LOGIN
المقالات
alshirazi.org
العنف الأموي وتشكيل صورة الإسلام
رمز 246
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 14 مارس 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: من الأمور التاريخية المتَّفق عليها، أن العنف رافق مسيرة البشرية منذ نشوئها، ولا يزال قائماً حتى الآن على الرغم من التطوّر المعرفي الهائل بين إنسان عصور النشوء الأولى، وإنسان العصر الراهن، فمع كل ما تحقّق من وعي وثقافة ومعرفة للإنسان، لا تزال هناك مؤشّرات كبيرة على تواجد العنف بين البشر، ويؤكّد العلماء المختصّون أن هناك علاقة طردية بين العنف والجهل، أي كلما كان الفرد والجماعة أكثر جهلاً، كلما كان عنفها إزاء الآخرين أكثر.

وعندما نطالع التاريخ الإسلامي، فإننا نلاحظ ظاهر العنف قد رافقت العصور التي تلت عصر الرسالة النبوية مباشرة، حيث بدأت بوادر العنف بالتصاعد المضطرد، في العصر الأموي وما تلاه، كما حدث (في العصر العباسي)، وعندما ندقّق في ما حدث بالعصر الأموي من أعمال عنف مصدرها السلطة السياسية (الحكومة)، فإنّنا نستطيع أن نجزم بأن جوهر الإسلام الإنساني والمبادئ الإسلامية كانت بعيدة عن هؤلاء الحكّام!، فقد كان العنف والبطش والقسوة (الحكومية) من أكثر المؤشّرات وضوحاً في هذه الحقبة منذ نشوئها، ونعني بها الحقبة الأموية أو العصر الأموي، وهذا الرأي لا نطلقه جزافاً، إنما جميع المدوَّنات التاريخية تؤكّد هذا العنف بما في ذلك ما جاء في المصادر الموالية للأمويين أنفسهم.

وقد ذكر سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة الموجَّهة إلى المسلمين، ما يؤكّد هذا العنف ويدلّ عليه، استناداً إلى كتب العامة، إذ يقول سماحته: (لقد ذكرت كتب العامة بأن آخر سلطان من سلاطين بني أمية الذين كانوا يسمّونهم بخلفاء الله وخلفاء رسوله، وهو مروان، قد غضب على رجل، فطلبه، وأحضروه عنده، فقام ـ مروان ـ بقلع عيني ذلك الرجل بأصابعه).

إنّ نزعة العنف التي رافقت حكّام وحكومات هذا العصر، لا أحد يستطيع إخفاءها، مهما أوتي من حجّة، بل هنا من يذهب إلى التباهي بقسوة الأمويين، فيقول أنه العصر الأقوى سياسياً من سواه، منطلقاً في ذلك من تجبّر الحكام الطغاة في العصر الأموي الذي أوغل حكّامه كثيراً في استباحة دماء المسلمين أنفسهم، من هنا قدّم هؤلاء الحكّام نماذج سلبية (دموية) للآخر، فإذا كان قادة المسلمين (خلفاء الرسول الأكرم صلى الله علية وآله، كما يدّعون)، يتّصفون بهذه النزعة الدموية ضد شعبهم المسلم، فكيف تكون صورة الإسلام عند الآخرين، وكيف يمكن أن لا ينفروا من الإسلام وهم يرون حالات استباحة الدماء والعنف؟

من هنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي ويجيب عن هذه الظاهرة بقوله: (ربّ سؤال يطرح وهو: لماذا ابتعد الناس عن الإسلام وتنفّروا منه؟ والجواب الحقّ على ذلك هو: أسلوب وتعامل بني أمية وبني العباس، هو الذي أدّى إلى ذلك).

معاوية يذبح آلاف المسلمين
من الأمثلة التاريخية التي تؤكّد قسوة الحكّام الأمويين، ومرافقة العنف وسفك الدماء لعصرهم، ما تذكره مصادرهم وكتبهم، بل يذهب هؤلاء إلى التبجّح بهذا التاريخ الدموي الذي كان ولا يزال، سبباً لانتقادات واسعة (للإسلام)، باعتبار ان هذا العصر يمثّل جانباً من الإسلام، كما يدّعي قادته، بل يسمّي هؤلاء أنفسهم بـ(خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله)، وهم أبعد المسلمين عن نهجه المسالم، الذي استطاع أن يبني دولة الإسلام الكبرى في غضون عقدين، لتضاهي أقوى الدول والامبراطوريات القائمة آنذاك، حضارة وإنسانية، ومع ذلك فقد بقي الأمويون دمويون قساة، ولم تجد الرحمة طريقاً لقلوبهم، بدءاً بمعاوية نفسه.

لذلك قال سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (بعضهم سمّى نفسه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله، ومنهم معاوية، الذي قام وخلال يوم أو يومين أو ثلاثة وعبر مبعوثه بسر بن أرطاة إلى اليمن، بذبح أكثر من ثلاثين ألفاً من الأبرياء في اليمن، كان فيهم الرضّع والشيوخ والحوامل والأطفال).

إنّ الحاكم الذي يسمح ويأمر بذبح هذا العدد الهائل من المسلمين بدم بارد، وهو النموذج الأعلى لمن جاء بعده وتمثّل به، لا يمكن إلاّ أن يكون مثارَ عار وخزي في التاريخ الذي يُنسَب للإسلام، وإن كان لا يسير وفق منهجه وتعاليمه، لهذا كانت مثل هذه النماذج مثالاً لحكّام غابرين ومعاصرين، بعد أن ترسَّخ العنف في نفوسهم، وصار يعيش معهم ليل نهار، وانسلخت الرحمة والعدل والإنسانية من نفوسهم وقلوبهم، ولعل هذه المبالغة بالعنف، وتقديم الصور البشعة التي تصل حدّ التمثيل بجثث المسلمين، تشكّل جذوراً لما نلاحظه اليوم من صور وأحداث للمد العنيف الذي يجتاح واقع المسلمين أنفسهم، بل انتقل هذا النموذج إلى العالم أجمع، عبر الإرهاب المنظّم لجماعات وتنظيمات تنسب نفسها للإسلام، الأمر الذي يمثّل تشويها متعمَّداً للمنهج النبوي السلمي.

وقد يتساءل كثيرون عن أسباب دوامة العنف التي عصفت ولا تزال بالمسلمين، كما لاحظنا ذلك عبر التاريخ (الأموي العباسي) وصولاً إلى التاريخ المنظور والقريب، حيث الحكّام الطغاة القساة، الذي تأثّروا بالعنف الأموي وطبّقوه بحذافيره، فضلاً عن التنظيمات المتطرّفة، ومثالها داعش وعصاباته، وما قامت به من حالات الحرق وحزّ الرؤوس والقتل بدم بارد، ولا شكّ أن الإجابة عن ذلك تكمن في جذور العنف، والنماذج القيادية الأموية التي تعاملت مع شعوبها بصورة يندى لها الجبين.

فقد قال سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب: (نقلوا، بأن معاوية كان يأمر بقطع أيدي وأرجل السجناء بالساطور، ثم بقلع أعينهم أيضاً، مما كان يؤدّي ذلك إلى موت السجين بعد ساعات معدودة).

حكّام العار
ما تقدّم، يتيح لنا فهم الأسباب التي تقف وراء المدّ العنيف الذي يجتاح العالم الإسلامي اليوم، ويتمدد إلى أجزاء أخرى من العالم أجمع، فقد تجذّر العنف الأموي في نفوس وقلوب التنظيمات الإرهابية التي تُنسب نفسها للإسلام، وتسيء له أشدّ الإساءة، كونها تقدّم نموذجاً مشوّهاً وإرهابياً للإسلام، فإذا كان معاوية نموذجهم، ومروان مثالاً لهم، فإننا لا نستغرب حالات التوحّش التي نراها تتلبّس الدواعش والإرهابيين الآخرين، فهؤلاء أحفاد سفّاكو دماء المسلمين في الماضي، وهم النموذج الآني الممتد من ذلك الجذر المتوحّش للعنف، والمعضلة الأشد في هذا المجال، تكمن في ادّعائهم بأنهم يمثّلون الإسلام ومبادئه ويلتزمون بسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ولكنهم في الحقيقة هم أحفاد معاوية ومن لفّ لفه، أما الآخرون في العالم الغربي وسواه، فيتصوّرون أن هؤلاء يمثّلون الإسلام فعلاً، وأفعالهم الإرهابية تقع في لبّ الإسلام، لكن الحقائق كلها تؤكّد أنهم أحفاد العنف الأموي المتجذّر في نفوسهم ولا علاقة للإسلام بهم.

ولكن عندما لايطّلع العالم على حقيقة التاريخ الأموي، ويصدمهم الإرهاب الراهن باسم الإسلام، فإنهم يظنون أن الإسلام يمثّله هؤلاء الإرهابيون أحفاد معاوية، لاسيما أن الإعلام يتغاضى في كثير من الحالات عن الجوهر الحقيقي للإسلام الذي يمثّله الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، والأئمة الأطهار من أهل بيته عليهم السلام، من هنا يكون هناك ردّ فعل للغربيين ضد الإسلام والمسلمين بسبب الأعمال الإرهابية التي يقوم بها بعض المتلبّسين بإسم الإسلام.

لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي هذا الأمر في كلمته قائلاً: (كما سمعتم ورأيتم أيضاً، أنه اُقيمت العديد من المظاهرات في دول الغرب، مناهضة للإسلام، وطالبوا برفض الإسلام ورفض بناء المساجد في بلدانهم. والسبب في وقوع وحصول هذا الرفض وهذه المناهضات هي الصورة المشوّهة التي يراها العالم اليوم عن الإسلام من بعض المتلبّسين باسم الإسلام).

ولعلنا نتّفق جميعاً على أن تاريخنا مع الحكّام ليس مشرفاً، بل يشي بالخزي والعار، باستثناء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فقد صارت الصورة بالغة الوضوح لنا، حول العنف وطغاته، إنهم سليلوا أرباب القسوة والبطش من أمثال معاوية ومن شابهه في الفكر والفعل، لهذا يتردّد المسلمون من عرض هذا التاريخ المخزي على العالم كونه ينضح بالعار بسبب دمويته.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (إذا عرّفنا للعالمين أيّ حاكم ممن حكموا في البلاد الإسلامية، عدا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فسيكون ذلك مدعاة على العار والخجل).