LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الاعتبار من الماضي انتصار للحاضر والمستقبل
رمز 217
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 4 أكتوبر 2014
شبكة النبأ: تأتي قضية الاعتبار من الماضي، ضمن الاستفادة من التجارب السابقة، وهو أمر تمسّك به الإنسان، واستطاع أن يطوّر نفسه، وقد ضُربت الأمثال وقيلت المقولات فضلاً عن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة في مجال الاعتبار من الماضي، بمعنى الاستفادة من المزايا والأخطاء التي حدثت في السابق، فالمزايا يتمسّك بها الإنسان الفرد والمجتمع ويطوّرها خدمة لحياته، والأخطاء التي حدثت في تجارب الماضي يعمل الإنسان على تجنّبها وعدم ارتكابها مرّة ثانية، فالمؤمن لا يُلدَ من جحر مرّتين.

وهناك أقوال كثيرة تؤكّد على أهمية الاستفادة والاعتبار من الماضي، كما نقرأ ذلك في الحديث الشريف التالي: (اعتبروا من ماضي الدنيا لمستقبلها). لهذا لا يمكن أن نقاطع التاريخ بصورة كليّة، بل علينا الاستفادة من الحلقات المشرقة فيه لبناء حاضرنا ومستقبلنا بأفضل صورة ممكنة، وعلينا عدم الوقوع في الأخطاء الماضية نفسها.

من هنا يؤكّد سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته القيّمة قائلاً في هذا المجال: (اقرأوا تاريخ صاحب ثورة العشرين في العراق ومفجّرها، الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي الحائري رضوان الله عليه، اقرأوا تاريخه في الزهد وفي الدراسة وفي العلم). وأشار سماحته إلى دور ومكانة الشيخ الشيرازي قدّس سرّه، وقال: (لقد ذكروا في تاريخ الشيخ الشيرازي أنه هو الشخص الوحيد الذي بدأ قيادة ثورة العشرين وعبّأ الطاقات الحوزوية والطاقات العشائرية والطاقات الأخرى في سبيل محاربة سيطرة بريطانيا على العراق، يوم كانت بريطانيا أكبر مستعمرة على وجه الأرض).

هكذا يمكن الاستفادة من الشخصيات التي قدّمت في الماضي أفعالاً ومواقف لا يمكن نسيانها، ولابد أن تشكّل مثل هذه الشخصيات نماذج مثلى لنا، من أجل انتهاج الأسلوب ذاته في التعامل مع المصاعب والمخاطر التي تواجهنا، وكل هذه الأمور تصب في باب الاعتبار من الماضي، وهو الأمر الذي يؤكّد على وجوب التنبّه للمواقف والاطلاع على سيرة كبار الشخصيات الإسلامية والإنسانية، لأنها تركت بصمتها وتأثيرها الكبير على الجميع، من خلال مواقفها التاريخية التي لا يمكن التغاضي عنها، كونها تشكّل لنا جميعاً دورساً في كيفية مقارعة الاحتلال، وحتى الحكّام الطغاة الذين يسلبون حريتنا وحقوقنا من أجل امتيازاتهم وبقائهم على عروشهم.

سياسة شدّ الحزام
كانت سياسة شدّ الحزام ولا زالت، إحدى أهم الاشتراطات لتحقيق النصر على الأعداء، ويُقصَد بهذه السياسة، تحمّل الصعاب، والتمرّس على المواجهة، وتقديم ما يكفي من تضحيات مادية ومعنوية، تصل إلى حدّ تقديم النفس كقربان على مذبح الحرية، فحتى يمكنك تحقيق الانتصار وكسب الحرية، لابد من الصمود والصبر والتحمّل في المجالات كافّة لجميع أفراد الأمّة أو الشعب.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (إن العراق اليوم، والعالم الإسلامي كلّه، والعالم غير الإسلامي كلّه، أيضاً، بحاجة إلى ما يسمّيه أهل العراق بـ - شدّ حزام- من المؤمنين، وبحاجة إلى تحمّل، وبحاجة إلى صبر، وبحاجة إلى صمود ومواصلة، كل في مجاله).

لذلك من دون هذه الصفات والمؤهّلات التي ينبغي أن تتوافر في شخصية الفرد والشعب عموماً، لا يمكن تحقيق الانتصار على الطرف المضاد الذي يحاول سلب حريتنا، ولا شكّ أن الصبر والتحمّل والقدرة على الصمود تحتاج إلى الاعتبار من أحداث الماضي ومواقفه وشخصياته.

ولعلنا نتفق جميعاً على ان الانتصار يحتاج إلى مقوّمات منها ما يصفه سماحة المرجع الشيرازي، بالتفاف الشعب حول المرجعية والمستوى القيادي العالي لها، ويضرب لنا سماحته مثلاً بالعراق الذي انتصر على بريطانيا الاستعمارية، إذ يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (العراق حارب بريطانيا يوم كانت أقوى قوة على وجه الأرض، وكان العراق بالنسبة إليها ذاك اليوم، خاوياً وخالياً، ولكن إيمان الشعب العراقي ذلك اليوم والتفافهم حول المرجعية الدينية، وامتثالهم، وكذلك كانت قيادة المرجعية الدينية قيادة في المستوى، جعلت الشعب العراقي الضعيف ينتصر مقابل تلك الحكومة الكبيرة. واليوم سينتصر الشعب العراقي أيضاً).

إنّ هذه الرؤية الاستقرائية لاكتشاف المستقبل، نجدها واضحة في تصوّرات سماحة المرجع الشيرازي إزاء مستقبل العراق، وأن الانتصار قاب قوسين من هذا البلد الذي عانى من الاحتلال ومن الحكومات الفاسدة أشدّ المعاناة، ولا شكّ أن الانتصار سيكون حليفه كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي، بإيمان ثابت الجنان، نظراً لتوافر مقوّمات الانتصار في العراق.

الإخلاص والنشاط والأخلاق
من المهم أن يعرف ويؤمن الجميع في العراق، بأن مسؤولية تحقيق الانتصار ليست سهلة أو عابرة، إنها مسؤولية مصير بلد وشعب كامل ويمتد إلى مصير أمّة بأكملها، لذلك لابد أن يفهم الفرد العراقي وصولاً إلى عموم الشعب، بأن المسؤوليات الملقاة على عاتقه كبيرة جدّاً، وفي غاية الأهمية كونها تتعلّق باستقلال وحرية وحياة شعب عريق، يمتد تأثيره إلى جميع دول وشعوب المنطقة، بل إلى العالم أجمع، من هنا تكون المسؤوليات كبيرة من حيث الأهمية.

ويؤكّد سماحة المرجع الشيرازي، أن هناك ثلاث كلمات بمعناها الكبير، تحدّد مسؤولية الفرد والشعب عموماً، تتمثّل بالإخلاص، فهذه المفردة تعني أن يقدّم الإنسان كل ما يملك من جهود مادية ومعنوية لأداء مسؤولياته بأفضل وجه، وعندما يمتلك الإنسان هذه الصفة، وعندما تحكم أفعاله وأقواله صفة أو ملكة الإخلاص، فإنّه سوف يكون مؤثّراً وقادراً على أداء مسؤولياته إزاء الدولة والمجتمع.

وهناك جانب النشاط الإنساني الذي يقدّمه الإنسان في خدمة بلده، ونعني هنا النشاط الإيجابي الذي يسهم في عملية البناء المستمر بشقيها المادي والمعنوي، فهو الكلمة الثانية التي يحدّدها سماحة المرجع الشيرازي لنجاح الإنسان في القيام بمسؤولياته، والكلمة الثالثة هي الأخلاق وقدرتها على دفع الإنسان نحو أداء المسؤوليات بصورة مثلى، وهو أمر بالغ الوضوح، فلا يمكن أن يتحقّق النجاح لفرد أو شعب أو أمّة ما، من دون توافر الأخلاق التي تؤكّد إنسانية الإنسان وانتمائه للحقّ، ويُصعب تحقيق هذا الهدف الكبير من دون التنبّه للاعتبار من الماضي تحقيقاً للانتصار المنشود.

من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي مخاطباً كل أفراد الشعب العراقي: (كل واحد منكم يمكنه أن يؤدّي هذه المسؤولية الكبيرة في المستقبل وذلك عبر الكلمات الثلاث التالية: الأولى: الإخلاص لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم. الثانية: النشاط في المستوى. الثالثة: الأخلاق الحسنة في المستوى. أسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع لذلك).