LOGIN
المقالات
alshirazi.org
التكافل الجمعي وترميم البنية الاجتماعية
رمز 406
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 15 فبراير 2018
شبكة النبأ: لا يمكن ترميم البنية الاجتماعية وإدامة جودتها، ما لم يفهم المجتمع بكل مكوناته ذلك الدور الكبير الذي يلعبه للتكافل في تعضيد النسيج المجتمعي، حيث يؤكد علماء الاجتماع على أن التكافل الاجتماعي ينبغي أن يكون ذا طابع جمعي، حتى تكون له القدرة على التأثير في جميع المجالات التي لها مساس مباشر أو غير مباشر للاكتفاء الذاتي، بمعنى أكثر دقّة، إذا تحقق الأمن الاجتماعي، أصبح بالإمكان تحقيق كافة أشكال الأمن في المجالات الأخرى التي تمس حياة المجتمع، وهذا الهدف سيبقى عصيّا على الانجاز ما لم تكون هناك خطط إستراتيجية بعيدة المدى بالإضافة إلى التخطيط المرحلي لتشجيع الجميع على التكافل والتآزر المستدام.

وقد يفاجَأ كثيرون حين يطلعون على الأهمية الكبرى الذي خصصها الإسلام لهذا الهدف، حيث أعطى الإسلام أهمية قصوى لهذا النوع من أنواع الأمن، كونه يتعلق بصورة مباشرة بحياة الناس، وأن أي خلل أو إهمال يتعرض له النسيج المجتمعي بسبب السياسات الخاطئة للحكومات، سوف يؤدي ذلك إلى كوارث كبيرة تصيب المجتمع، وتجعل حياته مشوهة ومشلولة، بحيث يصبح مجتمعا عاجزا وخاليا من أدنى القدرات، والمواهب والطاقات التي يمكن أن تجعله مجتمعا قويا متماسكا، بإمكانه مواكبة الحياة بصورة متوازنة، ويضمن في نفس الوقت مستلزمات العيش المتوازن للناس من خلال حثّهم على التكافل والتآزر المتبادَل.

ولابد من التأكيد على أن قائد المسلمين الأعلى النبي محمد صلى الله عليه وآله ستطاع أن يحقق أعظم نظام للأمن الاجتماعي في صدر الرسالة النبوية الشريفة، وذلك من خلال وضع القواعد والثوابت التي تحثّ الفرد والجماعة على اعتماد هذا المنهج الحيوي الذي يسهم دون أدنى شك، لأننا نستند إلى تجربة تاريخية موثّقة حيث تكامل الأمن الاجتماعي على نحو غير مسبوق، ما جعل من أمة المسلمين تقف في صدارة الأمم القوية في التماسك المجتمعي.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم، الموسوم بـ (السياسة من واقع الإسلام):

(إن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: فمن ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً فعليَّ).

بمعنى أن من يموت وعليه دَيْن، فالدولة او الحكومة الإسلامية في حينها، هي التي تقوم بسداد هذا الدين عن مواطنها، ومن يموت ويترك وراءه أموالا، فإن الدولة لا تقرب منها، والحكومة لا تأخذ منها شيئا، إنما تترك تلك الأموال لورثة الميت، فأي نظام هذا.. يكفل للإنسان حياة كريمة ومماتا موقرا، حيث يسهم ذلك في ضمان العيش المناسب للعائلة بعد رحيل معيلها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب:

(يتوافق الضمان الاجتماعي في الإسلام مع الإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبتأكيد لم يره التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجل الحضارات بعد الإسلام حتى اليوم ضماناً اجتماعياً بعمق الضمان الاجتماعي في الإسلام).

وضع التشريعات الخاصة بالتكافل

ومما هو معروف ومكتّسب من التجربة، أن النظُم ذات البعد الجمعي يصعُب إنجازها بعيدا عن التشريعات المنظِّمة لها والتي تجعل منها أمراً ممكنا، ولكي يضمن الإسلام تحقيق الأمن الاجتماعي بما يكفل الحياة الكريمة للإنسان، تم وضع التشريعات اللازمة لهذا الأمر، فقد وردت نصوص كثيرة للشريعة الإسلامية تعالج هذا الجانب، وتحث على إعطائه الأهمية القصوى، لأسباب تتعلق بأهمية تحقيق التكافل والضمان الاجتماعي للجميع، ما يؤكد حجم الاهتمام الكبير الذي أُعطي.

