شبكة النبأ: السعي لبناء العالم بصورة أفضل، مسعى يهدف إليه الفضلاء، ويخطّط له دعاة الخير والمحبّة والسلام، وفي هذا المجال يرى سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، أن عالمنا اليوم فيه الكثير من المشاكل والنواقص، لاسيما في مجال الحقوق السياسية، فهناك ظلم واضح في هذا الجانب يلحق بحقوق الإنسان، حيث تسود ثقافة العنف والتجاوز على حريات الناس، خاصة أصحاب الرأي المعارض، فهؤلاء مستهدَفون دائماً من الحكومات والأنظمة السياسية التي لا تراعي هذا الحق.
علماً أن الأمر لا يتعلّق بالنظام السياسي وحده، بل المنظومة الفكرية والسلوكية للعالم أجمع، إذ أنها هي المسؤولة عن هذا النوع من التجاوزات، فالهدف كما يقترح ويرى سماحة المرجع الشيرازي، هو بناء عالم أفضل، يسوده الأمن وينتهي فيه الخوف، ليعيش الإنسان مطمئناً في عموم العالم، بغضّ النظر عن ماهيّة انتمائه وطبيعة هويته ورأيه، فالمهم في رأي سماحته هو صنع عالم آمن يأوي البشرية بلا خوف.
وهذا وفق رأي سماحة المرجع الشيرازي، يتطلّب جهوداً كبرى يشترك فيها (العالم أجمع)، لتحقيق الهدف الأهم في حياة البشرية ألا وهو (نشر الثقافة الإنسانية)، فإذا تمكّن الإنسان من نشر هذه الثقافة في ربوع العالم أجمع، فإنّه يكون قد حقّق قفزة كبرى في مجال صنع العالم الآمن للبشرية كلها.
لكن للأسف واقع الحال الإسلامي والعربي وحتى العالمي لا يبشّر بوجود هذه البيئة الآمنة التي تحفظ للإنسان حقّه في الرأي المعارض، مع تحقيق شرط الأمن، ففي عالمنا اليوم إذا أردت أن تعيش آمناً عليك أن تخضع للحاكم وللنظام السياسي الفاشل، أي هو صمت بخنوع مقابل حالة كاذبة من الأمن السياسي والاجتماعي، الدليل على هذا القول، التجارب السياسية التي عانى منها المسلمون والعراقيون وغيرهم من الأنظمة الفردية.
ويذكر سماحة المرجع الشيرازي في هذا الإطار مثالاً من واقعنا وتاريخنا، عن العنف السياسي وشيوع حالة الخوف بين الناس، حيث يقول سماحته في إحدى كلماته القيّمة: (في النصف الأخير من القرن الماضي الذي عاشه كثير من الناس وأنا عشته أيضاً، قامت العشرات من الثورات في البلاد الإسلامية، وكل ثورة، ومع شديد الأسف، بعدها نصبت أعواد المشانق، وقُتل الألوف والألوف، وأُعدموا. أما رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن له قتيل سياسي واحد. وأمير المؤمنين صلوات الله عليه، رغم كل المشكلات التي فرضت عليه، لم يكن في طول تاريخه قتيل سياسي واحد).
العيش بعيداً عن الخوف
عند التدقيق في المجريات السياسية، والعلاقات الاقتصادية، وفي مشهد الحركة اليومية للعلاقات بين الدول مع بعضها من جهة، وبين الحكومات وشعوبها من جهة أخرى، فإننا في الواقع سوف نرى ما لا يسرّ العين ولا يطمئن البال، إن بؤر الصراع والموت والحرائق والمجاعات والتهجير والبحث عن أماكن آمنة في بقاع مختلفة من الأرض، هو المشهد الذي يميّز كوكب الأرض الآن، إن الخوف يملأ الأرض وأن القول بغير هذا نوع من الكذب على النفس.
هناك مشكلة تواجهها البشرية، لذلك علينا أن نعيد صياغة العالم بصورة أفضل، تحقّق لنا أولاً المكان الآمن أو الوطن الآمن، وهذا الهدف من المحال أن يتحقّق من دون حالة من الوئام تسود بين الحاكم والمحكوم، وهذه القضية لا يمكن أن تتحقّق ما لم نسعَ إلى نشر الثقافة الإنسانية، فالحفاظ على الحقوق السياسية لا يمكن أن يتحقّق إلاّ عبر بوابة (الثقافة الإنسانية) في العالم أجمع.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إنّ حفظ الحقوق السياسية وحرية الرأي (يجب أن تُعاد على صعيد العالم كلّه. وهذا بحاجة إلى نشر الثقافة الإنسانية، وثقافة الفضيلة، وثقافة أقصى التّحدي، وأقوى الثبات في إطار الفضيلة. فإذا انتشرت هذه الثقافة في العالم كله، فآنذاك سترون انه سيدخل في التشيّع، في عالم المستقبل، وفي دنيا المستقبل، الملايين والملايين).
إنّ مثل هذه الأهداف قد تبدو مثالية، أو ليست واقعية، ولكن تاريخنا الإسلامي والبشري يدلّ على أن العالم كان يعيش في بيئة سياسية آمنة، وفيه ينام الفرد مطمئناً في بيته، ويعيش حياته بلا خوف، كما يؤكّد لنا ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (ففي طيلة حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله لم يسجّل التاريخ ان شخصاً واحداً بات خائفاً من رسول الله صلى الله عليه وآله. وفي طول حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، لم ينقل التاريخ ولم يسجّل ان شخصاً واحداً بات خائفاً من أمير المؤمنين صلوات الله عليه. ولكن اليوم كيف يعيش العالم؟ فكم مليون من الناس يعيشون خائفين؟ لا شكّ انهم عشرات ومئات الملايين. فلماذا يعيش هكذا الناس؟).
العالم سوف ينعم بالأمن
إرادة الإنسان جديرة بالاحترام، وهي تقدّم دائماً أمثلة جيدة عن الصبر والأمل والإصرار على تحقيق عالم أفضل، ولعل الشيعة يمتلكون مزايا هذا الإصرار على المساهمة في صنع العالم الأفضل، فقد عرفنا عن الشيعة مواجهتهم للمشكلات الصعبة بثبات وإيمان، وعرفنا عنهم سعيهم نحو نشر الثقافة الإنسانية التي تحفظ حقوق الناس من دون تمييز أو غبن، كما أن الشيء الأهم مما عرف عن الشيعة أنهم يربؤون بأنفسهم عن ظلم الآخرين، ولا يمكن أن يكونوا سبباً في إلحاق الضّرر بإنسان، إنهم يمتلكون الثبات والتحدّي وهذا يجعلهم في صدارة من يسعى إلى بناء عالم آمن تحفظ فيه الحقوق من الانتهاك والتجاوز.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (الشيعة بحاجة إلى أن يبيّنوا للعالم أنهم أبطال التحدّيات ورجال الفضيلة. وبحاجة إلى أن يكونوا متّحدين، ولا يخضعوا ولا يركعوا لأيّة مشكلة، وفي الوقت نفسه لا يخرجوا عن إطار الفضيلة، ولا يظلموا أحداً بشيء. فنجاة العالم من هذه المشكلات الكثيرة والكبيرة، في البلاد الإسلامية مع شديد الأسف، وحتى في البلاد غير الإسلامية، هو في هاتين الكلمتين، أي الثبات والتحدّي المقيّدين بالفضيلة).
إنّ الأمل بتغيير العالم سيبقى قائماً، ليس من باب التمنّي فحسب، إنما من باب السعي في هذا الاتجاه، لاسيما إذا آمن الإنسان في قضية جوهرية وسعى من أجل تحقيقها، وهي قضية نشر الثقافة الإنسانية، كما أكّد على ذلك سماحة المرجع الشيرازي، فهذه الثقافة إذا أصبحت أمراً واقعاً بين بني البشرية، فإنّ العالم سوف يكون بيئة آمنة ينتفي فيها الخوف، وهذا بالضبط هو السبيل إلى خلق حالة من التجانس بين السلطة والشعب، والقوي والضعيف، والغني والفقير، وبين جميع الأضداد، وهذا يصبّ في صالح البيئة الآمن.
ولكن يبقى حجر الزاوية في هذا المجال، هو تعميم الثقافة الإنسانية في عموم العالم، ونشرها بين جميع الشعوب والأمم من دون استثناء، مع استخدام كل الأساليب واللغات العالمية ومشاركة الجميع في هذا الإطار، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الأمر: (إذا عمّمت هذه الثقافة في العالم ونشرت في العالم في فترة مناسبة وبأساليب مناسبة وجيدة، وبتغطية عالمية واسعة، وباللغات المختلفة التي يعرفها الكل، أي كلّ بلغته، آنذاك سينعم العالم بما نعم به من عاشوا في حكومة رسول الله وحكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما).