LOGIN
المقالات
alshirazi.org
المسؤولية الكبرى في نشر جوهر الإسلام
رمز 34
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 29 ديسمبر 2011
شبكة النبأ: مع مرور الزمن يصبح الإنسان أكثر تحضّراً، وأكثر قرباً من الحقائق السليمة، وأكثر تفهّماً للصواب، ولما يتوافق مع الفطرة الإنسانية، ولهذا يأمل العلماء والمصلحون والأخلاقيون، أن يبنوا مجتمعاً إنسانياً قائماً على العدل والمساواة والاحترام المتبادل والتعاون ومساعدة الآخر واحترام فكره ورأيه، والسماح بحرية تداول الأفكار والعقائد، ويبقى عقل الإنسان وتجربته وحنكته هي الفيصل في اختياراته.
الصراع بين الحرية والسلطة
ولهذا يميل الإنسان إلى الفطرة، ويحبّذ السلام والوئام على غيره، ويميل إلى الكشف عن الفكر السليم والمبادئ التي تساعده على تحقيق العيش الكريم وتحفظ حقوقه وحرياته، لكن هذا الهدف يتعارض مع أهداف الطغاة، فحرية الإنسان تعني إضعاف سلطات الطاغية وفضحه وكشف أساليبه وظلمه للناس من أجل تدعيم سلطته وبقائه هو وأولاده وذويه وبطانته متحكّمين برقاب الناس ومصائرهم. فحدث الصراع بين الحرية والسلطة على مر التأريخ، وهبطت الأديان السماوية لكي تشرح للإنسان حقوقه وحرياته وتمهّد له السير في الطريق السليم، وهكذا فعل الإسلام منذ أن بعث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله رسولاً لمجتمع كان يجهل حقوقه وكان يتحكّم به نفر ضال ويتلاعب بمصائرهم، وهكذا تطلّب الأمر إلى نشر الإسلام والفكر الصحيح الذي يفضح الطغاة، الأمر الذي جعل من العلماء وأخيار الناس من المفكرين والمصلحين وغيرهم، أهدافاً دائمة لغضب وبطش الحكّام.
يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى محاضراته القيّمة بهذا الخصوص: (مرّت فترات طويلة في السابق لم يكن العمل فيها هيناً وسهلاً، وكان الطواغيت وأعداء الله يقتلون المئات والآلاف بل عشرات الآلاف ومئات الآلاف من أجل كلمة واحدة. فما أكثر الذين عذّبوا وقُتلوا من أجل ذكر اسم أهل البيت سلام الله عليهم في معظم بلاد الدنيا).
المسؤولية المضاعفة
إن نشر الفكر الإسلامي وجوهره الصحيح يتطلّب جهوداً كبيرة جداً، ويتطلّب التخطيط الدقيق والإخلاص في العمل، ولا تتحدد هذه المسؤولية بفئة أو جهة معيّنة، فالجميع مسؤولون عن توضيح الأهداف الإنسانية العظيمة في جوهر الإسلام، قد تكون المسؤولية متفاوتة بين هذا وذاك من الناس حسب علمه وتجاربه ومعرفته، لكن الجميع يبقى مسؤولاً في إيصال الهدف الصحيح للجوهر الإسلامي إلى أبعد نقطة في الأرض، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا الصدد: (إن مسؤوليتنا اليوم في ظلّ المتاح من الحريات أكبر بكثير؛ والمهمة واحدة وهي الإيصال. علينا أن نوصل رسالة الإسلام والتشيع إلى العالم أجمع، تحقيقاً لقوله تعالى: - إلَى النّاسِ جَميعاً- ولا شك أن هذا يتطلّب الكثير من العمل، وبحاجة إلى طاقات ومقدّمات كثيرة. فعلى من تقع مسؤولية إعداد مقدمات الوجود؟ إنها مسؤولية عامّة مشتركة تقع على عاتق الجميع. كلنا مكلّفون بتهيئة هذه المقدمات، كلٌّ حسب مستواه وطاقته).
وقد يجد البعض مصاعب تحول بينه وبين نشر الفكر الإسلامي المشرق، لكن في كل الأحوال هناك فرص وبدائل تتيح للإنسان، أن يمضي في هذا الخط ليحقّق هدفه، لكن هذا يتطلّب بطبيعة الحال إصراراً وجهداً عملياً واضحاً، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إذن يمكن التغيير حتى بأبسط الوسائل ولكن ذلك يتطلّب جهداً وعملاً دؤوباً).
الإرادة الإنسانية في نشر الحقّ
لذا فإن نشر المنهج الإسلامي السليم بين بني الإنسان ينبغي أن يكون هدّافاً حاضراً على الدوام، وأن لا تقف الأعذار حائلاً بين الإنسان وبين تحقيق هذا الهدف، لاسيما أن العالم اليوم بأمس الحاجة إلى الفكر السليم، الذي يساعد الإنسان على خلق حياة عصرية متوازنة، بمعنى أن إرادة الإنسان في نشر المنهج الصحيح الذي يستند إلى الحق، لا يقف أمامها عائق أو ينبغي أن تكون الإرادة الإنسانية في هذا المجال أكبر وأقوى من جميع المعوقات، وقد قال سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (ذكروا في أحوال العلاّمة المجلسي أن شخصاً بعد زمانه ركب البحر مع جماعة فتعرّضت سفينتهم لأمواج عاتية وتمزّقت على أثرها وغرق كثير من ركّابها. وكان من بينهم شخص متشبث بخشية فأوصل نفسه إلى جزيرة ما، وعندما حلّ بين أهلها رأى أنهم جميعاً من أتباع أهل البيت سلام الله عليهم. وهذا الأمر كان مستغرباً في تلك العصور. فمن الذي وصل لهؤلاء وهداهم إلى التشيّع؟ وعادةً الجزر النائبة المنقطعة في البحار لا يتدين أهلها بدين غالباً، لأنه لا يصلهم أحد بسهولة لكي ينقل إليهم ديناً ما. وبعد التحقيق تبين له أن شخصاً مثله قبل عدة من السنين قد كسرت سفينته في عرض البحر واستطاع أن يوصل نفسه إلى هذه الجزيرة عبر قطعة منها تشبث بها وكان يحمل معه أحد كتب العلاّمة المجلسي، وعندما رأى إن هؤلاء لا دين لهم ولا يعرفون شيئاً من أصول العقائد والأحكام ما عدا تلك المبادئ الفطرية العامة التي فطر الله الناس عليها. شمّر عن ساعد الجد واستطاع بعد التوكّل على الله تعالى أن يغيّرهم جميعاً مستفيداً من ذلك الكتاب، أي أصبح كتاب واحد سبباً لهداية جزيرة بأكملها).
وبهذا فإن السعي والإصرار والتواصل والعمل المباشر لتحقيق الهدف الصحيح، هو الذي يحقّق الأهداف المبتغاة، بمعنى يجب على الإنسان أن يقدّم مصلحة الإسلام على مصلحته الفردية حتى لو تعلّق الأمر براحة جسمه أو أعضائه، ولا يجوز التذرّع بالمصاعب واللجوء إلى الكسل وما شابه، فقد أكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال قائلاً: (مما لا شك فيه أن ذلك الرجل عندما حلّ في تلك الجزيرة لم يفكّر في الاستراحة أو العمل بالزراعة مثلاً، وإنما بذل جهوداً كبيرة، وظلّ يتنقّل بين أهلها يعرض عليهم تعاليم الإسلام وأهل البيت سلام الله عليهم حتى استطاع أن يحقّق ذلك التغيير الكبير فيهم، وقد ساعده في ذلك أنهم كانوا أرضاً خصبة مهيّأة لتقبّل الأفكار الصحيحة؛ لأن معاول التخريب الفكري والعقيدي المضادة لم تعمل فيهم، ولم يكن هناك من يعاكسه في عمله أو يحاربه، فكانت الأرضية والأجواء مهيّأة له من هذه الجهة).
مسؤولية العلماء أكبر
لذا فإن دور العلماء له خصوصيته في هذا المجال، وهو يختلف قطعاً عن أدوار الفئات والشرائح الأخرى، لأنه أكثر تأثيراً في الآخرين ويقوم على الإقناع والتجربة والقرائن، لهذا يكون دور العلماء في هذا الجانب أساسياً، لذا يخاطب سماحته العلماء قائلاً لهم: (رسالتكم أيها العلماء الإبلاغ للعالم أجمع. ولا تنحصر مهمتكم في الإيصال للعالم الاسلامي وحده، فلو وصلت الصورة الحقيقية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام الصادق سلام الله عليه للعالم المسيحي ودنيا اليهود وأوساط المجوس وأجواء المشركين وغيرهم من الملحدين وهكذا لغيّرت كثيراً من النظرة للإسلام والتشيع وحوّلت الكثيرين).
ويضيف سماحته قائلاً: (لا يحدّثنا التاريخ عن التغير بين علماء النصارى فقط، بل كان هناك أيضاً من اليهود من أسلم وتشيّع. وقد نقلوا قصصاً عنهم في العراق وغيره. ومنهم من ألّف كتباً بعد تحوّله وهم ليسوا قلّة).
هكذا كان دور المبلّغين كبيراً وعظيماً في الوقت نفسه، ولكنهم وعوا وعرفوا حقيقة دورهم ومدى خطورته، لهذا أكد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: (لقد استطاع المبلّغون الصادقون أن يُحدثوا كل هذا التغيير رغم صعوبة الظروف وقلة الحريّات وضعف الإمكانات ووسائل التعبير والإيصال في السابق، فلماذا لا نتوقع التغيير ونحن في هذا العصر الذي يمتاز بالانفتاح والحريات؟).