بقلم: محمّد حميد الصوّاف
انسحبت جحافل الغرب من أفغانستان… تاركة الشعب أمام خيارين احلاهما مر، فأما القبول بسطوة طالبان الراديكالية المتطرفة، أو الولوج في حرب إقليمية يكون المدنيين وقودا لها.
فتنظيم طالبان الذي صنف دوليا كجهة إرهابية، كان ولا يزال يمثل في حقيقته مجرد أداة لتمرير أجندة سياسية تقف ورائها مخابرات دولية، تسعى لجعل من دولة منزوية مثل أفغانستان ورقة ضغط مؤثرة من جهة ومنصة لبيع وتسويق السلاح للشركات الكبرى من جهة اخرى.
فطالبان كما تشير الدلائل والقرائن التي جمعت على مدى ربع قرن مضى ما هي إلا صنيعة إدراج المخابرات الغربية ومخططاتها، حتى أن بعض المحللين يذهب إلى أن الغرب وبريطانيا على وجه الخصوص الاب الشرعي لهذا التنظيم البغيض.
وبعيدا عن الخوض في حيثيات الولادة القيصرية للتتظيم، ومن كانت الدول المرضعة له ولا زالت، أو من كان يشد بسواعده ويفتل عضلاته حد التغول بهذا الشكل، يقف المسلمين الشيعة من مواطني أفغانستان موقف لا يحسد عليه، فمع انسحاب القوات الغربية من تلك الدولة التي باتت تحتل أولوية دنيا في سلم الصراعات الدولية، ولنية امريكا ومن خلفها بريطانيا وبعض الدول الأوروبية للتفرغ لحرب روسيا والصين في أقصى جنوب الشرق العالمي، وجد الشيعة في أفغانستان أنهم امام سيناريو قديم متجدد يتمثل بحرب وجودية استئصالية قد ترتكب بحقهم على يد طالبان، وما حادثة اعدام الجنود الشيعة وإطلاق سراح أقرانهم السنة ممن وقعوا أسرى للتنظيم ناحية دولة آباد في مدينة بلخ الأسبوع الذي تلا انسحاب القوات الغربية، إلا فلاش باگ (مشهد تمثيلي افتراضي لاحداث في زمن ماضي) لما واجهه الشيعة في تسعينيات القرن الماضي عندما تعرضوا لحرب إبادة وتطهير عرقي على يد التنظيمات الجهادية التي تقودها طالبان الإرهابية.
إذ تفنن طالبان في طرق إزهاق أرواح من يقع في أيديهم من الشيعة، ابتداء من قطع الرؤوس مرورا بالصلب والحرق واخيرا وليس اخرا دفن الرجال احياء منكسي الرأس، مع ترك الحديث عن سبي النساء واستعباد الاطفال.
حينها كان المجتمع الدولي وجميع الدول الإسلامية تغض الطرف عما يجري من مذابح بحق الشيعة، إن لم نقل أن بعضها كان يتشفى بمصير الروافض حسب وصفهم.
وايضا… لا يسعنا المقام لسرد مواقف تلك الدول، فالترك اولى من إثارة القروح أو تأليب مواجع الماضي، وان كان الحديث النبوي يشدد على أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
وهذا ما جرى على شيعة العراق منتصف العقد الماضي، إذ وقف الحليف الأمريكي الاستراتيجي متفرجا المذابح وعمليات التنكيل التي ارتكبها داعش بحق سكان القرى والمناطق الشيعية التي وقعت تحت قبضته.
خلاصة القول.. فالشيعة ليس لديهم سوى سواعدهم وعقولهم لدفع الضرر المحيق، فالغرب هو من اوجد الإرهاب وهو من دفع به لهذا الفحش الدموي، وهو من حاربه عندما اقتضت الضرورة، وها هو يطلق يده مجددا بعد أن أضفى عليه شرعية المفاوضات وجعل منه كيان محترما يتحتم القبول به، حتى وإن كان اسوء من مصاصي الدماء الذين اختلقتهم مخيلة هوليود.
فليس من المستبعد أن تطرح الولايات المتحدة غدا تنظيم داعش كمنظمة مجتمع مدني تمثل شريحة في العراق يجب التفاوض معها لاقتسام بغداد وتهديم أضرحة سامراء والنزول على شرعية جهاد النكاح كونه يمثل فتوى دينية ملزمة يجب على العراقيين القبول بها كتعبير حسن نوايا، واعترافا ضمنيا بحقوق الدواعش، فهم ليسوا أقل من المثليين أو اقل شجاعة.