LOGIN
المقالات
alshirazi.org
تطبيق الإصلاحات من منظور إسلامي
رمز 276
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 27 سبتمبر 2015
الإصلاح في المعنى الواضح له، هو عملية تصحيح لأخطاء في الجانبين الفكري والعملي، فقد تتعرّض الأفكار للفساد والإفساد، وهو أمر سينعكس حتماً على الواقع التطبيقي لتك الأفكار، لذلك عملية الإصلاح ينبغي أن تتضمّن خطوات فكرية وعملية، وعندما نتحدّث عن طبيعة الفساد في مؤسسات الدولة والحكومة، وأهمية إصلاحها، فإننا نحتاج بالفعل إلى إصلاح الأفكار التي تُعنى بتنظيم حياة المجتمع، ومن ثم علينا معالجة الواقع العملي لمؤسسات الدولة والحكومة ضمن إصلاحات عملية دقيقة.

هذا الأمر يعني أننا إزاء خطوات فكرية وعملية، أما الفكرية فهي تحتاج إلى مزيد من الوقت، والعملية أيضاً، على الرغم من أنه بالإمكان اتّخاذ خطوات عملية قد تبدو سريعة، ولكنها ينبغي أن تكون فعّالة ومدروسة، حتى تصبّ في المسار الصحيح للتغيير، وهذا يستدعي إجراءات وخطوات متدرّجة، حتى لا يكون الإصلاح عشوائياً، أو ذا طبيعة قشرية سطحية متسرّعة، فالإصلاح يعني التصحيح، وينبغي للأخير أن يكون جذرياً وليس شكلياً.

إنّ توفير الحياة الكريمة هي لبّ الإصلاح، وأن الأفكار السليمة تصنع القيم الصحيحة، والأخيرة تقصي الفساد وتقضي عليه، لذلك ينبغي توفير مقوّمات الحياة الكريمة، من عمل وتعليم وصحّة، وتكافؤ فرص ضمن إطار العدالة الاجتماعية، على أن يتم ذلك بصورة متدرّجة، مدروسة وقابلة للتطبيق، حتى تعطي ثمارها بصورة مضمونة.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حول هذا الجانب في الكتاب الموسوم (من عبق المرجعية): (الإسلام لا يفاجئ الأمة بإصلاحاته، وإنما يتدرّج معهم في تطبيق الإصلاحات، فأولاً يهيئ للناس ما يناسبهم من أعمال، ثم يدرّ عليهم من خزينة الدولة ما يساعدهم في شؤونهم، حتى يتم لهم العمل الذي يريدون مزاولته).

وتسهم منظومة الأفكار وزيادة الوعي ونشر الثقافة، في محاصرة آليات الفساد ومن يقف وراءها، لذلك كان الإسلام ولا يزال يسعى لنشر الوعي بين الجميع، مع محاربة متواصلة لوسائل وسبل وأدوات نشر الفساد والمغريات بين أوساط الشباب، والشرائح الأخرى للمجتمع، مع تعميم الثقافة الإنسانية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن الإسلام (يشجّع كل ما يؤدّي لنشر الوعي بين الناس ويعمّم الثقافة الإنسانية والمغريات في هذه الوسفي الأمة، ويحرّم المفاسد ائل).

النظام الإسلامي العادل
إنّ الإصلاح شأنه شأن الاستثمار الصحيح للطاقات الفكرية والعملية، أو الثروات الطبيعية وما شابه، لابد أن يكون الاستثمار سليماًَ حتى يعطي نتائج مفيدة ومثمرة، بمعنى لا يمكن أن يمنحنا الإصلاح نتائج جيدة، ما لم تكون بيئة الإصلاح نفسها سليمة، لذلك لابدّ من توافر النظام الإسلامي العادل، الذي يسهم بصورة فعّالة بتحقيق الإصلاح من خلال القيام بعمليات البناء كافّة، سواء في مجال الإعمار أو الزراعة والصناعة وما شابه.

إن مواصلة البناء والاستثمار الصحيح في أجواء عمل نقية، تعني بالنتيجة تراكم الثروة، وهذا يساعد على توفير فرص أكثر عدالة لأبناء الأمة والمجتمع كافّة، ومع تصاعد وتيرة العمل والتصحيح، يتصاعد الإنتاج، وتزداد موارد الدولة، وتزدهر الصناعة والزراعة والتجارة، وتتوافر بيئة أكبر للقضاء على الفساد ونشر الإصلاح.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (تزدهر الإصلاحات، بجميع أبعادها وجوانبها، في ظل النظام الإسلامي العادل، فتُعمر الديار، وتُبنى الدور، وتزرع الأرض، وتتقدّم الصناعة، وتتوسّع التجارة، وتتراكم الثروة).

وهذه الأجواء السليمة تنعكس على حياة المجتمع، حتى السياسية منها، فيكون هناك تطوّر في طبيعة النظام السياسي أيضاً، لذلك يؤكّد الإسلام على أهمية أن يكون النظام السياسي حاصلاً على الشرعية من الشعب، عبر آليات الانتخاب وما شابه، فالنظام الشرعي لا يقبل بالفساد، ولا يسمح بتوفير حواضن تحتضن الفساد وتسمح للمفسدين بالعبث بمؤسسات الدولة أو ثروات الشعب.

من هناك نجد ترابطاً وثيقاً بين نوعية النظام السياسي وبين الفساد، وقد أثبتت التجارب ان النظام القمعي يشجّع على الفساد ويرعاه، كذلك النظام الديمقراطي (المزيّف) أيضاً يكون راعياً للفساد ويشجّع عليه، فقط النظام الشعبي الذي يأخذ شرعيته من الأمة بآليات الاقتراع الدستورية، نجده ساعياً إلى الإصلاح، ويعمل عليه بصورة متدرّجة، ويرعى مصالح الجميع بصورة عادلة ومتساوية.

هذا بالضبط ما يدعو له الإسلام، وينبغي أن يسعى لتحقيقه النظام السياسي، خلاف ذلك لا يمكن أن نسد الثغرات والنوافذ أمام تسلّل الفساد وأصحابه ورعاته، وهذا يتحقّق عندما يشارك الشعب في صنع الحكومة، وليس العكس، فهل هناك حكومات تصنع شعوباً؟، نعم هناك أنظمة قمعية تدّعي أنها صانعة للشعوب، أما الحقيقة فهي عكس ذلك تماماً، وعندما يشترك الشعب في منح الشرعية للحكومة، فهذا هو الهدف الأسمى سياسياً، كونه الطريق إلى القضاء على الفساد ومنعه من التواجد أصلاً في المؤسسات الحكومية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (الحكومة في الإسلام شعبية بالمعنى الصحيح للكلمة، فماذا يريد الناس غير المشاركة في الرأي، وغير الغنى، والعلم، والحريّة، والأمن، والصحّة، والفضيلة، مما يوفّرها الإسلام خير توفير؟).

محاربة الفقر بالإصلاح
في المجتمع الذي يخلو من الظلم، لا حاجة لمكافحة الفساد، كونه غير موجود أصلاً، ولكن هذا لا يعني التكاسل أو غضّ الطرف عن الأمور الخاطئة في إدارة الدولة، حتى لو كانت بسيطة أو صغيرة، أو تبدو وكأنها غير مهمة، فتثبيت الإصلاحات يعدّ ركناً أساسياً في بناء الدولة، حيث يساعد على الاستقرار والقضاء على أسباب الظلم والعوامل المساعدة عليه.

ليس هذا فحسب، فالإصلاح يساعد الحكومة والشعب على تحقيق نتائج كبيرة لصالح البناء الصحيح للدولة والمجتمع، حيث تضمحل حالات الظلم، وتغيب الأفكار المتطرّفة، وينكفئ الإرهاب بعيداً، ويبتعد الفقر، وتقلّ فرص القمع بل يختفي التعذيب والتكميم تماماً، تحت مظلّة الإصلاح التي تخيّم على المجتمع الوعي، والنظام الإسلامي العادل.

لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: مع الإصلاحات (يستقرّ الناس في جوٍّ لا ظلم فيه ولا جور، ولا عنف ولا إرهاب، ولا قيود ولا أغلال، ولا سجن ولا تعذيب، ولا مشاكل ولا فقر).

كذلك يساعد الإصلاح، على تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، أي لا توجد طبقية في المجتمعات التي تطبّق الإصلاحات بصورة صحيحة، وهذا ما يدعو له الإسلام بصورة دائماً، وبطريقة جذرية وليست شكلية، إذ لا يمكن أن يسود الفقر مع الإصلاح، لذا من أجل تحقيق هذا الهدف المهم، ليس أمام المسلمين سوى الالتزام التام بمبدأ الإصلاح الجاد.

وكما ذكرنا، لا يعني الإصلاح أقوالاً تُقال للناس من أجل الاستهلاك الإعلامي، ولا هي حبر على ورق سرعان ما تجفّ مع جفاف الحبر، بل على العكس من ذلك تماماً، لأن الإصلاح هدف أساسي ينبغي التمسّك فيه لجعل حياة الناس أفضل، وهذا هو بالضبط الهدف الذي عملت على تحقيقه، حكومة الإمام علي عليه السلام إبّان قيادته لدولة المسلمين، من هنا ينبغي على النظام الإسلامي أن يقضى على الفقر تماماً باستثمار الإصلاح بصورة سليمة.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (في البلد الإسلامي الملتزم بالإصلاح الصحيح، يلزم أن لا يوجد حتى فقير واحد، فالضمان الاجتماعي في الإسلام يحتّم على الحاكم الإسلامي أن يزيل الفقر نهائياً).