سماحة المرجع الشيرازي يؤكد في كاتبه المذكور نفسه على هذا الموضوع كما نلاحظ في قول سماحته: (في نصوص الشريعة الإسلامية زخم كبير - حول الأمن الاجتماعي- وهو إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على مدى اهتمام الإسلام بالتأكيد على هذا الجانب الاجتماعي المهم، حيث تكرر نقل ذلك عن نبي الإسلام صلي الله عليه وآله والأئمة من العترة الطاهرة عليهم السلام).

ومن الدلائل القاطعة على دعم وتشجيع الأمة على تقوية الوشائج الرابطة بين مكوناتها وشرائحها الاجتماعية المتنوعة، ذلك النهج التعاوني البارز الذي سار عليه الإمام علي صلوات الله عليه سائرا في طريق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله نحو تثبيت مرتكزات التكافل وتحقيق الأمن الاجتماعي.

حيث يورد سماحة المرجع الشيرازي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قوله: (ما كان رسول الله صلي الله عليه وآله ينزل من منبره، إلا قال: من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديْناً أو ضياعاً، فعليّ).

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (من مات وترك ديْناً، فعلينا دينه، وإلينا عياله، ومن مات وترك مالاً، فلورثته»). ويضيف سماحته:

أن (هذا واحدا من بنود الضمان الاجتماعي في الإسلام، ويظهر منه عمق الإنسانية في الإسلام، وفي هذا النظام بالذات).

ولعلنا لا نخطئ إذا قلنا بأن كل ما يعجّ به عالمنا من تصريحات وتبجح، حول المساعدات والتكافل المجتمعي، حول أولوية نشر التكافل، بأن الإسلام هو أول من خطا وسار في هذا المسار، إذ هناك مجتمعات من الغرب خصوصا ومن الشرق أيضا، تدّعي بأنها هي أول من رسخ هذا النظام التعاوني وأول من عمل به وثبَّت قواعده وأنظمته، لكن التاريخ وأسانيده تقول غير ذلك.

الهدف حفظ كرامة الإنسان

من أهم ما يهدف إليه هذا النظام التكافلي، هو الإبقاء على كرامة الإنسان محفوظة، وغير قابلة للمساس بسبب العوز المادي، هذه هي أهمية التكافل في نظر الإسلام فضلا عن ترسيخ الأمن الاجتماعي، من خلال عدالة التعامل مع عموم الناس في هذا الجانب، من اجل عدم احتياج الإنسان إلى غيره، علما أننا لو أجرينا مقارنة مع أكثر الدول تقدما واهتماما بالتعامل الإنساني مع مواطنيها، فإننا لا يمكن أن نجد نظاما حكوميا يتعامل وفق هذه النظرة الإنسانية التي كانت اعتمدتها حكومة المسلمين في عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام علي صلوات الله عليه.

وهذا يرجع بطبيعة الحال إلى إيمان الإسلام بأن التكافل المجتمعي سيقود إلى ضمان وتقوية الأمن الاجتماعي، فهذان الأساسان هما السبيل إلى حياة كريمة تخلق التوازن المطلوب، بين جميع شرائح وطبقات المجتمع، لاسيما بين الطبقة الحاكمة، والطبقات الاجتماعية ومن أهمها الطبقة الأدنى من حيث الدخل، والتي غالبا ما تتعرض للفقر والعوز، لأسباب قد تكون خارجة عن إرادتهم، فليس هناك إنسان يسعى بنفسه إلى الفقر، والمشكلة أن الحكومات الراهنة والأنظمة السياسية لا علاقة لها بدفع ديون الموتى أو الفقراء، وفي هذه الحالة لن يغامر أحد بإقراض الفقير قط.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الأمر:

(لو مات شخص وعليه ديون، فليس على النظام الحاكم من دينه شيء أبداً، أترى كم يساهم مثل هذه الأنظمة في تشتيت المجتمع وتحطيم الديون بين الأفراد والجماعات، إذ الدائن لا يملك ضماناً لو أعطى ديْناً لفقير معدم، لأنّه لو مات فمن الذي سيتكفّل ديونه؟ فمن تراه يقرض المحتاجين والمعوزين؟).

في النهاية يتساءل سماحة المرجع الشيرازي، بعد أن أوجز الفارق الكبير بين رؤية الإسلام للتكافل وبين تنصل حكومات الحاضر عن القيام بواجبها تجاه المعوزين، إذ يقول سماحته:

(هل هناك ضمان اجتماعي كما في الإسلام؟).