LOGIN
المقالات
alshirazi.org
العظماء هم يصنعون العظمة لأنفسهم
رمز 323
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 27 أغسطس 2016
شبكة النبأ: العظيم هو الإنسان الذي يثبت عظمته من خلال رحلته في الحياة، ويتم إثبات العظمة بالمواقف والإنجازات الكبيرة التي تُسهم في تغيير حياة الأمة نحو الأفضل، ولكن يبقى التميّز صناعة ذاتية، وتبقى العظمة قضية فردية، لا يتمكّن من تحقيقها إلاّ أولئك الأشخاص العصاميون الذين يمتلكون القدرة على تحقيق العظمة لأنفسهم، عبر سعيهم الدؤوب واستمرارهم في مواصلة الابتكار والتطوير مع الإصرار والمطاولة في التجريب المتكرّر، وصولاً إلى النتائج الكبرى.
في هذا المضمار، جاء في كلمة توجيهية قيمة لسماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) أثناء زيارة وفد من الأكاديميين في جامعة كربلاء لسماحته، فقال مخاطباً الضيوف: (لا يولد العظماء وهم عظماء، بل يولدون كسائر الناس، ولكن هم يصنعون العظمة لأنفسهم بأنفسهم. فالعظمة لا تُباع ولا تُشترى بل تُصنع).
ويبقى الأكاديميون في المقدمة دائماً، فيما يتعلّق بتربية الشباب وفتح أبواب المستقبل أمامهم، مع مساعدتهم على شقّ طريق حياتهم بأفضل السبل والوسائل، على أن تكون التربية في طريقين أو ضمن أسلوبين، الأول من خلال القول والكلام التعليمي التربوي التوجيهي، والطريق الثاني هو الأسلوب العملي القادر على تحويل الأفكار والأقوال إلى أعمال وأفعال مرئية ومحسوسة.
فقد قال سماحة المرجع الشيرازي مخاطباً ضيوفه من الأكاديميين في جامعة كربلاء: (اسعوا إلى تربية الشباب بالقول والعمل).
وهذا يعني أن هناك نوعاً من التركيز على شباب كربلاء، فهؤلاء الشباب ينتمون إلى مدينة متميّزة، مدينة اكتسبت عظمتها من الرمز العظيم الذي تشرّفت به وتطهّرت بدمائه الزكية، دم الشهادة الخالد، ذلك الدم الذي سال من أجل حرية الإنسان وهو يخوض صراع الحياة مع الاستبداد الأموي الذي انحرف بقيم الإسلام في الاتجاه الخاطئ.
وشباب كربلاء المنتمون إلى هذه الأرض العظيمة الطاهرة، ينبغي أن يتميّزوا كما هي أرضهم، ومدينتهم، وإمامهم رمزهم الخالد الذي قاوم الظلم الأموي حتى آخر لحظة من حياته، فصنع العظمة لذاته وللمدينة التي سطع في ثراها دمه وجسده الطاهر، لذا فإنّ شباب كربلاء ينبغي أن يكونوا في المقدمة دائماً، ويكونوا النموذج القادر على صناعة الخلود والعظمة والتميّز، فمجرّد الانتماء إلى كربلاء المقدسة، يعني أن الأكاديميين وأصحاب العلم إزاء مسؤولية كبرى.
أرض كربلاء عظيمة
لقد جعل الله أرض كربلاء أرضاً عظيمة، من هنا فإن كل من ينتمي إلى هذه الأرض ينبغي أن يتسامى كيانه ووجوده نحو هذه الميزة الخالدة لكربلاء، فأهل هذه المدينة المقدّسة لابد أن يكونوا مثلها، ويقاربون عظمتها التي مُنحت لها منذ أن احتضن ثراها الإمام الحسين، ونهض في ربوعها مرقده الشرف، وشعَّت أنوار الحسين صلوات الله عليه في قلب هذه المدينة، لتتحوّل إلى رمز جغرافي ينبض بروح الحسين صلوات الله عليه، ويشع بمبادئه العظيمة.
ومن هذه المكانة التي لا قرين لها في العالم أجمع، ينبغي أن يأخذ أهل كربلاء وكل من يسكن هذه الأرض الخالدة، مكانته وقدرته على أن يكون مؤثّراً في الآخرين، حاملاً للفكر العظيم، والأخلاقيات السامية، والقيم العظيمة، وكل هذا متاح للإنسان الذي يجد نفسه في نعيم كربلاء، لينتمي إلى هذه المدينة التي ضمّت في حناياها وثراها دم الحسين سيد الشهداء صلوات الله عليه.
في كلمته القيمة لضيوفه من الأكاديميين قال سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ الله تعالى جعل أرض كربلاء أرضاً عظيمة، وهكذا ترابها. وهكذا يجب أن يكون أهل كربلاء، وبالأخصّ شباب كربلاء). نعم ينبغي أن يصنع أهالي كربلاء عظمتهم بأنفسهم، أما دور الشباب في هذا المجال، فهو المتقدّم على سواه دائماً وأبداً.
وقد خاطب سماحة المرجع الشيرازي ضيوفه من التربويين الأكاديميين، مذكّراً إيّاهم بذلك الدور الكبير المنوط بهم، وبتلك المسؤولية العظيمة التي تقع على عاتقهم، فمن ينتمي إلى مدينة كربلاء المقدّسة، إلى هذا الصرح العظيم، ليس أمامه سوى أن يطاول هذه القامة العظيمة، وإذا كان يحمل شرف التعليم الأكاديمي والتربوي، فإنّ مسؤوليته ستكون مضاعفة، لأن الأكاديمي تقع عليه مسؤولية كبرى كي يصنع شباباً عظماء في كربلاء المجد والإباء، وقد حدث مثل هذا الإنجاب للعظماء من كربلاء على مرّ تاريخ هذه المدينة.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي لضيوفه من الأكاديميين: إنّ (كربلاء خرّجت الكثير من العظماء، وهكذا يجب أن تكون الآن. ومسؤوليتكم في هذا الخصوص مسؤولية كبيرة).
شباب العراق شخصيات المستقبل
ثمّة شواهد تؤكّد عظمة كربلاء المجد، فهذه المدينة التي تألّقت بالقيم العظيمة على مرّ التاريخ، وسطعت مواقفها الخالدة حاضراً وفي بطون التاريخ، تجدها دائمة الزهو والألق بما حقّقت وما ستحقّق في مجال التميّز والكبرياء، فهي قطعة من كوكب الأرض قادرة على أن تمنح من يسكنها كلّ البهاء والتميّز، لهذا تجدها (كعبة) المسلمين من كل أرجاء العالم، بل هي أرض تثير شهية سكان الأرض لزيارتها كي يلمسوا بأيديهم مكانتها العظيمة.
إنّ هذه البقعة من الأرض التي ضمّت بين ذرات ترابها رمزاً عظيماً هو سبط النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، لقادرة على أن تمنح من يؤمن بها ويتأثّر بطقوسها وحضورها المتميّز، كل ما يستحقّ من رفعة وعظمة، وهذا هو السبب الذي يقف وراء تدفق ملايين الزوّار الكرام عليها من أصقاع المعمورة كافّة.
لقد أورد سماحة المرجع الشيرازي قصّة حقيقية سردها لضيوفه الكرام من الأكاديميين كي يكونوا على اطلاع مباشر وواضح على تأثير هذه المدينة في من يسكنها وتفرّد مكانتها، حينما قال سماحته لضيوفه من أكاديميي جامعة كربلاء: (قبل فترة زارني أحد الشخصيات العلمية، وهو من أفغانستان ولكن مقيماً في إحدى الدول الأوروبية. فقال لي: لقد تغيّرتُ بسبب مواقف رأيتها في كثير من المواطن والأماكن، ولكن التغيير الذي حصل لي في كربلاء كان كبيراً جدّاً، وأثره كبير جدّاً أيضاً. فخلال زيارتي لمدينة كربلاء المقدّسة، كنت أقود سيارة، فاصطدمت بسيارة كان يقودها شاب كربلائي. فنزلت من السيارة واعتذرت له وقلت له كم أعطيك من المال لترميم وتعمير السيارة؟ فقال الشاب: لا شيء. قلت له لماذا، فأنا على استعداد لكي أعطيك أي مبلغ تطلبه؟ فقال الشاب: أبداً، لأنك، من زوّار الإمام الحسين صلوات الله عليه).
هذا الشاب النموذج، هو أحد شباب مدينة كربلاء المقدّسة، ومثل هذه الأخلاق لم تأتي اعتباطاً، إنما هي تربية متميّزة ومستمرة على مدار الساعة، وهذه التربية هي مهمة الأكاديميين أولاً، لاسيما في مدينة خالدة كمدينة كربلاء، فهذه المدينة ينبغي أن تكون نموذجاً للمدن الإسلامية وسواها من المدن، وكل من يسكنها ينبغي أن تكون شخصيته وأفكاره وسلوكه بما يوازي عظمة هذه المدينة.
هل يمكن أن يتحقّق مثل هذا التفرّد والتميّز في تربية شباب كربلاء والعراق عموماً؟ يجيب سماحة المرجع الشيرازي بالإيجاب، ولكن يشدّد سماحته من ناحية اخرى على أهمية وحتمية أن يتصدّى لهذه المهمة الكبيرة، الأكاديميون والتربويون لكي يسهموا في ترسيخ رمزية ومكانة هذه المدينة العظيمة.
حيث عقّب سماحته مشدّداً بقوله: (مثل هذه التربية مهمّة جدّاً. فاسعوا إلى تربية الشباب لكي يكونوا في المستقبل شخصيات بالعراق، كأن يكونوا أساتذة أو وزراء أو محامين أو كتّاب، وغير ذلك. ولتكن التربية هي التربية القولية والتربية العملية).