LOGIN
المقالات
alshirazi.org
ثالوث النجاح الإخلاص والنشاط والأخلاق الحسنة
رمز 308
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 10 مايو 2016
شبكة النبأ: النجاح معنوي ومادي، نظري وتطبيقي، علم وعمل، إذا فقدنا العلم لا فائدة في العمل ويصح العكس، إذا نجحنا مادياً وفشلنا معنوياً لا فائدة في النجاح، العالِم الذي يحقّق ابتكاراً، لا فائدة من ابتكاره إذا لم يكن قابلاً للتطبيق العملي، العلماء الذين يبتكرون الجديد ويحصدون الجوائز بابتكاراتهم، لابد أن يتحقّق عنصر التطبيق العملي للعلم في ابتكارهم، وبالنتيجة عندما يحصل هذا النوع من النجاح المزدوج، المادي الفكري، فإنه يمهّد لنجاح الإنسان في الاختبار الإلهي، فينال مرضاة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وآل بيت الرسول الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، هذا هو النجاح الحقيقي الذي يعبر بالإنسان من الدار الأولى إلى الأخرى بنجاح.

من الناحية العملية هناك ركائز مهمة تستند إليها قابلية الإنسان وطاقاته الظاهرة والكامنة أيضاً، لاسيما أن الله تعالى خلق الإنسان في (أحسن تقويم) وأكرمه وميّزه عن جميع الكائنات، وأودع فيه طاقة وقابلية كبيرة، فإذا تمكّن من استخدامها بصورة صحيحة سوف يتمكّن من تحقيق النجاح المطلوب.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) عندما قال في إحدى كلماته القيّمة الموجّهة للمسلمين: (إنّ الله سبحانه وتعالى أودع في كل إنسان، منتهى القابلية الكبيرة، والطاقة الكبيرة. وهاتان بحاجة إلى تفعيل، كالمعادن، مثل الذهب والفضّة، الموجودة في الصخور، فهي بحاجة إلى استخراج وتفعيل لكي تعرض للناس. وهكذا على الإنسان أن يفعّل ما أودعه الله تعالى فيه. فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم).

إنّ قضية تحريك الطاقات واستثمارها تحتاج إلى مبادرات ذاتية متواصلة من الإنسان نفسه، فهو المسؤول عن تفعيل هذه الطاقات الكبيرة التي أودعها الله في أعماقه، وتكوينه، فإذا نجح في مسعاه هذا يكون قد حقّق أهم الأهداف في حياته، وهي مرضاة الله تعالى من خلال استفادة الإنسان مما منحه له الباري عزّ وجلّ، ولكن ينبغي أن يفهم الإنسان أن قضية تفعيل وتحريك الطاقات الكامنة له ليس بالأمر السهل أو الهيّن، بل ينبغي أن يتمكّن الإنسان من تحقيق الشروط والأمور التي تقوده إلى النجاح.

فهناك ثلاثة أمور أوضحها سماحة المرجع الشيرازي في توجيهاته، بقوله: (إنّ تفعيل قابلية وطاقة الإنسان بحاجة إلى الأمور الثلاثة التالية: الأول: الإخلاص لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم. فعلى الإنسان أن يتوكّل على الله تعالى في كل الأمور، ويبدأ من الله ومن أهل البيت، وينتهي إلى الله تعإلى وإلى أهل البيت صلوات الله عليهم). وهناك أمر ثاني يتعلّق بنشاط الإنسان نفسه، كما يضيف سماحته في قوله: الأمر (الثاني: النشاط. يجدر بالإنسان أن يكثر من النشاط في عمله لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم. فرغم كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والعائلية والصحيّة لا سمح الله، على الإنسان أن يلقّن نفسه بالنشاط دوماً. وإلاّ فالمشاكل تجعل الإنسان في آخر القافلة).

الأخلاق الحسنة
وثالث الأمور التي يتمكّن الإنسان من خلالها تحقيق النجاح المطلوب هو الأخلاق، وهذا يعني أن يتعامل الإنسان مع أقرانه وأهله وأصدقائه والعاملين معه والناس عموماً بأخلاق إنسانية عالية تؤكّد إنسانيته وتواضعه ومحبّته للناس والتسامح معهم والتشجيع على التعايش والتعاون والتكافل ونشر قيم الخير والحرية والجمال، وكل القيم التي من شأنها تحسين حياة الإنسان وتطويرها ومنحها الاستقرار اللازم للإبداع في مجالات الحياة المتنوّعة.

حيث يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي عندما يقول بوضوح في كلمته المذكورة نفسها: الأمر (الثالث: الأخلاق الحسنة. وذلك بمستوى ما يقوله القرآن الكريم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) سورة المؤمنون: الآية96).

هذا هو الثالوث الذي ينبغي أن يستند إليه الإنسان في جميع أعماله ونشاطاته (الإخلاص، النشاط، الأخلاق)، من أجل ضمان نتيجة مرموقة يتطلّع إليها الجميع خلال حياتهم الطويلة، ومن يتمكّن من التحلّي بهذه الأمور الثلاثة فهو من الناس الموفّقين، وهذا النوع من الناس يحتاجه المسلمون ليس في العراق وإيران فقط، وإنما العالم أجمع يحتاج هذا النوع من الناس، لأن الإخلاص يعني أننا إزاء إنسان نزيه غير أناني يحبّ الآخرين مثل نفسه أو أكثر، بالإضافة إلى انه قوي متعدّد المواهب والأفكار من خلال نشاطه، وكل هذا ضمن إطار أخلاقي عالي، حيث يتوفّر ثلاثي الإخلاص، والنشاط، والأخلاق في كيان الإنسان، فيكون هو المطلوب في عالمنا الراهن الذي يبحث اليوم عن هكذا أناس تأخذ به إلى برّ الأمان والتعايش والسلام.

هذا هو الإنسان الناجح، الذي يمتلك هذه الأمور ويعتمدها في حياته، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (من تحلّى بتلك الأمور الثلاثة فهو إنسان موفّق. واعلموا ان العالم بأجمعه بحاجة إلى مؤمنين فعّالين، وليس العراق فقط أو إيران أو الخليج).

لا تركضوا وراء الماديات
وهناك سمة نجدها لدى الإنسان الناجح المتوازن، يمكن توصيفها، بعدم اللهاث وراء الماديات، فعندما يتمكّن الإنسان من السيطرة على نفسه في هذا الجانب، فإنه سيكون إنساناً متميّزاً، لأن الماديات هي أكثر الأشياء والأهداف التي تشغل الإنسان المعاصر بسبب انتشار الأجواء المادية، والعلاقات التي تقوم على الفائدة المادية، وقلما نجد من يتنبّه إلى أهمية الجانب الآخر غير المادي.

إنّ الرفاه وإن كان من حق الإنسان، ولكن ينبغي أن لا يكون شغله الشاغل، ولا يصحّ أن يركض وراء هذا الهدف متناسياً الأهداف الأهم، بحجّة أن العصر (مادي)، ويستدعي أن يلهث الناس وراء تحقيق الحاجيات والنواقص المادية، هذا الكلام ليس دقيقاً، ينبغي الموازنة في هذا الجانب، فمثلما هناك لهاث (مادي) ينبغي أن يقابله لهاث في المسار الآخر (الروحي، الأخلاقي، المعنوي) ولابد للإنسان أن يدعم جانب الإيمان في أعماقه، قد يبدو هذا الهدف صعب التحقيق، ويحتاج إلى جهود كبيرة خاصة في مجال ترويض رغبات النفس، ولكنه ممكن، إذ يتمكّن الإنسان من تحقيق هذا الهدف.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (على الإنسان، أن لا يركض دائماً وراء الراحة والرفاه بالماديات فقط، وأن لا يركض وراء كل ما يطلبه من ذلك، ولا يغتاض أو يتذمّر من عدم نيله ما يريد أو كل ما يريد. نعم هذا أمر صعب، ولكنه يسهل بالعزم).

وهناك أهمية خاصة تتعلّق بالشباب، على المسؤولين والمعنيين الاهتمام بالشباب، ليس الشيعة فقط، بل شباب العالم أجمع من كل الديانات، المطلوب هو ارتباطهم بمدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم، وهذا ليس بالمحال، بل يمكن تحقيقه من خلال نشر القيم الإنسانية العظيمة لأئمة أهل البيت، وسيرتهم المليئة بهذه القيم، فالشباب متعطّشون لمثل هذه القيم، ويحتاجون إليها، خاصة أنهم يعيشون في عالم مغرق بالماديات، وخال بصورة شبه تامة من القيم الإنسانية التي يمكن أن تنقذ الشباب من الضياع والتيه في العالم (المادي) البحت، كما يحدث الآن في معظم دول العالم، والمثال على ذلك (الغرب ومن يحاول تقليده من أهل الشرق)، لذا علينا الاهتمام بالشباب من هذه الناحية.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (علينا جميعاً أن نعمل أكثر وأكثر على ارتباط الشباب بأهل البيت صلوات الله عليهم، ولا أقصد شباب الشيعة فقط، أو المسلمين، بل حتى شباب الوثنيين وعبّاد الأوثان، وما شابههم).