LOGIN
المقالات
alshirazi.org
"في ذكرى الشهيد الشيرازي: "
إرادة ما زالت تواجه التحدّيات
رمز 57
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 9 مايو 2012
كان قدّس سرّه الشريف يرى أن الصراع أمر محتوم على الإنسان، سواء أكان صراع الإنسان مع نفسه أو صراعه مع قوى الشرّ والظلام، وأن لابد للإنسان أن يكتوي بلهيب هذا الصراع حتى يظهر معدنه، فإما أن يحترق بناره فلا يكون أكثر من وقود ابتداءً ومآلاً. وإما أن يكون حرّاً في الدنيا سعيداً في الآخرة، ولن يكون الإنسان سعيداً في أخراه إلاّ إذا كان حرّاً في دنياه، ولن يكون حرّاً في دنياه إلاّ إذا أدرك حقيقة إقرار النبي بما حكم به العقل وإقرار العقل بما حكم به النبي. يقول قدس سره الشريف: أن (الإنسان لم يُخلق في هذا الكون للراحة، وغداً سوف نموت ونخلد إلى الراحة الأبدية، وأما اليوم فعمل، وعلينا أن نتغلّب بوعينا وبمعرفتنا على كل الأشياء كي تنتصر فينا تجربة الروح المدفونة في هذا الجسد على المادة).

كان قدّس سرّه الشريف) يرى أن الإنسان لن يكون صالحاً إلاّ بـ(العلم والحرية) فـ(عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد). (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً)، فيقول قدّس سرّه الشريف: (وضع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله حريّة الفرد ورسالته في كفتي ميزان، ثم رجّح صلى الله عليه وآله كفّة حريّة الفرد إلى حيث تكون رسالته داخلة في مجال حريّة الفرد فـلا إكراه في الدين). وبيّن قدّس سرّه الشريف أن الأمة المهزومة هي (أمة فاتها التفكير، فاندفعت بلا هدف ولا اتجاه، حيث إنها رأت الأمم المتحرّرة تندفع، ولم ترها تفكّر، فحسبت أن عليها أن تندفع فحسب).

كان قدّس سرّه الشريف يحبّ الشعر وقد ألهب قصائده جهراً بالحق أمام السلطان الجائر، وأشعلها بأدوات قرع مناهج التكفير والظلام. فكان يرى أن (الشعر منطلق الشيعي، طالما له نزيف ساخن) تفجّر في رزية الخميس، وتدفق عند أعتاب باب بيت بنت النبي. فما زال نزيف دماء الولاء يتدفق هنا وهناك بسيارات مفخّخة وأجساد انتحاريين ومرتزقة ممالك التكفير والإرهاب ودول الاستبداد والفساد، وما زالت الدماء تصبر وتنتفض وتثور وتنتصر.

كان قدّس سرّه الشريف ينظر – بواقعية - إلى أزمات المسلمين التي تنعكس على عموم حياتهم، وربما على مدى التزامهم بأحكام الله عزّ وجلّ، حيث إن وقوع الإنسان في مزالق الخطيئة قد لا يكون جحوداً منه لربوبيته عزّ وجلّ ولا استكباراً عن عبوديته، وإنما بسبب إغواء الشيطان الذي يزل العبد ولو (بعد الحجّة والبرهان)، فكان يؤكّد قدّس سرّه الشريف في منهجه لهداية المذنبين على ضرورة استيعاب حجم ضغوطات الواقع على الإنسان لغرض قراءة أزمة المذنبين كما هي دون تحامل عليها أو تسطيح لها. وحيث إن الله عزّ وجلّ قد كتب على نفسه الرحمة، وقد وسعت رحمته كل شيء، فإن الله عزّ وجلّ يريد الخير للإنسان على كل حال (طائعاً كان أو آثماً)، فيقول عزّ وجلّ: (الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب). وفي إحدى وصاياه يقول صلى الله عليه وآله: (يا أبا ذرّ! إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنّة). فقلت: وكيف ذلك، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟. قال: (يكون ذلك الذنب نصب عينيه تائباً منه، فاراً إلى الله عزّ وجلّ، حتى يدخل الجنة). وهنا يبدّد الشهيد الشيرازي فكرة أن هذا الحديث يبرّر للإنسان أخطاءه، حيث يقول قدّس سرّه الشريف: (النبي صلى الله عليه وآله هو الذي عاقب على الخطيئة، وهو صلى الله عليه وآله بهذا الحديث يقدّم علاجاً للمذنب، فيهبه من الأمل ما يتفوق على ضعفه). وقد أكّد النبي صلى الله عليه وآله على أهمية اللطف في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، وقد تعامل صلى الله عليه وآله مع المذنبين بكل لطف وحكمة، فقد روي أنه جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله برجل قد شرب خمراً، فلما أبصره أصحابه قالوا: (لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به شارباً). فصاح الرسول صلى الله عليه وآله: (لا تلعنوه، فإنه يحبّ الله ورسوله). وهنا يقول قدّس سرّه الشريف: (لقد فتح النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بصيرة الإنسان على حقيقة أنه مخلوق مكرَّم ومفضّل عنده عزّ وجلّ، وقد اتخذ صلى الله عليه وآله من هذه القاعدة منطلقاً لدعوة الإنسان إلى كل ما يسمو بذاته).

قام الشهيد الشيرازي بتأسيس أول حوزة علمية في سوريا في جوار المرقد الشريف للسيدة الحوراء زينب عليها السلام. وكان قدّس سرّه الشريف الأول في مد جسور التعاون مع الشيعة العلويين في سوريا ولبنان, وفي التعريف بهم باعتبارهم من شيعة أهل البيت عليهم السلام. وأقام قدّس سرّه الشريف العديد من المؤسسات الثقافية والخيرية في العراق وسوريا ولبنان وغيرها. إضافة إلى ما بذله في خدمة مذهب أهل البيت عليهم السلام في دول أفريقية. وكان من النماذج النادرة في الزهد والتقوى والورع. وقد استشهد قدّس سرّه الشريف بعد أن استقرت ثلاثون إطلاقة في جسده الدامي بآلام السجون وهموم أمة مظلومة. ففي 16/جمادى الآخرة/1400هـ كان الشهيد الشيرازي قدّس سرّه الشريف يؤبّن الشهيد الصدر قدّس سرّه الشريف، وكأن المؤبّن يؤبّن نفسه قبل أن تغدر به رصاصات بغي وطغيان في إحدى شوارع بيروت، وكأنه كان يحيي ذكراه قبل أن يكون ذكرى ويتوفّاه الله شهيداً، فخاطب الحاضرين قائلاً: (علينا أن نفهم حقيقة الموت، وعلينا أن نفهم حقيقة الحياة، ثم نأتي لمحاسبة أنفسنا، هل نحن من الأحياء أم إننا من الأموات؟ أنتم جميعاً عندما اجتمعتم هنا، لماذا اجتمعتم، أي قوة جمعتكم هنا، هل أن ميتاً جمعكم هنا، أم أن إرادة حيّة قد جمعتكم؟ الميت المدرج في الأكفان في بطن الأرض لا يستطيع أن يحرّك الأحياء، لا بد أن الذي جمعنا في هذا المكان حي تتفاعل إرادته معنا، وتعمل معنا وفينا، تلك الإرادة الحيّة تقول لنا بأن فقيدنا ليس ميتاً، فإنه ما زال حياً له أثره بدليل أنه جمعنا في هذا المكان).

-------------------------------------

إضاءات:

* من بيان الإمام الشيرازي الراحل أعلى الله مقامه في تأبين الشهيد الشيرازي قدّس سرّه الشريف: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ورد في الحديث الشريف: (ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول). هكذا أولياء الله، فإنهم يجاهدون في سبيل الله، وعاقبة المجاهد: الموت بالسم أو بالقتل، والأخ العلاّمة الشهيد السيد حسن ليس أول الشهداء ولن يكون آخرهم، فهذه هي قافلة الذين ينذرون أنفسهم لله وتكون عاقبة أمرهم الموت في سبيله، ولكن الشهادة عندنا فخر واعتزاز، فإن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.

كان قدّس سرّه الشريف يواجه التحدّيات ويتعامل معها بواقعية، ويتجاوب مع متطلبات الحاضر وتطلعاته، ويستشرف المستقبل، ويستقرئ أحداثه، ويعمل قبل أن يدعو غيره الى العمل، ويبادر ولو في وسط الصحراء وفي خضم الابتلاء والانكفاء، فكان له في كل محطة من محطات هجراته بنيان، وكل بنيان شيّده أثمر إنجازاً، وكل منجز له واجه تحدّيات منها ما انقشع في حينه أو بعد حين، ومنها ما تفجّر اليوم من جديد، فهذا العراق، وهذه الشام، وتلك أفريقيا وقبلها بلاد النيل، ولا يخفى ما يجري في بلدان الخليج. ومن بين هذا وذاك إنجازات للشهيد الكبير يجب المحافظة عليها، وتداعيات لابد من التعامل معها، وتحدّيات ينبغي الاستعداد لها، وكل هذا برسم المحتفين بذكرى الفقيه المجاهد والمفكر الشهيد آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي قدّس سرّه الشريف).

من مؤلّفاته: (موسوعة الكلمة 17 جزءاً)، (خواطري عن القرآن 3 أجزاء)، (حديث رمضان)، (العمل الأدبي)، (الأدب الموجّه)، (الاقتصاد الإسلامي)، (الشعائر الحسينية).