شبكة النبأ: الرجال الأمناء على عقيدتهم ومبادئهم تخلدهم أعمالهم وأقوالهم، لأنهم يتحلّون بشخصيات عصامية لا تدانيها في عصاميتها أية شخصية أخرى، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، يمثلون الامتداد السديد لأعظم سلالة جعلها الله في وجودنا الحالي، إنها سلالة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فالأئمة المعصومين تربوا في بيئة نبوية عصامية شديدة التقوى وعظيمة العلم وكريمة الأخلاق، لذلك جميع الأئمة المعصومين عليهم السلام، دخلوا التاريخ وخلّدتهم سيَّرهم العظيمة.
وفي ذكرى استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام، يمكن لكل من يرغب أن يستخلص من سيرته العطرة عليه السلام، نفحات الجهاد العظيم، إذ كيف يكون ممكنا لمن هو رهين الطوامير المظلمة أن يواصل رحلته الجهادية كما لو أنه طليقا حرا من كل قيد، فقد خطط الإمام الكاظم عليه السلام بصورة بالغة الدقة لمستقبل الإسلام على الرغم من أنه كان يواجه السجن في ظلام الزنازين، وقد واجه الإمام عليه السلام برباطة جأش ظلم هارون وطغيانه لدرجة أن الرعب دخل قلب الأخير، فصار يرتعد خوفا وفَرَقا بمجرد سماعه اسم الإمام الكاظم عليه السلام.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في الكتاب الموسوم (من عبق المرجعية):
(الإمام المعصوم موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين, خطّط لمستقبل تاريخ الإسلام وهو في السجن قُبيل استشهاده).
ومن أهم ما أكد عليه أمامنا الكاظم عليه السلام، وهو اعتماد الدين وتثبيت مبادئه وعدم الاعتماد على الخونة الذين يقولون شيئا ويفعلون غيره، فهؤلاء لا يمكن أن يؤتَمنوا، لكونهم خانوا الله ورسوله، لهذا يحذّر الإمام الكاظم من الاعتماد عليهم، بل تطالهم لعن الله ورسوله والملائكة وسلالة الرسول الأكرم وشيعة أهل البيت، فمستقبل الإسلام لا يمكن أن يُصان بمشاركة الخونة أو الاعتماد عليهم، وهذا ما خطط له إمامنا عليه السلام وحذّر منه لأن من يخون الدين، ستكون لديه الجرأة على خيانة الجميع، حتى نفسه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(كتب الإمام المعصوم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام إلى بعض أصحابه كتاباً جاء فيه: «لا تأخذنّ معالم دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم, فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البَررَة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة»).
وجوب قراءة سيرة أهل البيت
إننا مطالبَون كمسلمين بقراءة سيرة أهل البيت عليهم السلام، فهذه السيرة سوف توضّح لنا دون أدنى ريب ما هو المنهج الذي استند إليه الأئمة المعصومون، وطالما أن الله تعالى يأمرنا بطاعة أئمتنا، فلابد لنا من الإطلاع علي سيَرهم ولو بصورة مختصرة، حتى يتضح للموالين والأتباع جميعا ما هي المبادئ التي سار عليها أئمتنا المعصومون عليهم السلام، وهم يواجهون الظلم والطغيان السلطوي للأنظمة الأموية والعباسية التي اتشحت بالقهر والتسلط والقمع.
فكلما كنّا على إطلاع أفضل لسيرة أهل البيت، سنكون أكثر قدرة على الابتعاد عمّا يذهب بنا إلى حافة الهاوية، وذلك لأننا سنكون أكثر معرفة بمنهجنا الإسلامي وما يتطلبه وكيفية الالتزام بتعاليمه على نحو أدق وأفضل.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(من الضروري.. أن نقرأ ولو مختصراً من سيرة أهل البيت سلام الله عليهم لتعلّق إسلامنا وإيماننا بمعرفة من أمرنا الله تعالى بطاعتهم).
وطالما أن منهج الأئمة المعصومين مستمد من روح الإسلام وتعاليمه ومنهجه، ومن سيرة الرسول الأكرم في القول والفعل، فإن المسلمين لا يمكن لهم إلا هضم هذا المنهج لاسيما أن السعادة والأمن والسلام تكمن فيه، إذاً يتعلق الأمر بحياة المسلمين وسعادتهم وهضمهم للدروس العظيمة التي أفرزتها سيرة أهل البيت، وكما ذكرنا فإن سيرتهم هي الامتداد الحيّ لسيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، المستمدة بدورها من الذات الإلهية وتعاليمها الموجّهة عبر كتاب الله بوساطة الوحي الإلهي الذي هبط على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وبيّن له كل ما يسعد المسلمين والإنسان من خلال البلاغ المبين.
لذلك فإن الإمام الكاظم عليه السلام وأفكاره النورانية، إنما هي أفكار الرسول الأكرم، والتي هي بدورها حصيلة التوجيه الإلهي، بالنتيجة فإن الاطلاع على سيرة الإمام الكاظم وسيَر أئمة أهل البيت عليهم السلام، سوف تساعد المسلمين على تحصيل السعادة التي سيعيش من خلالها المسلمون في رحاب الأمن والسلامة والسعادة، وهذا هو جل ما يتمناه البشر، وهو ما خطط له أئمة أهل البيت لمواليهم كي يعيشوا حياتهم في أفضل وجه ممكن ومخطَّط له، وهو ما قام به الإمام الكاظم عليه السلام عندما خطط لمستقبل الإسلام وهو بين جدران الظلم والطغيان.
يقول سماحة المرجع الشيرازي: إن منهج الأئمة المعصومين عليهم السلام (هو منهاج القرآن الكريم ومنهاج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الذي توارثه عنه عِترته الطاهرون عليهم السلام, وهو المنهاج الوحيد لسعادة المسلمين جميعاً في الدنيا والآخرة).
الإمام أرقى وأعقل خلق الله
إن ما هو مثبت ذلك التناقض بين العقل والعاطفة، ولكن سماحة المرجع الشيرازي أوجب التعاون بينهما، واذا تمكن الإنسان من رسم وتوظيف علاقة متوازنة بين العقل والعاطفة سينجح أيما نجاح، ولكن هنالك صعوبة في هذا المجال بسبب التناقض بين العقل والعاطفة.
أما الإمام المعصوم فهو قادر على تحقيق قدر عال من الموازنة بين الإثنين، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على وجود واكتمال هذا الجانب لدى الأئمة المعصومين عليهم السلام، حيث تكون الروح عظيمة والعقل راجح والعاطفة تسمو فوق كل شيء، فيكون الإمام المعصوم أرقى خلق الله، من هنا يأتي التركيز على أولوية وأهمية قراءة سيرة أهل البيت حتى يستطيع العقل العادي والعاطفة العامة أن تحقق ذلك التوازن الذي يكون سببا في نجاح الإنسان والتزامه وسعادته.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(لا شكّ أن الإمام المعصوم سلام الله عليه أرقى وأعقل خلق الله، وله روح عالية تعلو على جميع المخلوقات، لكن له قلباً يطفح بعاطفة تسمو على عواطف جميع البشر وإن كانت معقودة بأكمل العقول).
إذاً فالإمام الكاظم عليه السلام ونحن نعيش ذكرى استشهاده، علينا أن نقرأ سيرته وتاريخه جيدا، ونتخذ من شخصيته العصامية العظيمة مثلا وأسوة، فهو عليه السلام سليل الدوحة المحمدية، وهو كنز ومنبع القيم العظيمة التي ترتفع بالإنسان وتسمو به عاليا، ويبقى الهدف من الالتزام بمبادئ وأفكار أهل البيت هو بلوغ السعادة، والعيش في سلم وأمان وتعايش إنساني راق.
فالحياة الدنيا بكل ما تنطوي عليه من مزالق ومغريات وعوامل جشع، ودوافع غريزية نحو التجاوز على حقوق الآخرين، كل هذه المحرمات تحتاج من الإنسان الذي ينتمي لأهل البيت أن يلتصق بهم قلبا وقالبا عقلا وعاطفة وفكرا، حتى يكون في منأى من السقوط في حفر الدنيا الكثيرة، لذلك فإن أهل البيت عليهم السلام هم مصنع ومنبع القيم العظمى الحامية للإنسان والمجتمع والبشرية كلها.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(كان الأئمة سلام الله عليهم كرسول الله صلى الله عليه وآله في العلم والحلم، والفضيلة والتقوى، والعدل والعصمة، وحسن الخلق وكرم السجية، وسائر الصفات الحميدة، كيف لا؟ وهم خلفاؤه وأوصياؤه، وأئمة الخلق، وقادة الأنام، وحجج الله على البشر كافّة من بعده).