شبكة النبأ: قلّة من الناس أولئك الذين لا يعرفون أنّ قيمة حياتنا تكمن في الأعمال التي نقدّمها ونكدح في إنتاجها ونجتهد كي تظهر على أكمل وجه وأجمل صورة، ويوجد أناس آخرون يظنّون بأن أعمالهم الجيّدة تذهب في خدمة الآخرين، لكن الحقيقة التي يؤكّدها الواقع، ويدعمها نصّ قرآني مبارك، تقول بأن الفائدة التي يقدّمها الإنسان لغيره من الناس تعود له أولاً، فعندما تحسن للناس وتمدّ لهم يد العون المادي والمعنوي، إنما تعود النتائج الجيّدة إليك أولاً، فحتى لو قدّمتَ مساعدة ما لشخص يحتاجها وقضيت هذا الاحتياج المهم له، فإنّ الفائدة في هذا العمل تعود إليك أولاً.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، ينبّه ويؤكّد هذه الحقيقة التي قد يغفل عنها كثير من المحسنين الذين يظنّون بأنهم بأعمال الخير التي يقومون بها، إنما يخدمون بذلك غيرهم، ولكن يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في كلمة توجيهية للمسلمين على:
(إنّ نتائج العمل الصالح تعود للعامل به).
مثال ذلك أن من يعمل في السوق بمتجر معيّن، يبيع فيه للناس ما يحتاجونه، فهو يضع الربح في جيبه، ومن يجتهد ويثابر في الدراسة فإنه يحصل على مستقبل مضمون، وهكذا في معظم الأعمال المادية، ولا يمكن لعاقل أن يقول بغير ذلك، فالنتائج تعود على صاحب العمل نفسه.
وقد جاء في كلمة سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (يقول القرآن الكريم في سورة فُصّلت: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ/ الآية46).. ويضيف سماحته تأكيداً لهذا التحليل: (هذه الحقيقة نعرفها كلّنا في الأمور المادية وأمور الدنيا، ولا تحتاج إلى تبيين. أي من الواضح أنّ من يعمل في السوق، سيدخل ربح بيعه للبضاعة في جيبه، لا في جيب غيره، وإن قيل بغير ذلك فإنّه باعث على الضحك. والذي يدرس ويبذل الجهود هو الذي سيصبح عالماً. والذي يأكل الطعام هو الذي يحصل على الطاقة والسعرات الحرارية، لا جيرانه).. وشيء بديهي أن لا تتعارض مثل هذه الآراء الدقيقة مع حقائق الأمور، كونها مثبتة وملموسة وغير قابلة للدحض في أي حال.
من أحسن للآخرين أحسنَ لنفسه
في هذا الإطار أيضاً، يعتقد الإنسان بأنه إذا أحسن للآخر، إنما يكون متفضّلاً عليه، ولكن هذا العمل الجيّد الذي يقدّمه الإنسان لغيره، يعود عليه بالفائدة هو قبل غيره، ولعلّ تدريب حواسّنا على إنجاز العمل المفيد والجيّد سيعود علينا بنتائج مهمّة تصبّ في صالحنا قطعاً، فمن يقول كلمة طيّبة بلسانه إنما تعود له بنتائجها الطيّبة، وكذلك عندما ننظر بنظرة جيّدة للآخرين فإنّ الفائدة تعود لنا قبل غيرنا، وهكذا الأمر مع كل ما يبدر من الإنسان تجاه الجميع.
حيث يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (إذا أساء إليكم أحد، وأساء الخلق معكم أو التعامل، وأنتم تردّون عليه بالحسن، فالكثير يتصوّرون أنكم أحسنتم إليه، بينما القرآن الكريم يقول بل أحسنتم لأنفسكم بهذا النوع من الردّ. فاللسان الطيب هو لمن عنده هذا اللسان، والنظرة الجيّدة هي لصاحب النظرة، والتعامل الحسن هو لصاحب هذا التعامل).
يدخل ضمن هذا الإطار جميع الأعمال الجيّدة التي غالباً ما تثير أحقاد الفاشلين وحسدهم، فمن ينجح لا يمرّ نجاحه من دون أن يتصدّى له بعض المشاكسين من الذي لا يسرّهم أن تنجح وأن تسعى في الإصلاح وفي تطوير الذات والآخرين على حدّ سواء، فالمشاكسون يتصدّون للعمل الجيّد ويعرقلونه، لهذا ينبغي مواصلة الأعمال الجيّدة كونها تعود على أصحابها بالفائدة، فأنت وإن كنت دائناً لشخص ما مبلغاً من المال وتنازلت عن هذا الطلب، فإنّ مثل هذا العمل تعود فائدته لك أنت، استناداً إلى النصّ القرآني الذي يقول ما معناه أن من يحسن لغيره يحسن لنفسه.
