LOGIN
المقالات
alshirazi.org
إحياء زيارة الأربعين نصرةً للإمام الحسين عليه السلام
رمز 230
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 11 ديسمبر 2014
شبكة النبأ: عندما يقطع الزائر الكريم مئات الكيلومترات سيراً على الأقدام، متوجّها إلى مدينة كربلاء المقدّسة، في مناسبة عظيمة وذكرى خالدة، ألا وهي زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، فإنّه يحتاج لأيام عديدة قاطعاً المسافات ليلاً ونهاراً، حتى يصل إلى المرقد الشريف، وأثناء رحلته الطويلة هذه سيحتاج إلى خدمات كثيرة، وإذا عرفنا أن أعداد الزائرين المشاة تبلغ الملايين، عندها يمكن أن نتصوّر مقدار الجهد المطلوب لتلبية احتياجات الزوّار من مأكل ومشرب ومنام وما شابه، هذه الخدمات يقدّمها خَدَمَة أهل البيت وأتباعهم بحذافيرها إلى الزوّار الكرام، فهناك آلاف الحسينيات المنتشرة على طول الطرق المؤدّية إلى كربلاء المقدسة عبر جميع المدن العراقية، حيث يشترك أهل العراق بتقديم هذه الخدمات وهذه الجهود المباركة عن طيب خاطر، مساهمة منهم بإحياء مراسيم زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام. هذه المساهمة المستمرة على مدار الزمن، إنما تأتي من لدن المسلمين المحبّين لآل البيت الأطهار، إيماناً منهم بأنهم ينصرون الإمام الحسين عليه السلام بخدماتهم وإسهاماتهم هذه، ونعني الطرفين بذلك، مَنْ يقدّمون الخدمة للزائرين، ومَنْ يتكبّدون عناء المسافات الطويلة قاصدين المرقد الشريف وكربلاء المقدّسة سيراً على الأقدام، هذا الطرفان إنما يبذلان جهودهم كافّة من أجل أن يرضى عنهم الإمام الحسين صلوات الله عليه ويكون شفيعاً لهم عند الله تعالى في دنياهم وآخرتهم، ولا شكّ أن الجانب الذي يتعلّق بتطبيق ما يريده الإمام عليه السلام ومبادئه المعروفة، إنما يشكّل مطلباً مهمّاً من الزائرين، لأن الهدف هو ليس المشي بحدّ ذاته، ولا تقديم الخدمات المذكورة للزائرين بحدّ ذاتها، إنما الهدف هو التمسّك بمبادئ الإمام الحسين عليه السلام التي تتعلّق بإصلاح الذات والجمع، لأن الإمام هو القائل أمام رؤوس الاشهاد وأمام التاريخ (إنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله)، لذلك تعدّ مثل هذه الإسهامات المباركة من الطرفين، الزوّار المشاة ومن يخدمهم، نصرة للإمام الحسين عليه السلام.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته القيّمة: (إنّ من أبرز مصاديق نصرة الإمام الحسين صلوات الله عليه هي الحسينيات والمواكب، وهي ولله الحمد منتشرة في أرجاء العالم، في الدول الشيعية، وغير الشيعية، وفي الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وتمارس فعالياتها الحسينية). ولعلنا لاحظنا تلك الأعداد الهائلة للحسينيات والسرادقات المنتشرة على طول الطرق المؤدّية إلى كربلاء المقدّسة.

الثواب والعناية الإلهية
من الفضائل الكبرى التي يحصل عليها خادم أهل البيت الأطهار، وأبي الأحرار عليه السلام، أن العناية الإلهية لا تنحصر في شخصه فقط، بل تمتد إلى ذريّته، وحتى آبائه وأجداده، فمن يخدم الزائرين إنما يؤكّد نصرته لمبادئ الفكر الحسيني بكل ما ينطوي عليه من فوائد كبيرة للإنسان الفرد والمجتمع، لذلك تعدّ هذه الخدمات بمثابة الانتصار للقيم الإنسانية العظيمة المتوّلدة عن مبادئ المنهج الحسيني الهادف إلى رفعة الإنسان وإعلاء شأنه والحفاظ على قيمته وحرمته من الانتهاك والتجاوز والظلم، مهما كان مصدره.

لذلك ينبغي أن يحرص الناس على عدم فقدان أو خسارة هذه العناية الإلهية، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله في هذا المجال بكلمته المذكورة نفسها: (إذا حرم الإنسان من العناية الإلهية ومن النظر الإلهي، فهكذا إنسان سيخسر دنياه وآخرته. وأما إذا حظى الإنسان بالعناية والنظرة الإلهية، فستكون من آثار وبركات هذه العناية على هذا الإنسان هي أن ذريّته من بعده سيوفّقون للتمسّك بأهل البيت صلوات الله عليهم ولخدمتهم، وسينالون هم وآبائهم وأجدادهم الأجر والثواب الإلهي الخالد في الآخرة).

ولا شكّ أن كل الأزمنة تحمل معها موجات من التشكيك في مكانة أئمة أهل البيت عليهم السلام، وتمتدّ هذه الشكوك لتطول مراسيم إحياء ذكرهم، سواءً في زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام أو غيرها من المناسبات الدينية، لذلك لا يمكن للمؤمنين أن يتوقّفوا عند هذه الموجات من الشكّ، إلاّ من باب التصحيح، فمن يغيب عنه الأثر الروحاني الكبير لمثل هذه الزيات، ينبغي أن يتمّ تنويره بالأدلة والشواهد التي تساعد على الوصول إلى قناعة المشكّك بأهمية المواكب والحسينيات ومراسيم العزاء وما شابه.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (بعض الأشخاص يدّعون ادّعاء غير جدير، حيث يقولون بأنه في زمن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، لم تكن بعض الشعائر الحسينية التي نشاهدها اليوم. فنقول لهم: وهل في زمن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم كانت القبب والمنارات على مرقد الإمام الحسين صلوات الله عليه وعلى مراقد باقي الأئمة صلوات الله عليهم؟ فهل هذا يعني أن نترك مراقد أهل البيت صلوات الله عليهم بلا بناء ولا إعمار وبلا قبب ومنارات، لأنها لم تكن في زمنهم صلوات الله عليهم)؟!ويضيف سماحته في هذا المجال أيضاً: (كذلك في زمن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم لم تكن الحسينيات والمواكب منتشرة في العالم كما هي اليوم، فهل يصحّ أن نترك تشييد وبناء وتأسيس الحسينيات والمواكب عالمياً لأنها لم تكن منتشرة عالمياً في زمن المعصومين صلوات الله عليهم؟).

تعظيم الشعائر الحسينية المقدّسة
من هنا لابد أن نمضي قُدماً في تعظيم الشعائر الحسينية، لسبب واضح أنها تعمّق إيمان الإنسان، على المستويات المختلفة، فهي تنمّي وتطوّر الجانب الروحي في الإنسان، وتجعله قادراً على مواجهة الصعاب، كذلك تمنحه دافعاً للتغيير نحو الأفضل، والانتقال من عدم المعرفة إلى الفهم والدفاع عن الحقوق والحريات، لذلك ينبغي أن لا يكون هناك تقصير في الدعم ماديّاً أو معنوياً.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (على الجميع، في كل نقطة من العالم ومهما كان عملهم ومستواهم، أن يسعوا إلى بذل قدراتهم وإمكاناتهم في سبيل خدمة وتعظيم الشعائر الحسينية المقدّسة، وفي سبيل إحياء عاشوراء وإحياء النهضة الحسينية المقدّسة الإصلاحية الإنسانية، وأن لا يقصّروا أو يتهاونوا في تقديم الإعانات المالية والمادية والجسمية).

ولا شكّ أننا مطالبون بتشجيع الناس وحثّهم، على المشاركة في إحياء المراسيم والشعائر المقدّسة، كما نلاحظ ذلك في زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، على أن يكون الاهتمام متواصلاً لاسيما في تأسيس وبناء المؤسسات والحسينيات التي ترعى وتقيم هذه الشعائر.

لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: (ينبغي تشجيع وحثّ الآخرين، من أجل إحياء الشعائر الحسينية المقدّسة، التي تشمل إقامة المجالس الحسينية والعزاء وتأسيس وبناء الحسينيات والمواكب وأمثال ذلك). لذلك فإنّ الاهتمام في مجال التأسيس والبناء والتطوير الذي يصبّ في تهيئة إحياء المراسيم الحسينية، إنما يعدّ مشاركة مهمة وجوهرية يحصل عليها القائم بها على الثواب الذي يستحقّه، كونه يبذل قصارى جهده في الانتصار للقيم الحسينية العظيمة.

وهناك فعاليات متعدّدة، بل كثيرة يمكن أن نقوم بها، كل حسبما يستطيع، وحسب قدراته المادية وسواها، لكي يشترك بإيمان في تعظيم الشعائر، كما نلاحظ ذلك في هذه الأيام المباركة، ما يقدّمه الناس من كل حدب وصوب، من خدمات للزائرين الكرام، ويبقى الهدف من هذا السعي وهذه الجهود، رضا الله تعال وشفاعة الحسين عليه السلام لمن يقوم بها، كونه يروم خدمة الفكر الحسيني والقيم الحسينية التي تسعى وتهدف للإصلاح.

من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على أهمية أن نسعى إلى الفوز بالسعادة في الدارين الأولى والأخرى، وهذه الفرصة تبقى متاحة لنا، من خلال المزيد من الفعاليات والخدمات التي تعظّم الشعائر المقدّسة، كما يؤكّد ذلك سماحته قائلاً: (علينا جميعاً أن نسعى إلى السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وأن نقوم بالمزيد والمزيد من الفعاليات في سبيل مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه، وأن نتحمّل ما نواجهه في هذا الطريق من مشاكل ومتاعب).