شبكة النبأ: بشهادة الخبراء والمختصّين المتابعين أن العراق لم يستقرّ على مدى قرن قريباً، فقد مضت على تأسيس الدولة العراقية قرابة المائة عام، وطوال هذه السنوات، عاش العراق أزمات سياسية واقتصادية وحروب ومجاعات وحصارات، وجرّب شعبه الجوع (والسلة التموينية)، والحرمان بأنواعه، وعدم الاستقرار بسبب البطش السياسي الذي كانت تمارسه الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، فأذاقت شعبه الأمرّين، وإلى يومنا هذا لم يزل العراق في حالة صراع مستمر مع القادة الذين لم يحسنوا إدارته.
هذا الأمر يستدعي أن يُبنى العراق من جديد، وفي المجالات كافة، لاسيما المجال السياسي والثقافي، وهذا الأمر لا يمكن أن يحدث من دون سعي وتخطيط، لذلك يتطلّب هذا الأمر التنبّه بقوة لما يجري الآن من مخطّطات لتدمير هذا البلد، وإلحاق الأذى بشعبه، لكي يتمّ التصدّي لهذه المخطّطات الخارجية التي تنفّذ بأذرع داخلية مأجورة!
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتاب (من عبق المرجعية) محذّراً الجميع حول الوضع في العراق: (ينبغي على الجميع الانتباه والالتفات لما يجري في العراق).
هناك طامعون غرباء بالعراق وخيراته وثرواته، دول كبرى ودوائر مستفيدة ومخابرات دول، واخرى حكومات طامعة إقليمية وبعيدة، كل هؤلاء لعابهم يسيل لخيرات العراق وثرواته الطبيعية، فيعملون على إضعاف العراق وشعبه، وخاصة الشباب، لإطفاء الهمم والقدرات، وجعل الشباب منشغل بثقافات وافدة تشلّ قدراتهم، وتجعلهم في حالة خمول وكسل، وتبعية تامة، مع فقدان القيم والشخصية الوطنية والإسلامية.
لذلك يحذّر سماحة المرجع الشيرازي من هذه المخاطر، فيقول سماحته: (غيرنا وغيركم وغير العراقيين من الآن ومن قبله يتجهّزون لأن يكونوا هم الذين يتولّون اقتصاد العراق، وثقافته ونشاطاته، فهل هم يحبّون العراق والعراقيين؟ كلا، هم يحبّون أنفسهم، يريدون ما تشتهي أنفسهم، هم يأتون إلى العراق في المستقبل بالفساد وبلغة الفساد، هم يأتون إلى العراق في المستقبل بإغواء الشباب وحرف أفكارهم عن أصول الدين، وأحكام الشرع المبين، وعن أخلاق الإسلام وآدابه).
كل كلمة لها قيمتها
وهكذا تتضح لنا خطورة الوضع العراقي وحتمية التخطيط للحفاظ على هذا البلد العريق من هذه الأطماع الدولية والإقليمية، وهذه المهمة لا يمكن أن يتصدّى لها سوى الشباب، هؤلاء هم أو المسؤولين على بناء البلد، وتحصينه من الاختراقات، وتخليصه من أسباب الضعف، وكشف من يقف وراء التدهور الحاصل في المجالات السياسية والاقتصادية، فالعراقيون هم الأولى بحماية بلدهم، ومن ثم العمل المنظّم لبنائه بالصورة المؤمّنة والسليمة.
لذا فالأولى بقضية بناء العراق، هم العراقيون أنفسهم، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله بالكتاب نفسه: (نحن العراقيين أولى من غيرنا للقيام بمهمة بناء العراق الجديد).
علماً أن جميع العراقيين من دون استثناء، يقع على كل فرد منهم دور معيّن في عملية البناء، مهما كان هذا الدور بسيطاً، لكنه بالنتيجة وبالتراكم سوف يصبّ في الاتجاه الصحيح، حتى الكلمة يمكن أن تفعل فعلها، وحسب المستطاع، لأن المهم في هذا المجال، أن يسهم الجميع في قضية بناء البلد وحمايته من الأطماع التي تحيق به.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (يجب علينا أن نقوم بدور مسؤولية بناء العراق، فإن مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة إلى جهود كثيرة وكثيرة، فكل إنسان من الممكن أن يكون شمعة في هذا المجال... وكل كلمة لها قيمتها، وكل عمل، فإنها مثل قطرات المطر؛ فإذا كثرت القطرات يتولّد عنها السيل الجارف).
إنّ هذا البلد الذي يعاني من مشكلات لا حصر لها، يحتاج إلى التعاون معه، مادياً ومعنوياً وفكرياً وعلمياً وعملياً، فمن دون هذا التعاون، قد يكون من الصعب على العراقيين الحفاظ على بلدهم، وبناء دولتهم المستقرّة القوية القادرة على حماية كيانها من الطامعين، وهم كثر كما أشرنا سابقاً، فالعراق الآن وشعبه إزاء محنة الإرهاب، والتفكّك، ومحاولات الطامعين في بث الفرقة والفتن بين أبنائه، يحتاجون إلى من يقف معهم ويصدّ معهم الهجمة الشرسة لتمزيق هذا البلد العريق.
هذه الحاجة المادية والمعنوية والفكرية، يحتاجها العراق اليوم وغداً، فهو في حالة من التذبذب وعدم الاستقرار، تستدعي من الجميع أن يقف وقفة رجل واحد، مؤمن وقوي وقادر على صدّ الهجمات الشرسة التي تحاول أن تطال وحدة العراق وكيانه، وتضعّف حكومته وشعبه، من أجل أن يخلو لها الجو، وتستطيع أن تصل إلى مآربها المعروفة، التي تتمثّل بالأطماع بثروات العراق وخيراته، على حساب شعبه، الذي وصلت فيه نسبة الفقر بحسب التصريحات الحكومية إلى 35% كما صرّحت وزارة التخطيط مؤخّراً.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (العراق بحاجة إلى سيل من المعنويات الماديّة والفكرية والعلمية والصحيّة، في هذا اليوم هو بحاجة إلى كل ذلك، وغداً أكثر احتياجاً إليها).
إرادة العمل والإخلاص لبناء العراق
إنّ الماضي يلقي بثقله على العراق والعراقيين، وأن أخطاء الحكومات السابقة، دفعت بهذا البلد نحو الخراب، وصنعت له مشكلات خطيرة ومزمنة في وقت واحد، لذلك فإن النواقص الكبيرة والكثيرة تحيط بهذا الشعب والبلد، ولذا هناك احتياجات كثيرة يعاني منها العراق، وهذا يتطلّب تعاوناً كبيراً بين العراقيين لتجاوز هذه الأوضاع المؤذية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (العراقي الذي عاش سنين متمادية في ظلام حالك، تطوّقه الاحتياجات الكثيرة من كل الجهات). إن النواقص يمكن أن نجدها في الاقتصاد والتعليم والسياسة والثقافة وسواها، لذلك ينبغي تحقيق التعاون بين الجميع، لمعالجة مكامن الضعف، ومنها الجانب الثقافي الذي يعاني من تصدّع واضح.
ونظراً لأهمية الثقافة في حياة المجتمع، وقدرتها على الإسهام في تحسين أداء الإنسان والدولة معاً، فهذا يستدعي إطلاق حملات ثقافية تساعد على بناء العراق، ولكن هذا الأمر يتطلّب إرادة حديدية وإخلاص منقطع النظير.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (في العراق حاجة ماسّة إلى برامج تثقيفية وتوجيهية، فكما ينقل... أن الشباب العراقي ... لديهم تعطّش للدين ولكنهم يفتقرون لوسائل الوصول للعلوم الدينية من الكتب والمدارس والجامعات).
من هنا فإن قضية بناء العراق، تبدأ بنا نحن أبناء هذا البلد، وعلينا أن نمسك بزمام المبادرة، ونقدّم ما مطلوب منّا بدقة وإخلاص وإرادة وكأننا نعمل لأنفسنا في بيوتنا وعائلاتنا، وعندما نشعر بهذا الشعور، ونؤدّي واجبنا تحت هذا الإحساس وهذه المسؤولية، فإننا سوف ننجح في مسعانا هذا، وهو يتركّز على بناء العراق، وحمايته من الطامعين.
لذا ينبغي أن نتعاون ونتحرّك جميعاً، بإصرار وتصميم عالي على ضمان مستقبل أفضل وأقوى للعراق والعراقيين، وهي مهمة جماعية، يتصدّى لها الجميع من دون استثناء، فالمهم هو ضمان مستقبل هذا البلد، وضمان وحدته، ونظامه الديمقراطي التعدّدي الذي يكون في نفس الوقت مصدر قوة للشعب والدولة، وحالة ردع لكل من يخطّط لأطماعه في هذا البلد وخيراته، على حساب شعبه الذي ذاق الأمرّين على مدى عقود طويلة وثقيلة، وبهذا فإن مسؤولية بناء العراق، تقع على أبنائه بالدرجة الأولى.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (يلزمنا جميعاً العمل على بناء العراق الجديد بأن نمسك بزمام المبادرة، ونعمل بنفس تلك الدرجة من المسؤولية التي نحسّها بإزاء أسرنا وأبنائنا، لضمان مستقبل العراق).