فقد قال سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إذا عفوت عن شخص كنت تطلبه مبلغاً من المال، فأنت وحسب قول القرآن الكريم بالحقيقة أحسنت لنفسك). فحتى العفو عن طلب الأموال أو سواه، وهو ينبغي أن يصبّ في صالح الآخر، لكنه في الحقيقة يعود بالفائدة على المبادر به.
الحسد والعداوة ذخيرة الفاشلين
ربما جزء من طبيعة الإنسان أن يكون مشاكساً، والمشاكسة المقصودة هنا، عندما يكون الإنسان عاجزاً عن كبح ردّ الفعل على ما يراه من نجاحات يحقّقها الآخرون، خصوصاً عندما يكون هؤلاء من أقرانه، فطبيعة الإنسان سعيه للتفوّق، وعندما يواجه المصاعب وتثبط عزيمته ويتراجع أو يتقاعس بسبب ضعف الإرادة مثلاً، فإنّه ينزعج عندما يرى غيره قد حقّق نجاحاً في هذا المجال أو ذاك.
لهذا من البديهي أن يكون هناك حسد، وربما عداوة من باب التشهير أو الإساءة بأنواعها المختلفة، كل هذا يحدث حسداً وبغضاً بمن ينجح، يبدر من المشاكسين الفاشلين، أما الناجحون فإنهّم يرتقون بأنفسهم عن مثل هذه الأفعال وحتى الأقوال، بل يتعاملون معها بروح المنافسة المشروعة، فتعود عليهم نجاحات الآخرين بنتائج ممتازة تحفّزهم كي يتقدّموا إلى أمام بدلاً من قضاء أوقاتهم واستنزاف قدراتهم في الحسد والأحقاد وما شابه من عادات رديئة لا تخدم الإنسان مطلقاً.
لذلك كل من يأتي بأعمال جيّدة عليه أن يتوقّع المعرقلات خصوصاً من بعض المشاكسين الفاشلين، فهؤلاء داء على أنفسهم وعلى الآخرين أيضاً، بسبب عجزهم ورغبتهم بالدعة والراحة والهروب من أي جهد يحرمهم من بعض اللذّات، ويستدعي منهم تقديم الجهود المطلوبة لتحقيق النجاح، لذلك يرمون أنفسهم في خانة الحسد والحقد وربما التشهير وما شابه، وقد تكون المشاكل التي يصنعونها ذات أبعاد اقتصادية أو سياسية وبعضها قد يكون ذا بعد عائلي، لا يُستبعَد ذلك.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في كلمته التوجيهية نفسها: (الإنسان الذي يعمل ويخدم، من البديهي أنّ بعض الناس، حسداً منهم أو عداوة، يعرقلون عمله ويشاكسونه ويسبّبون له المشاكل في كافّة الجوانب، الاقتصادية والسياسية وحتى العائلية. فإذا كان معتقداً بالحقيقة التي ذكرها القرآن الحكيم، فإنّه سوف لا يتحطّم ولا ينهار).
وفي جميع الأحوال ينبغي أن يكون القائم بالعمل الجيّد ذا إرادة متميّزة، وشكيمة قويّة، وموقف صلب، مدعوم بقناعة وإيمان تامّ بأنّ ما يقدّمه من أعمال الصلاح تعود عليه أولاً بالخير، وعليه أن يتوقّع جميع المعرقلات والمشاكل من بعضهم، لاسيما بعض المشاكسين الذين فشلوا في تطوير أنفسهم أو المحيطين بهم، فصارت المشاكسة المسيئة طريقهم في الوصول إلى النجاح، ولكن أي نجاح يمكن أن يقطفه الإنسان من حقده على الآخر الناجح والمتميّز؟، إنّه لا شك نجاح غير حقيقي إذ سرعان مل تنكشف للإنسان المسيء كل أفعاله التي سيندم حتما لأنه ارتكبها بحقّ الآخرين.
من هنا فالإنسان الصالح عليه أن لا يضعف، وأن لا يتراجع أمام المصاعب، وأن لا يرف الدموع بسبب الضغط الذي يتعرّض له، فحالة الضعف تشير إلى خلل في البناء النفسي وربما في درجة الإيمان، لذا على الإنسان أن يكون ذكيّاً قويّاً في تعامله مع الصعوبات والإشكاليات التي تواجهه أثناء تقديمه للأعمال المفيدة للذات وللآخرين معاً.
ولهذا يتطرّق سماحة المرجع الشيرازي إلى هذه النقطة بقوله: (اعلموا أنه إذا سالت دموع أحدكم بسبب ما يراه من مشاكل وضغوطات وغيرها، فهذا يدلّ على أنّه يعاني من خلل في جانب، وعليه أن يصلح هذا الخلل. وأؤكد وأقول: بلى يجب على الإنسان أن لا يكون لا أبالياً، فهذا غير صحيح، ولكن عليه أن يشغّل عقله).