LOGIN
المقالات
alshirazi.org
المؤسسات التعليمية وصناعة العلم والعلماء
رمز 133
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 25 أبريل 2013
كتب: علي حسين
للعلم مؤسسات ضخمة تنهض به، وتصنعهُ، هذا أمر يتّفق عليه الجميع، ولكن يسعى إليه الأذكياء العارفون، أصحاب الإردات القوية، والعقول التي تخطّط للحاضر والمستقبل، كي تبقى في مقدّمة الركب العالمي دائماً، ولا يمكن أن تبقى الدول والمجتمعات في المقدمة دائماً، إلاّ بانتهاجها لطريق واضح المعالم، هو طريق (العلم).

وطالما أننا نتفق على أن العلم اليوم بات (صناعة)، تنهض بها مؤسسات مهمة متخصصة وراسخة، فإن الوعي بهذا الجانب، يستدعي تنبيهاً متواصلاً لذوي الشأن في مجتمعاتنا، حتى يفهموا أن العلم صناعة، وأن هذه الصناعة لا تتقنها سوى مؤسسات معنية بها مثل (الجامعات المعاصرة) و(الحوزات العلمية)، وهذه المؤسسات لكي تنجح في صناعة العلم، ينبغي أن تغادر السائد والمتعارَف والمكرور، إلى الحداثوي الجديد المتميّز بعصريته، ومعاصرته ومجاراته لعالم اليوم ومعالمه.

تقف حيال العلم عوائق كثيرة أخطرها وأشدّها (الجهل)، يقول الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن الجهل كما ورد في غرر الحكم: (لا فقر أشد من الجهل)، لذا يبقى الجاهل بصناعة العلم فقيراً، ويبقى الفقير في أسفل قائمة الاهتمام دائماً، ولن يغيّره أحد ما لم ينهض هو بنفسه لتغيير نفسه، ولكن تبقى الحاجة إلى صناعة العلم قائمة، وتبقى المؤسسات العلمية هي الأقدر والأقوى على التصدّي لهذه المهمة.

على أننا ـ لاسيما المسؤولون الذين يتصدّون لقيادة المجتمع ـ ينبغى أن نعطي قضية العلم اهتمامنا الأقصى، نظراً لدور العلم الأساسي في بناء المجتمع المتعلّم والدولة المدنية، التي تُحفَظ فيها الحقوق، وتؤدَّى فيها الواجبات، بصورة متوازنة وعادلة، لذلك يؤكّد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتاب (من عبق المرجعية) على: (إنّ قضية التوعية الفكرية وهداية المجتمع قضية مهمّة جدّاً).

المنظومة العلمية للمجتمع
يقول أحد الباحثين حول العلم: في القديم كثيراً ما كان الاختراع يقوم على الإلهام والعبقرية، ولكن اليوم أصبح الاختراع يقوم أكثر فأكثر على المعرفة والدراية، والمعرفة مادة العلم، والعلم ثمرة العلماء. ومن هنا، تأتي أهمية دور العلماء في بناء القاعدة العلمية والتكنولوجية التي يرتكز عليها المجتمع بغرض تحقيق الازدهار والرفاهية لأفراده، ونظراً لهذا الدور الخطير والحسّاس للعلم في المجتمعات، فقد جعله الله عزّ وجلّ قرين الإيمان في التفاضل بين الناس وعلوّ الدرجات، «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات» الآية 11 من سورة المجادلة.

ويتحدّث الاقتصاديون من جهتهم، عن «اقتصاد المعرفة»، مبيّنين ان العامل الأساسي في انتاج الثروة، في هذا النوع من الاقتصاد هو عقل الإنسان، وابتكاراته التكنولوجية التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. وتفيد الإحصائيات مثلاً بأن الأبحاث والابتكارات التكنولوجية، تساهم فيما بين 25 إلى 50% من نمو الدول الأوروبية. كما أن أكبر نسب توفير مناصب الشغل في الدول المتقدّمة، تتيحها الشركات الكبرى العاملة في ميدان التكنولوجيات المتقدّمة.

وهناك ثلاث ركائز تستند عليها المنظومة العلمية للمجتمع، هذه الركائز الثلاث تتمثل بـ(الإرادة, والتقدّم, والعلماء)، وهناك معرقلات كثيرة لتحطيم هذه المنظومة، يقف الجهل في المقدمة منها، والجهل يشمل جهل القائد السياسي، وجهل النخب كافّة، وجهل المجتمع بصورة عامة، الأمر الذي يبقي على صناعة العلم في قعر التخلّف والإهمال، وبالتالي ليس هناك سوى البقاء، في نهاية الركب، بعد أن كان المسلمون والعرب يتقدّمون الجميع، في العلوم وسواها.

يقول الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله حول أهمية صناعة العلم: (إن العلم في مقدمة العوامل التي تسبّب تقدّم الفرد، وبالتالي: تقدّم المجتمع، ومتى ما تواجد العلماء في مجتمع، والتفَّ ذلك المجتمع حول علمائه واحتفوا بهم، إلاّ وسجّل ذلك المجتمع لنفسه تقدّماً باهراً وزاهراً. من كتاب: طريق التقدّم).

لذلك ينبغي بناء المؤسسات العلمية الرصينة، وهذا الجهد ينبغي أن تتكفّل به الدولة، والجهات الحكومية المعنيّة تحديداً بالنهوض بالعلم، كذلك لابد من صناعة العلماء أيضاً، وثمّة سبل كثيرة لتحقيق هذا الهدف، لأن العالِم يُصنَع في اليوم، من خلال الدورات التطويرية والبعثات والزمالات وما شابه من الأمور، والضوابط التي تشترك في صناعة العلماء الأكفّاء المعاصرين، القادرين على مواكبة ما يستجد في العصر الراهن، من علم ومعلومات يرتكز عليها عالم اليوم في شقيّه النظري والعملي، كذلك ينبغي أن تتسم المؤسسات العلمية كالجامعات، بالحيوية والقدرة على مجاراة ما يحدث في الجامعات والمؤسسات العلمية التي تدير حركة الدول والمجتمعات المتقدّمة، من خلال تصدّي هذه الجامعات للحركة العلمية، وبالتالي إدارة حركة جميع المفاصل والحقول المؤثرة في إدارة الدولة، مثل الصناعة والاقتصاد والصحّة والتعليم والزراعة، وما إلى ذلك من جوانب تتعلّق بتطوّر البنى المجتمعية كافّة.

أما التقاعس وعدم التصدّي الحكومي أو الأهلي لهذه المهمة، أي مهمة صناعة العلم والعلماء، فإنها تعني بقاء الجهل متسيّداً للمجتمع والدولة، وبالتالي بقاء الفرد أقلّ وعياً، والمجتمع أقلّ علماً ومواكبة للعالم المعاصر.

لذا يؤكّد الإمام الشيرازي في هذا المجال على: (انَّ الجهل وعدم الوعي، وفقد العلم والعلماء، وقلّة ثقافة الحياة، من أهم أسباب تأخّر الفرد والمجتمع، ويؤدّي إلى تقهقر الأمم وسقوطها، بل إلى موتها وفنائها). ويرى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، أن الفرد يتحمّل مسؤولية تحصيل العلم والوعي أيضاً، ويحث الشباب على المبادرة في هذا الاتجاه، إذ يقول سماحته في هذا الصدد: (أيّها الشباب راجعوا التاريخ واقرأوه بتدبّر، ولا تكتفوا بالسماع والاستماع).

المؤسسات العلمية الحيوية
إن الحديث عن المؤسسات العلمية، يقودنا إلى أهمية نهوض جامعاتنا وحوزاتنا العلمية، ودورها في تطوير المجتمع، وجعله ذا آفاق متطوّرة ومواكبة لما يحدث من تسارع في التكنولوجيا والصناعات كافّة، والتطوّر الاقتصادي العالمي، فطالما أن القاعدة العلمية ضعيفة، فإن التطوّر التقني والصناعات الحديثة ستبقى متلكئة حتماً، والسبب كما هو واضح عدم قدرة المؤسسات العلمية، على مواكبة التطوّر العلمي التقني في العالم المعاصر.

أما الأسباب فهي في مجملها تتعلّق أولاً بالإهمال الحكومي لهذه المؤسسات، فضلاً عن الأسباب التي تتعلّق بالمؤسسات نفسها، وبالتالي فإن دورها ينحسر قطعاً، ويتحوّل إلى دور تقليدي لا يؤثّر ولا يُسهم في بناء قاعدة علمية راسخة، لها القدرة على محاورة ومجاورة ما يستجد في العالم التقني، من تطوّرات وتحديثات هائلة ومتسارعة.

وهناك سبب جوهري يتمثل بافتقاد جامعاتنا للعلماء الأكفّاء المتميّزين، كما أننا نحتاج أيضاً في حوزاتنا العلمية إلى رجال دين محدّثين حيويين، لديهم القدرة على مواكبة التطوّر الحاصل في جميع الميادين، لهذا من المهمات الأساسية لمؤسساتنا العلمية هي صناعة الأساتذة الأكفّاء، ورجال الدين الأكفّاء أيضاً، لأن العالم والأستاذ الضعيف لا يمكنه الإسهام في بناء مجتمع متطوّر، بل سوف يسيء للآخرين من خلال زج المعلومات الخاطئة في أذهانهم.

من هنا يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى محاضراته القيّمة: (على أهل العلم أن يبيّنوا للناس من هو العالم الصالح ؟؟).

وثمّة ركيزة أخرى تدعم العلم تتمثّل بالعمل، بمعنى أن العلم النظري يبقى في حيّز الكلام، ما لم يتحوّل إلى المجال العملي، ولذلك يعد العمل الركن المساعد للعلم، وهو العامل الأساسي الذي يثبت جدوى الجهود العلمية التي يبذلها العلماء.

لذلك يقول الإمام الشيرازي الراحل قدّس سرّه في هذا المجال: (إن العمل هو الركن الأساسي ـ بعد العلم ـ في تقدّم الفرد والمجتمع. بل يمكن أن يقال: إن العلم والعمل توأمان لا ينفصلان، ورضيعا لبان لا ينفك بعضهما عن البعض في تحقيق التقدّم وتقوّمه، فإنّ كل فرد وكذلك كل مجتمع يريد الرقي والتقدّم، لا بدّ له من توفير هذين العاملين معاً).

وهكذا بات من الواضح أننا نحتاج إلى جملة من الإجراءات العملية القوية والفعّالة، لتدعيم المؤسسات العلمية (جامعات وحوزات علمية وسواها)، وتأهيل الأساتذة والكادر التدريسي والأكاديمي، وتأهيل البنية التي تتعلّق بتعضيد العلم، لاسيما أننا نتمتع بماضٍ علمي متقدّم على سواه، كما تثبت الوثائق التاريخية في هذا المجال، فقد كان المسلمون والعرب في مقدّمة الركب العالمي، في العلم والأدب والصناعة والزراعة وسوى ذلك، لسبب بسيط أن الأمة كانت تعير هذا الجانب ما يستحقّه من الاهتمام والرعاية والتحصين.

لذلك يقول الإمام الشيرازي في هذا المجال: (سابقاً كانت الأمة الإسلامية مجدّة في تحصيل العلوم وتربية العلماء والاحتفاء بهم والأخذ عنهم، ولذلك تطوّرت الأمة حتى سبقت جميع الأمم في مختلف مجالات الحياة فأصبح المسلمون آباء العلم الحديث).

المصدر: مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام