شبكة النبأ المعلوماتية: الفساد له أنواع وأشكال متعدّدة، كلها لها دور في إضعاف وتدمير الشخصية الفردية والجماعية للدولة والمجتمع، فالفساد مصطلح يشير بشكل عام إلى حالات انتهاك مبدأ النزاهة، وقد قال الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون). سورة الروم: الآية 41، والفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدّة بحسب موقعه.
أما التعريف العام لمفهوم الفساد عربياً بأنه اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حقّ، مما يجعل تلك التعابير المتعدّدة عن مفهوم الفساد، توجّه المصطلح نحو إفراز معنى يناقض المدلول السلبي للفساد، فهو ضد الجد القائم على فعل الإئتمان على ما هو تحت اليد، في حين يعرّف معجم أوكسفورد الإنجليزي الفساد بأنه (انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة)، وقد يعنى الفساد، التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافّة النواحي السلبية في الحياة.
وهكذا نلاحظ أن الفساد أينما حلّ فهو سبب تخريبي تدميري في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والصحّة، وحتى بين الأفراد، عندما يحل الفساد، فإنه سوف يحيل حياتهم إلى هباء، لذلك تحذّر الأديان كافّة الإنسان الذي يرعى الفساد أو يتسبّب به، وكلما كان مركزه الوظيفي والاجتماعي أكبر، كلما كانت عقوبته الإلهية الأخروية أكبر، نظراً لحجم الأذى والضرر الذي يتسبّب به الفساد إذا كان مصدره مسؤولاً كبيراً أو وجهاً اجتماعياً كبيراً.
لذلك ينصح سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بأهمية أن يتنبّه الناس إلى الفساد ويتحاشونه، كونه سبباً بالعقوبة، فمثلما يسعى الإنسان إلى تحاشي الأمراض والمشاكل عليه أن يتحاشى الفساد بالطريقة نفسها، إذ يؤكد سماحته ذلك، في إحدى كلماته التوجيهية للمسلمين مؤخّراً، عندما يقول: (كل إنسان، بالأغلب، يسعى طول حياته إلى وقاية نفسه وأهليه عن الأمراض العظيمة والفتّاكة، وعن المشكلات المردية، ويحاول أن يعيش معظم حياته وهو بعيد عن الأمراض والسجون والمستشفيات والمشاكل المختلفة وعن المحاكم وغيرها، فعليه أن يقي نفسه وأهليه من عذاب الله تعالى في الآخرة).
علماً أن تحقيق هذه الوقاية من لدن الجميع، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (كل إنسان، يستطيع أن يحقّق هذه الوقاية، بماله، وآخر بقوله، وغيرهما بكليهما، وآخر بعمله، وغيره بثلاثتها، وآخر بحضوره، وآخر بتشجيعه. أي كل حسب مقدوره. وعلى الجميع أن لا يقصّروا في ذلك، أي في وقاية نفسه وأهليه والآخرين).
الأجواء الصالحة تردع الفساد
يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي، ويتفق معه في هذا العلم والعلماء المختصون، على أن الأجواء الصالحة، تقلّل من نسبة حصول الفساد إلى أدنى حد، وفي كثير من الحالات تقضي الأجواء الصالحة على الفساد بصورة تامّة، بمعنى عندما يعيش الإنسان طفلاً في حاضنة اجتماعية (عائلة) لا فساد فيها في السلوك أو القول، وتشيع الأجواء الإيمانية، وتبث المساواة والعدالة وروح الاطمئنان بين الجميع، فهذه الحاضنة الاجتماعية الصغيرة لا يمكن أن تسمح للفساد أن يجد له مكاناً بينها، ويصحّ هذا القول على الحاضنة الأكبر، كالقرية أو المدينة أو الدولة، فإذا كانت الأجواء السائدة فيها صالحة، لا يمكن أن يدنو منها الفساد، والعكس يصحّ بطبيعة الحال.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (في الأجواء الصالحة ينشأ الصالحون والصالحات. وفي الأجواء الفاسدة ينشأ الناس نشأة فاسدة، وخصوصاً الشباب، ذكوراً وإناثاً)، لهذا يكون تأثير المكان كبيراً في شخصية الشاب ذكراً كان أم أنثى، ويكون تأثير المجتمع والأجواء التي تصدر عنه مؤثّرة في الناس جميعاً، وكلما كان الإنسان أقلّ تجربة من غيره، وأقلّ عمراً وخبرة في الحياة، كلما كان أكثر عرضة للتدمير من غيره، لأنه لا يمتلك الخبرة ولا التجربة التي يمكن أن تجنّبه التعرّض إلى انعكاسات الفساد وتأثيره على حياته.
من هنا فإن الإنسان الذي اعتاد على الأجواء الروحانية، ورافق الحسينيات والمساجد والصلوات، فإنه في الغالب يكون أكثر حصانة ومنعة من غيره ضد الفساد، على العكس ممن يعيش في محيط تمتلئ أجواؤه باللهو والفساد وما شابه، فإنّ مثل هؤلاء سوف يكونوا أكثر عرضة للفساد من غيرهم.
من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً حول هذا الجانب في كلمته نفسها: (راجعوا إحصائيات الضلال والفساد والانتحار والابتلاء بالأمراض العصبية، فستجدونها لا تحتوي على الذين يأتون الحسينيات والمساجد ويحضرون صلوات الجماعة، إلاً قليلاً وقليلاً. وهذه هي الوقاية).
الإعلام ومكافحة الفساد
لا ريب أن مكافحة الفساد ليست هدفاً سهل التحقيق، فهو في الحقيقة يعدّ من الأمراض المستعصية، والمعقّدة، لذلك يحتاج إلى جهود استثنائية، تتعلّق بالتخطيط والدعم وتوفير المستلزمات التي تسهم بصورة فعّالة في القضاء عليه، لاسيما أذا كان المحيط المجتمعي مبتلى به فضلاً عن الأفراد، كذلك هناك مؤشّرات واضحة تدلّ على تخطيط معادي للمجتمعات والدول الإسلامية، تصبّ في مجال نشر الفساد فيها، عبر وسائل الإعلام والتوصيل المختلفة، لاسيما اننا نعيش في عصر العولمة الذي جعل من العالم كلّه محيطاً واحداً، أو غرفة واحدة كما يُقال، فالمعادون للمسلمين يحاولون على مدار الساعة وبالسبل المتاحة كافّة لاختراق المنظومة الثقافية والأخلاقية والعرفية والدينية للمسلمين، من أجل نشر الفساد واللهو في حواضنهم المتعدّدة، وذلك من خلال الأفلام والرسائل الأخرى التي تصبّ في تحقيق هذا الهدف التخريبي الواضح، لذا علينا فهم هذا المسعى المعادي للأشرار الظالمين، وعلينا أن نستثمر وسائل الاتصال بما يحصّن ويحمي شبابنا وكل الفئات الأخرى من الفساد والتخريب.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة نفسها: إن (الوسائل الموجودة اليوم في عالمنا، يستفيد منها الأشرار والظالمون والمفسدون لدفع الناس إلى الفساد في العقيدة، والفساد في الأخلاق، وإلى تفكيك العائلة والأسرة، وتفكيك المؤمنين بعضهم عن بعض، والمؤمنات بعضهنّ عن بعض).
من هنا نحن أحوج ما يكون لتوفير الوقاية اللازمة لأنفسنا، لكي نمنع ونسد الثغرات التي يمكن أن يتسلّل من خلالها المفسدون والفاسدون الأشرار، الذين يحاولون ويخطّطون باستماتة لاختراق ثقافتنا وإرثنا العرفي الديني الأخلاقي، كي يسهل عليهم نشر الفساد بأنواعه كافّة بين الأفراد والجماعات، لسبب واضح، لأن انتشار الفساد، يسهل عليهم تحقيق مآربهم في سرقة ثرواتنا، وتعطيل حركتنا إلى أمام، لذلك نجدهم دائماً يخطّطون وينفّذون كل ما يسهم في تعطيل قدراتنا، وتحجيم وعينا عبر وسائل وخطط ما أنزل بها الله من سلطان.
وهذا بالضبط يحتاج إلى حملة مضادة نقوم بها نحن، لدرء مخاطر الاختراق، على أن تكون قضية محاربة الفساد بأنواعه كافّة، من أولويات المؤمنين، أفراداً أو جماعات، علما ان الكفاح والسعي في هذا المجال لا ينبغي أن يكون عشوائياً فوضوياً ارتجالياً، لأن النتائج الجيّدة مرتبطة دائماً بالتخطيط السليم، فلكي نتجنّب الفساد المخطَّط له، علينا أن نخطّط بطريقة صحيحة لاستثمار وسائل الإعلام والتوصيل بصورة مضادة، لزيادة وقاية الأمة بكل أفرادها وجماعتها ضد الفساد ومصادره وآلياته.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بكلمته في هذا المجال: (فليستفد المؤمنون والمؤمنات من وسائل - الإعلام والتوصيل الحديثة- لجمع المؤمنين والمؤمنات، ولهداية الأفراد، وإرشادهم، حتى تتحقّق الوقاية، مهما كانت نسبتها).