LOGIN
المقالات
alshirazi.org
نصرة المظلوم ونشر العدالة مسؤولية الجميع
رمز 292
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 9 يناير 2016
شبكة النبأ: قد يكون الظلم فردياً، في حالة وقوعه على شخص واحد، وهو ظلم أهون بكثير من الظلم الجماعي، عندما يطول جماعة، قد تكون مجتمعاً كاملاً يشكّل ركناً من أركان الدولة الحديثة بحسب علماء ومفكّري السياسة، والظلم السياسي يعد من أصعب وأخطر أنواع الظلم التي يمكن أن يتعرّض لها الإنسان، لهذا السبب تدخّلت حتى الأديان الإلهية لكي تضع الخطوات الواضحة التي تحقّق للقائد السياسي ركائز العدالة وتمهّد له نشرها بين أفراد المجتمع فيما لو التزم بها من حيث الإيمان والتطبيق.

ولهذا بادر الدين الإسلامي إلى طرح وصايا ونصائح قدّمها لأولي الأمر، القادة السياسيين، لكي يحقّقوا العدالة بين الجميع، ويبتعدوا عن الظلم، جاءت هذه النصائح على شكل نصوص قرآنية، تعلّم السياسيين والحكّام على كيفية إدارة شؤون الناس ضمن مقاييس العدالة الاجتماعية والحقوقية والسياسية، ولعلّ المبدأ الأهم الذي وجّه به الإسلام العاملين في ميدان السياسة، هو مبدأ الشورى، كما ورد في الآية الكريمة (وأمرهم شورى بينهم).

الغرض من ذلك تقليل الظلم السياسي إلى أدنى حد ممكن، وهذا لا يمكن أن يتحقّق إلاّ عندما تكون الحكومة مكتسبة للشرعية، ونوع الحكومة هنا استشاري.

كما أكّد ذلك سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية)، إذ قال سماحته بوضوح تام: إن (الحكومة الإسلامية حكومة استشارية).

ومبدأ الاستشارة يلزم الحكومة بالتداول السلمي للسلطة، وهذا المبدأ يضمن عدم إلحاق الظلم السياسي بالمجتمع، لسبب واضح، أن مهمة الحكومة الأولى هي منع وقوع الظلم على الناس، وهذا الشرط لا يمكن أن يتحقّق إلاّ بمبدأ آخر هو نتاج حتمي لمبدأ الشورى، ونعني به مبدأ العدالة، لذلك ينبغي أن يكون نشر العدل مهمة أساسية للحكومة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: إن (وظيفة الحكومة الإسلامية تجاه الأمة هي حفظ العدل بين الناس). هذه هي النصائح والتوجيهات الواضحة التي قدّمها الإسلام لكل من يتخذ من السياسة عملاً له، حتى لا يزجّ نفسه في ظلم الشعب، لذلك من يعلن أنه حاكم إسلامي، عليه الالتزام القطعي بضوابط وتعاليم الإسلام الواضحة بخصوص السلطة وإدارة الدولة، فهنالك فارق كبير بين الدولة غير الإسلامية، وبين الدولة التي تعلن أنها تنتمي إلى الإسلام وتعمل وفق ضوابطه في مجال التعامل مع السلطة والابتعاد عن الظلم.

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (الدولة غير الإسلامية هي الدولة التي لا تحكم بالإسلام أي لا تطبّق قوانين الإسلام، وإن كانت تسمى نفسها إسلامية، فليس المهم الاسم بل التطبيق والعمل).

مساندة المظلوم ضد الظالم
الحاكم الظالم، هو من يصل إلى دفّة الحكم بالقوة الغاشمة، بعيداً عن الانتخابات ومبدأ الشورى، وهذا النوع من الحكّام هو مصدر الظلم الذي يطول الشعوب، لذلك غالباًَ ما يكون هؤلاء بلا كفاءة، ولا علم، ولا إنسانية، فهم دائماً بؤرة للظلم، ومع تقادم الزمن تجد أعداد المظلومين من سياساتهم وقراراتهم الحمقاء في تزايد، فمثل هؤلاء الحكّام الظالمين لا يستندون إلى ضوابط الدين في حكمهم، ولا إلى المبادئ التي تحقّق العدل بين الناس.

هؤلاء الحكّام الظالمون يصدرون أحكاماً ظالمة، تقوم على التعصّب والتطرّف والخوف من الرأي الآخر، لذا فإن حرية الرأي ترعب هؤلاء الحكّام الظالمين، كونها تهدّد سلطتهم، فيقومون بإصدار أحكامهم بعيداً عن العدالة، والمهم لديهم هو القضاء على الطرف المعارض لهم، عبر التصفية من خلال توجيه القضاء بإصدار أحكام ظالمة تقضي بتصفية المعارضين، وأقرب مثل على ذلك ما قامت به السلطات السعودية قبل أيام بتنفيذ حكم الإعدام برجل الدين المسالم الشيخ نمر النمر لمجرد انه دعى الحكومة إلى الإصلاح والكفّ عن مصادرة الحريّات.

لذا يرى سماحة المرجع الشيرازي أن احكاماً من هذا النوع غير واجبة الاتباع كونها تتناقض مع تعاليم الدين بوضوح تام، كما نقرأ ذلك في قول سماحته حول هذا الموضوع: (الأحكام التي تصدر عن الحاكم غير المنصوب من قبل الله أو شرائعه غير واجبة الاتِّباع، إلاّ في إطار الضرورة وخوف التهلكة فقط).

لذلك فإن الحكّام الذين يدّعون الإسلام ولا يعملون وفق تعاليمه، هؤلاء مسلمون بالاسم فقط، فلا يجوز اتّباعهم، لأن الحاكم ينبغي أن يراعي أحكام القرآن ويلتزم بها، أما إذا خالفها فسوف يتحول إلى حاكم ظالم يلحق الظلم بالأبرياء الذين ينبغي الوقف إلى جانبهم ونصرتهم ضد الظالمين، وهو ما يحدث اليوم فعلاً على الأرض عندما هبت جماهير واسعة من المسلمين في عدد كبير من الدول الإسلامية في مظاهرات واحتجاجات رافضة لما قام به حكّام آل سعود الظالمين، وهذه المظاهرات تدعو لنصرة الحق والحرية وتدعو للقصاص ممن اعدموا الشيخ نمر النمر من دون وجه حق، لذا فإن نصرة المظلوم أمر ينبغي أن لا يستهين به المسلمون تجاه الحاكم الظالم، الذي يدّعي الإسلام ولا يطبق فحوى تعاليمه.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (لا يكفي للحاكم أن يقول: إنني حاكم إسلامي، بل لا بد أن يكون مستنداً إلى القرآن والسنّة، فما لم يؤيّده القرآن والسنّة والمعصومون سلام الله عليهم ويقولون أنه من عند الله، فهو في واقعه غير إسلامي وإن تسمّى بالإسلام).

العدل في حكم الرعيّة
من هنا فإن الصفة الأساس التي ينبغي أن تتوافر في الحاكم، هي العدل، حتى لا يكون هناك مظلوم بسبب الرأي المعارض، أو قيامه بأي حقّ من حقوقه تكفله له الدولة الاستشارية القائمة على مبدأ الشورى، ولكن ينبغي على المسلمين أن يتحرّكوا لنصرة المظلومين بسبب القرارات السلطوية المجحفة، لأن الصمت سوف يجعل الحاكم يتنمر أكثر، لاسيما أن الصفات التي ينبغي توافرها في الحاكم شاقة وصعبة كونها تدعوه إلى الإيثار ونكران الذات وإهمال امتيازات السلطة، وهناك شروط ينبغي أن يتحلّى بها الحاكم حتى يستحق القيادة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي: إن (مواصفات الحاكم الإسلامي: أنه رجل مؤمن، متفقّه في الدين تماماً، يعرف شؤون الدنيا، ويتحلّى بالعدالة التامة، فمتى ما توفّرت في الإنسان هذه الشروط، ورضي به أكثر الناس صار حاكماً).

أما النتائج التي سوف تقطفها الأمة عندما ترفض الظلم وتنصر المظلوم ضد الظالم، فهي نتائج تصب في مجال بناء الحياة بصورة سليمة وتطويرها، وازدهارها، إن السلطة والحكم في ظل الحاكم العادل تعني غياب الظلم، وهذا جل ما يهدف إليه مبدأ الشورى من خلال قيام دولة المؤسسات، والوصول إلى السلطة بشكل سلمي، وتحديد صلاحيات الحاكم حول حرية الرأي والحفاظ على الحقوق وهي في مجملها مبادئ تنصر المظلوم ضد الحاكم الظالم.

وفي هذه الحالة سوف تُبنى حياة الأمة خير بناء، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (تزدهر الحياة، بجميع أبعادها وجوانبها، في ظل النظام الإسلامي العادل، فتُعمر الديار، وتُبنى الدور، وتزرع الأرض، وتتقدّم الصناعة، وتتوسع التجارة، وتتراكم الثروة، ويستقرّ الناس في جوٍّ لا ظلم فيه ولا جور، ولا عنف ولا إرهاب).