LOGIN
المقالات
alshirazi.org
ثنائية الحرية الفكرية والعملية
رمز 227
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 20 نوفمبر 2014
شبكة النبأ: للحرية وجهان، أحدهما فكري تنظيري، والآخر عملي تطبيقي، لذلك من يخطّط لاستثمار الحرية واستنطاقها بالشكل الصحيح، ليس أمامه سوى السعي إلى فهم الحرية، فهما عميقاً واعياً، في شقيْها الفكري والعملي، والسبب الذي يدعو إلى التركيز على هذا الأمر، هو تحقيق الفائدة القصوى من مبدأ الحرية، فحرية الفكر تعني عدم قسر الإنسان وإجباره على رأي محدّد، أو دفعه تحت ضغوط شتى، للإيمان بفكر معيّن من دون إقناع وفهم عميق له، لذلك لا يمكن أن يشعر الإنسان بحرية الفكر وهو مكبّل وموجَّه مسبقاً بما لا يرغب أو يؤمن به.

أما حرية العمل، فلا ينبغي أن يُجبر الإنسان بالقوة على أداء عمل محدّد مسبقاً، إلاً في حالة رغبته بذلك، بمعنى ان الإنسان حرّ في اختيار العمل الذي يراه مناسباً له، ويجد في ذاته رغبة للقيام بهذا العمل، حتى يستطيع أن يبدع في ويتطوّر ويتميّز، على خلاف من يقوم بعمل ما وهو لا يرغبه ولا يستسيغه لأسباب قد تكون خارج إرادة الإنسان، لذا حرية العمل مكفولة ومحدّدة بقبول الإنسان بهذا العمل أو ذاك، يتضح لنا أن الحرية تقوم على مرتكزين أساسين، الأول المرتكز الفكري والثاني المرتكز العملي، وفي الجمع بين هذين المرتكزين تبلغ حرية الإنسان جوهرها، فيشعر انه كائن حر يفكّر ويعمل بإرادته من دون قسر ولا إجبار.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في كتاب (من عبق المرجعية) حول هذا الموضوع: (هناك حريّتان موجودتان في الإسلام، حريّة الفكر حيث يقول تعالى: لا إكراه في الدين، وحريّة العمل؛ للقاعدة المسلّمة لدى الفقهاء: الناس مسلّطون على أنفسهم).

ويؤكّد سماحته بما لا يقبل الشكّ، وبالأسانيد الثابتة أن (الإسلام هو دين الحريّة)، ويضيف سماحته قائلاً في الكتاب المذكور نفسه: إن (الإسلام دين الحريّات مبدأ وشعاراً، وواقعاً وعملاً). وبهذا تكتمل مقومات الحرية، وتستند إلى الجانين الفكري والعملي، فالإسلام يحثّ الناس على أن تشمل الحرية فكراً إنسانياً متميّزاً، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يتحوّل هذا الفكر إلى صيغة عملية، يمكن أن تحقّق للإنسان منفعة، وتقدّماً، لاسيما في مجال خدمة العقل وتطويره، وتوازن الذات، وتعميق حالة عدم الإكراه والإيمان بها بصورة فعلية، لأن الإسلام: (ملتزم بمبدأ ـ لا إكراه في الدين ـ في مختلف مجالات الحياة) كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي.

تجسيد الحرية الفكرية
كيف يمكن أن تتجسّد الحرية الفكرية بصورة ثابتة، لا تقبل التشكيك؟، وكيف يمكن أن نتأكد أن الإسلام ملتزم فكرياً وعملياً بالحرية، كمبدأ حياة لا يمكن إهماله أو التنكّر له بأي حال من الأحوال؟، إننا سنجد مثل هذه الإجابات والتأكيدات في النصوص القرآنية التي تبلغ في معناها قمّة الوضوح، حتى لأدنى المستويات المعرفية والذهنية.

فعندما نقرأ قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال، عندما يؤكّد سماحته على: (أن الحرية الفكرية تتجسّد في الإسلام من خلال الآيات الكريمة: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). فهذا دليل قاطع على غياب القسرية والفرض بالقوة، بمعنى أن الإيمان أو عدمه بهذا الفكر خاضع لقناعة الإنسان، وهو حرّ في ذلك، وليس هناك إجبار في الأمر، وهذا يعني أعلى درجات الحرية، عندما يقول النص القرآني للإنسان، (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ولكن هناك توضيح لهذا الفكر، حتى يصبح الإنسان على معرفة ودراية بما يفيده وبما يضرّه، بعد ذلك هو الذي يقرّر قبول الفكر أو رفضه.

من هنا يتّضح لنا كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي، أن أسلوب الضغط على الناس يتنافى وروح الإسلام ومبادئه، ويتّضح هذا من خلال قول سماحته بوضوح تام في الكتاب المذكور نفسه: إن (أسلوب الإسلام، لا ضغط فيه ولا إكراه). أما على الصعيد العملي، فليس هناك من له الحقّ في التدخّل بهذا الجانب، إلاّ إذا كان يلحق ضرراً بالإنسان، نتيجة لعدم المعرفة أو القصدية بإيذاء النفس، ما عدا ذلك فالإنسان حرّ فيما يختاره من عمل يراه مناسباً له وقادراً على التعاطي معه من دون معوقات، كذلك يتم التدخّل في منع الإنسان من عمل ما، إذا كان هذا العمل يلحق ضرراً بالآخرين، هنا لابد أن يكون هناك تدخّل في حرية العمل، يتناسب مع حجم الضرر الذي قد يلحقه بالآخرين.

لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في ملاحظة له عن هذا الجانب، إذ يؤكّد سماحته: إن (الإسلام يقول لك: اعمل ما تشاء، فلك حريّة العمل شرطية ألاّ تضرّ غيرك). كذلك يرى الإسلام إن حرية الرأي مقدّسة، لما تحمله للإنسان من فوائد جمّة، تسمح له بتطوير حياته، وتمنحه قدرة على التغيير، واكتشاف البدائل التي تصنع له واقعاً أفضل، ومرتّبة أعلى بين الآخرين، لهذا يلتزم الإسلام التزاماً قطعياً بحرية الرأي.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال، بالكتاب المذكور نفسه، عندما يؤكّد سماحته على أن: (حريّة الرأي في نظام الله وقانون الإسلام أكثر تقديساً حتى من الشهادتين، فالإسلام يريد أن يجعل الناس أحراراً).

لا ضغط ولا إكراه
يحتاج العقل إلى المعرفة المسبقة، حتى يحدّد الاختيار السليم، بمعنى أكثر دقّة، أن الإنسان لا يستطيع أن يحدّد اختياراً سليماً من دون معاونة فكرية تعريفية يحصل عليها من مصادر تتّسق وبيئته وعقائده وما يؤمن به، فإذا كان يؤمن بالإسلام كدين له، سوف يعتمد في سلوكه وحتى أفكاره، على المبادئ والتعاليم الإسلامية التي تساعده على تحديد خياراته الحياتية بصورة سليمة، وهذا التعريف لا يُفرَض فرضاً على الإنسان، أي انه يقبل به بمحض إرادته، بعد يقتنع ويؤمن به.

في هذه الحالة لا يوجد ضغط على الإنسان ولا إكراه، إنما هناك شرح وتوضيح للمبادئ السليمة التي ينبغي أن يؤمن بها ويحدّد مساراته في ضوئها، وطالما أن القرآن يقول بشكل صريح أن (لا إكراه في الدين)، فهذا يعني أن الإنسان حرّ في أفكاره وأفعاله، وحتى تكون الأفكار والأفعال سليمة لا تضرّ الآخرين، لابد أن تكون هناك ضوابط يلتزم بها الإنسان، حتى لا يخرج عن المسارات الصحيحة التي تتسبّب في ضرر للآخرين، هذه الضوابط عبارة عن إرشادات وتوجيهات، يقدّمها الإسلام للإنسان بصورة طوعية وبعيداً عن الضغط، أي انها مساعدة له حتى يسير في الاتجاه الصحيح.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالكتاب نفسه: (لا ضغط ولا جبر ولا إكراه ولا كبت للحريّة في الإسلام، ولكن ثمّة توجيهات وإرشادات تبيّن لك السلوك الأحسن، تقول: هذا صحيح وهذا مستحبّ وهذا مفضّل وهذا مكروه). ويبقى الاختيار للإنسان نفسه، إذ انه حرّ في تحديد ما يؤمن به، وطالما أن الإنسان يبحث بالفطرة عمّا ينفعه، فإنه سوف يوظّف الفكر الإسلامي لصالحه، حتى يفيد نفسه، ولا يضرّ الآخرين في الوقت نفسه.

وهذا يؤكّد حضور الحرية الكبير في الإسلام، فالإنسان حر فيما يفكّر ويؤمن ويعمل، وهناك شرط مهم لا يعترض عليه إنسان سويّ، هو أن لا تؤذي الآخرين بأفكارك وأعمالك، وهذا الشرط يمكن أن يحصل عليه الإنسان من خلال إيمانه وتطبيقه للتعاليم الإسلامية السمحاء، وبهذا فإنّ الحرية في الإسلام لا يحدّها سوى التجاوز على الناس.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً حول هذا الموضوع بوضوح تام: إنّ (الحريّات الموجودة في الإسلام لا نظير لها في التاريخ). ويصف سماحته الحرية بأنها: (نعمة إلهيّة عظمى ينبغي اغتنامها على أحسن وجه).