LOGIN
المقالات
alshirazi.org
ارتفاع معدلات العنف ومخاطر انهيار السلم العالمي
رمز 163
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 3 نوفمبر 2013
علي حسين
ثمّة هاجس يعيشه العالم أجمع، ويخشى عواقبه الجميع حتى أولئك الناس البسطاء، يتمثّل هذا الهاجس بإمكانية نشوب حروب كبرى جديدة، تؤدّي إلى انهيار تام للسلم في عموم العالم، حيث تشير كثير من الدلائل، إلى احتدام حالات الصراع، وتضارب المصالح، بين الدول التي توصف بـالعظمى والتابعة لها، وتنطلق هذه الدول من حسابات دقيقة ذات أبعاد أنانية (ضيّقة)، تركّز قبل كل شيء، على حماية المصالح القومية لتلك الدول، بغض النظر عن النتائج والعواقب الوخيمة التي تتمخض عن تلك النزعة الذاتية البحتة.

إنّ ظاهرة العنف والاحتراب باتت تهدّد السلم العالمي، إذ تتصاعد الاعتداءات على الأبرياء، ويتفنّن المعتدون بطرق القتل، وبدلاً من ابتكار السبل التي ترتقي بالحياة، هؤلاء يبتكرون طرقاً جديدة للموت، وقد أشارت إحصائيات موثوقة إلى قتل آلاف العراقيين الأبرياء في سرادق العزاء أو مدارس الأطفال أو الأسواق العامة! فقد ذكرت إحدى المنظّمات المعنية بجمع إحصائيات ضحايا أعمال العنف في العراق إن نحو 112 ألف مدني على الأقل قتلوا في البلاد منذ دخول القوات الأميركية لإسقاط نظام صدام قبل 10 أعوام. وأشارت المنظّمة إلى أن معدّلات العنف لا تزال مرتفعة في البلاد، إذ يقتل كل عام بين أربعة وخمسة آلاف شخص، أما في سوريا فقد أخذت وتيرة العنف تتزايد بصورة لافتة، كذلك الحال في مصر التي تفقد في كل يوم عشرات الضحايا بسبب أعمال العنف السياسي والطائفي.

لهذا دأب مفكّرون في مختلف دول العالم، على القيام بمحاولات حثيثة، وبذلوا جهوداً كبيرة متواصلة، لتشخيص العوامل والدوافع التي تهدّد السلم العالمي، واجتهد مصلحون كبار، في وضع الرؤى الكفيلة بتحييد نزعات الشر، وتجفيف بؤر الاحتقان، والتمهيد لخلق حالة من التوازن تحكم مصالح الدول الكبرى، ولكن تبقى إرادة الصراع، واحتدام المصالح وتضاربها، تتفوق دائماً على ما يتم طرحه من حلول وبدائل، والسبب يكمن دائماً في عدم استعداد الدول الكبرى للتنازل عن بعض أهدافها، وغالباً ما تعلن ان مصالحها الجوهرية (أو القومية) غير قابلة للنقاش!، وهي تسعى فعلاً في هذا الاتجاه بصورة سرية تارة ومعلنة تارة أخرى، والنتيجة الأكيدة لمثل هذا التضارب والصراع الحادّ، هو نشر حالة من الخوف والقلق والاحتقان الذي يهدّد الإنسانية بنشوب حرب لا تبقي ولا تذر، حرب كونية قد تكون الأسلحة المستخدمة فيها غير تقليدية، الأمر الذي يهدّد بانهيار شامل للسلم العالمي.

الجريمة والعنف وتراجع السلم!!
تؤكّد دلائل كثيرة على أن الأسباب التي تقف وراء العنف في الشرق الأوسط، والعالم عموماً عديدة ومصادرها كثيرة لكنها ليست خفية أو غامضة، وباتت تشكّل خطراً داهماً على الاستقرار العالمي، الأمر الذي دفع بدول كثيرة، حتى تلك التي تنطوي على نزعة شر، أو تسهم بطريقة وأخرى بتغذية العنف، إلى الدعوة لإقامة مؤتمرات وفعاليات تدعم السلام وتناهض الحرب، ومن الواضح أن مثل هذه الدعوات حتى لو كانت شكلية أو ذات دافع صوري، إلاّ انها تدلّ على حالة القلق العالمي من تزايد بؤر العنف في العالم!!. ولذلك باتت الأسباب التي تغذّي العنف واضحة، وهي تتمثّل في حالات استخدام القوة المعتدية من لدنّ القوى الكبرى.

لهذا يصف سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، العنف بأنه: (استخدام القوة المعتدية). إنّ هذه التوصيف على الرغم من تلخيصه لتعريف القوة والعنف، يعطينا رؤية واضحة عن العنف، ويضع جانباً من الأجوبة المطلوبة بين أيدي الباحثين عن الأسباب التي تقف وراء التوتر العالمي المتصاعد، لاسيما في دول الشرق الأوسط.

وإذا كان العنف عبارة عن استخدام مفرط للقوّة، فإن الحقائق تؤكّد ان الدول القادرة على استخدام القوة لا تتردد في ذلك، لاسيما عندما يتعلّق الأمر بحماية المصالح القومية (كما تدّعي)، لذلك هناك مسوغات لتصاعد العنف العالمي، بمعنى أن العنف لا ينمو أو يتحرّك من دون سبب، بل هناك استخدام خاطئ للقوة، تلجأ إليه دول قوية ضد أخرى ضعيفة، وقد لا ينحصر شكل العدوان بالوسائل العسكرية، أو الاعتداء العسكري التقليدي، بل هناك عدوانات تتخذ أشكالاً كثيرة، منها الاقتصادية، أو التدخّل في الشؤون الداخلية، أو زعزعة الأمن الداخلي، من خلال إثارة البلبلة والقلاقل في الدول الضعيفة وهكذا يتم استعمار واستغلال الدول والشعوب الصغيرة والضعيفة من لدن الدول ذات المصالح الكبرى.

يضاف إلى ذلك ضعف الوعي السياسي والاقتصادي، فضلاً عن العسكري للدول الصغيرة، التي تمتلك ثروات هائلة، فهذه الدول على الرغم من الغنى الذي تتمتع به، بسبب ثرواتها المعدنية لاسيما النفطية، إلاّ انها في الغالب تفشل في إدارة ثرواتها، وتجعلها نهباً للفساد الداخلي، إضافة إلى تبعيتها للشركات أو للدول الكبرى التي تأخذ منها الكثير، ولا تترك لها سوى الفتات دائماً، من خلال إثارتها للعنف في هذه الدول الضعيفة أصلاً.

من هنا فإنّ الحدّ من العنف والذهاب نحو الاستقرار، يستدعي مكافحة معرقلات الأمن على الصعيدين الخارجي والداخلي، ومنها مكافحة الجريمة والحد من أضرارها الفادحة، وهنا يشرح لنا سماحة المرجع الشيرازي الرؤية الإسلامية للأمن فيقول: (يرى الإسلام وجوب استتباب الأمن، في الداخل، وفي الخارج، ففي الداخل ينفي الجريمة، وفي الخارج لا يتعدّى على أحد).

ولكن لو ألقينا نظرة على معدلات الجريمة في العالم، فإننا سنصاب بالدهشة حتماً لكثرتها، كمّاً ونوعاً، ويساعد تعدّد وتنوّع أسباب الجريمة أيضاً، على مضاعفتها، وهي بالتالي أسباب تشترك في خلخلة الأمن العالمي.

أما أسباب الجريمة فهي كثيرة، إذ يرى أحد المفكّرين الباحثين في ظاهرة الجريمة وتراجع السلم العالمي بأن (الجريمة ظاهرة اجتماعية قديمة ومستمرة لازمت الإنسان منذ بدء الخليقة، وما زالت تلازمه بأشكال وصور شتى. وستبقى ما دام في النفس البشرية طمع وميل وهوى وقدر من الفجور، وما دام هناك شيطان يوسوس للنفس الأمّارة بالسوء ويشجّعها أو يغريها على اقتراف الإثم؛ فإنّ الجريمة تبقى قائمة).

وقد شخّصَ سماحة المرجع الشيرازي أسباب الجريمة بقوله أن الإسلام: (ينفي الجريمة من جذورها، ويعالج أسبابها، فإنّ أسباب الجريمة هي: الفقر، والمغريات، والجهل, والعداء، والمشاكل، وما أشبه ذلك، والإسلام يعالجها حتى ينفيها، فإذا انتفت اختفت الجريمة تلقائياً).

