شبكة النبأ: المصلحون غالباً ما يبحثون في أكثر من محور فكري أو إرشادي، من أجل أن تعم الفائدة نسبة كبيرة من الناس، ممن يبحثون عن الرشد ويحتاجون إليه، وهذا هو دأب سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، إذ لم يترك مجالاً من مجالات الحياة إلاّ وتحدّث عنه وسبر أغواره وخاض في أعماقه، من أجل أن تكون الأمور التي تهم حياة الناس قريبة من وعيهم وواضحة لهم، لكي يتجنّبوا ما هو مؤذي لهم، ويتمسّكوا بما هو مفيد لهم، ويساعدهم على تطوير حياتهم في الفكر والعمل.
حينما يكتمل عقل الإنسان
إكتمال العقل، مرتبة يسعى إليها الإنسان الجاد الواعي الناجح في حياته ومساعيه المختلفة، لأن الوصول إلى هذه المرتبة تعني نتائج نجاح مؤكدة، وهو ما يهدف إليه الإنسان بطبيعته وسجاياه، واكتمال العقل يعني أول ما يعنيه، حضور الحكمة، والذكاء، والتأنّي في اتخاذ القرار، وحضور الحلم، وتجاوز الغضب، وطرد التعصّب، وإشاعة أجواء السلام والاطمئنان، لأن العقل في أصله، يهدف إلى حماية الإنسان من الوقوع في الزلل بشتى درجاته، لذا في حالة اكتمال العقل ستنتفي حالات الظلم والقسوة والتفريق والكيل بمكيالين، والأهم من هذا كله، سيحبّ الإنسان العاقل أو مكتمل العقل (لأخيه ما يحبّه لنفسه) وهنا تتحقق أعلى مراتب الإنسانية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتاب (من عبق المرجعية) حول هذا الجانب: (إذا كمل عقل الإنسان، لم يركض خلف أهوائه، فهل سيكون ثمة ظلم أو فقر أو بؤس؟ كلا بالطبع).
ولا يتعلق اكتمال العقل بفرد دون غيره، لاسيما الإنسان المسؤول عن إدارة شؤون غيره، مثل أصحاب المناصب الكبيرة، إذ كلما كان الإنسان ذا وظيفة كبيرة في الدولة، كلما تصاعدت مسؤوليته، لأن قراره على درجة أعلى من الأهمية كونه يتعلّق بعدد كبير من الناس، على العكس ممن لا يتسنم وظيفة عالية، حيث يكون قراره أو كلامه أو سلوكه محدود الضرر لأنه لا يصل ولا يتعلّق بكثرة من الناس، لذا على الموظّف الكبير، أن يحسب لقراره أو خطوته الإدارية أو سواها، ألف حساب، لأنها إما تضرّ أو تفيد الآخرين.
لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أمر غاية في الأهمية حينما يقول سماحته في الكتاب المذكور نفسه: (الوظيفة شيء والرغبة شيء آخر، ويحسن الفصل بينهما جيّداً).
وسوف نتفق على أن الإنسان الذي تهمّه حياة الآخرين، سيخشى الله كثيراً، وسوف لا يقدم على خطوة أو قرار يؤذي الناس، ويحسب لهذا الأمر جيّداًَ، وهو ما ينبغي أن يتحلّى به الموظّفون الكبار الذي ينخرطون في الحكومات، وحينما يكون المسؤولون ذوي عقول مكتملة تخاف الله فإنها تبتعد عن الخطأ والحرام ما أمكنها ذلك، أما العكس فهذا يعني ان المسؤول لا يهتم إلاّ برغبات نفسه وتحقيق ذاته حتى لو حدث الأمر على حساب وحقوق الآخرين.
هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (الذي يتّخذ هواه إلهاً، فإنه تهمّه ذاته قبل كل شيء، ولا يكترث إن عصى الله في هذا السبيل، فالمهم عنده توفير ذاته وتلبية رغباتها وتحقيق احترامها!).
الغشاشون قد ينجحون ولكن!
إن من لم يكتمل عقله ولا يسعى لتحقيق هذا الهدف، سيكون عرضة للوقوع في الخطأ، ومنها الغش، وهي حالة رفضها الإسلام والعرف والأخلاق، إذ ورد في الحديث النبوي الشريف (من غشّنا ليس منّا)، لذا يمكن للإنسان الموظّف وسواه أن يغش، ويمكن أن ينجح في غشه للآخرين، ولكن النتائج لن تكون في صالحه، لأن هناك من لا يعبر عليه الغش أبداً، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (قد ننجح في غشّ من لا يعرف نوايانا، وما يدور في أذهاننا، ولكن هيهات أن نغش الله).
لهذا ينبغي السعي إلى اكتمال العقل، لأنه الطريق إلى تجنّب الوقوع في الزلل، وبالتالي تجنّب الخطأ بحق الناس، ثم الوصول إلى مرضاة الله، وهو أمر يحلم به كل إنسان سويّ، وحينما يصل الإنسان إلى هدفه الذي يسعى إليه سيكون فرحاً وراضياً على نفسه، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي حينما يقول سماحته: (من يبلغ الهدف الذي كان يسعى إليه، يحصل على لذّة).
هكذا علينا أن نتعلّم كيف نحقّق أهدافنا التي لا تضرّ الناس، بل تُسهم في مساعدتهم، وتلبية احتياجاتهم الفكرية والمادية، لأن خدمة الناس تكمن فيها أعلى درجات السعادة، فضلاً عن الاحترام الكبير الذي يكنّه الآخرون لمن يساعدهم ويقف إلى جانبهم، سواءً كان مسؤولاً أو حتى في العلاقات الاجتماعية وسواها، لذا علينا أن نستفيد من تجارب غيرنا في هذا المجال، وهي تجارب كثيرة جدّاً، قد لا ننتبه إليها ولا نستفيد منها، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: (ما أكثر القصص! وما أكثر العبر، لكن المهم أن نعتبر ولو بقصة واحدة).
الإنسان يتعجّل النتائج
هناك خلل يلازم الإنسان منذ بواكير حياته، فهو يتعجّل النتائج، ويريد أن يحصد ثمار ما زرعه قبل الأوان دائماً، لكن هذا لا يمكن لأنه لا يتسق مع طبيعة الأشياء، لذا ينبغي التدرّج والتدريب والصبر والتعلّم وبذل الجهد الكافي للوصول إلى نتائج أفضل، كما يؤكد على ذلك سماحة المرجع الشيرازي حينما يقول سماحته: (إن الاعتماد على الأستاذ، والحصول من خبرته وإرشاداته، والكتب التي يرشّحها، والتدرّب لدية، يعني الوصول إلى الهدف بصورة أفضل وأسرع).
ولكن نتيجة لتسرّع الإنسان في قطف النتائج، تحدث الأخطاء غالباً، فتكون النتائج على غير ما يرام بسبب التعجّل وقلّة الصبر، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على ان: (الإنسان بطبعه يتعجّل النتائج).
لهذا ينبغي أن يكون الصبر وطلب المعرفة والعلم بانتهاج السبل الصحيحة، وهي هدف الإنسان الذي يبحث عن النجاح، على أن يكون النقاش مثمراً وجادّاً، في تنمية القوة العلمية للعقل، ولن يحدث هذا دونما سعي وصبر وإصرار على تحقيق النتائج المثلى، وهو أمر يعني جميع الناجحين، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه: (النقاش المثمر طريق تنمية القوة العلمية).