرمتها وكرامتها وحقوقها التي حماها الإسلام ورسَّخها.

إن الإسلام الذي نلاحظه اليوم في واقع المسلمين لا يمكن أن يتشابه أو يتساوى مع الإسلام في عهد النبوة، والأدلة كثيرة نجدها في واقع المجتمع الإسلامي، وفي الدول الإسلامية، وهذا التراجع الخطير في القيم والأفكار والسلوكيات، حتى عند المرأة مما يدل على وجود تقصير عند المؤمنات يجب تصحيحه بشكل سريع ودائم. 

وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(لو كان النبي الكريم صلى الله عليه وآله بيننا اليوم ووسط المجتمعات الإسلامية، فهل سيرضى بالإسلام الذي يعملون به اليوم على مستوى العالم؟! فهل الإسلام الموجود اليوم، هو الإسلام نفسه الذي بيّنه صلى الله عليه وآله بأقواله وبأعماله؟ بلا شكّ كلا، فما نشاهده اليوم من إسلام لا يرضى به النبي الكريم صلى الله عليه وآله).

التلكّؤ في مواجهة أساليب الأعداء

ولا شك أن للإعلام المضاد دوره في خلق المشاكل والأزمات في الدول الإسلامية، ولكن أليس هناك تقصير واضح في مواجهة الأساليب والوسائل الإعلامية المغرضة التي أساءت للإسلام والمسلمين، ما الذي فعله المسلمون في مواجهة تلك الإساءات وصناعة الانحرافات، ونشر الرذيلة في بين المسلمين؟

في الحقيقة ما فعله المسلمون غير جدير بالإشادة، بل ليس هناك أي عمل إسلامي وقف أمام موجات الإعلام المضاد للإسلام، ولا نبالغ إذا قلنا أن هنالك من المسلمين ساعدوا على ترويج الغايات المسيئة، خصوصا على المستوى التسويقي للماديات، بالإضافة إلى نسف القيم الإسلامية والأخلاقية، ومحاولة الترويج للسلوكيات المنحرفة تحت حجة الحقوق وممارسة الحريات الشخصية، لذا هناك تقصير واضح من المسلمين في مواجهة الإعلام المضاد. 

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(بلى، قد يكون من أسباب ما نعيشه اليوم، هو حاصل ونتاج إعلام أهل الباطل والضلالة، ولكن التهاون والتقصير من قبل المسلمين هو السبب الآخر لما حلّ بنا اليوم. فخير ما ينفع في الدنيا والآخرة للمؤمنين والمؤمنات، بذل المساعي لأجل إصلاح الأوضاع في العالم اليوم).

ومن النصائح المهمة التي قدمها سماحة المرجع الشيرازي للنساء المؤمنات، قضية الاطلاع على سيرة الرسول صلى الله عليه وآله، وكيف تحقق زواجه من خديجة الكبرى، وما هو المهر الذي قدّمه لها، حتى تقلل النساء اليوم من غلواء المهور التي بالغن بها كثيرا، وهي سلوكيات مخطئة أسهمت في خلق ظاهرة العنوسة بين النساء المسلمات.

من هنا على النساء اللواتي يُحسَبن على الثقافة والتديّن أن يبادرن بقراءة السيرة النبوية، ومن ثم التعريف بها ونشرها بين أكثر عدد ممكن من النساء المسلمات، حتى تسهم المرأة في مواجهة الأزمات التي تعصف بالمسلمين، فظاهرة غلاء المهور ومصاعب تزويج الشباب تعد من أخطر الظواهر التي تضاعف من الأزمات والمشاكل.

يطالب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله النساء (الجامعيات والحوزويات والمثقّفات، أن يطالعن تاريخ وسيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ويطلعن عليهما. وكنموذج، ابحثن في كتب التاريخ والروايات وانظرن الى زواج النبي الكريم صلى الله عليه وآله وخطبة عقد زواجه، فكم جعل صلى الله عليه وآله مهر العقد، وكم نحن بعيدون عن هذه السيرة).

نماذج من النساء الصالحات

ثم يقدم سماحته نماذج للمرأة الصالحة المتفردة بسلوكها، وبإيمانها، وبتقربها من الله تعالى، واستجابة دعائها كاستحقاق لها، كونها من المؤمنات الصالحات الصابرات اللواتي منحها الله تعالى مكانة كبيرة ومنزلة خاصة نتيجة لورعها فصار دعاؤها يدفع البلاء عن أهلها جميعا، ويمكن لأية امرأة أن تصل هذه المنزلة لو أنها تماثلت مع هذا النموذج الذي يذكره سماحة المرجع الشيرازي بالقول:

هناك (بعض النساء اللاتي صرن أسوة وقدوة لكل النساء في طول التاريخ، ومنها: امرأة باسم حُبّى التي كانت من أصحاب الإمام الصادق صلوات الله عليه، وكان لها أخ باسم ميسّر وكان من أصحاب الإمام أيضاً. وميسّر من أسماء الله تعالى الحسنى ويعني المسهّل، ومذكور في دعاء الجوشن الكبير. وذات يوم جاء ميسّر إلى الإمام الصادق صلوات الله عليه وشكى أخته حبّى. فقال له الإمام صلوات الله عليه جملة جعلت ميسّر لا يشكو أخته إلى آخر عمره، وهي: (ياميسّر دعها فإنّه ما يدفع عنكم إلاّ بدعائها). وهذا الكلام من الإمام الصادق صلوات الله عليه علامة عن القرب والتقدير الذي تحظى به حبّى عند الله تبارك وتعالى، بحيث صارت سبباً لدفع البلاء عن عائلتها. والملفت في قول الإمام الصادق، أنّه صلوات الله عليه لم يقل (ما يدفع عنك) بل قال (ما يدفع عنكم) حيث استعمل الإمام ضمير الجمع. وهذا يعني أنّ تلك الأخت صارت سبباً في دفع البلاء عن عائلتها كلّهم، وليس عن أخيها ميسّر فقط. لقد كانت حبّى امرأة مثلكنّ، ولم تك بنت أو زوجة النبي الكريم صلى الله عليه وآله أو أمّاً للأئمة صلوات الله عليهم. فلذا أنتنّ يمكنكنّ أن تصلن إلى هكذا مرتبة ومقربة عند الله تعالى وأهل البيت صلوات الله عليهم).

خلاصة القول هناك دور إصلاحي مهم يمكن للمرأة أن تتصدى له، وأن تسهم بفعالية عالية في نشر الإسلام الصحيح، وتدعيم القيم والأخلاقيات السليمة، وتخليص المجتمع الإسلامي من الأزمات التي تعصف بها بسبب الموجات الإعلامية الصارخة والقادمة من الغرب وسواه، بحجة التطور والتقدم وهي موجات شكلية للتقدم، تؤذي المسلمين ولا تساعدهم على التقدم، بل على العكس من ذلك تؤخّرهم، لذا يجب على النساء أن يقمن بالدور الإصلاحي كونهن جزءا لا يتجزأ من المجتمع.