معالجات الانهيار الأمني
يتفق المراقبون والمعنيون بالشأن الأمني على المستوى العالمي، أن هناك دلائل تشير إلى زعزعة الأمن في بقع كثيرة من العالم، ولعل أشدّها خطورة، ما يحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط، فهذه المنطقة التي تضم في باطنها ثروات طبيعية هائلة، تتعلّق بالطاقة النفطية وسواها، تجعل منها ساحة صراعات متواصلة، تتصارع فيها إرادات الدول الكبرى التي تتكالب عليها، بحجّة معروفة وغالباً ما تكون معلنة وهي (حماية المصالح القومية)، بغض النظر عن مصالح الآخرين والتجاوز على ثرواتهم!

لذلك غالباً ما يلاحظ المراقبون، أن طبيعة السياسة التي تنتهجها الدول الكبرى حيال الدول ذات الثروات الطبيعية الهائلة، تقوم على زرع الفتن والصراعات والاحتراب الطائفي والعرقي والديني، والهدف من ذلك هو إضعاف النسيج المجتمعي لتلك المجتمعات الضعيفة أصلاً، والسيطرة على الإرادة السياسية لتلك الدول، ونشر روح التطرّف فيما بينها، لكي تنشغل تلك الشعوب بالاحتراب، وينفتح الطريق واسعاً للدول الكبرى، فتنقض على مصالحها بقوة.

أما الضعف الذي ينتاب المجتمعات الصغيرة، وانتشار الجريمة، والموت المجاني، فهو السبيل الأسهل والأقصر للدول الكبرى نحو أهدافها، من هنا دعا الإسلام بقوّة إلى مكافحة الفتن والجرائم بأنواعها، وطالب باجتثاث العوامل التي تؤجّج الحروب والاقتتال، بل على العكس من ذلك لابد من إيجاد منظومة وعي، تعمل على تثقيف المجتمع، وتحدّ من حالات الصراع بين مكوّناته، ومن ثم تعضيد الإرادة السياسية والسعي الدائم لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، والاكتفاء الذاتي الذي طالما أشار الخبراء الاقتصاديون إلى أهميته في تحقيق حصانة قوية للدولة والمجتمع من الانتهاك الذي قد تتعرّض له الثروات الطبيعة بطرق شتى، وأساليب لا تخلو من الخبث، طالما تلجأ إليها الدول الكبرى من خلال شركاتها الضخمة، وإذا عجزت عن طرق الاحتيال وإثارة الحروب بالوكالة، لا تتردد من غزو الدول الضعيفة بالقوة أو ما يسمى بالاحتلال العسكري المباشر.

إنّ معالجة الانهيار الأمني العالمي الذي يلوح في الأفق، يستدعي جهوداً دولية تقودها المنظّمات الأممية المستقلّة عن إرادة القوى الكبرى، فضلاً عن تعزيز التعاون بين دول العالم المستهدّفة، إذ لابد من تحقيق صيغة قوية لتعميق الروابط بين الدول التي تجد نفسها محاصرة من لدن الدول الطامعة، وكذلك لابد من العمل الجماعي لمكافحة بؤر الاحتقان العالمي، والابتعاد عن السلوك المتشنج والأفكار المتطرّفة، وتحصين الرؤى الإنسانية من الزلل.

إنّ الجهد المطلوب للحدّ من مخاطر انهيار السلم العالمي، لا يمكن أن يتم من خلال محاولات فردية أو إقليمية، أو سياسات ارتجالية تخلو من التخطيط، والاتفاق الجمعي على مستوى دول العالم كافّة، بل لابدّ من فضح الجهات والمخطّطات التي تستهدف السلم العالمي، والعمل على ترصين روح السلام، الذي لا يمكن أن يتحقّق من دون العمل الدولي الجماعي لمكافحة أسباب الانهيار التي قد تطيح باستقرار العالم أجمع.

من هنا كانت ولا زالت رؤية الإسلام للسلم، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائمة (على نشر الأمن والأمان والسلم والسلام في العالم، والسعي في إطفاء نار الحرب، وإخماد لهيبها، وانتزاع فتيلها من بين الناس، باجتثاث العوامل الداعية للحرب، وزرع العوامل المشجّعة على المحبّة والوئام).
مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام