LOGIN
المقالات
alshirazi.org
لا تسحق ضميرك ومعتقدك كي لا تكون ظالماً
رمز 302
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 29 مارس 2016
شبكة النبأ: أثبتت دراسات متخصّصة في علم الاجتماع والجريمة، وبيّنت استطلاعات وتحقيقات واستبيانات، أن القانون الوضعي لا يتصدّر الكوابح التي تمنع الإنسان من ارتكاب الجريمة، إنما الضمير والمعتقد هما اللذان يضاعفان حصانة الإنسان وإرادته من الانزلاق في مستنقع الجريمة أو الظلم، بكلمة واضحة، إذا كان ضمير الإنسان حيّاً، وكان معتقده راسخاً، فلا خوف عليه من الانحراف نحو الظلم، والعكس يصحّ، أي إذا سحق الإنسان ضميره ومعتقده تحوّل إلى وحش.

في هذه الحالة يكون المعتقد أكثر قدرة على حفظ عقل الإنسان من التخريب، ويكون معتقده مصدّاً ضد أفكار الانحراف، وكابح فعال ضد دوافع الانحراف بكل أشكالها، ومع أهمية الضوابط الأخرى، والروادع المختلفة، إلاّ أن الضمير الحي والمعتقد الراسخ يشكّلان صمام أمان للإنسان ضد السقوط في فخّ الظلم والجريمة والتجاوز على من هو أضعف وأقلّ حيلة أو فطنة أو قدرة ممن تدفعهم نفوسهم نحو اقتراف الجريمة.

بصريح العبارة، إذا أردت أيها الإنسان أن تحفظ نفسك من الانزلاق في الظلم والجريمة، ضاعف من قوة معتقدك أكثر فأكثر، واجعل ضميرك حيّاً متيقّظاً على الدوام، فبهذه الطريقة وحدها تستطيع أن تبعد نفسك عن السوء وعن الجزاء الأسوأ الذي يناله المسيؤون.

قال سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته التوجيهية إلى مجموعة من الموظّفين والأساتذة العلميين، ومن خلالهم إلى المسلمين كافة: (إنّ الله تعالى خلق كائناً باسم (الإنسان)، وأودع فيه العجائب. ومنها أنه تعالى جعل في الإنسان القليل من القوى الظالمة، وهي النفس الأمّارة بالسوء التي أشار إليها القرآن الكريم. وجعل فيه أقوى قوة خير، بعد المعنويات، وهي العقل، وبعبارة أقرب المعتقدات. فكل إنسان له معتقدات).

علماً أن هامش الاختيار لدى الإنسان كبير جدّاً، فهو حرّ في اختياره بين أن يكون صالحاً ملتزماً، أو طالحاً ظالماً، وهذا يتبع بطبيعة الحال، قدرته على تحصين ضميره من حالات الانحدار نحو الضعف، والركون إلى الرذيلة، والخضوع إلى أوامر النفس الأمّارة وأهوائها ورغباتها التي غالباً ما تقود صاحبها إلى المهالك.

وقد ضرب سماحة المرجع الشيرازي مثلاً حول هذا الموضوع عندما قال في كلمته نفسها: (قاتل الحسين صلوات الله عليه، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله كان صاحب معتقدات، وسيعذّب الله تعالى شمراً لأنه جعل معتقداته تحت أقدامه. وكذلك قاطع الطريق، حينما يسرق ويقتل ويجني، له معتقد أيضاً، لكنه يسحقها أو سحقها. فلو تأمّل قاطع الطريق مع نفسه قليلاً بأنه لو كان مكان أحد الذين يتعرّضون للسرقة، فهل سيعتقد بأن هذا الفعل، أي السرقة، هو شيء حسن أم لا؟ لا شكّ سيكون جواب قلبه وعقله بأن هذا الفعل هو سيئ وقبيح).

لله الحجة البالغة
إنّ الله سبحانه وتعالى، جعل لكل إنسان قدرة على الفرز بين الخير والشر، وقدرة على تحقيق ذلك بوساطة البصر والبصيرة، ففي التركيب التكويني للإنسان هناك نسبة قليلة من الشر، والنسبة الأكبر تكون للخير، وهكذا يكون بمقدور الإنسان أن يختار إلى أين يصطف، فالدار الأولى هي قاعة اختبار، وهي القنطرة التي تقود الإنسان إلى الدار الأخرى، دار البقاء، فأما أن يتجاوز الاختبار بسلام، أو يفشل لا سمح الله، ولكن في كل الأحوال يعود الأمر للإنسان نفسه، فهو الذي يمكنه إنقاذ نفسه أو رميها إلى التهلكة.

وهناك وسائل وسبل لهذا الاختبار العصيب، ونقول عصيباً لأنه يحتاج إلى مقارعة النفس وردّها، ورفض أهوائها كونها تدفع بالإنسان نحو هذه الرغبات التي قد تؤدي بالإنسان إلى الفخ، فالمال مثلاً أحد هذه السبل نحو الانحراف إذا كان تحصيله عن طريق السحت الحرام، وسوء استخدام العلم كذلك واستخدام القدرة البدنية وما شابه.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (من الاختبار في الدنيا المال، والعلم، والقدرة البدنية، والحكومة، والفقر، والجهل، وذلك لقوله تعالى: (لننظر كيف تعملون). ولهذا توجد في القرآن الكريم آية رفيعة جدّاً، وهي قوله عزّ من قائل: (فلله الحجّة البالغة). أي لا يدخل أحد النار يوم القيامة إلاّ وهو يعلم أنه لا يستحقّ إلاّ النار وفقاً لما جعله الله من أساس ومعتقد في الإنسان الداخل للنار).

ومن مفارقات هذه الدنيا العجيبة، أنه قد يكون هناك صديقان متلازمان، يعيشان في ظروف وبيئة واحدن، ولكن بالنتيجة، أحدهما يذهب نحو الانحراف والظلم والجريمة، والآخر يختار الفضيلة والحق ونبذ الظلم، أما السبب في ذلك، فإن الأول سحق ضميره ودمّر معتقده ولذلك صار مجرماً ظالماً ألحق الأذى بالناس من دون وجه حقّ، فصار يستحق الجزاء الذي يستحقّه المجرمون والظالمون.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب بكلمته نفسها: (كما ان في اختبار الدنيا، أن ترى شخصين كانا صديقين لسنين طويلة، وكانا مع بعض، ومن مدينة واحدة، ولكن أحدهما صار حبيب بن مظاهر، والآخر شمر بن ذي الجوشن. فكل واحد منهما صار كما صار، باختياره وبإرادته).

الأنبياء بيّنوا الطريق الصحيح
إذاً يبقى الخيار في هذه الحياة الدنيا بيد الإنسان نفسه، لذلك عليه أن يحذر أشدّ الحذر، وعليه أن يجيد الاختيار، حتى لا يسقط في فخ الظلم، فإذا كان حاكماً عليه أن لا يسحق ضميره ولا ينسى معتقده أو يتنكّر له، أو يستخدمه غطاء حتى يحقّق من خلاله مآرب مادية دنيوية دنيئة لا تليق بالمؤمنين، لقد كان الإمام علي عليه السلام حاكماً على دولة مترامية الأطراف تعادل في مقاييس اليوم (50) دولة، وكان يسكنها شعب كبير، ومع ذلك لم يكن هناك من ينام خائف أو غير مطمئن على حياته مثلما يحدث اليوم في كثير من الدول الإسلامية والعربية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حيث لم يذكر التاريخ ان أحداً من الناس، قد بات ليلة من ليالي حياته، وهو خائفاً من الإمام صلوات الله عليه، وخصوصاً أيام حكومة الإمام صلوات الله عليه، التي امتدّت رقعتها في ذلك الزمان، على خمسين دولة من دول عالم اليوم. وهذا لا نظير له في التاريخ ولا في الدنيا كلّها، أيضاً).

فالمطلوب إذاً هو أن لا تسحق ضميرك، ولا تهمل معتقدك أو تجعله خلف ظهرك، أو تستعمل هذا المعتقد لمصالح دنيوية زائلة، بل المطلوب أن تحصّن ضميرك من الخلل والزلل، ومع ان الكلام هنا للجميع، ولكن المسؤول والقائد هو أكثر حاجة من سواه لمثل هذا الكلام، لأن قراراته وأفكاره وسلوكه قد يحسن لأناس كثيرين (أمة أو شعب أو مجتمع)، وقد يسيء لهم ويؤذيهم، تبعاً لتعامل القائد والمسؤول مع ضميره ومعتقده.

علماً أن الله تعالى أوضح للجميع بلا استثناء، سبل الصلاح، من سواها، وكل إنسان يعرف تمام المعرفة طرق الضلال، وعليه أن يجتنّبها، لهذا ما على الإنسان سوى التمسّك بالمعتقد، ودعم الضمير وحمايته حتى يعبر (قاعدة الاختبار/ الدنيا)، بسلام إلى دار البقاء والسلام الأبدي.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع بكلمته المذكورة نفسها: (لقد أرسل الله تعالى الرسل وبعث الأنبياء ليبيّنوا للناس الطريق الصحيح، والطريق الخطأ، حتى لا يحتجّ الناس على الله تعالى).