LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الإسلام والحقوق قطبان لمعادلة واحدة
رمز 245
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 7 مارس 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: تؤكّد صفحات تاريخ ما قبل الإسلام، أن مجتمع الجزيرة العربية، كان يعيش نظام الغاب قبل بزوغ الرسالة النبوية الشريفة، وكان الطابع العام والخاص لذلك المجتمع هو الظلم وسيادة القوي على الضعيف حيث يتحكّم القوي بكل شيء، أما الضعفاء فهم محلّ الانتهاك والإذلال، وكان العنف والتعصّب الأعمى حالة سائدة في ذلك المجتمع، لذلك نجد حالة الخوف تسيطر عليهم، حتى الأقوياء كانوا يعانون من أجواء الخوف، فالجميع معرّضون لغضب السيف في أيّة لحظة، ولا عاصم للضعيف قط، فلا قانون ولا أعراف تحكم أفراد وجماعات المجتمع.

وهذا بالضبط ما قاله سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، عندما ذكر في إحدى كلماته التوجيهية للمسلمين: (لقد كان الناس قبل الإسلام شعارهم الخوف، ودثارهم السيف - كما ورد في نهج البلاغة - فكان القوي يأخذ الضعيف سواء في محيط العائلة أو العشيرة أو ما هو أكبر منهما كمحيط القرية والمدينة أو أكبر كمحيط الحكومة).

ولا شكّ أن الناس في هكذا أجواء سوف تكون في حالة دائمة من القلق المقرون بالخوف والهلع، لاسيما أن مثل هذه الأوضاع تمثّل سجيّة الحياة بالنسبة لهم، وليست حالة طارئة، قد تحدث مؤقتاً وتزول بزوال السبب، لأن الظلم لم يكن له رادع، والقوي لا أحد يستطيع أن يحدّ من رغباته وطمعه وغرائزه المريضة، لذلك بقيت أجواء الخوف هي السائدة في مجتمع الجزيرة العربية قبل الإسلام، وتؤكّد ذلك حالة الاحتراب، والغزوات المتبادلة، والأعراف الظالمة التي كانت تضمن للقوي كل شيء، وتأخذ من الضعيف كل شيء.

وهذا ما أكّده سماحة المرجع الشيرازي، عندما قال في كلمته نفسها: (كان كل قوي يظلم كل ضعيف تمكّن منه، عادة، ولذلك كنّا نلاحظ كثرة القتل والنهب والسرقات قبل الإسلام). وعندما تغيب عوامل الردع الذاتي والخارجي عن ضبط السلوك البشري، فلا ضمير يردع الإنسان عن الظلم ولا وعي ولا دين ولا ثقافة، ولا قوة عادلة تحدّ من الانتهاكات والتجاوزات بحقّ الضعفاء، عند ذاك تتحوّل حياة الإنسان إلى ما يشبه الجحيم، وهذا بالضبط ما كان يعاني منه مجتمع الجزيرة قبل الإسلام، حيث اختلال الموازين كافّة، وغياب العدل، وانتفاء الرحمة، وليس أدلّ على ذلك، من ظاهرة وأد الإناث، حيث يتم دفن البنات وهنّ على قيد الحياة من لدن الآباء، بلا رحمة أو شعور بالذنب.

الخط الأحمر للإسلام
بمجيء الإسلام، وإعلان الرسالة النبوية، بدأت معالم مجتمع الجزيرة تتغيّر بالتدريج، ولكن بصورة جذرية، فلا وجود لقانون الغاب، ولا سطوة للقوي على الضعيف، ولا فوضى في السلب والنهب والسرقات، وصارت هناك ضوابط يتحرّك الإنسان في إطارها، ولا يحقّ له ضربها، أو إهمالها، والتصرّف وفقاً لغرائزه أو رغباته مهما كانت القوة والسلطة التي يتحلّى بها، ان الناس في ظل الإسلام أصبحوا مقيّدين بخط أحمر بالغ الوضوح والدقّة أيضاً، تتحدّد في ضوئه العلاقات المتبادلة والمصالح الثنائية والجماعية، فلا يمكن للناس بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم بعد مجيء الإسلام ان يتجاوز بعضهم على بعض مهما بلغت درجة تباين القوة فيما بينهم، فالمعيار الجديد ليس القوة، وإنما الرحمة، وعدم إلحاق الضرر بالآخر، نعم الإنسان منح الإنسان حريته الكاملة، ولكن هذه الحرية المطلقة اقترنت بشرط حازم، أو (خط أحمر) كما يصفه سماحة المرجع الشيرازي، وهو حرية الإنسان المشروطة بعدم إلحاق الضرر بالآخرين، وأية حرية أو أي سلوك لا يراعي هذا الشرط فهو غير مسموح به، وسوف يكون خاضعاً للمساءلة والمقاضاة، بغض النظر عن مركز الإنسان الاجتماعي أو الحكومي وما شابه، لاسيما أن الإسلام منح للجميع فرصاً متساوية، فلم تعد هناك سلطة للقوي على الضعيف كما كانت الأمور قبل انطلاق الرسالة النبوية، ولهذا صارت الحقوق مضمونة أينما وجد الإسلام.

من هنا يذكّرنا سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا الصدد: (عندما جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله، منح الجميع فرصاً متساوية، فكان كل شخص يمكنه أن يقوم بما يريد ما لم يضرّ أحداً، فكان الخط الأحمر الوحيد الذي لا يجوز تجاوزه في الإسلام على الصعيد العام هو عدم الإضرار بالآخرين). ويضيف سماحته أيضاً: (لقد سنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قانون - لا ضرر ولا ضرار في الإسلام-، وهذا القانون صار سبباً لانتفاء الظلم والسرقة في المجتمع).

وعندما يتم تحجيم الظلم وضمان الحقوق للجميع، وتتلاشى سطوة الأقوياء على الضعفاء، ويتم تنظيم القوة بكل أنواعها وفق ضوابط عادلة، عند ذاك سوف يكون الضامن الأقوى لحقوق الجميع هو الإسلام، وعندها تتشكّل لنا معادلة واضحة المعالم، يتكوّن قطباها من الإسلام والحقوق، وبهذا المعنى، نستطيع القول، أينما وُجدَ الإسلام وُجدتْ الحقوق، ويحدث العكس تماماً في حالة غيابه، إذ لا يمكن حفظ حقوق الضعفاء، وهذا تحديداً هو الذي تم تحقيقه لمجتمع الجزيرة، وبعد ذلك لعموم المسلمين في دولة الإسلام.

أثر الاستقامة في كسب الآخر
لم تكن وسائل الردع، هي الوحيدة التي وضعت حدّاً للظلم بعد مجيء الإسلام، بل كان للنموذج الإسلامي، واستقامة الرسول صلى الله عليه وآله، تأثيراً كبيراً على الآخرين، الأمر الذي ساعد في إصلاحهم، وشذّب من أخطاءهم، وقلّل من تعصّبهم واندفاعهم نحو القوة والبطش والتجاوز على حقوق الآخرين، ولم يكن تأثير الاستقامة محصوراً بالمسلمين ولم ينعكس عليهم وحدهم، بل حتى غير المسلمين تأثّروا بها، واستفادوا منها، فدخلوا الإسلام هم وأبناؤهم، وكان السبب الأساس الذي حقّق هذه النتائج الكبيرة، هو حالة حفظ الحقوق تحت خيمة الإسلام.

كما أكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في كلمتها نفسها عندما قال: (أثر استقامة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في القول والعمل، دخل إلى الإسلام أكثر أولئك الذين عاصروه من المشركين أو أبنائهم). ولا شكّ أن الإنسان ليس مجبولاً على المعاندة أو العناد، أي أن القناعة يمكن أن تتوافر له عندما تكون وسائل الإقناع صحيحة، وأسلوبها لا يشوبه الزيف أو الخداع.

قد يكون الإنسان متعصّباً كما يرى سماحة المرجع الشيرازي، لكنه لا يمكن أن يبقى معانداً إذا فهم الأمور على حقيقتها، وعندما يتأكّد الإنسان، فرداً كان أم جماعة، بأن الإسلام والحقوق قطبان لمعادلة واحدة، ويلمس ذلك في حياته بصورة فعلية، وليست أقوالاً فقط، عند ذاك، سوف يزول التعصّب وتتحقّق القناعة وتنتهي حالة العناد أو المعاندة، ويعود الإنسان إلى رشده، ولذلك أولى بالمسلمين أن يكونوا سبّاقين للاستفادة من استقامة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، في حياتهم بكل ما تنطوي عليه من مصالح وصراعات وتناقضات، وأن نرعى حقوق الجميع مثلما نحرص على حماية حقوقنا.

لذا ينصح سماحة المرجع الشيرازي بهذا النوع من الاستفادة، والتعلّم من النموذج، عندما يقول سماحته حول هذا الجانب: (يجب علينا أن نتعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن نعلم أن أكثر الناس ليسوا معاندين، نعم قد يكونون متعصّبين، بيد أنهم ليسوا معاندين).