شبكة النبأ: هناك مقاييس كثيرة لمعرفة نجاح الفرد من فشله، ومن أهم تلك القياسات، سيطرة الإنسان على نفسه أو العكس، فالناجح هو من يوجّه نفسه ورغباته كما يشاء هو، وليس كما تريد منه نفسه، والحقيقة العلمية تقول أن كل من يخضع لأوامر نفسه، سوف يقع تحت رحمة طلباتها التي تضرب الحدود الشرعية والعرفية، خاصة إذا كان مؤشر الأنانية عاليا لدى الفرد.
وقد أعلنت دراسات كثيرة، متخصصة، أن من يضع حدا للتوجه الأناني هو الذي يقترب كثيرا من حدود النجاح، على العكس ممن يقع تحت رحمة طلبات النفس التواقة، ولعله من أصعب الأمور التي ينبغي أن ينجح فيها الإنسان، القدرة على كبح الأنا، ومحأولة الانسجام مع المحيط المجتمعي، لأن الأنا إذا لم يتم ردعها وتحجيمها، سوف تكون سببا كبيرا في تأجيج الصراعات الفردية وتفجير الخلافات الجماعية، والسبب كما يقول علماء النفس، أن تضخيم الأنا يجب الرؤية الصحيحة والمتوازنة عن التفكير، كما أن الإنسان سيكون في حالة ميول دائمة لمصالحه بغض النظر عن مشروعية الأساليب التي يستخدمها مع الآخرين.
ولكي نتجنب الصراعات، ليس أمامنا سوى التقليل من المعدل العالي لحب الذات وتفضيلها، لهذا قد تكون (الأنا) العالية سببا أساسيا من أسباب تفجير الصراعات بين الأفراد والجماعات وحتى بين الشعوب، بالمقابل لا يعني التخلي عن الأنا نوعا من الإذلال، أو التذلل للآخرين، بل هو نوع من التواضع المحبب، بالإضافة إلى كونها الطريقة الأفضل والأقرب لصنع الانسجام والوئام بين الناس، فالتواضع ليس ضعفا، بل طريقة للتقرب للآخرين وكسب مودتهم ومحبتهم وتأييدهم.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتاب (من عبق المرجعية)، حول هذا الموضوع: (ليس المقصود من التخلي عن (الأنا) التذلل للناس، كما ليس المقصود التكبر عليهم، بل ألا يكون عملك لذاتك وإنما يكون لله وحده). وهناك أفراد ليس لديهم الاستعداد للتنازل عن الأنا، ولا يحبذون التغيير، ولا يجعلونه ضمن تفكيرهم أو أهدافهم، وهم بذلك يصبحون مصدر إزعاج للمجتمع، بإثارة الفتن وتفجير الصراعات، والسبب دائما، تضخم الذات العليا لديهم مع ضعف أو غياب الرغبة لديهم، من اجل التغيير، وهم غالبا من يتطيرون من الأمور السليمة التي تتطلب قبولا وانصياعا.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي، لمن يعاني من التضخم الذاتي: (حأول أن تخالف هواك في كل الأمور، فإن كنت لا ترغب في أمر رغم اعتقادك بصوابه، حأول أن تخضع له بكل رحابة صدر).
تطوير علاقة الفرد بالجماعة
إن التخلي عن الأنا لصالح الجماعة أو الأمة، يتطلب إجبار النفس على التعامل مع بالآخر وفق مبدأ الاحتواء بعيدا عن الصراع، فضلا عن الإرادة القوية التي يتم من خلالها ردع الذات، والتحكم بالنفس والحد من رغباتها، والتنازل عن المصلحة الذاتية لصالح الجماعة، لأن أولى من الفردية أو الذاتية في الحصول على التعامل الإنساني، فضلا عن أن الفائدة إذا كانت تعم الناس جميعا، فإن الفرد نفسه سيكون رابحا أيضا، بل ربحه سيكون أكثر وأفضل من الربح الفردي، لأنه سوف يعيش في حاضنة مجتمعية مرفّهة ومتطورة، لذلك لابد أن يتغير تفكير الفرد من المصلحة الذاتية المنطوية إلى الانفتاح على المجتمع وتعميق العلاقة به، خاصة أن الضوابط الأخلاقية والمتطلبات الإنسانية، والتعاليم الإسلامية تنحو هذا النحو وتدعو إلى تغليب روح الجماعة على الفردية والأنا المتضخمة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (المطلوب من كل واحد منا تقوية العلاقة مع المجتمع، وذلك عن طريق الالتزام بالأخلاق الإسلامية كالتواضع والوقار والبشر والكرم والعفو والرحمة وصلة الرحم).
علما أن حالة التغيير من الأنا إلى الجماعة تتطلب جهودا استثنائية تقع في مدار مقارعة الذات، بمعنى مخالفة النفس التي تطمع دائما بالملذات والفوائد حتى غير المشروعة منها، حتى لو تمخض ذلك عن ارتكاب الذنب، أي حتى لو تم تحقيق هذه الرغبات على حساب مصالح وحقوق الآخرين، وحتى لو أدت تلك المطامع والتطلعات إلى الصراع وتأجيج الفتن، لذلك يتطلب صد النفس وضبطها وتحجيم تطلعاتها غير المشروعة، لأنها تقود إلى الإضرار بحقوق الآخر، وهذا ما لا يرضاه الضمير الإنسان ولا الأديان ولا العرف ولا الأخلاق.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا الجانب: (لا تصبح الأخلاق ملكة عند الشخص إلا بعد أن يحارب نفسه ويخالفها ثم يخالفها ويخالفها حتى تنمو عنده ملكة حب الخير في كل أبعاده). هنا تصبح قضية مواجهة النفس أمررا لابد من التمسك به لغرض تحديد الأنا، واحترام مبدأ العيش الجمعي المنسجم.
عودة الإنسان إلى رشده
قد يشط البشر ويقع في أخطاء معينة بعضها ربما يكون كبيرا، يحدث هذا عندما تتحكم به أنانيته، لذلك ليس أمام الشخص المصاب بمرض التعالي، والأنانية العالية، إلا أن يعود إلى رشده ويحترم الآخرين وحقوقهم، حتى باللفظ والكلام والتعامل وحفظ مكانة الناس من الاحتقار والإذلال، لذا فإن حب الخير يفرض على الإنسان أن يحترم من هو اضعف منه، وهذا لا يتحقق إلا عندما يتم تطوير ملكة حب الخير لدى الإنسان، وفي حالة تحقيق هذا الهدف، فإن الإنسان سوف يشعر بلذة وسعادة كبيرة، لان هذا الأمر يتسق مع طبيعته وفطرته.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالكتاب نفسه: (إذا حصل الإنسان على ملكة حب الخير في كل أبعاده، شعر باللذة، وبدأ يتلمس نتيجة أتعابه).
علما أن هناك من يصد الخير ويحأول أن يثير الحقد والضغينة بين الفرقاء، واذا سعى احدهم للخير وبث روح الانسجام سنلاحظ من لا يروقه ذلك، كما يشير إلى هذا الأمر سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (لو أردت الإيثار أو غيره من الأخلاق الحميدة لا يدعك من حولك حتى يشتبه عليك الامر).
كذلك لابد من محاربة تضخم الذات ونبذ التكبر حتى بالنسبة للمتدين أو رجل الدين، فأولى برجل الدين ان يتقدم الصفوف لنبذ الأنوية، لا أن يسمح أو يسهم باستفحال هذه الظاهرة التي تفاقم وتفجر الصراعات في المجتمع.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (ليكن تعاملنا مع أضعف الناس إيمانا، بنحو لا يترك لديه انطباعا عنا بالتكبر). علما أن عدم التكبر على الآخرين ليس قول فقط، ولا تبجح بالتواضع فقط، أن تحجيم الانا هو فعل يتحقق في التفكير وطبيعة السلوك مع الآخرين، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا حول هذا الموضوع في الكتاب المذكور نفسه: (هب أنك لست متكبرا ولكن هذا وحده لا يكفي، بل ينبغي ألا تترك انطباعا يوحي بذلك).
لذلك لابد من التركيز على الفعل قبل القول، بمعنى دع الآخرين يلمسون تواضعك بأفعالك ومواقفك أولا، ثم تأتي الأقوال بعد ذلك لتدعم الأفعال، وذلك لان تأثير الفعل يكون أسرع على الآخر كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا المجال: (إن لطلاقة الوجه والبشر والتواضع، كما لجمال التعبير وحسن الاستماع وهكذا الحلم، أثرا كبيرا في نفوس الناس يفوق تأثير الأقوال التي تنطلق من أفواهنا وألسنتنا).