LOGIN
المقالات
alshirazi.org
التعامل باللّين منهج حياة
رمز 176
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 23 يناير 2014
شبكة النبأ: اللّين منهج حياة، اتّخذ منه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، أسلوباً أخلاقياً وعملياً في إدارة الدولة، وفي التعامل مع المقرّبين والأعداء على حدّ سواء، وقد أثبت هذا المنهج سلامته، وقدرته على البناء، وإمكانية كسب الجميع بما في ذلك الأفراد والجماعات المعادية، إنه منهج التوازن والعقل الراجح، وهو منهج إنساني عظيم، يتّسم بالرفعة والسموّ ونبذ الصغائر والعلوّ بكرامة الإنسان، لذلك فإنّ الجميع معنيون بهذا المنهج، بدءاً من أبسط الناس وأقلّهم مسؤولية، وصولاً إلى أكبر الناس كرئيس الدولة والوزير والمدير العام وغيره، والجميع أيضاً معنيون بتطبيق منهج اللين في مفاصل الحياة كافّة، العائلية والاجتماعية والعملية والسياسية وسواها، لكي نضمن نوعاً من الاستقرار المجتمعي والسياسي، يسهمان في تطوّر وتقدّم الدولة والمجتمع.

لهذا جاء في كلمة لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، خلال درسه في الفقه ـ بحث الخارج ـ كتاب الحجّ، قائلاً في هذا المجال: (لنحاول ونصمّم على أن نكون الأشبه برسول الله صلى الله عليه وآله، في وسط من نعيش معهم، مع العائلة، والزملاء، والأقارب، والمعارف. وكذلك على الحاكم والوزير والمحافظ ومرجع التقليد وأستاذ الجامعة وأستاذ الحوزة، أن يصمّموا على ذلك أيضاً).

لا للترهيب والخوف
يعتبر الخوف من الأمراض التي تؤثّر على الإنسان، وقد ينتج عنه الكثير من المشاكل التي تؤثّر على سلوكياته، وتضعف من قدرته على التعامل مع الواقع بشكل سليم وطبيعي، ولهذا الشعور انعكاسات على شخصية الإنسان أيضاً، وقد لا يتمكّن من تأدية التزاماته تجاه المجتمع، وهكذا يمكن أن تكون الرهبة غير المبرّرة، أو أسلوب الترهيب في التعامل بين الآخرين، سبباً في تراجع قدرات الإنسان، فينعكس ذلك على المجتمع عموماً، لهذا يدعو المصلحون دائماً إلى أهمية تجنّب الخوف والترهيب غير المبرّر، بمعنى هناك خوف يجب أن يعرفه ويعيشه الإنسان حتى يتجنّب الخطر، ولكن الخوف الذي ينتج عن التعامل بين الناس، مثلاً بين السلطة والفرد أو الشعب، هو خوف غير مقبول وهو مرفوض تماماً، كونه يشلّ حياة الفرد والمجتمع معاً.

لذلك اتّخذ الرسول محمد صلى الله عليه وآله، من اللين طريقاً وأسلوباً للتعامل مع الأفراد والجماعات، ومنهجاً لقيادة الدولة، فكانت النتائج باهرة على مستوى الواقع، حيث أثمرت هذه السياسة عن تنامي كبير لقدرات الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي الذي ازداد تماسكاً وتطوّرت قدراته على المستويات كافّة، بفضل منهج اللين الذي انتهجته حكومة الدولة مع الجميع، لذا نحن جميعاً مطالبين بانتهاج اللين في إدارة حياتنا اليومية، والمرحلية والاستراتيجية أيضاً، فيما يتعلّق بسياسة الدولة.

في هذا المجال يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي بكلمته: (علينا أن نسعى إلى أن نكون أكثر ليناً من أصحاب اللين الذين حولنا. وأن نكون بشكل لا يوجب خوف الطرف المقابل وخشيته منّا. والشخص الألين كنفاً، يعني الذي لا يخافه الناس ولا يهابونه ولا يخافون ولا يخشون ما يصدر منه من تعامل وقول وعمل. واللين له مراتب، ولعلّها بالآلاف، ولكن الأشبه برسول الله صلى الله عليه وآله، هو الأكثر ليناً ـ مرتبة ـ من سائر الناس). ويضيف سماحته أيضاً: (لنتعلّم من النبيّ صلى الله عليه وآله، كل حسب مقامه ومستواه ومكانته، من فضائل أخلاقية. وخطابي هذا هو للمسلمين جميعاً، وللمستضعفين جميعاً، وللضعفاء جميعاً، ولأهل الدنيا كافّة. فهذه الفضائل تصلحنا نحن أولاً، وتصلح المجتمع ثانياً).

التعامل مع الأدنى!
هناك طرق كثيرة للتعامل مع الأدنى، أكثرها ظلماً أسلوب الترهيب، وأفضلها أسلوب اللين، وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي: (نحن وأنتم كيف نتعامل مع من هم تحت أيدينا ومن هم أدنى منّا؟ كيف يتعامل الحكّام مع من تحت أيديهم؟ كيف يتعامل الآباء والأمهات مع عوائلهم؟، وكيف تتعامل الزوجة مع زوجها؟، وكيف يتعامل الزوج مع زوجته؟).

وهذه أسئلة تثير إشكالات مهمّة في قضية التعامل مع الأدنى، إذ ربما نغفل منهج اللين في تعاملنا مع الأدنى، فتكون العواقب وخيمة على المجتمع، لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على أن التأسّي برسولنا الكريم صلى الله عليه وآله، سيجعل من اللّين منهجاً لنا، وهذا ما سيرتفع بنا إلى مراتب عليا من الاستقرار والتطوّر والسلم المجتمعي. ويقول سماحته: (إنّ دفع الإساءة بالحسنى والأحسن معناها عند أغلب الناس، انها توجب صلاح الناس وصلاح من يسمع بهذا التعامل).

وقد دعا سماحته إلى أهمية الفضائل، كونها السبيل إلى اتّخاذ المواقف السليمة من الجميع، حيث يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في درسه المذكور نفسه، على: (إنّ نفوس البشر، حتى الذين نفوسهم خبيثة، تهزّها الفضائل، والتعامل الحسن يحوّلها ويغيّرها، إلاّ ما ندر).

ولذلك ثمّة تعاضد بين القيم الإيجابية، حيث اللين والفضيلة والأخلاق الكريمة تتّحد جميعها، فتصنع مجتمعاً راقياً وخالياً من أيّة مشكلات عصيّة على الحلّ، إذ ينبّه سماحة المرجع الشيرازي إلى أهمية الأخلاق واللين قائلاً: (إذا بنيت الدنيا على الأخلاق فستقلّ فيها الكثير من المشاكل، ولا أقول تزول لأن الدنيا محفوفة بالمشاكل. وإذا صار العفو ولين الكنف هو المبنى في العائلة وفي العشيرة وفي الأقارب، فسيقلّ فيهم الأشخاص المذنبون والمجرمون والقاتلون والعاصون).

وهكذا يسهم منهج اللين في ارتقاء الجميع، فتكون النتيجة لصالح الدولة والمجتمع، لاسيما إذا كان القائد نموذجاً في التواضع، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي: (عن فضيلة اللين عند النبيّ صلى الله عليه وآله، نقلوا، وحتى الكفّار نقلوا أيضاً، انه صلى الله عليه وآله، كان يجلس بين أصحابه كواحد منهم، بحيث عندما كان يأتي الغريب الذي لم ير النبيّ صلى الله عليه وآله أبداً، كان يقول: أيّكم محمّد؟! فالنبيّ صلى الله عليه وآله لم يك متميّزاً عليهم ظاهرياً، لا في الملبس، ولا في مكان جلوسه، ولا في غير ذلك).

وأخيراً يؤكّد سماحته على أن: (الحكومة الفاضلة يعني التعامل باللين حتى مع الأعداء والمعارضين).